المهاجم المجهول!
درجَت الطائرةُ الخاصة فوق الممر الأسود القصير المحاط بالرمال من كلِّ جانب ثم انطلقَت كالسهم صوبَ الفضاء تاركةً وراءها المدينة الصغيرة … وكانت تحمل مجموعةً من الشياطين هم «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«رشيد» و«خالد» و«ريما».
واسترخَى «أحمد» في مقعده باستمتاع قائلًا: يا لَها من إجازة … أسبوع كامل من الكسل والراحة فوق شواطئ سيناء الرائعة!
مالَ «خالد» إلى «أحمد» يسأله: أتظنُّ أن هناك مهمةً بانتظارنا؟ … إن استدعاء رقم «صفر» لنا على هذه الصورة المفاجئة يدلُّ على ذلك!
ردَّ «أحمد» باسمًا: من المؤسف أن تعقبَ تلك الإجازة اللذيذة مغامرةٌ على وجه السرعة … قهقَه «عثمان» قائلًا: أظن أنك ستغيِّر رأيك عندما تتلقَّى أمرًا بالمهمة الجديدة … أنا شخصيًّا لا أحبُّ هذا الكسل الذي عِشْنا فيه الأسبوع الماضي، لقد تعوَّدنا على القتال والمغامرات وأتمنَّى أن تكون مهمتُنا القادمة مثيرة؛ فقد زهقنا من الراحة!
وجاءَت «إلهام» و«ريما» بالطعام، فأخذ الجميعُ يلتهمونه بشهية مفتوحة، ثم أعقبوه بعُلَب العصير المثلَّجة، وعندما انتهَوا كانوا يحسون بشيء من الاسترخاء الذي يسبق النوم. وضحكَت «إلهام» وهي تجمع بقايا الطعام قائلةً: لقد زاد وزني عدة كيلوجرامات بسبب الطعام ثم النوم والراحة، ولا بد لي من ممارسة ريجيم قاسٍ للتخلص من هذه الكيلوجرامات الزائدة عند وصولنا إلى القاهرة.
هتف «رشيد» قائلًا: أتظنين أننا ذاهبون حقًّا إلى القاهرة؟
تطلَّعَت «إلهام» بدهشة إلى «رشيد» وسألته: وأين تعتقد أننا ذاهبون؟
أشار «رشيد» إلى النافذة الصغيرة بجواره، وقال: انظروا … إننا فوق البحر تمامًا … ولا أظن أن هذا هو طريق العودة إلى القاهرة!
أطلَّ الشياطين من نوافذ صغيرة بجوارهم، وظهرَت على وجوههم بعضُ الحيرة … وقال «عثمان»: معك حقٌّ يا «رشيد» … إنَّ أقصر طريق للقاهرة لا بد أن يمرَّ بسيناء، وأعتقد أننا بمرورنا فوق البحر نسلك اتجاهًا آخر بعد أن عبرنا سيناء … إننا فوق البحر الأبيض المتوسط بلا شك! قال «خالد» بشك: لعلنا نتجه إلى مكان مهمتنا الجديدة!
ردَّ «رشيد»: أظن ذلك … ولن يُسعفَنا التخمينُ باتجاهٍ محدَّدٍ ستسلكُه الطائرة عند عبورها البحر، أظن أننا سنجد أنفسَنا في قلب المهمة تمامًا!
إلهام: معك حقٌّ … ولا أعتقد أن الطيار سيُفصح عن وجهتِه وإلا لكان قد فعل عند ركوبنا الطائرة. يبدو أن المسألة سرية تمامًا! وسادَ شيءٌ من الصمت الثقيل وقد اكتسَت وجوهُ الشياطين بملامح الجدية الشديدة توقُّعًا لما ستُسفر عنه اللحظاتُ التالية. وفجأة، هتف «رشيد» بصوت حاد: إن هناك مَن يتبعنا!
على الفور تطلَّعَت رءوسُ الشياطين تجاهَه، فأشار بيده إلى خارج نافذة الطائرة بجواره وقال: هذه الطائرة … إنها تَتْبعنا منذ عبورنا سيناء إلى البحر!
