أفجنيا في أولس
مسرحية ألَّفها يوربديز (٤٨٠-٤٠٥ق.م)، ومُثِّلت لأول مرة في أثينا عام
٤٠٥ق.م
أشخاص المسرحية بترتيب ظهورهم
-
أجاممنن: ملك مَيْسيني وآرجس، ابن آتريوس (أتريديز). وهو رجل طويل القامة، أسمر
اللون، ذو لحية، في مقتبل العمر. يرتدي أول المسرحية معطفًا طويلًا وعباءة،
ثُمَّ يظهر فيما بعد في عُدَّة حربية كاملة.
-
رجل عجوز: كان فيما سلف عبدًا لتندارس الأسبرطي، وهو الآن في خدمة أجاممنن، رمادي
الشعر، كث اللحية، يرتدي معطفًا وعباءةً خشنين، لونهما عسلي.
-
الجوقة: وتتألف من ست فتيات من كالكس — وهي مدينة بجزيرة يوبيا — يرتديان القمصان
والملاءات ذوات الأحجام والألوان المختلفة، غير أنها متشابهة الرسم. (يمكن
أن يحلَّ أي عدد من الفتيات من أربع إلى أربعين محلَّ الجوقة الإغريقية
القديمة التي تتألف من ثلاثين إلى أربعين راقصة ومغنية.)
-
منلايوس: ملك أسبرطة، أخو أجاممنن، وزوج هلن، ذو شعر ذهبي، متورد، ضخم، لا تبلغ
قامته قامة أخيه، يرتدي معطفًا قصيرًا وعباءةً قصيرةً، ثُمَّ يتسلَّح
تسليحًا كاملًا فيما بعد.
-
رجل من ميسيني: في خدمة كليتمنسترا، يرتدي معطف العبيد ذا اللون البراق.
-
كليتمنسترا: ابنة تندارس، أخت هلن، وزوجة أجاممنن، وهي امرأة في الثلاثين من العمر،
ذات مظهر يأخذ بالألباب، ترتدي قميصًا طويلًا وملاءةً فضفاضةً، تغطي رأسها
وجسمها حتى ركبتيها، عليها رسوم ذات ألوان براقة على لون أبيض.
-
أرستيز: صبي صغير، أصغر أطفال أجاممنن وكليتمنسترا، وابنهما الوحيد، يرتدي معطفًا
قصيرًا وعباءة.
-
أفجنيا: فتاة ما بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من عمرها، وهي كبرى بنات أجاممنن
وكليتمنسترا، شقراء الشعر، ترتدي قميصًا ساذجًا وعباءةً عليها رسوم ساذجة
على لون أبيض.
-
حاشية كليتمنسترا: رجال يَرتدون معاطف قصيرة وعباءات خشنة، ونساء يرتدين قمصانًا وملاءات
ساذجة.
-
إكليز: ابن بيليوس (بيليديز)، قائد الميرميدون أهل فنيا، شعره طويل مجعد ذهبي،
ذو لحية قصيرة، مثال الرجل الرياضي، يظهر في أول المسرحية قليل التسليح،
ثُمَّ يتمُّ تسليحه فيما بعد.
-
جندي من آرجيف: رسول من أجاممنن إلى كليتنمسترا. يتدرَّع بعدة حربية وخوذة من الجلد،
ويَمتشِق سيفًا قصيرًا ورمحًا، ويَحمل ترسًا مستديرًا.
-
مقاتلون من إكيا مسلحون.
-
موكب التضحية: كالكاس العرَّاف — ويرتدي معطفًا طويلًا وعباءةً طويلةً وقبَّعةً عاليةً
— داوديسيوس، وقواد آخرون من إكيا في عدة حربية كاملة.
المنظر
لا يتغير من أول المسرحية إلى آخرها.
أولس تقع على البحر، إلى اليسار المدخل إلى بيت أجاممنن، وهو عبارة عن حائط به باب
كبير يتألَّف من كُتلتين عظيمتين من الحجر تميلان إلى الداخل وتعلوهما ثالثة، وباب من
الخشب مغطًّى بالجلود ومرصَّع بمسامير من البرنز. وإلى اليمين قليل من الأشجار الملتوية
تؤدِّي إلى غابة أرتيمي. وإلى الخلف أرض صخرية ترتفع من ساحل مضيق يوريس الذي تقع أولس
على شاطئه الغربي، وعلى الشاطئ المقابل تقع كالكس (أي على الجانب الآخر من النظارة).
الوقت قبيل الفجر، ويخرج أجاممنن من البوابة.
***
أجاممنن
:
اخرج يا صديقي العزيز، واترك الباب.
الرجل العجوز
(بعيدًا)
:
ها أنا ذا آتٍ يا سيدي، إني آتٍ أي أجاممنن الملك. ماذا عسى أن تكون تلك
الهموم والآلام التي يُمكن أن توقظ ملكًا وتؤرقه؟
أجاممنن
:
ستعرف عما قريب.
الرجل العجوز
(بعيدًا)
:
سآتيك مسرعًا. (ثُمَّ يدخل) لقد بلغت من
العمر حدًّا لا أستطيع معه النوم، غير أن بصري ما يزال حادًّا.
أجاممنن
:
خبِّرني، أيُّ نجم ذلك الذي يتلألأ لامعًا في زرقة السماء الدكناء؟
الرجل العجوز
:
إنها الشِّعرى، ارتفعت خلال الليل وسارت إلى جانب «السبعة».
أجاممنن
:
الطيور ساكنة، والبحر هادئ صامت، وحتى النسيم فوق بوريس قد تراخى
هبوبه.
الرجل العجوز
:
ومع ذلك فإن أجاممنن يَترك داره وسريره، والنوم العميق يستولي في دعة على
أولس، والحراس ما يزالون يَرقُبون ويخفرون في صمت وسكون. هيا بنا ندخل!
أجاممنن
:
إني أغبطك حظَّك أيها الشيخ، وإني لأغبط كلَّ من يقضي حياته في أمن مصونًا من
الخطر، مُختفيًا عن الدنيا، لا تعرفه الشهرة. إن هموم الملوك لا تُشتهى.
الرجل العجوز
:
الملكية كنز ثمين، ومكانة شريفة.
أجاممنن
:
مكانة مزعزعة، تُكدِّر صفوها المنافسة. إن في طلب المجد متعة وفي الظفر به
ألم واضطراب. إنَّ الآلهة لا تعفو عن الإهمال، وفي قضائها الهلاك، ومطالب
الرجال العنيفة تُبدِّد ساعات العمر ولا تترك العقل مطمئنًّا في سلام.
الرجل العجوز
:
إنَّ هذه الكلمات لا تَليق بشرف الملوك. إنَّ ابن آتريوس لم يولد ليعيش في
سلام ورفاهية لا يشوبها كدر. أنت رجل، ولا بُدَّ أن تتلقَّى السرور والأحزان
كما تأتيك. فغُضَّ الطرف عما تريد لأن إرادة الله لا تتغير. لقد رأيتك تشعل
المصباح وتكتب تحت ضوئه خطابًا ما زلت تحمله في يدك. ولقد كتبته مرتين، وختمته
مرتين، ولكنَّك عدت ففضضتَه، ثُمَّ ألقيته إلى الأرض، وأخذتَ تبكي كأنما غلبك
الحزن. أي سيدي المليك، ماذا عسى أن يكون الهم الذي تَحمله بين جنبيك؟ حدِّثني
بصراحةٍ، فإنني رجل محنَّك مخلص، أرسلني تندارس منذ سنين مضَت مع زوجك إلى
ميسيني.
أجاممنن
:
أجل، لقد أتيتَ مع زوجي ابنة ليدا، وكان لها أختان، فيبي وهلن، وقد تعشَّق
هلن كل الأمراء، وتوعَّدوا بالانتقام إذا ذهب عشقهم هباءً. ولم يعرف تندارس كيف
يختار لها زوجًا، فطلب إلى الأمراء أن يُقسموا يمينًا ويعقدوا الأَيمُن وهم
يصبُّون النبيذ على نيران التضحية. فأقسموا لو أن إنسانًا تجاسَر أن يَقبض على
العروس ليُقدِّمُنَّ لزوجها جميعًا يد المعونة، وليُقبِلُنَّ شاكين السلاح
ويَجعَلُنَّ بلد الغاصب حطامًا وآكامًا. وبعدما أقسموا اليمين جميعًا، أمر
تندارس ابنته أن تختار من تحب، فاختارت منلايوس، ويا ليتها ما فعلت!
ثُمَّ قدم إلى أسبرطة بارس الفريجي الذي يَقضي — كما يقولون — بين جميلات
ألمبس، متزيِّنًا بالذهب وأصباغ الشرق، يُبهر العين برشاقته وسذاجته. وغازل
هلن، وقبَّلته، فحمَلها إلى غابات أيدا النائية. لقد سرَق هلن الحسناء في غيبة
زوجها. فهام منلايوس على وجهِه في آكيا، وأهاب بملوك هلاس أن يُوفوا بوعودهم
وينتقموا للإساءة التي لحقَتْه، فأجاب أهل أرجيف بحشد كبير من الرجال والعربات
والسفن، وتجمَّعوا هنا في أولس، واختارُوني قائدًا لهم، أنا أجاممنن الميسيني
ابن آتريوس، كي أردَّ شرف أخي منلايوس. وكم تمنَّيتُ لو وقع اختيارهم على
غيري!
وها نحن أولاء نُقيم في أولس، ننتظر عبثًا أن تقلع السفن. والقُوَّاد
يتميَّزون غيظًا في أماكنهم، وقلوبنا قد خارت من الفهم والكآبة. والآن يُعلن
كبير الكهنة كالكس أن أرتيمس إلهة هذه البلاد تطلب التضحية، وأن الضحية يجب أن
تكون كبرى بناتي أفجنيا. وبعدئذٍ تتلطَّف الرياح وتَحمِلنا سريعًا فوق البحر
إلى طروادة التي سوف تنهار بروجها أمام قوتنا. ولو رفَضنا تقديم التضحية حُرمنا
هذه الثمار. وقد أمرت ثالثيبيس المنادِي أن يدقَّ طبله ويُعلن بين الجند أمرًا
بالتسريح والعود إلى بلادهم لأني لن أقتل ابنتي. كلا، لن أفعل هذا لأيِّ إله.
ولكن أخي توسل إليَّ، وأُغريتُ باقتراف الفظائع، فكتبتُ كتابًا وأرسلته إلى
زوجي، وطلبتُ إليها أن تبعث بابنتها إلى هنا — إلى أولس — كي تُزَفَّ إلى
إكليز، وأثنَيتُ أعطر الثناء على ابن ثيتس، وزعمتُ أنه لن يُبحر معنا إلى
طروادة حتى يؤتى له بعروسة إلى هنا. وسرعان ما صدَّقت زوجي أكذوبة زواج ابنتها،
ولم يعلم بكلمة من هذا سوى كالكس ومنلايوس وأودسيوس (يبدو الخوف على أجاممنن) في هذا الخطاب (يظهر المخطوط الذي بيده) الذي شهدتَني وأنا
أكتبه الآن أنقضُ ما أمرت به، وأُبطل — على مضض — ما أغروني بعمله. خذ هذا
الخطاب واذهب على عجلٍ إلى آرجس. ولما كنتَ مخلصًا لزوجي وصادقًا معي فسأتلو
عليك الرسالة.
الرجل العجوز
:
اتْلُها يا سيدي كي تطابق كلماتي ما كتبت.
أجاممنن
(يقرأ)
:
«ابنة ليدا، لا عليكِ مما أمرتك به في رسالتي السابقة؛ فإني أرجوك ألا تبعثي
بابنتك إلى أولس في يوبيا؛ فإن زواجها لن يُحتفَلَ به قبل أن ينقضي عام
آخر.»
الرجل العجوز
:
ولكن إكليز سوف يُغضِبه أن يَفقد عروسه الموعودة، أفلا تخشى ذلك.
أجاممنن
:
إننا لم نَعْدُ أن استغللنا اسمه؛ فإن إكليز لم يسمع كلمة واحدة عن زواجه من
ابنتي.
الرجل العجوز
:
إيه يا ملك الرجال! ألم يكن من التهوُّر والخطر أن تذكر اسم ابنتك كعروس
موعودة لإكليز كي تَستهويَها إلى هنا ثُمَّ تضحي بها من أجل آكيا؟
أجاممنن
:
إن الجنون يستولى عليَّ، وإنه لجنون جهنمي! هيا اذهب، وانسَ شيخوختك، وكن
سريعًا.
الرجل العجوز
:
إني ذاهب يا مولاي.
أجاممنن
(مُشتَّت الذهن)
:
لا تتلكَّأ في الطريق كي تشرب أو تستظل أو تنام.
الرجل العجوز
:
حاشا لله!
أجاممنن
:
وعندما يتفرع الطريق انظر حواليك وافتح عينَيكَ خشية أن تمرَّ بك العربة
السريعة التي تحمل ابنتي إلى أساطيل آكيا دون أن تراها.
الرجل العجوز
:
لن أُقصر في هذا.
أجاممنن
:
وإذا التقَيتَ بهم فردَّ خيولهم إلى ميسيني. هيا انطلق، ولا تلبث هنا بعد
هذا.
الرجل العجوز
:
كيف أستطيع أن أحمل زوجك على تصديقي؟
أجاممنن
:
خذ الخاتم الذي طبعتُ به الخطاب. وهيا انطلق؛ فإن ضوء الصباح الناصع يُبشِّر
بمقدم جياد النهار المتقدة. وهل لك أن تُعينني في حاجتي! (قانطًا) إن الإنسان لا يسعد إلى النهاية، فلكل
فرد ساعته المؤلمة.
(يَنطلق الرجل العجوز مسرعًا إلى اليمين فوق المسرح وأجاممنن
يَلفظ الكلمات الأخيرة. ويتحوَّل الفجر إلى رمادي إلى وردي. ثُمَّ يعود أجاممنن إلى
بيته، ويتحوَّل اللون الوردي إلى لون ذهبي.)
(وتدخُل الجوقة من الركن الأيمن، وهي تتألف من بضع فتيات من
كالكس، وقد نزلن عند ساحل البحر المجاور من وقت قريب. ويُقبِلن في مرح فُرادى
ومثنى، وقد أرخَين ذيول أرديتهنَّ التي يتستَّرن بها. وهن يَنزلن من الزوارق،
وأخذْنَ يصلحن من زيِّهن. وقد أتين لمشاهدة الجيوش المُحتشِدة في آكيا، وتتولى
قيادتهن واحدةٌ منهن.)
أولى أفراد الجوقة
:
والآن يا رفيقاتي الطروبات، إننا نطأ أرض أولس التي طهَّرتها مياه البحر
وغمرت رمالها الشمس. لقد اجتزنا مضيق يوربس الضيق وخلَّفنا وطننا كالكس هناك
(مشيرةً نحو المستمعين) حيث يتدفَّق نحو
الشاطئ نهر أريثيوسا الفضي.
الثانية
:
عجبًا! أين مضرب خيام الأبطال، وأين السفن الحربية المحتشدة؟
الثالثة
:
هذه ألوف السفن في خليج أولس تَنتظِر أن تُقلع صوب طروادة، (تشير أمامها إلى اليسار) وهؤلاء رجال مُدجَّجون
بالسلاح أقبلوا من كل أنحاء آكيا، ويقول أزواجنا (مشيرة يمينًا ويسارًا) إن أجاممنن الملك يقودهم لينتقم لأخيه
منلايوس ذي الشعر اللامع من أجل اختطاف عروسه هلن ذات الشعر الذهبي.
الأولى
:
لقد سرقها بارس وفرَّ بها. أعطته إياها أفروديت هدية له. إن هري ملكة السماء
وبلاس وسيبرس قد تنازَعْن من أجل جائزة الجمال على سفوت أيدا عند حافة النبع
النَّدِي. وكان بارس كلما يبنهن، وتنافس الآلهات — وقد شعَّ منهن نور السماء —
كل منهن ترجو رضاء هذا الراعي. وقد فازت سبيرس في هذا النضال، فمنحت بارس «هلن»
هدية له، ففرَّ بها.
