الرءوس الكبيرة … أحقُّ بالقطع!
عندما وصلَت سيارة الأتوبيس الصغيرة التي تُقِلُّ الشياطين إلى مدينة «السلمان»، كان الليل يُوشك أن يَحُلَّ، واستقبلهم عميل رقم «صفر» بمدخل المدينة، وبعد أن تعرَّفوا عليه تبادلوا كلمة السر. اصطحبهم العميلُ وكان يُدعَى «عدنان» إلى أحد فنادق مدينة «السلمان» للإقامة به. وسجل الشياطين أسماءَهم بسجلِّ الفندق باعتبارهم طلبةً عربًا يدرسون علمَ الجيولوجيا بجامعة بغداد … وسرعان ما كانت غُرَف الفندق تحتويهم بداخلها ومعهم عميل رقم «صفر» السيد «عدنان»، ووضع أمامهم «عدنان» بعضَ الخرائط المفصلة للمنطقة، وأشار إلى موقع مدينة «السلمان» على الخرائط، وقال: هذه هي مدينة «السلمان» وهي مدينة شبه صحراوية، ويمتدُّ منها طريقان كما تريان أحدهما غربي يَصِل إلى مدينة «الزبير» التي تقع على بُعْد ٣٠٠كم في طريق فرعي مليء بالصخور والرمال، كما يمتدُّ منها طريقٌ آخر يتَّجه للجنوب ويَصِل إلى حدود المملكة السعودية بمسافة ١٨٠كم، وهو لا يختلف كثيرًا عن الطريق الأول … وهناك طريق آخر يَصِل ما بين نهايةِ الطريق الثاني ومدينة «الزبير» … أي إن الطرق الثلاثة تُشكِّل ما يُشبه المثلث، وتقع «صحراء الحجارة» و«وادي الباطن» في قلبه تمامًا.
تساءل «أحمد»: ألَا توجد أيُّ طرق تخترق ذلك المثلثَ الصحراوي الكبير؟
ردَّ عميل رقم «صفر»: يوجد طريق واحد يخترق الصحراء ويبدأ من «وادي الباطن»، ويَصِل إلى «مدينة الجوف» بالسعودية، لكنه لا يصلح لسير السيارات بسبب طبيعته الرملية والصخرية ولا تستخدمه إلا قوافلُ الإبل التي تَعبُر الصحراء لتختصر المسافة.
وصمتَ برهةً ثم قال: ودرجة الحرارة في قلب الصحراء لا تقلُّ عن خمسين درجة نهارًا، وهي تعتبر متاهةً وأرضًا للموت لمن يدخلها وليس خبيرًا بدروبها ومسالكها … ولا يسكنها إلا بعضُ البدو والرُّحَّل …
رشيد: وكيف سيبدأ بحثُنا في الصحراء؟
ردَّ «عدنان»: هناك سيارتان جيب خاصة بالطرق الصحراوية ستكون جاهزةً في منتصف الليل بكافة ما تحتاجونه من أسلحة وإمدادات وأجهزة.
عثمان: وإذا لم نعثر على شيء في أضلاع المثلث الصحراوي … فهل …؟
أكمل «أحمد» بلهجةِ تحدٍّ: سنخترقه بكل تأكيد …
وأشار للخرائط قائلًا: بهذه الخرائط لن نفقدَ طريقنا … وستُعيننا البوصلات وأجهزة الاتصال على ألَّا نفقدَ طريقنا بالصحراء.
عدنان: هل تحتاجون إلى دليل لاصطحابكم؟
أحمد: لا أظن، كما أننا نفضِّل العمل كمجموعة مستقلة، وهناك سؤال أخير … كيف كانت طريقة بحثكم عن الطائرة المفقودة؟
عدنان: نظرًا لطبيعة المنطقة الصحراوية كان من المستحيل اختراقها من القلب إلا بواسطة طائرات الهليكوبتر، إننا لم نترك شبرًا في تلك الصحراء لم نبحث فيه عن الطائرة أو حطامها … ولكننا لم نعثر على شيء!
إلهام: ومتى بدأ بحثكم عنها؟
عدنان: بعد أقل من نصف ساعة من اختفاء الطائرة من شاشات الرادار.
هزَّ «رشيد» رأسَه بشيء من الضيق قائلًا: لقد كان الأمر بالنسبة لكم أشبهَ بالبحث عن إبرة في كومة قش!
عدنان: ليس تمامًا … إن بحثنا لم يعتمد على مجرد الاستكشاف البصري؛ بل استخدمنا في بحثنا أعقدَ الأجهزة المتطورة، والتي كانت كفيلةً بتحديد مكان الطائرة المفقودة بالضبط أينما كان موقعها وحتى لو تحطمت بالكامل، فعندما بدأَت أولى تجارب تشغيل الطائرة «مخلب النسر» تم وضْعُ جهازٍ خاصٍّ يُطلِق ذبذبةً معينة، وكان ذلك من جانبنا تحسُّبًا لأيِّ احتمال قد يُواجه الطائرة، فإذا ما فُقدَت أو تحطَّمَت كان سهلًا علينا العثور على مكانها بواسطة ذبذبات ذلك الجهاز الخاص.
إلهام: ولكن هذا لم يحدث، وهو يضَعُنا أمام احتمالَين … إما أن جهاز الذبذبة تحطَّم إذا افترضنا تحطُّمَ الطائرة …
وأكملَت «ريما»: وإما أن الجهاز انتُزع من مكانه حتى لا يدلَّ على مكان الطائرة … وهذا معناه أن الطائرة لا تزال موجودة بمكان ما بالصحراء.
عدنان: أظن أن الاحتمال الثاني هو الاحتمال الصحيح …
أحمد: إن مهمَّتَنا ستكون أعقدَ مما ظننَّا … إنها أشبهُ بالبحث عن حبة رمل لها مواصفات خاصة … في تلك الصحراء الواسعة، وعلى كلِّ حال إنني أعشق المهمات الصعبة والمستحيلة … لأنها تحتاج إلى أشخاص من طراز خاص.
عدنان: إن هناك فيما أظن أشخاصًا آخرين ليسوا أقلَّ مهارة أو قوة ينتظرونكم في مكان ما من تلك الصحراء، فكونوا على أتمِّ الحذر …
ابتسمَت «إلهام» ابتسامةَ ثقةٍ واسعة وهي تطوي الخرائط، وقالت: حسنًا … لنرَ أيُّ الشياطين ستكسب المعركة في النهاية!