تطلَّع الشياطين إلى الطائرة البعيدة التي كانت تحتفظ بمسافة ثابتة بينها وبين طائرة الشياطين. وقال «أحمد»: إن الطائرات المدنية لا تقترب من بعضها إلى هذه المسافة … وأظن أن هذه الطائرة حربية. وتلاقَت نظراتُ الشياطين في دهشة مكتومة. وتساءَلَت «إلهام» بقلق: وما هويتها؟!
هزَّ «أحمد» كتفَه وقال: مَن يدري؟ إن البحر الأحمر تُطِلُّ عليه عدةُ دول، كما أنه مسرحٌ لنشاط بحري لدول عديدة.
عثمان: أتظنون أنها تتبعنا؟! وهل ستهاجمنا مثلًا؟!
خالد: في هذه الحالة يجب أن ننبِّهَ الطيار بسرعة.
وما إن سمع «عثمان» كلماتِ «خالد» حتى كاد أن يندفعَ داخلًا إلى كابينة الطيار، فأمسكه «أحمد» من ذراعه قائلًا: انتظرْ يا «عثمان» … إن تحذيرَك للطيار لن يُفيدَ فلا أظن أن هناك مطارًا قريبًا للهبوط … ولا بد أنه لاحظَها مثلنا أيضًا.
ريما: لعلنا تمادَينا في رِيبتنا … ربما كانت هذه الطائرة مخصصة لحمايتنا ولها علاقة بمهمتنا.
هتفَت «إلهام»: ستحمينا من ماذا؟! إننا نستقل طائرة مدنية، ولسْنا في مشاكل مع أحد الآن …
ضاقَت عينَا «أحمد» وهو يقول: أظن أن «ريما» على حق … إن هذه الطائرة بلا شك لها علاقة بمهمتنا التي استدعانا من أجلها رقم «صفر» … ولكنني لا أظن أنها جاءَت لحمايتنا … بل لعرقلة هذه المهمة!
عثمان: ماذا تقصد يا «أحمد»؟!
ببطءٍ قال «أحمد» وهو يتطلَّع من وراء زجاج نافذة الطائرة الصغيرة: هذه الطائرة ستُهاجمنا بلا شك في لحظة معينة!
هتفَت «إلهام» بعينَين واسعتَين غير مصدقة: تهاجمنا! … كيف ذلك ونحن نستقلُّ طائرة مدنية؟! إننا لن نستطيعَ الردَّ عليها … سنكون أشبهَ بشخص مُكبَّل يتم فيه تنفيذُ الإعدام رميًا بالرصاص دون أن يجرؤَ حتى على الصراخ!
صاح «خالد»: يجب أن نفعل شيئًا … سوف … وفي نفس اللحظة صرخَت «ريما»: إن الطائرة الأخرى تُهاجمنا بالفعل! وتطلَّعَت أعينُ الشياطين بشدة للخارج … كانت الطائرة الأخرى قد اقتربَت كثيرًا وظهرَت معالمُها، وعلى الفور أدرك الشياطين أنها من طراز «إف ١٥» الأمريكية، وراحَت تحوم حول طائرة الشياطين على مسافة قريبة.
بهدوء قال «أحمد»: سوف تُهاجمنا بلا شك، ولن نعرفَ حتى هوية قائدها!
صاح «عثمان»: إنها طائرة أمريكية!
ردَّ «أحمد»: لا، إن هذا ليس مؤكدًا؛ فليس عليها علَمُ أية دولة، وهذا النوع من الطائرات تَملكُه العديدُ من الدول …
صاحَت «إلهام» بقلق: ماذا سنفعل؟ هل سنظل مكتوفي الأيدي؟!
أحمد: سنبادر بارتداء مظلات الهبوط تحسُّبًا لأيِّ احتمال … هيَّا بسرعة!
واندفع الشياطين نحو سترات الهبوط. وما كادوا يُكمِلون ارتداءَها حتى صرخَت «ريما»: إنها تُهاجمنا! وانطلق صاروخ من أسفلِ أحدِ جناحَي الطائرة المهاجِمة نحو طائرة الشياطين … وفي لحظة دوَّى انفجارٌ رهيب في مؤخرة طائرة الشياطين التي راحَت تهوي إلى أسفل والنيران مشتعلة فيها …