الرابعة
:
إني أبحث عن غاية أرتيمس المقدسة، حيث تتدفَّق في ضوء البدر وماء الضحية التي
قُدمت قربانًا ﻟ «الصائدة العذراء». هيا بنا نعبرها مسرعين.
الخامسة
:
إني أحسُّ بالدم الحارِّ يُسرع إلى وجنتي، إنه فرح الشباب، وإني لأتحرَّق
شوقًا لرؤية صفوف الخيام، والخوذات المرتفعة، والجياد وهي تصهل، والمقاتلين وهم
يفخرون.
السادسة
:
في كنف إحدى الخيام يجلس آجكس بن أويليوس إلى جوار أحلس العملاق ابن تلمن،
وهما يلعبان «الداما» مع بروتسلاوس.
الرابعة
:
وبلاميديز — وهو من أهل بوزايدن — يقذف القرص مع ديومد. يا لها من قذفة تلك
التي شهدت! وها هو ذا مرين ينضم إليهما، إنه لبطل صنديد جميل المحيا رشيق
الحركة.
الخامسة
:
وذلك أودسيوس أمير أثكا التي تُلقي شطآنها الصخرية ظلالها فوق البحر، وهنالك
يجري نيريوس أجمل رجال أرجيف.
الثانية
:
وإكير، الذي حملتْه الآلهة ثيتس، إكليز تلميذ كيرن العجوز القنطورس١ يتذرَّع بعُدة الحرب الصقلية، ويُسرع نحو الشاطئ. وذلك يوملس
الفيري يسوق أمامه عربة حربية، وأنى يُهيب بالجياد المطهمة. إن أطراف لُجُمها
مزركشة بالذهب، وتلك التي تَحمل الغير رمادية اللون رقطاء، وذلكما الجوادان
الجانبيان اللذان يحملان العنان بياضهما ناصع أشهب. وبيليديز أسرع في عَدوِه من
العربة، والحوافر والعجلات تَقذِف بالحجارة إلى أعلى، ولكن إكلير، وهو يتألق في
عدته الحربية النحاسية يَجري إلى جوارها.
الثالثة
:
إنني أَلتفت فأرى السفن ذات الأطراف المدببة في الخليج، وإنه منظر رائع عظيم.
وعلى اليمين تسير خمسون سفينة جريئة تَحمِل فوق مقدماتها شارة إكليز المصنوعة
من الذهَب المنحوت، ذلك هو أسطول الميرميدون قادم من بلاد فثيا النائية.
الأولى
:
وسفن آرجس — التي ترينها إلى جوار هذا الأسطول — تبلغ مثل هذا العدد. ثُمَّ
تتلوها قوات تلَيْديز وسْتَلُس الجسور المقدام. ووراءها سفن أثينا، وعددها
ستون، وهي تحت قيادة ابن ثيسيوس، وفوق مقدمة كل سفينة يَنتصِب تمثال لبلوس
متألقًا في ألوان زاهية.
الرابعة
:
وقد أتى محاربو بيوشيا في خمسين سفينة، تحمل كلٌّ منها فوق مقدمتها تمثالًا
لكادمس من الذهب بين يدَيه أفعوان. وقائدهم لايتس الذي بُنيت أسلافه جميعًا
مسلَّحين من بطن الأرض ذات الأخاديد.
الثالثة
:
وهذا أسطول من فوكس، وهنالك صفوف آجكس بن أويليوس وقد أتى رجاله من لاكْرِسْ،
من سهل ثونين الشهير.
السادسة
:
آه! انظرن. ها هو ذا أتيريديز يسير على رأس قُواته قادمًا من بروج ميسيني
الشامخة التي رفع أسوارها سيكلبس. كم عددها؟ أقسم أنها مائة.
الخامسة
:
وقد شهدتُ زعيم أسبرطة المضام إلى جوار أخيه تسود بينهما المودة. شهدت
منلايوس، الذي خدعَتْه هلن، والذي سوف تَنتقِم له آكيا.
الثانية
:
وتلك السفينة التي نُحِتت على مقدَّمتها صورة عجل، والتي تبدو كأنها لا تعبأ
بالرمال، تقود أسطول بِلُس؛ تلك البلاد التي يحكمها نَستُر العجوز المشهور
ملكًا عليها. والسفن الاثنتا عشرة التي ترسو إلى جوار هذا الأسطول قادمة من
ساحل إيذيا الذي اكتسحَتْه الزوابع. ووراءها زعماء إيلِسْ. أهل أبيا
الشجعان.
الأولى
:
وإلى جوارها سفن تيفُس التي يقودها ميجيز. إنهم ملاحون ماهرون أولئك الذين
يُبحرون إزاء ذلك الساحل الخطر.
الرابعة
:
وفي المؤخرة تمخر عباب الماء زوارق آجكس السلاميس السريعة. إنها تركب متن
الموج في عظمة وأبهة.
الخامسة
:
لو أن ذلك البربري جَرُؤ على أن يقابل صفوف آكيا الحربية، فسوف يغرق مهشَّمًا
تحت مياه إيجيا الزرقاء، ولن يعود جنوده المُحاربون إلى شواطئ ترُوَلس.
السادسة
:
لقد سمعت، ولقد شهدت، ولن تغيب عن ذاكرتي ساعة من ساعات هذا اليوم، ولا نبرة،
ولا منظر، بعدما أعود ثانية إلى كالكس وأَبلُغ أرض الوطن.
(يدخل من اليمين منلايوس والخادم العجوز مكافحًا في سبيل خطاب
أجاممنن، ويصطف أفراد الجوقة في نصف دائرة ويقفن وقفة طبيعية بمقدار ما
يستطعن.)
الرجل العجوز
:
إنك تسيء إليَّ أيها الملك منلايوس، إنك تسيء إليَّ.
منلايوس
:
ويحك! ينبغي لك أن تُخلِص لسادتك.
الرجل العجوز
:
الإخلاص موضع شرفي وافتخاري، فلا تَلُمني على التقصير فيه!
منلايوس
:
ولو قصَّرتَ في واجبك فسوف تندم.
الرجل العجوز
:
لا ينبغي لك أن تَستولي على الخطاب الذي أودَعَه مليكي تحت رعايتي.
منلايوس
:
وأنت لا ينبغي لك أن تَحمل خطابًا يَغدِر بنا جميعًا.
الرجل العجوز
:
هذا ليس من شأني. ناولني الرسالة.
منلايوس
:
لن أفرط فيها.
الرجل العجوز
:
ولن أتنازل عنها.
منلايوس
:
سأُهشِّم رأسك بعصاي.
الرجل العجوز
:
ما أعذبَ الموت في سبيل الأمانة!
منلايوس
:
اغرب عني! هل يُنازع عبدٌ ملكًا!
(أجاممنن يخرج من البيت.)
الرجل العجوز
:
مولاي! لقد أُسيء إلينا. إنه انتزع رسالتك مني عنوة، يا له من رجل لا
يَخجل!
أجاممنن
:
ما معنى هذه الضجَّة الذميمة عند بابي؟
الرجل العجوز
:
استمع إليَّ يا مولاي، فإنَّني على حق.
أجاممنن
:
لماذا يا منلايوس أنت معه عنيف إلى هذا الحد؟
منلايوس
:
جابِهْني إن جرؤت، وبعدئذٍ أحدثك.
أجاممنن
:
إنَّ أجاممنن بن آنريوز لا يخشى النظر إلى أحد.
منلايوس
(مُظهرًا المكتوب)
:
أفلا ترى هذا المكتوب الذي يَحتوي على أوامر تنطوي على الخيانة؟
أجاممنن
:
نعم أراه، سلِّمه بغير توان!
منلايوس
:
لن أفعل هذا حتى يَعلم أهل آكيا أجمعين ما سُطِّر فيه.
أجاممنن
:
هل فضضتَه، وعلمتَ ما لا ينبغي لك أن تعلم؟!
منلايوس
:
هل القول يَفضَحُك ويُظهِر ضعتك الخائرة.
أجاممنن
:
من أين سرقته؟ وحقِّ زيوس إنك لا تخجل.
منلايوس
:
كنتُ أرقُب الطريق من آرجس منتظرًا مجيء ابنتك.
أجاممنن
:
أفتتجسَّس! ولا تخجل؟
منلايوس
:
إني أفعل ما أريد، فلستُ من عبيدك.
أجاممنن
:
أفتُريدني أن أستأذنك في أمرٍ آمر به أهل بيتي؟
منلايوس
:
إنك لا تعرف ما تريد، وتتغيَّر مع كل لحظة زائلة.
أجاممنن
:
حقًّا إن لديك للسانًا لَبِقًا، ولكن صدقني إن لسان الأفعى ممقوتة
كالطاعون.
منلايوس
:
إنَّ العقل المتردد علامة الجبان ونذير لأصدقائه. إني سوف أكشف عن سريرتك،
ولو حاولتَ — كبرًا وصلفًا — أن تَحيد عن الحق، فلن يكون نصيبك من الثناء إلا
قليلًا. ألا تذكُر كيف أنك — وأنت تطمع في تولِّي قيادة جند آكيا جميعًا —
تظاهرت بأنك لا تأبَهُ بالقيادة، في حين أنك كنت بها جد مشغوف؟ كم كنت
متواضعًا! تحيي الناس أجمعين، وتفتح باب بيتك وخوانك للعظيم والحقير على
السواء، وتخاطب بعذب اللفظ كل فرد، حتى إن كان المُستمع لا يحب أن يتحدث إليك.
لقد ظننت أنك تستطيع باللطف واللين أن تشتري ما يصبو إليه قلبك. وما إن ظفرت
بالقيادة العليا … آه … حتى غيَّرت من طبعك، فلم يَلقَ منك أصدقاؤك غير النذر
اليسير من الود، بل كثيرًا ما أنكر عليهم وجودك.
(أجاممنن ينهض ويهم بالانصراف،
وكان قد تراجع أمام هذا السيل الدافق من الكلمات الغاضبة)
وهل يَجدر برجل شريف أن يسلك هذا السلوك! الرجل الشريف حين يَظفر بالنفوذ ينبغي له أن
يكون أكثر
قُربى إلى أصدقائه؛ لأنه يستطيع حينئذٍ أن يكون أكثر نفعًا لهم. وهذه هي تُهمتي
الأولى التي أدلُّ بها على ضعتك. لقد أتيت إلى أولس، حيث تجمع أهل آرجيف جميعًا
تحت إمرتك، وكلهم مدجَّج بالسلاح. وضنَّت علينا الآلهة بنسيم يملأ قلاعنا
ويَدفع فلَكَنا إلى طروادة. حينئذٍ تضاءلت حتى تلاشَيت، وتوسَّل إليك
المُحارِبون أن تُفرِّق السفن. ولا تُبقي عليها هنا مُتراخية لا تتحرَّك، ولكنك
أبيت كل الإباء، وغضبتَ أشد الغضب! إنك لو فعلت لفقدت تأمُّرك على ألف سفينة
حربية. ولما تزعَّمتَ صفوف المعركة فوق سهول إلُين! حينئذٍ أتيت إليَّ — أنا
أخوك — باكيًا وسألتني: «ماذا عساي أفعل، وأية خطة أتبعها حتى لا أفقد هذه
القيادة العليا، وأُحرَم من هذا الشرف الرفيع؟» فصرح كالكس — بعد تكهُّنه
المقدس — أن أرتيمس المهابة، ربة هذه الغابة، تتطلَّب التضحية بفتاة عذراء في
سن الزواج، وتلك هي ابنتُك أفجنيا. بعدئذٍ يستطيع جيش آكيا أن يُبحر في عرض بحر
إيجيا. فما كان أشد سرورك!
أجاممنن
(مقاطعًا)
:
كلا.
الجوقة
:
عجبًا!
منلايوس
:
إنك وعدتَ بالضحية راغبًا!
أجاممنن
(مقاطعًا)
:
كلا، كلا بل أُرغِمت.
منلايوس
:
برضاك لا برغمك، لا تُقدِّم هذه المعذرة، برضاك بعثتَ برسالة إلى زوجك وطلبت
إليها أن ترسل ابنتك إلى هنا زاعمًا أنها ستُزف إلى إكليز، ولم تنقضِ بضعُ
ساعات حتى أسفتَ — لما في طبيعتك من تردد — على هذا العمل، فقمتَ سِرًّا بتحرير
خطاب آخر تنقض به ما جاء في الخطاب الأول؛ لأنك الآن — وايمُ الحق — لا تحب أن
تكون قاتل ابنتك. والله الذي يعرف عنك كل هذا على ما أقول شهيد. إنَّ مثل هذا
قد حدث من قبل للألوف، يُقسمون بشرفهم متهوِّرين، ثُمَّ يتراجعون عن الأمر
خجلين، يلحقهم الخزي من لوم زملائهم، ويحكم عليهم العدلُ بالإدانة، لأنهم قد
أحسوا — عند الاختيار — بعجز قواهم عن حفظ العهود. إنني أبكي مصير آكيا بكاءً
مُرًّا! سرعان ما تجمع أبطال الولايات ليصبُّوا النقمة على رءوس البرابرة،
أولئك البدو الرحَّل المتوحِّشين، والآن يتفرَّقون إلى أوطانهم، ويُصبِحون
سخرية أعدائهم من جرائك وجراء ابنتك. لن يُنتخب بعد اليوم ملك أو قائد للثورة
وحدها. إنَّ من يحكم الدولة أو يَحمل عصا القيادة لا بُدَّ أن يكون حكيمًا.
الزعيم ينبغي أن يكون عاقلًا في مشورته.
أولى أفراد الجوقة
:
ما أشد فزع المرء حينما يستمع إلى أخوَين يتنازعان.
الثانية
:
إني أخشى أن تؤدِّي أمثال هذه الكلمات المريرة إلى الشجار.
أجاممنن
:
إنني أرفض حكمك، وسأُحاول أن أؤنبك ولكن بغير صلف، وسوف أتوخَّى الاعتدال ما
استطعتُ؛ لأنك أخي، والرجل الشريف قد يزلُّ زللًا يسيرًا. أرجو أن تُخبرني
لماذا تثور هكذا محتدًّا غاضبًا؟ لماذا تَقلب عينَيكَ الملتهبتَين حانقًا؟ من
آذاك؟ ماذا فقدت؟ هل تتوق إلى زوجة، هل تتوق إلى زوجة شفيقة غنية؟ إني آسَف إذ
ليس في وسعي أن أمنحَكَ مثل هذه الزوجة. ولكنك فرطت في الحرص عليها، فهل لا
بُدَّ لي — وأنا بريء من كل خطأ في هذا — أن أُكابد المشقة من أجل تقصيرك في
رعايتها؟ وهل يُمزِّق الحسد قلبك من أجل ألقاب الشرف التي تَنهال عليَّ
انهيالًا؟ إن اشتهاءك زوجة حسناء يعدو كل حدود العقل والحِشمة. إن مسرات الرجل
الوضيع دنيئة. لماذا تتَّهمني بضَعف الحكم إذا كنت — وقد أقررتُ قرارًا خاطئًا
— أرجع عن مقصدي بعد التفكير السديد، إنما يُعدم سداد الرأي رجلٌ فرَّت منه
زوجه، ثُمَّ يتحرق شوقًا إليها غير عابئ بالهوان والعار. اعلم أن طالبي الزواج
من هلن حينما أقسموا يَمينَهم لتندارس في نزوة طيش، إنما فعلوا ذلك أملًا في
العروس الحسناء وغيرةً عليها، لا من أجل سِحرك وقوَّتك. فادعهم الآن وسِرْ بهم
إلى القتال، وستعلم — حينئذٍ — قيمة الوعود العاجلة. إني لن أذبح ابنتي من
أجلك. وهل مِن العدل أن أقتلها كما تريد لكي تلقى زوجتُك الآثمة عقوبتها؟ إني
لو أسأتُ إلى أطفالي لذابت ليالي وأيامي في الدمع المرير. هذه قضيتي في إيجاز،
فإذا كنت تصمُّ أذنيك عن العقل والمنطق، فسأصدر أوامري في شئوني.
