لو أننا نؤمن بالاغتيال لتدحرجت رءوس كثيرة
الأضواء تتركز في هذه الأيام على الشيخ سعيد تقي الدين، عميد الإذاعة في الحزب القومي الاجتماعي …
فهو الذي يخوض اليوم مع المسئولين السوريين أعنف معركة في سبيل أن يُبْقِيْ على كيان الحزب القومي، الذي داهمته عواصف النقمة بعد مقتل العقيد المرحوم عدنان المالكي.
ووضعتْ «كل شيء» هذه الأسئلة أمام الشيخ سعيد تقي الدين، فأجاب عليها بهذه الصراحة المطلقة.
***
قلنا له: تُوَجَّهُ إلى الحزب القومي تهم عديدة، منها: أنه حزب يسلك طريق الاغتيال السياسي لتحقيق مبادئه، وأنه هو الذي قتل رياض الصلح في الماضي، وعدنان المالكي في الحاضر؛ فما هو دفاعكم عن هذه التهمة؟
وأجاب الشيخ القومي: مبدأ «الدفاع» عن التهمة هو مبدأ مغلوط؛ فالمبدأ الذي اعتمد منذ عهد السوريين الأقدمين إلى عهد الإغريق، فالرومان، إلى اليوم هو أنه على المتهِم — بكسر الهاء — أن يثبت التهمة. كل ما يريده الحزب هو ممارسة حق المواطن، الذي يكفله كل دستور في الدول، التي تسمى بحق أنها دول ديمقراطية. نريد حق التبشير بالطرق الثقافية الإذاعية المشروعة، ولقد قاوم ممارستنا هذا الحق الرجعيون والأنانيون، وهؤلاء يقاومون كل حركة إصلاحية؛ لقد اضطهدوا كل رسالة دعت إلى الثورة على الضعف المتحجر، سواء أكانت هذه الدعوة سماوية أو سياسية أو اجتماعية. أستعيد ذكرى المقاومة والاتهامات التي لقيتها الدعوة المسيحية والمحمدية، والاضطهادات التي تعرض لها كل من دعا إلى إصلاح؛ لذلك كان من الطبيعي أن يستعمل أعداء الإصلاح كل الأسلحة ضد الحزب القومي الاجتماعي، ولو أن مبدأ الاغتيال يقره الحزب؛ لتدحرجت بعد استشهاد الزعيم ورفقائه الستة رءوس كثيرة، ولكننا نؤمن بممارسة الوسائل المشروعة، وأعداء هذه الأمة هم الذين يحرموننا ممارسة هذه الوسائل.
وسكت الشيخ سعيد قليلًا ثم استطرد قائلًا: وإنهم، وهم يملكون أدوات التنفيذ في الدولة، يحاربوننا بالحراب، وتسخير القوانين، وبالاغتيالات، وبالتشريد. إن الحالة السائدة في الجمهورية السورية تشبه ما كان عليه العراق في سنوات ١٩٣٢–١٩٣٦، وأذكر أن هنالك جرائم كثيرة سبقت مقتل العقيد المالكي، أذكر أن العقيد محمد ناصر، وهو من ألمع ضباط الجيش اغتيل وعُرف قاتلوه. لقد كان تدخل الجيش في السياسة. إن إدخال السياسة على الجيش السوري كارثة، والحزب الذي ضبطت سجلاته حيث كانت، واعْتُقِلَ أعضاؤه بعد أن تَلْفَنتْ شرطة الجيش لعصام المحايري أنهم قادمون للقبض عليه. هذا الحزب أذاع منذ اللحظة الأولى أن لا علم له بالقتل، ولكن تخطيط أعداء الأمة من: رجعيين، ونفعيين، ويهود، وشيوعيين استهدف القضاء على هذه القوة المؤمنة المقاتلة، وتوهم أن هذه المناسبة سانحة مثلي؛ فراح بعض الضباط يبطشون ويفظعون، إنهم ما وجدوا ولن يجدوا برهانًا واحدًا يثبت التهمة.
ثم تنهد وقال: لقد اقتلعوا أظافر رفقائنا، ولم يقتلعوا منهم كلمة تدل على أن أحدًا له معرفة بالحادثة. أذكر أن إثبات التهمة يقع عبؤها على مطلقها. أذكر أن يونس عبد الرحيم بعد أن فاز بامتحان لدخول سلاح الطيران منعوه، وأنه نجح ثلاث مرات بامتحان ترقية وأنهم حجبوا عنه الترقية، وأن عناصر كثيرة في الجيش متبرمة بكثير من قادته. لقد تعددت تأكيداتهم بأنهم وجدوا وثائق تدين، وفي كل مرة يعكسون موقفهم.