ثالثة أفراد الجوقة
:
يا له من رجل مسكين! إن فؤاده يُعذَّب.
الرابعة
:
إن حزنَه أعظم من غضبه.
منلايوس
:
لعنة الله عليَّ. إنني رجل بغير صديق.
أجاممنن
:
لقد حطَّمتهم جميعًا.
منلايوس
:
هل يُمكن أن نكون — أنت وأنا — من أب واحد؟
أجاممنن
:
إنك لمجنون، ولكني أنا سوف أفعل الصواب.
منلايوس
:
إن الأصدقاء المُخلِصين يقتسمون ساعة الحزن.
أجاممنن
:
وإذن فكن صديقًا لي، ولا تكن حممًا من الجحيم.
منلايوس
:
ينبغي لك أن تحملَ عبء أحزانك من أجل آكيا.
أجاممنن
:
وهل أصاب الله آكيا بالجنون كما أصابك!
منلايوس
:
إن همَّكَ الوحيد هو عرشك، ولكنك لأخيك خائن. سأَبحُث عن وسائل أخرى وأصدقاء
آخرين.
(يدخل رجل من ميسيني جاريًا.)
الرجل
:
مولانا الملك، لقد أتيتُ بابنتك أفجنيا آمنةً إلى أولس. وبعد غيابك الطويل عن
بيتك ستقرُّ عينكَ مرةً أخرى عند رؤية ابنك أرستيز والملكة زوجك كليتمنسترا
التي أتَت إلى هنا لرعاية كبرى بناتها. إنهم الآن يَنفُضون وعثاء السفر الشاق
الطويل ويُريحون أطرافهم المنهوكة تحت الظلال العَطِرة على شاطئ النهر الدافق،
بينما تُقبِل الخيول في نهم على الحشائش النَّضِرة ترعاها بعدما أزيلت عن
كواهلها الأنيار، وقد سبقتُهُم جاريًا حتى لا يصلوا بغير إعلان أو ترحيب. وقد
سمعَ المحاربون في أرجاء المخيم أن أفجنيا قد أقبلَت. وانتقل الخبر في سرعة
البرق من جماعة إلى جماعة، والكل يُسارِع كي يَظفر بنظرة إلى الأميرة؛ لأن
العظيم يبدو — في عين الحقير — كأنه يُشعُّ نورًا سماويًّا. وهم يتساءلون: هل
أتت إلى أولس لزفافها؟ ويقول آخرون إن الملك أجاممنن قد أرسل في طلب ابنته
حُبًّا فيها وشغفًا بها ورغبةً ملحةً في رؤياها. وهناك — برغم هذا — إشاعة
سائدة أنها سوف تُوهَب إلى أرتيمس إلهة غابة أولس. أين العروس أيها الملك؟
أعِدَّ الطقوس، وتزيَّنْ بتيجان الذهب وبالزهور، وجهِّزْ يا سيدي منلايوس حفلات
العرس، ولتُردِّد قاعات أولس صدى النغم الطروب والرقص البهيج؛ فهذا يوم الأيام
في حياة الفتاة العذراء.
أجاممنن
:
حسنًا فعلت، وأنا لك على هذا شاكر. أرجوك أن تَدخُل الدار. كل ما يريده الله
حسن (يدخل الرجل من الباب الكبير). أمَّا
عني، فماذا عساي أن أقول؟ من أين أبدأ؟ لقد أوقعَتْني الأقدار في الشباك،
واللهُ — وهو أحكم مني في الخطط العابثة التي أرسمها — أحكمَ حولي حبائلها.
وددتُ لو لم أكن ملكًا؛ فالرجل من عامة الناس يَستطيع أن يبكي ويُولوِل على
نكبته، ولا يستطيع هذا من كان ذا مولد كريم. إنَّ الكبر يتحكم فينا ويجعل
مِنَّا عبيدًا لإخواننا من بني الإنسان. إني أشعر بالخِزي لو رآني أحد والدمع
يترقرق في مقلتي، ولكني بيني وبين نفسي أخجَل من جفاف عيني في مصيبتي. والآن
ماذا عساي أقول لكليتمنسترا؟ كيف أستطيع الترحيب بها؟ كيف أُقابل عينيها؟ لماذا
أتت ولم آمُرْها بالمجيء، فتُضاعف من بلواي؟ من الطبيعي أن تُرافِق ابنتها، ومن
اللائق أن تكون هنا كي تحتفل بزواج ابنتها، ومن الصواب أن تُبارك في العرس
وهكذا وقعتُ في الشراك. وستكون ابنتي المنكودة الحظ في القريب عروسًا «للموت».
إنَّ قلبي يتفطر من أجلها.
وإني لأسمعها تصيح أمامي وتقول: «أي أبي، أفتَقتلني؟ وهل هذا هو الزواج الذي
أعددتَه لي؟ أرجو الله أن يُمتِّعك وكل من تحب بعناق الموت!» وسيبكي أرستيز
الصغير بصوته الناعم على فقدان أخته. يا إلهي، إلى أي دمار ساقَني بارس بن
بريام! بارس الخائن وهلن الغادرة!
أولى أفراد الجوقة
:
إن الدموع تَنحدِر على وجنتي. وإني — وإن كنت غريبة — لأحسُّ كأن هذه القصة
المحزنة تقطع نياط قلبي.
منلايوس
:
أخي، مدَّ إليَّ يدك واعفُ عني!
أجاممنن
:
ها هي ذي، لكَ النصر مهما كلفني.
منلايوس
:
وحق بيلبس، سيدنا العظيم، إنَّ الألفاظ لتخرج حارة من قلبي بغير رياء وأنا
أشهد الدمع في عينَيكَ يا أخي، وتنبعث مع كلماتي الزفرات على حزنك. تناسَ كل ما
طلبتُ إليك، تناسَ كلامي المرير. يجب ألا تَذبح ابنتك لتُحقِّق لي رغبتي. لماذا
يقاسي أبناؤك ويعيش أبنائي؟ ألستُ أستَطيع أن أجد لي زوجة أخرى، إن كان هذا هو
ما أريد؟ وهل لا بُدَّ للظفر بهن أن يدفع أخي الثمن بتحمُّل المصائب؟ ما كان
أشد جنوني وقسوتي حينما رغبتُ في موت فتاتك العذراء! وإنه لمما يدعو إلى الحسرة
أن تُذبح ابنة الأخ لاسترداد زوجة آثمة. ما لأفجنيا ولهلن؟ ألا فليتفرق جند
آرجيف من أولس. لا تحزن بعد هذا يا أخي، فأحزانك أحزاني. ولنصمَّ آذاننا عن
الكاهن الذي حكم على ابنتك بالفناء! سوف أؤيدك، وسوف ترى كيف أنكر ما بدَرَ مني
من عنف. أليس من الصواب أن أُبدِّلَ منطقي من أجل حبي أخي؟ لا تحسبني عبدًا
للشهوة الدنيئة.
أولى أفراد الجوقة
:
يا لها من كلمات نبيلة جديرة بتانتلس بن زيوس! حقًّا إنك ابن قومك.
أجاممنن
:
منلايوس، أشكرك على ما قلت. إنها مفاجأة مشكورة، ولكنها جديرة بأخي المخلص.
عجبًا كيف يُفرِّق الزواج بين الأخوين فيتحول حب القربى إلى رابطة بغيضة؟!
ولكني لا أرى طريقًا لإنقاذ ابنتي من المذبح الملطخ بالدماء.
منلايوس
:
ماذا! ومَن ذا يستطيع أن يُرغمك على ذبحها؟
أجاممنن
:
جيوش آكيا المتحدة.
منلايوس
:
أَعِدها إلى ميسيني.
أجاممنن
:
يُمكِن هذا سرًّا، ولكن لا نَستطيع أن تفرَّ من النتائج.
منلايوس
:
أي نتائج؟ لا تخشَ الجماهير!
أجاممنن
:
إن كالكس سيُعلِن كهانته أمام الجمهور.
منلايوس
:
لن يفعل هذا إذا لحقه الموت أوَّلًا، وهذا أمر يسير.
أجاممنن
:
الكُهان قوم يَصنعون السوء ويتَّصفون بالطمع.
منلايوس
:
وليس من ورائهم خير ولا نفع حيثما كانوا.
أجاممنن
:
وهناك ما هو أسوأ من هذا.
منلايوس
:
لا أستطيع أن أتكهَّن ماذا عسى ذلك أن يكون.
أجاممنن
:
يعرف ذلك ابن سسفس.
منلايوس
:
ماذا يستطيع أودسيوس أن يفعل بك أو بي؟
أجاممنن
:
أخشى مكرَه، فهو يُصانع الجمهور لينال حظوته.
منلايوس
:
لقد أصابه الله بنِقمة الطمع.
أجاممنن
:
ألا تراه واقفًا بين جند آرجيف يعلن ما أجاب به كالكس، ويُخبرهم كيف وعدت
أرتيمس بتضحية ثُمَّ خدعتهم؟ إن الجمهور سوف يَتبعه، ويقتُلنا، ويسوق الفتاة
إلى الموت. ولو فرَرنا فسيَجتاحون آرجس، ويدكُّون أسوار سيكلبس، ويَقضُون على
ميسيني. ماذا عسايَ أفعل؟ أية لعنة حلَّت بي! أي منلايوس، افعل هذا على الأقل
من أجلي، راقب كليتمنسترا حتى لا تسمَع بكلمة واحدة من هذا حتى تتمَّ التضحية،
واعفني من دموع الأم! وأنتنَّ يا نساء كالكس، والْزمْنَ الصمت.
(يَخرج أجاممنن ومنلايوس ويختفيان خلف البيت من اليسار.)
أولى أفراد الجوقة
:
سعيد مَن يَعتدل في عبادة أفروديت! فالاعتدال يُعفي المرء من عذاب تلك
العاطفة الثائرة التي تُوخز الضمير.
الثانية
:
أجل، إنَّ أيرس ذو الشعر المجعد الأشقر يُطلق من قوسه سهمين أحدهما يجلب
السعادة الهادئة، والآخر يُصيب الحياة نفسها بجرح أليم.
الأولى
:
قيني، أفروديت، من مثل هذا الويل! وامنحيني الوفاق في حياتي الزوجية! هبيني
جمالًا مُتواضعًا، وأوحي إليَّ بالمحبة المعتدلة! إلهتي، امنحنيني الحب، ولا
تمنحينني إياه في إفراط.
الثالثة
:
إنَّ أخلاق الرجال ووسائلهم تختلف، ولكن المستقيم العادل منهم واضح بين
الجميع دائمًا. إنَّ التربية الحسنة تدريب على الفضيلة.
الرابعة
:
من الحكمة أن نقدِّس المظاهر، والسير على طريق الحق سار، والشهرة الطيبة التي
يَجلبها الحقُّ تاج على الرأس لا يزول مدى الحياة.
الثالثة
:
إن اتِّباع الفضيلة بين النساء منبع للسعادة لا ينفد، واتباعها بين الرجال
زينة للعقل تؤدِّي إلى جلال المنصب وبعد الصيت بين الناس.
الخامسة
:
أي بارس، يا من كنتَ ترعى الماشية البيضاء على منحدرات أيدا. أي بارس، يا من
ترنَّمتَ بأنغام أولمبس في مزمارك — الذي قُدَّ من بوص فرجيا — والثيرة الصابرة
ترعى. أي بارس، يا قاضي الجمال، إنك حينما أرسلت إلى قاعات أسبرطة العاجية،
بعثت جنون الحب في عيني هلن، وأصابك أيرس بجرحٍ دامٍ.
الأولى
:
وجلبت الحرب على طروادة، فها هم جنود آكيا يتجمَّعون بعجلاتهم ورماحهم
وفلَكِهم ليُحيلوا حقول ترواس الخصيبة يبابًا بلقعًا.
السادسة
:
انظرن أفجنيا ابنة الملك العظيم وأمها الملكة كليتمنسترا ابنة تندارس النبيل
تقتربان. ما أعظم بركات الأمجاد! وما أقدر الآلهة الذين يوزعون القوة بين
الأحياء!
الأولى
:
دعونا بنات كالكس نقف هنا، ونتناول يد الملكة النبيلة ونُنزلها من عربتها.
امددنَ أيديكنَّ الرقيقة وخاطبنها مترفِّقات خشية أن تفزع ابنة أجاممنن
الحسناء.
(تتجه الجوقة نحو اليمين، وتتقدم زعيمتهنَّ للقاء كليتمنسترا
أرستيز وأفجنيا.)
كليتمنسترا
(من بُعد)
:
أرجو أن تمددنَّ إليَّ يد المعونة حتى أستطيع أن أهبط من مقعدي (تدخل من اليمين) إن ترحيبكنَّ الودي الشفيق
فألٌ حسنٌ يبعث فيَّ الأمل في أن يكون زواج ابنتي التي أرافقها الآن من أجله
سعيدًا (تدخل حاشية محمَّلة بالصُّرر)
احملوا الهدايا إلى البيت باعتناء. وأنت «أفجنيا»، يا ابنتي، اهبطي من العربة،
وسيُعاونك على النزول هؤلاء الفتيات؛ فأعضاؤك ما زالت مُتوتِّرة منهوكة.
(تدخل أفجنيا) قِفي إلى جانب رأس
الجواد؛ فأعصابه متوترة إلى حدٍّ يفوق التصوُّر. خذي أرستيز ابن الملك أجاممنن!
إنه ما يزال صبيًّا صغيرًا (تحمل الفتاة السادسة من
أفراد الجوقة أرستيز فوق ذراعَيها). عجبًا! إنه نائم، لقد أنهكته
الرحلة وهدهدَه ترنُّح العربة حتى نام. تيقَّظ، بني، تيقظ وكن سعيدًا لأن أختك
ستُزَفُّ اليوم إلى رجل كريم المَحتِد تجري في عروقه دماء نيريوس.
(يدخل أجاممنن من اليسار إلى الخلف.)
تعالي، بُنيَّتي، وقفي إلى جوار أمك، وأري هؤلاء الغريبات كيف بارك الله لي
فيك! حيِّي أباكِ (إلى أجاممنن): مولاي
أجاممنن، نحن هنا إطاعةً لأمرك.
أفجنيا
:
هل تأذنين لي يا أماه أن أُسارع إلى تقبيل أبي؟
كليتمنسترا
:
أي ملك آرجيف، وسيد ميسيني، ومولاي الكريم، ها نحن قد أتينا إلى أولس إطاعةً
لأوامرك المكتوبة.
أفجنيا
:
أبي، عزيزي، هل تأذن لي أن آتي وأمنحَكَ قُبلة؟ فإني جد مسرورة لأن أرى أبي
مرة ثانية. لا تغضَب مني!
أجاممنن
:
تعالَي عزيزتي، إنك من بين أبنائي أكثرهم حُبًّا لأبيك.
أفجنيا
:
لقد انقضى وقت طويل، وتصرَّمت أيام وأسابيع منذ رأيتك آخر مرة. ما أشدَّ
سروري للقائك مرةً ثانية!
أجاممنن
:
وما أشدَّ سروري يا حبيبتي!
أفجنيا
:
لقد أصبتَ الرأي حينما بعثتَ في طلبي.
أجاممنن
:
لا أستطيع أن أقول كم في هذا من خير.
أفجنيا
:
لماذا تعلوك الكآبة وأنت تَراني ثانية؟
أجاممنن
:
إن الملك وقائد الحرب لديه أسباب كثيرة للهمِّ والاكتئاب.
أفجنيا
:
الآن أنت لي، أَبعِد عنك كل همومك.
أجاممنن
:
سوف أكون بكُليَّتي لكِ يا عزيزتي؛ فإن كل فكرة في رأسي تتجه إليك.
أفجنيا
:
دَعني أبسط هذه التجاعيد، وأرسُمُ البسمات على ثغرِ أبي.
أجاممنن
:
إن مرآكِ سعادة لي، وهي سعادة بمقدار ما يُمكن أن يكون لمثلي.
أفجنيا
:
إن دمعةً تَنحدر على وجنتك!
أجاممنن
:
لا بُدَّ لي أن أفقدك وأن نَنفصِل أمدًا طويلًا.
أفجنيا
:
كلا، كلا، يا أبتِ، إنَّ هذا لن يكون.
أجاممنن
:
إن كلماتك البريئة تُثير في قلبي حسرةً عظيمةً.
أفجنيا
:
إذا كان حديثي يُخفِّف عنك عبء همك، فدعني أتكلم وأُحدثك عن ألوف
الأشياء.
أجاممنن
(جانبًا)
:
إني أبكم. (إلى أفجنيا): لكِ شكري يا
عزيزتي.
أفجنيا
:
تعالَ يا أبتِ إلى بيتك في ميسيني والبَثْ هناك مع بناتك الصغار ومع
أرستيز.
أجاممنن
:
آه لو استطعت!
أفجنيا
:
تخلَّ عن هذه الحرب المَمقوتة، إنها لأسبرطة وحدها.
أجاممنن
:
أعرف أهوالَها كما يعرفها الآخرون.
أفجنيا
:
تصوَّر كم لبثتَ هنا في أولس!
أجاممنن
:
إنَّ إلهًا يبقينا هنا ويَحجز الجيشَ بأَسرِه.
أفجنيا
:
خبِّرني في أي جهة يقطن أهل فرجيا.
أجاممنن
:
هنالك بنيتي، وددتُ لو أن زيوس لم يُهيِّئ لبارس بن بريم السُّكنى
هناك.
أفجنيا
:
وهل الرحلة طويلة إلى هناك؟ وهل ستُقصيك بعيدًا عني؟
أجاممنن
:
إني وإياك نَقصِد هدفًا واحدًا.
أفجنيا
:
آه لو استطعت أن أتشرَّف بالإبحار معك!
أجاممنن
:
سوف تُبحرين يا عزيزتي إلى ساحل تَذكُرين عنده أباك.
أفجنيا
:
وهل أنا ذاهبة وحدي، أم هل ستبحر أمي معي؟
أجاممنن
:
وحدك، لن يُرافقَكِ أبوك ولا أمك.
أفجنيا
:
هل ستُرسِلني إلى بيت رجل آخر؟
أجاممنن
:
لا تسألي عن هذا؛ فالعذارى ليس لهنَّ أن يَعرفن هذه الأمور.
أفجنيا
:
أسرع عائدًا إلى دارِك بعد غزو طروادة.
أجاممنن
:
ولكن يجب أوَّلًا أن أُقدِّم ضحية في هذا المكان.
أفجنيا
(في شغف شديد)
:
وهل ستُعدُّ الطقوس في حفل كامل يَصحبه الكهان؟
أجاممنن
:
إنك سوف تَحضُرين وتقفين إلى جانب حوض الماء المقدس.
أفجنيا
:
وهل سنُغني ونرقص حول المذبح؟
أجاممنن
(جانبًا)
:
ما أسعدَ الجهال، وما أسعدك يا أفجنيا! (إلى
أفجنيا): اذهبي الآن إلى الدار وحيِّي الفتيات. (أفجنيا تَلتفِت متجهةً نحو الباب الكبير)،
قبِّليني ثانيًا يا بنيتي. (جانبًا): هذا
العناق العزيز، ما أعزه وما آلمه لأبٍ يوشك أن يفقد ابنته! ويلي، ما أجمل هذين
الخدَّين المتورِّدَين، وهذه الخصل اللامعة! ما أشد الحزن الذي جلبه لنا فرجيا
وهلن الغادرة! إنني لا أستطيع أن أقول أكثر من هذا؛ فإن دمعي ينهمر وأكاد أختنق
وأنا أمسُّك. (إلى أفجنيا): ادخُلي بنيتي
(تخرج أفجنيا من اليمين). (إلى كليتمنسترا): هيه يا ابنة ليدا، أسألك
العفو عن حزني على فقدِ ابنتي، فسأَهبُها إلى إكليز، إنه ليوم سعيد للأب حين
يُسلم ابنته للزواج، ولكن هذا البيت سيكون بغيرها خلاءً.
كليتمنسترا
:
ألا تحسب أني كذلك أحسُّ بهذا؟ لا أريدك أن تُخبرني بالأحزان وقد أتيت
بالفتاة هنا إلى عرسها. إن التعود والزمان كفيلان بتخفيف الأحزان. زِدني حديثًا
عن هذا الزوج، إني أَعرِف اسمه، فحدِّثني عن أسرته.
أجاممنن
:
كانت إيجينا ابنة أسوبس.
كليتمنسترا
:
ومن تزوَّج منها، إله أو إنسان؟
أجاممنن
:
زيوس نفسه. وكان لهما ابن اسمه إياكَس دعَتْه أوينون مولاها.
كليتمنسترا
:
وأي ابن خلَّف أياكس.
أجاممنن
:
بيليوس الذي تزوَّج من إلهة البحر نيريوس.
كليتمنسترا
:
عنوة أم برضا الآلهة؟
أجاممنن
:
سلَّمها أبوها برضا من زيوس.
كليتمنسترا
:
وأين عُقد الزواج؟ في كهوف المحيط العميقة؟
أجاممنن
:
بل فوق مرتفعات بيلين ذات النسيم العليل، حيث يُقيم كيرين.
كليتمنسترا
:
هناك يُقال إن جماعة القنطورس تتجول.
أجاممنن
:
إن الآلهة جميعًا باركوا في الزواج بمحضرهم.
كليتمنسترا
:
ومن قام بتربية إكليز أبوه أو أمه ثيتس؟
أجاممنن
:
لا هذا ولا تلك، إنما علَّمه كيرن حتى لا يعرف شيئًا عن شرور الأشرار.
كليتمنسترا
:
المعلم عاقل، ومن كلَّفوه بالمهمة عاقلون.
أجاممنن
:
هذا هو الرجل الذي قدَّره الله لابنتك.
كليتمنسترا
:
ليس لديَّ ما يدعو إلى الرفض. أين مملكته من آكيا؟
أجاممنن
:
حيث يتدفَّق نهر أبداس خلال فنيا.
كليتمنسترا
:
وهل سيقود ابنتَنا إلى هناك؟
أجاممنن
:
هذا أمر يُهمُّه حينما تكون له.
كليتمنسترا
:
بارك الله فيهما! ومتى يكون الزِّفاف؟
أجاممنن
:
عندما يُتمُّ القمر دورته.
كليتمنسترا
:
وهل ستنحَر ضحية من أجل العروس أوَّلًا؟
أجاممنن
:
بغير توان، وها أنا ذا ذاهب لأعد الضحية الآن.
كليتمنسترا
:
وبعدئذٍ تُقيم وليمة العرس.
أجاممنن
:
بعدما ينال الآلهة ما يستحقون.
كليتمنسترا
:
وأين يُقيم النساء وليمتهن؟
أجاممنن
:
هنا حيث الأسطول الباسل يركب متن الخليج.
كليتمنسترا
:
أعدَّ كل ما يتطلَّبه هذا الظرف إعدادًا وافيًا.
أجاممنن
:
والآن اسمَعي ما أريد منك وأطيعيني.
كليتمنسترا
:
إنني كنتُ دائمًا أُقدِّم لك الطاعة.
أجاممنن
:
سنذهب إلى حيِّ العريس.
كليتمنسترا
:
بغيري! بغير الأم! إنه حقِّي.
أجاممنن
:
وسأُسلِّم ابنتي في حضرة جند آرجيف المتجمعين.
كليتمنسترا
:
وماذا عساي أصنع خلال ذلك؟
أجاممنن
:
عودي إلى آرجس، واعني بشئون البيت.
كليتمنسترا
:
وأترك ابنتي؟ ومن ذا الذي يَرفع مشعل العرس؟
أجاممنن
:
سأَحمِل بنفسي المشعل في الحقل.
كليتمنسترا
:
هذا يُخالف عاداتنا جميعًا، ولا يتَّفق وآداب اللياقة، ولا أظنك تحسب هذا
صوابًا.
أجاممنن
:
كما أنه ليس من اللياقة أن تَسيري بين الجند المسلحين.
كليتمنسترا
:
إن الأم دائمًا تُرافِق ابنتها.
أجاممنن
:
عودي إلى الدار لصُغرى بناتك.
كليتمنسترا
:
إنها تلقى رعاية طيبة وحراسة متينة في ميسيني.
أجاممنن
:
أرجوك أن تذهبي.
كليتمنسترا
:
كلا، وحق هري العظيمة ملكة السماء وربة آرجس. إن الأمور خارج الدار من شأنك،
ولكنَّها داخل الدار من شأني، وأنا وحدي سأُعدُّ ابنتي للزفاف.
(كليتمنسترا تدخل البيت.)
أجاممنن
:
كل الأمور تسير باعوجاج! وددتُ لو أني استطعتُ أن أُبعِد زوجتي! عبثًا ما
نُدبِّر، ولا خير فيما نُفكِّر، فكل الأمور تسير باعوجاج! سأبحث عن كالكس
العراف، فسيُخبرني بما يُريد أرتيمس. الحزن لي والأسى لآرجس. إن الرجل الحكيم
يطلب الزوجة الرقيقة المؤدَّبة أو لا يتزوج مطلقًا (يخرج اليسار).
أولى أفراد الجوقة
:
والآن سوف يَسير ملوك آكيا بأساطيلهم الجرارة حتى شواطئ سمويس الفضية، ثُمَّ
يَضربون في سهول إلين — الأرض العزيزة على فيبس — يَحملون دروعًا من النحاس
الأصفر اللامع، وستَحمِل كسندرا عقدة شَعرها الأصفر البراق، وتَنثر إكليل النار
الأخضر بعدما يحلُّ فيها رُوح الله وتتملَّكها حماسة الكُهان.
الثانية
:
وسوف يَحتشد أبناء دار دانس في بروج طروادة الشامخة وفوق أسوارها المنيعة،
كما يَنطلِق آرياس — ابن البحر — في درعٍ من البرنز فوق أمواج سمويس في سفن
مرتفعة. ويُقبل «المنتقم» في طلب أخت ديسكيوراي السماوية، في طلب هلن، يريد
ردَّها إلى أرض آكيا بقوَّة السيوف والرماح.
الثالثة
:
وستَجري الدماء في بروج برجامس المشيدة بالحجارة، وسوف تغصُّ شوارع طروادة
بالقتلى الذين طاحت رءوسهم، وسوف تَذرف بنات بريم دمعًا أجاجًا، وتنتحب هلن
الذهبية على هَجرِها منلايوس.
الرابعة
:
اللهم لا تكتب عليَّ سوء المصير الذي تتحدَّث عنه نساء ليديا الثريات وزوجات
فرجيا الخصيبة وهن يَرتعْنَ أثناء العمل في المنوال. اللهمَّ لا تكتب عليَّ أن
يجرني من شعري غزاة بلدي بأيديهم الخشنة!
الخامسة
:
الويل لطروادة من أجل هلن التي حملَتْها ليدا لجوف كما يُروى في القصص، ما لم
تكن هذه القصص عبثًا باطلًا وحكايات غير مقبولة يرويها الرجال.
(يدخل إكليز من اليسار.)
إكليز
(مناديًا)
:
هيَّا! هل قائد الحرب داخل الدار؟ هيَّا، يا حارس الباب، قل لمولاك إن إكليز
بيليديز يَنتظِره عند الباب. (يُناجي نفسه):
ليس من العدل أن نحجز هنا جميعًا على شواطئ يوربس بغير عمل؛ فإن بعضَنا ممَّن
يتلكَّئون هنا على الساحل لما يتزوَّج، وقاعاتنا المهجورة خالية، وبعضنا خلَّف
وراءه زوجه وبنيه. إن الآلهة قد أصابت ملوك آكيا بجنون الحماسة. والآن أريد أن
أصرح برأيي بالنيابة عمن أقود وبالأصالة عن نفسي، وليفعل الآخرون ما يشاءون.
إني أتسكَّع هنا بعيدًا عن فرسيليا وعن أبي بيليوس، رهين النسيم الفاتر الذي
يهب على يوربس. إن المرميدون أتباعي يتململون قائلين: «إكليز، ماذا نحن
منتظرون؟» «إكليز، حتام نبقى في طريقنا إلى طروادة؟» «إكليز، هيا بنا نعمل ما
تركنا ديارنا من أجله.» أو يقولون: «عُد بنا إلى فنيا، ولا تلبث بعد هذا، واترك
أبناء آتريوس متخلِّفين.»
(تدخل كليتمنسترا مقبلة من الدار.)
كليتمنسترا
:
إن صوتك يا ابن ثيتس السماوية قد بلَغني وأنا جالسة داخل الدار.
إكليز
:
احترامًا أيتها الملكة! أية سيدة أرى هنا — ملكة الجمال؟
كليتمنسترا
:
لا عجب أنك لا تعرفني ما دمت تراني الآن لأول مرة، إني أتقبَّل احترامك وأقدر
آدابك.
إكليز
:
من ذا عسى أن تكوني حتى تَجرُئي على السير بين جيوش آكيا المحتشدة، سيدة
كريمة المَحتِد بين جند مسلحين؟
كليتمنسترا
:
أنا ابنة ليدا، واسمي كليتمنسترا، وزوجي أجاممنن ملك الرجال.
إكليز
:
خير الكلام ما قلَّ ودل، إنه لا يحقُّ لي أن أتبادل الحديث مع النساء
النبيلات.
كليتمنسترا
:
البَث هنا ولا تتجنَّبْني، واعقد يُمناك في يمناي تفاؤلًا بالزواج
السعيد.
إكليز
:
ماذا أسمع؟ وما هذه الكلمات؟ هل أمدُّ يدي؟ إنني لا أفكر في مثل هذه الإساءة
إلى أجاممنن.
كليتمنسترا
:
ليس في هذا إساءة يا ابن ربة البحر. إنه لا شك عمل مشروع ما دمت ستتزوج من
ابنتي.
إكليز
:
أتزوَّج من ابنتك! إن الدهشة تَعقِد لساني، إنك لا تعرفين ما تقولين، لا
بُدَّ أن تكوني معتوهة.
كليتمنسترا
:
إنَّ الخجل والحياء صفتان تدعوان إلى الإعجاب في الشاب، ولكنك تُبالغ فيهما
أشد المبالغة.
إكليز
:
إنني لم أطلب قط — أيتها الملكة — يد ابنتك، ولم أتبادَل مع آتريديز كلمة
واحدة بشأن الزواج.
كليتمنسترا
:
إنني لست أفهم. ما معنى هذا؟ إنك لا تستطيع تفسير كلماتي، كما أن كلماتك
مُبهَمة لي.
إكليز
:
لا بُدَّ من حلِّ اللغز، كلانا يقول صدقًا.
كليتمنسترا
:
عارٌ عليَّ أيُّ عار أن أتحدث عن زواج ليس له وجود!
إكليز
:
لقد خُدعنا ووقعنا في حيرة. أرجو ألا يحزن فؤادك.
كليتمنسترا
:
وداعًا! إني لن أجرؤ بعد اليوم أن أُقابلك وجهًا لوجه. يا للعار!
إكليز
:
وداعًا، أيتها الملكة! إني أطلب لقاء أجاممنن في داره.
الرجل العجوز
(من الداخل)
:
أيها الصديق، يا ابن إيكس، انتظر، انتظر بيليديز، وأنتِ كذلك يا ابنة ليدا
انتظري.
إكليز
:
من ذا الذي يُنادي خلال الباب المفتوح؟ أية كارثة تنمُّ عنها نغماته
المرتعشة.
(يأتي الرجل العجوز إلى الباب الكبير.)
الرجل العجوز
:
إني عبد.
إكليز
:
عبد من؟ لستَ عبدي؛ فإني لا أعرفك. عبد أجاممنن؟
الرجل العجوز
:
إن ملك تندارس قد وهَبَني لابنته هذه التي تقف أمام الباب.
إكليز
:
لقد ناديتَنا أن نبقى، وها أنا ذا منتظر.