وتركنا الشيخ سعيد تقي الدين يستريح قليلًا على المقعد، ثم عدنا نسأله بعد لحظات: يتهمون «الحزب» بأنه «يقبض» من الدول الغربية لقاء مناهضة الشيوعية، وبأنه «يقبض» أيضًا من العراق ليؤيد الأحلاف؟
فهز برأسه ساخرًا وأجاب: وهذا بعض سلاح الاتهامات، إنه سؤال غير مشروع وغير وارد؛ حزبنا حزب بطولات، والبطولات ما كانت تُبَاع وتُشْرَى. إن أعداء الحزب، أعداء الأمة، يطلقون أبدًا هذه الاتهامات الحقيرة، غالبًا لا نرد عليها. أذكر أن الزعيم سعادة «ثَبُتَ» عليه أنه متآمر مع اليهود. لقد نشرنا رأيًا ظهر في جريدة «البناء» ضد الأحلاف، وأخذنا من مقتطفات منشور الحزب مقاطع أعدنا نشرها ولك أن تنشرها. لقد ناهضنا الحلف التركي العراقي؛ لأنه لم يعطِ بلادنا كلها «الهلال الخصيب» الضمانات القومية التي نريدها، اقرأ المنشور وهو فيما يزيد على الستين صفحة، ودلنا أين قلنا إننا نوافق على الحلف التركي العراقي، ولكن اختراع التهم باب لا ينتهي؛ ولذلك نحن في أكثر الأحيان لا نرد عليه.
وقلنا له: إذن من أين يأتي الحزب بالمال لتسديد نفقاته، وهل صحيح أن أموالًا ومساعدات تصل إليكم من أعضاء الحزب في المهجر؟
فأجاب: هذه المئة ليرة التي تراها جاءني بها بائع جرائد، كان قد اذخرها ليستأجر «واجهة» يعرض فيها الكتب، لا تنسَ أن الحزب هو حزب عطاء، وأن عدده عشرات الألوف، وأن لنا فروعًا عبر الحدود في: فنزويلا، والشاطئ الذهبي، وليبيا، والبرازيل، والأرجنتين، وأميركا الشمالية، والمكسيك، وبلدان أخرى.
وسألناه إذا كان لأرملة الزعيم سعادة نشاط عملي في الحزب، أم إنها زعيمة روحية فقط، فأجاب بحدة: إن حضرة الأمينة الأولى لا تمارس أية مسئولية في الحزب، إنها رفيقة الزعيم؛ ليس لها صلاحيات دستورية، أو في المعنى الشائع ليس لها «وظيفة» في الحزب. إن القوميين وأشراف المواطنين يجدون فيها رمزًا لبطولة المرأة في بلادنا. إن الذين سجنوها لوثوا أقدس تقاليد أمتنا. أسباب اعتقالها يعرفها من ارتكب جريمة الاعتقال وجرائم التعذيب، حسبوا أنهم يذلون الحزب بالتجني على هذه الشخصية المقدسة. إنه بطش الجبان.
وسألناه أخيرًا: هل كان الحزب في سوريا يطمع في إحداث انقلاب وتسلم الحكم سواء الآن أم بعد سنوات؟
فأجاب وهو ينتقل إلى مكتبه الذي تزينه صورة الزعيم سعادة: إن الانقلاب الذي نعمل له هو الانقلاب الخَلَّاق في نفس المواطن، واستلام الحكم في الشام خلال السنوات الأخيرة كان أبدًا في مقدورنا، لو أن غايتنا كانت استلام الحكم بالعنف. إن حركتنا هي في جوهرها حركة تثقيفية هادئة، تكون نتيجتها وعيًا يسيِّر الحكم نحو خير البلاد وقوتها، لم نستهدف أبدًا ترجمة القوة إلى وظائف ولا منافع. إن عدد أعضاء الحزب وفعاليتهم وأهميتهم تفوق أية قوة سواها منفردة، نحن لم نشغل القوى المسلحة بالسياسة أو بالأغراض المحلية، ما أردنا إلا أن يكون رفقاؤنا في الجيش جنودًا ممتازين.