الرجل العجوز
:
هل أنت وحدك؟
كليتمنسترا
:
نحن وحدنا، تقدم.
الرجل العجوز
:
اللهم احفظ أعزائي يا ربَّ السماء ويا علام الغيوب.
إكليز
:
ماذا تخشى؟ وأي خطرٍ يُهدِّدنا، ومن ذا يهددنا؟
كليتمنسترا
:
لا تتوانَ أكثر من هذا، بل أفصح عما تريد.
الرجل العجوز
:
إنك تعرفينَني أيتها الملكة، خادم يُوثق فيه، مُخلِص لك ولأبنائك.
كليتمنسترا
:
أعرف أنك خادم عجوز في بيتي.
الرجل العجوز
:
كنتُ قد أُرسلت إلى أجاممنن جزءًا من مهرك.
كليتمنسترا
:
أتيت معي إلى آرجس، وكنتَ مِلكًا لي منذ ذلك الحين.
الرجل العجوز
:
هذا حق. وعليَّ أن أُخلِص لك، وأن أكون لزوجك أقل إخلاصًا.
كليتمنسترا
:
إذن فلتُفضِ دون تردُّد بالسر الذي يجثم فوق صدرك.
الرجل العجوز
:
إن الأب يَعتزم أن يقتل بيديه ابنتك!
كليتمنسترا
:
ويحك! يا لها من قصة أيها الرجل العجوز! هذا خبرٌ لا يُصدَّق، وإنك
لمعتوه.
الرجل العجوز
:
سيَطعن العذراء الشقية بسكين في حلقها الأبيض.
كليتمنسترا
:
ويلي، هل جُنَّ زوجي؟
الرجل العجوز
:
كلا، لم يُصِبه جنون إلا فيما يتعلق بك وبابنتِك، وهو في هذا الأمر
مجنون.
كليتمنسترا
:
لماذا؟ لماذا؟ أية «ربة غاضبة» من تارترس استولت عليه؟
الرجل العجوز
:
هو الكاهن، هو كالكس؛ وذلك لكي يستطيع الأسطول أن يقلع.
كليتمنسترا
:
يُقلع؟ إلى أين؟ أي مصير سيئ هذا الذي حكم عليَّ به! آه يا ابنتي، يا من يريد
أبوكِ أن يقتلك!
الرجل العجوز
:
إلى طروادة دردانين كي يردَّ هلن إلى منلايوس.
كليتمنسترا
:
وهل لا بُدَّ من موت أفجنيا لاسترداد هلن؟
الرجل العجوز
:
لا مناصَ، سيُضحِّي بها لأرتيمس.
كليتمنسترا
:
وهل لم يكن هذا الزواج إلى تعلَّةً لاجتذابنا من دارنا؟
الرجل العجوز
:
كي يُؤتى بابنتك في مرح كعروس من نصيب إكليز.
كليتمنسترا
:
لقد جيء بكِ إلى الموت يا ابنتي، وجيء بأمك معك!
الرجل العجوز
:
قلبي لك ولابنتك في محنتكما الشديدة. حقًّا إنَّ خطة أجاممنن لفظيعة.
كليتمنسترا
:
ما أشدَّ مصيبتي، دعني أبكي!
الرجل العجوز
:
حينما يُحيط الموت بالطفل يُمسي حزن الأم كوقع السيف المسموم.
كليتمنسترا
:
أيها الرجل العجوز، كيف علمتَ بهذه الخطة المريعة؟
الرجل العجوز
:
كنتُ أحمل إليك رسالة ثانية.
كليتمنسترا
:
رسالة تَنهاني أو تأمرني بإحضار ابنتي إلى موتها؟
الرجل العجوز
:
بل تنهاكِ؛ فإن قلب زوجِك قد تغير.
كليتمنسترا
:
ولماذا لم أتسلَّم هذه الرسالة؟
الرجل العجوز
:
اغتصَبها مني منلايوس، أسُّ كل هذا البلاء.
كليتمنسترا
(لإكليز)
:
أي بيليديز، يا ابن الآلهة، هل سمعت؟
إكليز
:
سمعتُ بكربتك، وإني لضعيف الاحتمال لما يمسني.
كليتمنسترا
:
سيَذبحون ابنتي بعدما أتيتُ بها إلى هنا بزعم زواجها منك.
إكليز
:
على زوجِك تقع الملامة، وأنا، ابن بيليوس، أُلقي عليه اللوم.
كليتمنسترا
(تخرُّ جاثية على ركبتيها أمام إكليز)
:
إني أجثو على ركبتي أمامك بغير خجل، فلستُ سوى امرأة فانية لدى قدمَي رجل من
نسل الآلهة. لقد انتزع مني كبريائي، ومصير ابنتي يُعذبني. امدُد يدَك فوقي يا
ابن ثيتس، وقِ أمًّا عاجزةً، وأنقِذِ الفتاة التي سُمِّيَت عروسك! من أجلك
ضفَّرنا الأكاليل الزاهية وتوجَّناها بها كي نقودَها إلى بيتك عروسًا لك. وها
هي ذي الآن تُقاد فريسة التضحية. امنَحْها رعايتك حتى لا يُعيِّرها أحدٌ بأنها
التمسَت منك الرعاية بغير جدوى وأنت بعلُها المُرتقَب. إني أدعوك بحق لحيتك
وبحقِّ يُمناك وبحق أمك التي حملتك. إنَّ اسمك قد أتى بنا هنا للكارثة. ليكن
اسمك وقاية لنا في مصيبتنا. ليس لي مأوًى سوى موطئ قدمَيك؛ فقد هجرني الأصدقاء
جميعًا. لقد سمعتُ بالخطط اليائسة القاسية التي دبَّرها أجاممنن، وإليكَ وحدك
بين أساطيل آكيا هذه المحتشدة أهرع طلبًا للمعونة، وأنا امرأة عاجزة بين جندٍ
عابثين يَميلون إلى الشر أو إلى الخير كما تُسيِّرهم الأهواء. امدُد يدك فوق
رأسي المُطأطئ إن كنت تريد معونتنا، وإلا فقد هوينا.
أولى أفراد الجوقة
:
ما أعظم حب الأمهات. إن زيوس قد وهَب قلوب النساء للأبناء.
الثانية
:
إن روحه الطموح ينفذ خلال المستقبل الغامض، ويَبكي ويلات الآخرين، ويبتهج
لحظِّهم السعيد، وإنه ليفعل ذلك بالقسطاس؛ فالعقل وصدق الحكم يتحكَّمان في
أعماله. وبرغم هذا، فإن هناك من الأوقات ما تُحمَد فيه الحكمة، كما أن هناك من
الأوقات ما يَحسُن فيها ألا يُغالي المرء في العقل.
إكليز
:
سأُطيع أبناء آتريوس حينما يأمرون بالعدل، فقد علَّمني كيرن أشد الأحياء
استقامة بساطة الأخلاق. فإن كان أجاممنن على خطأ فلن أقدِّم إليه خدماتي، ولن
أُخضِع حياتي لأمر مشين. وسواء هنا أو في ترواس فإن روحي الطليق سيَخدم آرس بكل
ما أستطيع من قوة. وإني لأمدُّ يُمناي فوق رءوسكم وأُقدِّم كل حماية بوسع الشاب
أن يقدمها، لكم أنتم يا من تنشأ أحزانكم الشديدة من جراء أفعال أولئك الذين كان
ينبغي لهم أن يكونوا حماة لكم؛ فإن الشفقة تمس قلبي. إن الأب لن يذبح الفتاة
التي دعاها عروسي، وليس لي أن أُعيِّر اسمي في أي وقت من الأوقات لمثل هذه
الخيانة، ومع ذلك فإن اسمي الآن هو قاتِل ابنتِك، ولو أن يدي لن تمسَّ السكين.
إن زوجك هو الباعث على كل هذا، ولكني كذلك أُؤخذ بجريرته إذا كانت هذه الفتاة
البريئة — باسم زواجِها المزعوم مني — ستَلقى حتفها بمثل هذه الطريقة الشنعاء
التي يَفزع من هولها الآلهة. وإني لأعدُّ نفسي أسفل مَن في آكيا، رجلًا لا
قيمةَ له، — اللهم إن كان منلايوس لا يزال يُسمَّى
رجلًا — ولا أكون ابن بيليوس الصادق الأمين، بل ابن شيطان رجيم، لو
أنهم باسمي قتَلُوا ابنتك. كلا وحقِّ نيريوس ربة أعماق البحار، إن أجاممنن لن
يمد يده إلى ابنتك، ولن يمسَّ رداءها. وإلا فإن سيبلس أرض المتوحِّشين التي
منها جاء جنسُه تُصبح بلدًا عظيمًا وتُنسى أرض فثيا المجيدة. إن كالكس الكاهن
يقرأ التعاويذ على الأوراق والأقداح لأغراض دنيئة. من هو الكاهن؟ إنه رجل ينطق
عن قليل من الصدق، وكثير من الأكاذيب، كما تُسيِّره المصادفات، ويقيس الناس
قيمته بمقدار ما ينال من حظ. لا تحسبي أني أقدم إليك المعونة من أجل هذا
الزواج، فكم من فتاة عذراء تُرحِّب بالاقتران بي. ولكن الملك أجاممنن أمعن في
الإساءة لي، وكان ينبغي له قبلَ أن يستخدم اسمي فخًّا يوقع فيه ابنته أن
يُبادلني المشورة. ولو أن كليتمنسترا النبيلة وهَبَتني فتاتها ما ضننتُ بها على
آكياد لو أن إقلاع الأسطول كان يتوقَّف على هذه التضحية، وما كنتُ لأتخلف عن
زملائي وقت الحاجة. إن هؤلاء الملوك يَنظرون إليَّ كرجلٍ بغير قيمة، ولا
يكترثون أقلَّ اكتراث إن كانوا يسيئون معاملتي أو يُحسنونها. ولكن سيفي سوف
يكون في الأمر فيصلًا، وقبل أن أبلغ طروادة سأُلطِّخه بالدماء حتى مقبضه لو
حاول أيُّ امرئٍ أن ينتزع مني ابنتك. وسوف يكون غضبي حاميًا لكِ كالإله، وإن لم
أكن إلهًا — وزيوس على ذلك شهيد! — غير أن
الظَّرف يلهم ذراعي بالقوة.
رابعة أفراد الجوقة
:
أحسنتَ الكلام يا بيليديز، وإنك لجدير بشُهرتك وبثيتس ابنة ابنة البحر التي
نُقدِّسها.
كليتمنسترا
:
لقد انعقد لساني فلا أجد الألفاظ أثني بها على فضلك. لا تسخَر من قولي؛ فهذا
حقٌّ لك. إني أستحي أن أزعجك بأحزاني الخاصة؛ لأن مثل آلامي قد تكون تافهة لديك
أيها البطل الشاب. إن الأمير الكريم يظفر بالثناء بين الرجال إذا مدَّ إلى
النساء يد المعونة في محنتهن. وإذًا فلتكن بنا شفيقًا؛ فإن بلوانا تستحق
الشفقة؛ فقد أتيتُ إلى هذا المكان كي أجد لابنتي بعلًا، فإذا بي أتعلق عبثًا
بالأمل. كن بي شفيقًا! إنها علامة شؤم ممقوتة أن يُستعاض بقتل ابنتي عن زفافك.
كن بها شفيقًا! ولتكن نبيلًا في عملك كما أنت نبيلٌ في قولك؛ فإن في هذا
نجاتها. هل لا بُدَّ لها أن تخرج من البيت وتتعلَّق بقدميك متوسِّلة مُتضرِّعة؟
إن هذا لا يَليق بالعذارى، ومع ذلك فسوف تفعله إن كان في هذا العمل حكمة نبيلة.
ولو أشفقت عليها لأبقيتها داخل الدار وتقدَّمتَ إلى معونتها دون أن
تراها.
إكليز
:
لا تدْعي ابنتك أيتها الملكة، لا تفعلي شيئًا تدفعين به ألسنة الجهال إلى
الثرثرة بالسوء والفضيحة؛ فنحن بين الجنود، وسأفعل ما أستطيع. ولستُ أَعِدك
وعدًا لا طائل منه، وليكن جزائي الموت إذا كنت من الكاذبين! اللهم امدد في
حياتي حتى أُنقذ الأميرة.
كليتمنسترا
:
بارك زيوس فيك، يا مُنقذ المكروبين!
إكليز
:
لنتشاور معًا ونَرسُم خطة للنجاح.
كليتمنسترا
:
إني أنتظر ما تَقترِح في شغف عظيم.
إكليز
:
يجب أن نحمل أباها على أن يَسلُك مسلكًا أحكم من هذا.
كليتمنسترا
:
إنه جبان ويَخشى الجيش.
إكليز
:
قد يتغلَّب الحب على الخوف.
كليتمنسترا
:
هذا أمل ضعيف. ماذا عساي أن أفعل؟
إكليز
:
تضرَّعي إليه، وتوسلي ألا يَذبح ابنته. فإذا لم يستمع إليك أرسلي في طلبي،
وإذا أذعَنَ لك فهي آمنة، وليست حينئذٍ إليَّ حاجة. وأستطيع أن أبقى حليفًا
لأجاممنن، ولا يسع أهل آرجيف عندئذٍ أن يَرفعوا عقيرتهم بالشكوى مني. وسنَبلغ
مأربنا بالحكمة لا بالقوة. وسيكون هذا خيرًا لك ولأصدقائك حتى إذا لم تكن بك
حاجة إلى معونتي.
كليتمنسترا
:
مشورتك حكمة، ويَجب أن تُتبع. أين أستطيع أن أجدك إن فشلت؟ ماذا عساي أفعل في
مصيبتي كي أظفَرَ بمعونتك؟
إكليز
:
سألبث على أهبة قريبًا منك حتى لا يَرمقك أحد وأنت تتخلَّلين صفوف الجيش في
هلع؛ فإن في ذلك عارًا على أبيك تندارس الذائع الصيت.
(يختفي إكليز إلى اليسار.)
كليتمنسترا
:
ليكن ذلك! ولسوف أصدَع بما أَمرت، وجزاؤك عند الآلهة إن كان هناك آلهة! وإن
لم يكن هناك آلهة فإن عناءَنا لن يذهب سُدًى.
(تدخل كليتمنسترا الدار.)
أولى أفراد الجوقة
:
إن الهواء الصافي قد تردَّدت فيه موسيقى الناس والقيثار والمزمار في نغم
مُؤتَلِف فِضِّي الرنين، وفوق قمة بيرين الشامخة وطأت الأديم بخفة «البيرديز»
ذات الشعر الطويل بأخفافها الذهبية وهي تَرقُص في حفلة زفاف تينس إلى بيليوس
أمام حشد من الأرباب. وكانت وهي تقص تغني، تغني نشيد زواج ثيتس من بيليوس فوق
تلال القنطورس في غابة بيلين الكثيفة.
الثانية
:
وقد ملأ الأقداح بالنبيذ جانميد الفريجي بن دردانس المحبوب لدى زيوس وهي —
البيرديز — تغني. وفوق الشطآن الرملية وقفَت بنات نيريوس في حلقة ترقص في حفلة
زواج بيليوس من ثيتس.
الثالثة
:
واحتشَدت القناطرة٢ تُهرول نحو وليمة الآلهة، ونحو دُن ديونيسَسْ وهي تهزُّ أغصان
الصنوبر الضخمة، وتتزيَّن بأكاليل الزهر الخضراء.
الرابعة
:
وصاح كيرن الكاهن العجوز صياحًا عاليًا، وقد ألهمه أبولو قائلًا: «يا ابنة
نيريوس، يا أميرة البحار، إنكِ سوف تحملين ولدًا، وسيكون فخر نَسلي. وسوف يقود
ابنُكِ حمَلة الحراب من أهل فثيا ليَدُكوا حقول طروادة ويغنموا كنوز بريم. وسوف
يتدرع بعدة حربية طرقها هنايستس الحداد المقدس، هدية من الأم التي
حملته.»
الخامسة
:
هكذا احتفلت الآلهة بقران بيليوس بثيس أميرة البحر، ولكن جند آرجيف سيأتون
إلى أفجنيا بإكليل كذلك الذي يوضع فوق جَدْي من الجبال، فلن يغني لها الراقصات
على أنغام الناس والقيثار، وإنما سوف تُذبَح كما يُذبَح العجل عند
المذبح.
السادسة
:
إنَّ الشر يسود والخير مهزوم. الشر يسود والعدل منبوذ. ولا سبيل إلى الفرار
من غضب الآلهة.
(تدخل كليتمنسترا من الباب الكبير.)
كليتمنسترا
:
لقد طال غياب زوجي عن الدار فخرجتُ خارج الأبواب أبحث عنه. إن ابنتي
التَّعِسة تذرف الدمع ويُفنيها العويل منذ علمت بالموت الذي حكم عليها أبوها
به. انظروا! ها هو ذا أجاممنن يُقبل، هذا الرجل الكافر قاتل بنيه.
(يدخل أجاممنن من اليسار.)
أجاممنن
:
لقد قادتْكِ الصدفة يا ابنة ليدا إلى الباب لأني أريد أن أتحدَّث إليك في
أمور لا يَليق بفتاة عذراء أن تُصغي إليها في ليلة الزفاف.
كليتمنسترا
:
وما تلك؟ اغتنم الفرصة.
أجاممنن
:
كِلي ابنتَكِ لرعاية أبيها. إن أحواض الماء المقدس قد أُعدَّت، والكعك المملح
قد أُعدَّ ليُقذَف به في النار المتوهِّجة، وهناك العجول التي لا بُدَّ أن
تتدفق دماؤها في أنهار سوداء من أجل أرتيمس ربة الغابة الطاهرة.
كليتمنسترا
:
إن أقوالك لتبدو جميلة، ولكني لا أعرف كيف أُثني على أفعالك لو ذكرتها.
(تلتفت إلى البنت): اخرُجِي بُنيتي؛
فأنت تعرفين ما يُدبر أبوك، واستصحبي معك أرستيز مدَّثِرًا في عباءته.
(تخرج أفجنيا وأرستيز.)
(إلى أجاممنن): انظر! ها هي ذي تُطيع أمرك
بغير توان. والآن اسمح لي أن أقول كلمة عن حقِّها وعن حقي.
أجاممنن
:
ابنتي تبكي؟ ما أشد الكآبة والشحوب يعلوان وجهك الذي تخفينه خلف ملاءتك!
خبريني عن شجونك!
أفجنيا
:
شجوني؟ من أين أبدأ الحديث عن شجوني؟ إن أول أحزاني هو آخر الأحزان.
أجاممنن
:
لماذا تتكأكئون كأنَّ فزعًا قد أصابكم؟
كليتمنسترا
:
هل تصدق الجواب لو سألتك؟
أجاممنن
:
تكلمي وسوف أجيب.
كليتمنسترا
:
هل حكمتَ على ابنتك وابنتي بالموت؟
أجاممنن
:
يا له من سؤال! ويا لها من ريبة بغيضة!
كليتمنسترا
:
لا تتحاشَ السؤال، وأَجِب عنه.
أجاممنن
:
اسألي فيما يَليق، وسأُجيب في أسلوب حكيم.
كليتمنسترا
:
هذا وحده ما أسأل عنه، فأجبني.
أجاممنن
:
يا لسخرية القدر! ويا لسوء مصيري!
كليتمنسترا
:
ومصيري ومصيرها، وهي أشدُّ ثلاثتنا بؤسًا.
أجاممنن
:
أي خطأ ارتكبت؟
كليتمنسترا
:
وهل تسألني هذا؟ بل أي صوابٍ فعلت؟
أجاممنن
:
لقد غَدَر بي غادر، وتسرَّبَت أسراري.
كليتمنسترا
:
سمعتُ بخططك جميعًا. إنَّ صمتك وإشاراتك تفضحك، وليس ثمَّت داع إلى
الاحتجاج.
أجاممنن
:
إني أُصغي صامتًا. ولن أضمَّ إلى آلامي عارًا جِدًّا بباطل الكلمات.
كليتمنسترا
:
والآن يا أجاممنن، استمع إليَّ، فسأُفضي بما في قلبي في عبارة صريحة. لقد
تزوجتَ مني رغمًا عن إرادتي؛ فقد ذبحتَ بيدِكَ زوجي الأول، وانتزعت من بين
أحضاني ابني الربيع وقذفتَ به فوق الصخور حتى قَضى، وكان بوسع إخوتي أبناء زيوس
مروِّضي الخيول أن يقتلوك بأسلحة لامعة، لولا أن أبي قد أنقذَكَ بعدما انكفأت
على وجهك عند ركبتَيه متوسِّلًا مُتضرِّعًا. هكذا كان زواجك مني. وبرغم هذا
فسوف تشهد بنفسك أني كنتُ لك زوجًا لا لوم عليَّ ولا تثريب، حريصةً على اسمك
وسمعتك، خادمةً دقيقةً لبيتك، حتى كان العود إلى البيت مسرةً لك ومُتعة. إن
الزوجة إذا كانت كما كنتُ لك هدية نادرة يبحث عنها طويلًا في البلاد النائية.
وقد ولدتُ لك ثلاث بنات وابنًا وحيدًا. ثُمَّ تريد أن تنزع من بين ذراعيَّ
كُبرى بناتي وتسوقها إلى الموت! يا ويلتاه! بماذا تجيب؟ لماذا تريد أن تَقتُل
ابنتَك؟ هل أُخبرك لماذا؟ كي يردَّ منلايوس أهله إلى حوزته. سنَدفع ابنتنا
ثمنًا له يشتري به عودة زوجته الفاجرة. لا بُدَّ لنا أن نَفتدي بالأبرياء الذين
نحبُّ من نَمقُت ونزدري أشد المقت والازدراء. سوف ترحل بعيدًا إلى طروادة،
قائدًا على جيش عرمرم، وسوف أعود وحيدة إلى آرجس، وسيَخلو مقعد ابنتي، وسيخلو
سريرها، وسوف تغرورق عيناي بالدمع، وسوف أبوح حينما أجلس وحدي! «لقد ذبحكِ أبوك
يا بُنيَّتي، وقتلك بيده من وهبك الحياة، ولم يَقتُلكِ عدو. هذه هي البركات
التي تحلُّ بدارنا!» آه، إني أتوسل إليك ألا تفعل شرًّا، أتوسَّل إليك بكل
الأرباب ألا تُنزل بنا شرًّا. دعني وبناتك نُرحِّب بعودتك بالسرور الذي يَليق
بنا. أفتُضحِّي بابنتك؟ أي دعاء سوف تدعوه وأنت تُضحِّي بها؟ وأيَّة بركة
تَستنزِلها على هذه الضحية يا قاتل ابنتك؟ أي توفيق سيعود به هذا العار على
الحرب المشئومة التي سوف تُقلع في سبيلها؟ هل تحب أن أدعو لك الله؟ بماذا تحكمُ
على الآلهة لو آثرَتْ بعطفها قاتلًا يَلغ بيديه راغبًا في دم ابنته؟ وهل تحسب
أنك ستُعانق ابنتك وبناتك عند عودتك إلى آرجس؟ لن يكون لك الحق في هذا. لن
يتطلَّع إلى وجهك ثانية ابنٌ من أبنائك بعدما تذبح ابنتك؛ فإنك سوف تذبحها عن
قصد وعمد بغيض. لو استدعاك الله وحدَكَ كي تحمل عصا القيادة الحربية وتسير على
رأس الجيوش، فسيكون من واجبك أن تُناشد أهل آرجيف.
«هل في عزمكم أن تَعبُروا بحر إيجيا وتبلغوا شواطئ فرجيا؟ إذن فلتَرمُوا
القداح لنرى بأية فتاة عذراء يَنبغي أن نُضحي.» هذه — على الأقل — هي العدالة،
وإلا فليَذبح منلايوس — الذي من أجله نشب هذا النزاع — ابنته هرميوني فداءً
لأمها. ولا أُحرَم — وأنا، تلك الزوجة المُخلِصة — من ابنتي كي تحمل تلك المرأة
السيئة رضيعها وتعود به إلى أسبرطة وتسعد. أجِبني إن كنتُ مُخطئة، أمَّا إن
كانت كلماتي على حق، فلا تذبَح ابنتك وابنتي.
الجوقة
:
أصغِ إليها يا أجاممنن، وليتحكَّم الحب في قلبك؛ فإن حماية الأبناء من واجب
الآباء.
أفجنيا
:
يا أبت، إني لا أملك صوت إرفيوس الذهبي الذي سحر به الأشجار والصخور، وإلا
لاستخدمته، ولكني أملك الدموع، والدموع حيلتي الوحيدة. (ترتمي عند قدميه وتتعلَّق بركبتيه) إني
أتعلَّق بركبتيك، وأجثو ضارعةً عند قدميك، لا تقتلني قبل أن تحين ساعتي! لا
تُبعدني عن ضوء النهار الجميل! لا تَسُقني إلى ظلام الموت، ولا تُسلِّمني إلى
غموض القبر المجهول. كنتُ أدعوكَ أبي، وكنتُ أقف عند ركبتَيك مَرِحة ضاحكة أمام
وجه أبي الباسم. ألم تقل لي: «بُنيتي الصغيرة، هل لي أن أراكِ سعيدة في بيت زوج
نبيل تنعمين برفاهية بما تليق بكرامتي؟» وألم أُجبك وأنا أمسح بيدي لحيتَك كما
أفعل الآن قائلة: «وماذا عساي حينئذٍ أن أفعل لك؟ هل آويك في شيخوختِكَ في عُقر
بيتي الودود كي أردَّ لك جميل رعايتك الرقيقة لطفولتي؟» هذه الكلمات منقوشة في
قلبي، ولكنك يا أبتِ لم تأبَه بها، وتريد الآن أن تخرج بي في براثن الموت. باسم
مولاك بيلبس، وبحق ذكراك لأبيك أتريوس، أتوسل إلك شفقةً بأمي المسكينة التعسة
ألا تقضي على حياتي! ما لي وللحب الذي بين الإسكندر بارس وهلن؟ وهل وُلدا
للقضاء عليَّ؟ انظر إليَّ يا أبتِ بعين العطف، وهَبني ابتسامة وامنحني قُبلة
أحملها معي إلى دار الفناء ذكرى محبَّتك. تعال يا أرستيز وكن البطل الصغير
المدافع عن أختك. (يركع أرستيز ويتعلَّق بركبتي أبيه
وهو يبكي) استَمِع إلى نشيجه أبت، إنَّ طفلَيك يتوسلان عند
قدمَيك أن تكون بي رفيقًا. بحق رجولتك وبحق أبوَّتك نتضرع إليك، صبيٌّ صغيرٌ
وفتاةٌ عند قدميك. إن نور الحياة عزيز على أعين الأحياء، ولا يحبُّ الموت إنسان
عاقل. إن الحياة مهما تجلب من شر لعزيزة، وإن الموت ليبعث فيَّ الوجل.
أولى أفراد الجوقة
:
إن حبَّك يا هلن المشئومة قد أنزل الكوارث بأبناء أتريوس.
أجاممنن
:
إنَّ لي لقلبًا كقلوب الرجال، وفي قلبي تَكمن الشفقة والمحبة، وإن الفزع
ليستولي عليَّ حينما أفكر في الخطة التي رسمت. أفزَع من الإقدام وأفزع من
الإحجام. ولكن مشيئة الله لا بُدَّ أن تنفذ مهما تكن الآلام التي يَجلبها
التنفيذ. إنكم جميعًا ترون ألوف السفن الحربية، وتستطيعون جميعًا أن تشهدوا
ملوك هلاس المحتشدين وهم في أزيائهم البراقة. إن الكاهن كالكس الذي ينطق عن
إرادة الآلهة يُصرِّح أن هؤلاء الملوك لا يستطيعون أن يَبرحوا هذه السواحل إلى
طروادة حتى يُضحِّي لأرتيمس. إن هذا الجيش العظيم المُحتشِد هنا لغزو طروادة
والذي يتوق إلى الإقلاع. ويتململ من التأخير، والذي يكاد يُجنُّ من الحماسة
المشتعلة للقتال، لا يمنعه عن الانطلاق إلا فتاة. فإذا لم أصدَع بأمر الآلهة،
فإن هؤلاء الرجال المتعطِّشين للدماء سيَقتحمون آرجس، ويَذبحون بناتي،
ويَذبحونك أنت يا مليكتي، ويَقتُلون ابني. لم يكن منلايوس هو الذي أخضع رُوحي
لإرادته إنما هي آكيا. وسواء أردتُ أو لم أُرِد فإنَّ الآلهة تتطلب مِني أن
أُضحي يا بنتي من أجل آكيا. وإني عاجز ولا بُدَّ لي أن أخضع. إن آكيا لا بُدَّ
أن تحرر. هذا واجبنا يا بُنيَّتي، حق عليكِ وحق عليَّ. لا ينبغي لآكيا أن تجثو
على ركبتيها أمام رجل بربري، ولا يصحُّ لرجلٍ من فرجيا أن يسرق زوجات آكيا ولا
يناله عقاب.
(يذهب أجاممنن إلى الغابة يمينًا، وتَميل الشمس إلى
الغروب.)
كليتمنسترا
:
أي بنيتي! إننا هنا غرباء! ولقد حلَّت بنا نقمة الله. إن أباكِ قد تخلَّى عنك
وتركك للموت. لقد قضى عليك.
أفجنيا
:
أماه، أماه، ما أبأسني! إنني لن أرى الشمس بعد هذا، ولن أشهد الفجر، أو أرقب
الشمس وهي تهبط خلف التلال سأموت عاجلًا.
كليتمنسترا
:
إن بريم نبَذ ابنه ليموت فوق منحدرات أيدا الوعرة؛ لأن الولد قُدِّر له أن
يجلب الكوارث لطروادة. وقد وجَد الرعاة الطفل وربَّوه كأنه من أبنائهم وأسموه
أيديوس. آه لو لم يترك الملك ابنه الصغير بين بنات الخزامى البري على سفوح
أيدا! وبيَنا كان الرعاة واقفين إلى جوار النبع الفوار أقبلت ملكة السماء كما
أقبلت بلاس برمحها، وأفروديت ربة الجمال. ثُمَّ تقدمت ثلاثتهن المقدسة للحكم
أمام الرعاة السذج، وفي معيتهنَّ هرمين رسول زيوس.
أفجنيا
:
إنهن هبطن من أولمبس للحكم وقضين عليَّ بالموت. إذن فسوف أموت في سبيل آكيا
وأجلب لها المجد إلى الأبد.
أولى أفراد الجوقة
:
إنَّ أرتيمس تتقبَّل الأميرة كأولى الضحايا جميعًا. وبعدئذٍ سينفخ النسيم
أشرع سفننا، وستَنحني إلين الشامخة إجلالًا عند مرأى مقدمات السفن.
أفجنيا
:
إن أبي يَخونني ويهجرني في أحزاني. أماه، إن مصيري مريع؛ فقد تخلى عني أبي
الذي كنت أحسب أنه يُحبُّني. أي هلن المشئومة، إن حبك قد جلب الموت في ذيوله،
الموت لي. إن دمي سوف يُلطِّخ سيف التضحية. وسوف تُدنَّس يد أبي حينما تتدفق
دمائي فوق الرمال الملوَّثة بالسواد. لماذا أتت السفن الحربية إلى خليج أولس؟
ولماذا لم يرسل زيوس ريحًا ملائمةً تهبُّ نحو آسيا. إن العواصف الهوجاء تكتسح
يوربش. طوبى لأصحاب السفن التي يدفع أشرعتها الخفاقة نسيمٌ رقيق، والتي تمخر
قيعانُها المسرعة الموج الأزرق الداكن وهي تركب متن البحر فخورةً مختالة! أمَّا
غيرهم فنصيبهم الحاجة الماسة والألم، يقضون الحياة القصيرة متوجِّعين، ويحيط
بهم سوء الحظ من كل جانب.
خامسة أفراد الجوقة
:
وا حسرتاه! أي شقاء جلبَت هلن لآكيا! إنَّا نبكي لك أيتها الفتاة الحسناء وقد
انهالت عليك الكوارث. ما أقسى القدر.
أفجنيا
:
أماه، أي جيش من الرجال مدجَّج بالسلاح يأتي تجاه الساحل!
كليتمنسترا
:
إن ابن ثبتس يقودهم، إكليز، الذي كنتُ أحسب أني سوف أشهد زفافك إليه.
أفجنيا
:
أفسحنَ الطريق أيتها النسوة، ودعوني ألج البيت (تلتفت لتدخل البيت).
كليتمنسترا
:
من ذا تخشَين رؤيته؟
أفجنيا
:
إكليز.
كليتمنسترا
:
لماذا؟
أفجنيا
:
هذا العرس المنكود الطالع يُجلِّلني بالعار.
كليتمنسترا
:
البَثي بنيتي، ليس هذا وقت الخجل؛ إن جلال مصيبتك يَرجُح كل شيء آخر.
(يدخل إكليز يتبعه جماعة من المحاربين بأسلحة مسلولة.)
إكليز
:
ابنة ليدا. ما أسوأ الحظ.
كليتمنسترا
:
لا شيء سوى سوء الحظ.
إكليز
:
ما أشدَّ ضجيج جند آرجيف!
كليتمنسترا
:
ضجيجهم، ماذا …
إكليز
:
إن ابنتك …
كليتمنسترا
:
عجبًا! ماذا قالوا؟
إكليز
:
لا بُدَّ أن تُذبَح، وتكون فريسة للتضحية.
كليتمنسترا
:
ألم يَعترِض على ذلك أحد؟
إكليز
:
عبثًا فعلت؛ فقد هدَّدوا بذبحي كذلك.
كليتمنسترا
:
أفتقول هدَّدوا، أيها الغريب؟
إكليز
:
بالحجارة.
كليتمنسترا
:
لأنك تريد إنقاذ ابنتي؟
إكليز
:
أجل؛ لأني أريد إنقاذها.
كليتمنسترا
:
ومن ذا جَرُؤ على مس بيليديز؟
إكليز
:
جند آرجيف.
كليتمنسترا
:
ألم يُؤيِّدك المرميدون أتباعك؟
إكليز
:
كانوا أول الغاضبين.
كليتمنسترا
:
وا ضيعَتَنا يا أفجنيا.
إكليز
:
صاحوا قائلين إني انهزمتُ أمام امرأة.
كليتمنسترا
:
وبماذا أجبتَ؟
إكليز
:
لن يمسُّوا عروسي المقبلة.
كليتمنسترا
:
قَولٌ عدل.
إكليز
:
لقد وهَبني إياها أبوها.
كليتمنسترا
:
وأتى بها إلى هنا من ميسيني.
إكليز
:
عبثًا تكلَّمت؛ فقد أسكتوني بصياحهم.
كليتمنسترا
:
الرعاع السفلة!
إكليز
:
لن أُقصِّر في معونتك.
كليتمنسترا
:
ولكنَّك وحيد بين الجند.
إكليز
:
لستُ وحيدًا، هؤلاء خلاني مسلحون.
كليتمنسترا
:
كتب الله لك التوفيق!
إكليز
:
سوف أوفق.
كليتمنسترا
:
ولن تُذبح ابنتي؟
إكليز
:
لن تُذبح بإرادتي.
كليتمنسترا
:
وهل سوف لا يأتي أحدٌ إلى هنا لينتزع الفتاة؟
إكليز
:
كثيرون، ومن بينهم أودسيوس، إنه سوف يأخذها.
كليتمنسترا
:
ماذا؟ ابن ليرتيز؟
إكليز
:
هو بعينه.
كليتمنسترا
:
بإرادة منه أم بضغط من الجنود؟
إكليز
:
اختِير برضًا منه.
كليتمنسترا
:
ما أسوأ الاختيار، أفيتلوَّث بالدم البريء!
إكليز
:
سأحميها منه.
كليتمنسترا
:
وهل سيَنتَزِعها من بيت أبيها رغمًا عنها؟
إكليز
:
سيَجذبها من خصلها الذهبية.
كليتمنسترا
:
ماذا عساي أن أفعل؟
إكليز
:
كوني ثابتة، وشدِّي أزر ابنتك.
كليتمنسترا
:
وهل ستقف بينها وبين القاتل؟
إكليز
:
حتى لو أتى أودسيوس، فلن أخشاه.
أفجنيا
:
أصغي إليَّ يا أماه. لا تحنَقي على زوجك! فالحنَق لا يُجدي؛ لأن القوة ستفعل
ما تشاء غير آبهة بنضالنا. وإنَّا لنُقدِّم الشكر من قلوبنا لهذا الغريب النبيل
لحسن نيته الكريمة. سيدي! لا تسمَح للمقاتلين أن يصبُّوا عليك اللوم؛ فإني أخشى
أن ذلك لن يُجديَنا نفعًا وأن يعود عليك بالشر الوبيل. لقد فكرتُ في تُؤَدة
بمقدار ما استطعت، لقد حُكم عليَّ بالموت، فلْأَمُت شريفة وأتغلب على الخوف
والخور. إن ولايات آكيا تَشخَص إليَّ اليوم ببصرها، وترى في موتي إبحار الأسطول
وسقوط إلين. إن هزيمة أهل فريجيا معناها الحرية لأهل آرجيف والأمان لملكاتنا من
أن يَخطفهنَّ البرابرة المتوحِّشون. إن اللهب سيسود أسوار إلين انتقامًا لفقدان
هلن التي اختلَسَها بارس. وموتي سيؤدي إلى هذه النتائج، وسوف يكرم اسمي حيثما
أبحرَت سُفُن آرجيف. إن هلاس ستتحرَّر عن طريقي. أماه، إنك لم تَحمليني لنفسك
وحدَها ولكن لآكيا. هل يَمتشِق ألوف الرجال أسلحتهم النحاسية ويهزُّون الرماح
والدروع حينما يُناديهم الوطن، هل يقبض ألوف الرجال على المجاديف ويَجرُءون على
الموت من أجل آكيا بعزيمة لا تلين؟ وهل تقف في سبيلهم حياتي، حياتي أنا وحدي؟
هل هذا من العدل؟ بماذا نُجيب؟ وهل يُناضل هذا الأمير وحده المُحاربين من
بلادنا؟ وهل لا بُدَّ له أن يموت، وأن يموت في سبيل امرأة؟ كلا إن حياة البطل
تقوم بألف فتاة. وهل إذا طلبَت العذراء المقدسة التضحية بي أَجرُؤ — أنا
الفانية الضعيفة — أنا أعترض إرادتها؟ يا لها من فكرة فارغة عابثة! إني أهَبُ
حياتي لآرجس. فليذبحوني ولتهلك طروادة! وسوف يكون النصر تذكاري، وسوف يكون أهل
آرجيف أبنائي، وسيبقى مجدي أمدًا طويلًا.
الجوقة
:
إنك لفتاة كريمة نبيلة، وما أغلظ النسيج الذي تَحيكه لك «ربات
الفناء».
إكليز
:
ما كان أسعدني يا ابنة أجاممنن لو أن زيوس سمحَ لي بالاقتران بك. وما أحسب
إلا أن آرجس سعيدة بأميرتها. إنَّ كلماتك النبيلة جديرة بمسيني الذهبية. إنك
بإبائك أن تُكافحي قدرة أرتيمس المقدسة تُحسنين صنعًا وتُقدِّمين خيرًا. إني
أُبجِّلك أيتها الأميرة؛ فقلبك قلب مَلِكة عظيمة، وعروس جديرة بملك من الملوك.
وإني لأتوسل إليك أن تتدبَّري الأمر؛ فإن رغْبَتي الحارَّة هي أن أقودك إلى
بيتي عروسًا. إني لا أستطيع أن أعود إلى أمي ثيتس إذا لم أُنقِذك من أهل آكيا.
تدبري الأمر، فالموت شيء مخيف.
أفجنيا
:
إنَّ الموت والألم الشديد يَسيران في أثر هلن لا تَمُت من أجلي أيها الرجل
الغريب العظيم، ولا تُلوِّث سيفك بالدماء من أجلي. إني ذاهبة لإنقاذ بلادي إن
كانت هذه هي إرادة الله!
إكليز
:
ما أعذب هذه الروح المجيدة! ليس لديَّ ما أقول في وجه هذه الإرادة الكريمة.
وإذا أسفتِ على هذه الكلمات أو أحسستِ بوهن في عزيمتك، فاعلمي أني سوف أقف إلى
جوار المذبح وإلى جانبي هذا السلاح. وإذا ندمتِ على هذا العمل حينما يتألَّق
السيف الماضي أمام رقبتك فإني — حتى ساعتئذٍ — لن أتركَك وسوف يكون هذا الصدر
وهذا الدرع وهذا الحسام حائلًا يقي عروسي من الجنود جميعها. إني ذاهب كي أنتظر
قدومك، ذاهبٌ إلى غابة آرتيمس المقدسة.
(يخرج إكليز من اليسار.)
أفجنيا
:
لقد تبلَّلتْ وجنتاك بالدمع يا أماه.
كليتمنسترا
:
لأن الباعث قاسٍ مرير سحيق الغور.
أفجنيا
:
آه، لا تبك خشية أن تَهن عزيمتي أو تخور.
كليتمنسترا
:
لن يقول أحدٌ أني أسأت إلى ابنتي في يوم من الأيام.
أفجنيا
:
أتوسَّل إليكِ يا أماه ألا تَقصِّي من أجلي خصلات شعرك فوق الجبين، أو تلبسي
ثوب الحِداد، أو ترثي لي.
كليتمنسترا
:
ماذا تقولين يا بنيتي؟ هلا أرثي لك بعد موتك؟
أفجنيا
:
لن أموت، بل سوف أحيا. وسوف يَذيعُ اسمُك طويلًا بسببي.
كليتمنسترا
:
هلا أرثى لموتك يا بنيتي؟
أفجنيا
:
كلا، لأني لن يُقام لي قبر.
كليتمنسترا
:
هل لا تُقام القبور للموتى؟
أفجنيا
:
مذبح أرتيمس مقبَرتي.
كليتمنسترا
:
كلماتك من لفظ السماء العالية، ولا بُدَّ لي أن أطيع.
أفجنيا
:
أجل، واعلمي أني سعيدة لأني أموت في سبيل آكيا.
كليتمنسترا
:
وماذا أقول لأختَيك؟
أفجنيا
:
لا ترثيان لي.
كليتمنسترا
:
وأية تحيَّة أَحمِلُها للعذارى.
أفجنيا
:
وداعي الأخير، واجعلي من أرستيز رجلًا صادقًا.
كليتمنسترا
:
إنك لن ترينه بعد هذا، عانقيه عناقًا شديدًا!
أفجنيا
(لأرستيز)
:
أخي الصغير، إنك كنتَ بطلي، وقد قدمتَ المعونة لأصدقائك بكل ما وسعت.
كليتمنسترا
:
وما الذي يسرُّكِ أن أفعله في آرجس؟
أفجنيا
:
لا تَحمِلي لأبي ضغينة، ولا تَحقِدي على زوجك.
كليتمنسترا
:
لا بُدَّ له إعزازًا لك أن يُكابِد ساعة مريرة.
أفجنيا
:
إنه يُسلمني لآكيا بحزن عميق.
كليتمنسترا
:
إنه وضيع، نذْل ماكر، غير جدير بجنسه.
أفجنيا
:
من سيُرافقني ويقودني إلى المذبح حتى لا أُجذَب إلى هناك من شعري.
كليتمنسترا
:
سوف أُرافِقُك.
أفجنيا
:
كلا يا أماه، إنَّ هذا لا يليق.
كليتمنسترا
:
سأتعلَّق بذيل ردائك.
أفجنيا
:
أذعني لي يا أماه، والبَثي داخل الدار. هذه رغبتي، وهي من حقي، وليَقُدني
واحد من رجال أبي هؤلاء إلى الطريق الظاهر في غابة آرتيمس المقدَّسة التي سوف
أموت ضحية لها.
كليتمنسترا
:
هل أنت ذاهبة الآن يا بُنيَّتي؟
أفجنيا
:
إلى غير عودة.
كليتمنسترا
:
وهل سترَحلين عن أمك؟
أفجنيا
:
كما ترينني، وإن كنتُ لست أهلًا لهذا.
كليتمنسترا
:
لا تهجريني!
أفجنيا
:
سأذهب بغير دمعة. أيها العذارى، رتِّلن لموتي نشيد آرتيمس ابنة زيوس العظيم،
وغنِّين «التوفيق لآكيا» متفائلين متشجعين.
(يسير موكب التضحية من اليسار إلى اليمين يُنشِد في وقار وقد
ارتفع البدر في السماء.)
أفجنيا
:
ابدءوا الطقوس، املئوا السلَّة المباركة، وأشعلوا النار المقدسة، وتصدَّقوا
بكعك الطهارة. إن أبي الملك العظيم سوف يَضع يمناه على المذبح؛ لأني — كما ترون — قد
أتيتُ لأجلب الحرية لآكيا والنصر لآرجيف. أرشِدُوني إلى سفح المذبح. سيكون
لي فخر تحطيم إلين. إنَّ بروج طروادة الشامخة سوف تنهار. زيِّنوا جبينيَ
العذريَّ بالأكاليل وتوِّجوا خصلات شعري بالزهور. املئوا أواني النحاس اللامعة
بماء نقي من الجدول، واحملوها مطوِّفين بالمكان المقدس، وارفعوا عقيرتكم
بالنشيد لآرتيمس، العذراء المقدسة! إنَّ رسل الموت تناديني، وها أنا ذا أهب دمي
وحياتي.
الجوقة
(لكليتمنسترا)
:
أيتها الأم العزيزة الموقَّرة، إن قلوبنا مثقلة بالدموع، ولكن الطقوس المقدسة
لآرتيمس يجب ألا تُقاطَع بالعويل.
أفجنيا
:
إن المقاتلين من آلنا يَنتظرون، وهم يتحرَّقون شوقًا للسير إلى القتال
غاضبين، ولموتي كي يُطلَق سراحهم من أولس (تجهش
بالبكاء)، أي بلادي التي وُلدت فيها! (للجوقة): إني آمركنَّ أن ترفعنَ أصواتكنَّ بالنشيد لآرتيمس ملكة
كالكس وأولس (تجهش بالبكاء) أي
ميسيني!
الجوقة
:
لماذا تُنادين مدينة برسيوس التي بنى أسوارها سيكليس؟
أفجنيا
:
خلف تلك الأسوار قضيتُ أيامي، والآن أرحل إلى ظلام الليل بإرادتي.
الجوقة
:
وسيتغنَّى آلُكِ باسمك من أجل هذا إلى الأبد.
أفجنيا
:
أي فيبس المُشرق، يا ابن الإله، يا نور النهار الصافي، لن تراكَ عيناي بعد
هذا. وداعًا أيتها الشمس الدفيئة، وداعًا أيها النهار الجميل! (تخرج من اليمين.)
أولى أفراد الجوقة
:
إنها تُقبل على الموت كي تنهار فرجيا.
الثانية
:
والقُوَّاد والجنود يَقفون مسلحين عند الغابة.
الثالثة
:
وبعد قليل يُتوِّجون جبينها بالأكاليل.
الرابعة
:
ويصبُّون المياه الطاهرة.
الخامسة
:
وبعدئذٍ يُغيِّب الكاهن في عنقها السكين، وتتدفق الدماء سيولًا فوق
المذبح.
السادسة
:
لقد أمر بذلك أبوها.
الأولى
:
كي تتمكَّن جيوش آرجس من السير إلى إلين.
الثانية
:
هيا بنا نغني نشيد الابنة الإله — «العذراء» — كي تتوج ملوك آكيا بالظفر
والشهرة.
جميعًا
(يغنين)
:
أيتها «العذراء» المهابة، إليك نقدم عهودنا، ونرجو أن تقرَّ عينُكِ بدماء
الفتاة! أرسلي ريحًا تدفع سفن القتال إلى شواطئ طروادة! أعيني هؤلاء المقاتلين!
واكتبي النصر لرماح جند آرجيف! وامنحي أجاممنن العظيم تاج النصر الذي لا
يزول!
(تُعتم الأضواء تدريجًا ثُمَّ ترفع.)
(يدخل رسول من اليمين.)
الرسول
:
هيه أيتها الملكة كليتمنسترا! إني أقف خارج الأبواب أحمل نبأً.
(تخرج كليتمنسترا من الأبواب.)
كليتمنسترا
:
لقد سمعتُكَ، وها أنا ذا آتية وأنا أرتعد خشية أن تُنبئني بشرور أخرى.
الرسول
:
لديَّ نبأ عجيب مريع.
كليتمنسترا
:
لا تتوانَ!
الرسول
:
مصير ابنتك النبيلة.
كليتمنسترا
:
تكلم!
الرسول
:
سأُخبرك بكل شيء من البداية إلى النهاية. ولكن حواسي أيتها الملكة، مضطربة
لأن الأمر كان مريعًا. أتينا إلى الطريق المزهر بغابة أرتيمس المقدسة، وهناك
اصطفَّت جيوش آكيا المسلحة في وقار. وقُدنا الأميرة إلى حيث كان يقيم محاربو
آرجس. وما إن رأى الملك أجاممنن ابنتَه وهي تَعبُر الغابة بخطاها حتى علا أنينه
وتدفَّقت دموعه وانصرف مُرتديًا عباءته وهو يجهش بالبكاء. وتقدَّمت إليه
العذراء، وقالت: «أبي، ها أنا ذا أهب نفسي راضية ضحية لأرتيمس من أجل آرجس
وآكيا. دعهم يَسوقونني إلى المذبح. لتكن مشيئة «ربات القضاء»! وكُن سعيدًا في
كل شأن يتوقف عليَّ، فسوف تكون لك ثمرة النصر. وإني لأرجو أن تعود آمنًا إلى
ميسيني ذات الأسوار العظيمة الضخمة! لا تَطلُب إلى رجل من آكيا أن يقبض عليَّ،
فسأُقدم رقبتي للسكين بروح لا تتزعزع.» هكذا تكلمت فأُعجِب الجميع بهذه الكلمات
التي تنم عن البطولة، وبموقف الأميرة الذي لا يدلُّ على خوف. وأمر تالثبيس
المنادي الجندَ أن يلزموا الصمت. وعندئذٍ استل كالكس الكاهن سيفه المقدس من
غمده وألقاه في سلة من الذهب، وتوَّج راس الفتاة بالأكاليل المقدَّسة، ودار
بيليديز وهو يحمل السلة والقدح دورة حول المذبح وصاح «ابنة زيوس يا أرتيمس، يا
من تحبِّين الصيد، وتقتلين الوحوش الضارية، وتعبرين السماء الزرقاء ليلًا في
فضة متلألئة. تقبَّلي هذه الضحية تُقدمها إليك ولايات آكيا المتحالفة وأجاممنن
قائدنا المختار. وإذا ما سالت الدماء الطاهرة من هذه الفتاة العذراء أرسلي
ريحًا ملائمةً تدفع أسطولنا في عرض البحر حتى ندكَّ بسلاحنا أسوار طروادة ذات
البروج العديدة دكًّا.» ووقف على الجانبين أبناء أتريوس، وتناول الكاهن السلاح
الماضي ورفع كفيه بالدعاء، وصوَّب المُحارِبون العابسون أنظارهم نحو الأرض
مُشفِقين، وأمسك كالكس بمقبض السيف ولمح بعينَيه المكان الذي سوف يضربه وعندئذٍ
ضاق صدري بقلبي وأظلمَت عيناي من الشر المرتقب. ثُمَّ في طرفه عين شهدنا
المعجزة — رأينا الضربة وسَمِعنا وقعها، غير أن أحدًا لم يَستَطِع أن يقول أين
كانت العذراء! فصاح الكاهن صياحًا عاليًا، وشق الجند الهواء بصيحات العجب. لقد
قدَّم الله آية معجزة عجبَ لها الجميع وفاقت كل تصديق؛ ففوق الأديم شهدنا
غزالًا يلهَث ذا حجم كبير وصورة فائقة، وتلطَّخ مذبح الربة بدمائه المتدفِّقة.
وعندئذٍ صاح كالكس في غبطة وسرور: «انظروا إلى هذه الضحية يا زعماء جيوش آكيا
المحتشدة. إن الآلهة ذاتها قد أتَت بغزالٍ جبلي ووضعته أمام مذبحها، فهي
تتقبَّله عوضًا عن الفتاة العذراء، ولن يتلطَّخ المذبح المهاب بسيل من الدم
الملكي العزيز. إن أرتيمس قد قامَت بهذه الأعجوبة برغبتها وبفضلها. وها هي ذي
الريح الملائمة — التي سوف تَنفُخ الأشرعة وتحمل حرب الغزو إلى طروادة — تهز
الأشجار، فانهضوا جميعًا وتشجَّعوا! اهبطوا إلى السفن؛ فاليوم سنرحل عن خليج
أولس الذي يأوينا ونضرب في عرض بحر إيجيا.»
والتهمت النار المقدسة الذبيحة، وتفوَّه الكاهن بالدعاء يرجو أن يشقَّ
الأسطول العظيم طريقًا آمنًا فوق الأمواج. وأرسلني أجاممنن أحمل إلى مليكتِه
هذه الأنباء مُعلنًا عن الحظوة التي خصته بها الآلهة والمجد العريض الذي سوف
يكون لآكيا فيكون له. وقد شهدتُ كل ما رَويت. كوني على ثقة أيتها السيدة
النبيلة أن ابنتك مع الآلهة. لا تَندبي بعد اليوم ولا تحملي ضغينة لمولاك؛
فكثيرًا ما تمنح الآلهة للأحياء نعمًا لا يتوقعونها. إنهم يُنقذون من يحبون.
فهذا اليوم قد شهدَ نجاة ابنتك بدلًا من أن يشهد ذبحها.
أولى أفراد الجوقة
:
ما أشدَّ سروري لسماع هذه الأنباء! إن ابنتكِ حية، أيتها السيدة الكريمة، وهي
حية بين الأرباب.
كليتمنسترا
:
وهل ارتفعتِ الآن يا بُنيتي بين الخالدين؟ كيف لي إذن أن أوجه إليك الخطاب؟
أم هل لا بُدَّ لي أن أحسب هذه القصة كلها كلمات مجرَّدة يُواسونني بها، وأنباء
كاذبة يُخففون بها لوعتي؟
الرسول
:
الملك أجاممنن مقبل، وسوف يؤيد كلَّ نبأ من روايتي.
(يدخل أجاممنن من اليمين يَصحبه منلايوس وقواد الجيش.)
أجاممنن
:
أي كليتمنسترا، ينبغي أن نحسب أنفسنا أسعد مِن عامة الناس بابنتنا؛ لأنها
تعيش الآن بين الآلهة، وجنود الولايات يَسيرون بحماسة نحو السفُن يتعجَّلون
الإبحار، وآرجس تستدعيك مع ابننا الصغير. وداعًا! فإن تحياتي من طروادة قد تكون
من شقة بعيدة. بارك الله فيك، وداعًا!
أولى أفراد الجوقة
:
ابتهج يا أتريدز وكن على حذر في الطريق! ولتطأ قدمك ساحل فرجيا ظافرًا
منتصرًا، ولتَعُد في عزٍّ إلى آرجس محمَّلًا بغنيمة الظافر من طروادة.
(ستار)
أفجنيا في تورس
مُثِّلَت لأول مرة في أثينا عام ٤١٠ق.م
أشخاص الرواية بترتيب ظهورهم
-
أفجنيا: ابنة أجاممنن، ملك آرجس وميسيني، وهي الآن كاهنة أرتيمس. فتاة شقراء
تُناهز الثلاثين من العمر، وترتدي قميصًا فضفاضًا بغير هندام.
-
أرستيز: ابن أجاممنن الوحيد، شاب طويل القامة قوي البنية، أسمر البشرة، في أوائل
عقده الثالث، يرتدي معطفًا قصيرًا ويتسلَّح بسيف صغير.
-
بلديز: ابن ستردفيس، والي فوكس، أصغر من أرستيز بسنوات قلائل، أشقر الشعر
والبشرة، يُماثل أرستيز في زِيِّه.
-
الجوقة: تتألَّف من الرقيق الذين يخدمون بمعبد أرتيمس، وهن بنات من آرجيف يرتدين
قمصانًا وملاءات بسيطة.
-
الراعي: شاب يَرتدي قميصًا من جلد العنز وقبعة من اللباد ويحمل عصًا
غليظة.
-
حرس: من البرابرة يَرتدون ثياب أهل سكثيا (ويتألَّف من سروال فضفاض مربوط فوق
العقبين، ومن سترة فضفاضة مشدودة بنطاق حول الخصر، وقبَّعة عالية مدبَّبة
الرأس)، ذوو لحًى كثَّة، يحملون قسيًّا قصيرةً وجعبات مملوءة بالسهام مدلاة
فوق ظهورهم.
-
ثواس: ملك تورس، رجل في منتصف العمر، ربعة أسمر اللون يرتدي ثيابًا براقة تتألف
من معطف طويل، وعباءة ضيقة طويلة، وقبَّعة مدببة، وحذاء مرتفع.
-
حارس.
-
بلاس أثيني: إلهة عذراء، ربة الحرب والحكمة، ترتدي عدَّة حربية كاملة فوق قميص
فضفاض.
وتقع حوادث الرواية بعد قصة «أفجنيا في أولس» بمدة تتراوح بين سبعة عشر عامًا وعشرين
عامًا.
المنظر
فناء معبد أرتيمس في تورس. ويظهر المذبح خلف المسرح ومن ورائه مدخل المعبد. ويبدو
بسيطًا خشنًا مقبضًا. ويُرى عدد من الخوذات والدروع والسيوف وغيرها مدلاة فوق
الحائط.
الوقت
الصباح الباكر.
***
(تدخل أفجنيا قادمة من المعبد.)
أفجنيا
:
في سباق العربات السريعة انتصر بيلبس من تانتلس وظفرَ بيد أميرة بيزا، وكان
له منها ابنة أتريوس الميسيني. وكان لأتريوس ابنان؛ منلايوس وأجاممنن، وأنا
ابنة أجاممنن. وفي أولس المعروفة في القصص عند يوربس الذي تعصف بمياهه الفوارة
الزوابع ضحَّى بي أبي من أجل هلن.
وإلى خليج أولس أقبلت ألف سفينة ملبية نداء أجاممنن، وقد تجمَّعت لهزيمة
طروادة وللانتقام لمنلايوس. وفي خليج أولس لبثت السفن ساكنة تمنَعُ مسيرها
الرياح العصية حتى استشار كالكس الكاهن الآلهة واستطلع الغيب وقال: «أي قائد
هذا الجيش العرمرم، إنَّ سُفنَك لن تُقلع عن هذه السواحل حتى تستقبل أرتيمس
ابنتَك أفجنيا ضحيةً لها؛ لأنك نذرتَ لربة النور أجمل ما أنتجه العام من
مخلوقات. وفي ذلك العام حملت لك زوجُكَ كليتمنسترا ابنةً هي آية في الجمال،
فعليك الآن أن تضحِّي بها.»
واحتال عليَّ أورسيوس فانتشلني من جوار أمي في ميسيني، واستهواني إلى أولس كي
أُزفَّ إلى إكليز. وهناك في الغابة المقدَّسة رُفعت فوق المذبح العالي، وسلمت
السكين لقتلي. ولكن أرتيمس اختَطَفتْني. ومات مكاني فوق مذبح أهل آكيا ظبي
صغير. وطارت بي أرتيمس تعبُر السماء الصافية، وهيَّأت لي في تورس موئلًا، حيث
يتأمَّر على البرابرة ثواس، البربري ثواس سريع العَدْو، الذي يركض كما تَركُض
الطير. والآن أنا كاهنة أرتيمس في معبدها، حيث لا يُكرم أحد سواها، فالحمد
والتقديس لها!
وقد اعتاد أهل تورس زمنًا طويلًا أن يُضحُّوا على مذبح «العذراء» بأي امرئ من
آرجيف تطأ قدماه هذا الساحل. ومن واجبي أن أُعدَّ الضحية، ولكن ذَبحُها يكون
على أيدي سواي.
وفي داخل هذه الجدران المقدَّسة تتردَّد رُؤًى عجيبة، وقد شهدتُها منذ عهد
قريب، بل شهدتُها هذا المساء. وسأروي ما تقع عليه عيناي للسماء عسى أن يكون من
وراء ذلك خير. رأيتُني بعيدة عن هذه البلاد، نائمةً فوق سريري في آرجس، في
غرفتي الخاصة في بيتي، وإذا بالأرض تهتزُّ بعنف مريع، ففررت. وعند فراري هوت
الجدران وهبط سقف البيت، واندكَّ البناء كله سوى عمود واحد تطايرت من رأسه
خصلات من الشعر صفراء وانبعثَت من أحجاره الأصوات. وبوصفي كاهنة نثرتُ هذه
الخصلات الصفراء فوق مذبح أرتيمس كأنَّ صاحبها قد كُتب عليه الموت. وتحدر الدمع
من عيني. وعلمتُ من حلمي هذا أن أخي أرستيز قد مات؛ لأنَّ الأبناء هم عُمُد بيت
أبيهم، وأولئك الذين أصبُّ عليهم الزيت المقدس مقضيٌّ عليهم بالفناء.
ولذا ففي نيَّتي أن أسكب الماء المقدس من أجل أخي، رغم انفصاله بعيدًا عني،
ورغم بُعدي عن أرض الوطن، وسوف ينضمُّ إليَّ في صلاتي هؤلاء الأسرى من أهل آكيا
الذين وهبَهم إياي الملك خدمًا لي. وسأدعوهم من مسكننا إلى هذا المكان (تخرج من اليمين).
(يدخل أرستيز وبلديز خلسة من اليسار.)
أرستيز
:
انتبه يا بلديز خشية أن يأتي من هذا الطريق أحد.
بلديز
:
إنني يَقِظ، ولستُ أرى شيئًا وقد تلفَّتُّ في كل اتجاه.
أرستيز
:
هل تظن يا بلديز أن هذا المكان قد يكون معبد الإلهة الذي دفعنا إليه فلكُنا
من أرجس؟
بلديز
:
أظن أنه المعبد. ولا شكَّ أنك لا تداخلك الريبة.
أرستيز
:
وإذن فهذا هو المذبح الذي يُلاقي فوقه رجال آرجيف حتفهم.
بلديز
:
انظر إن قمَّتَه ملوَّثة كلها بالدماء.
أرستيز
:
ولاحظ شارات النصر فوق جدران المعبد.
بلديز
:
لقد انتُزعَت من الضحايا المقتولين.
أرستيز
:
كن يقظًا؛ فالخطر يحدق بنا من كل جانب. (يصلي): أي فيبس، لماذا أوقعتني مرة أخرى في الشباك؟ إنني قد
ائتمرتُ بأمرك وانتقمتُ لمقتل أبي فذبحتُ أمي. ثُمَّ دفعت بي «ربات الغضب» إلى
المنفى بعيدًا عن أرض الوطن، ولاحَقَني الدمار من بلد إلى بلد. وأخيرًا عدت
إليك أطلب الخلاص من الجنون والألم. وقد أمرتني أن أدخل إلى تورس هذا البلد
النائي؛ حيث تُقام الصلوات لأختك أرتيمس. وطلبت إليَّ أن أسرق تمثال الإلهة،
الذي يزعم البرابرة أنه نزل من السماء، وأن أحمله إلى أثينا لينال التكريم. هذا
ما أمرتني به، ولم تَزد عليه شيئًا. فإن قضيتُه ظفرتُ براحتي، وإلى هنا أتيت
طائعًا لأمرك.
(إلى بلديز): بلديز، يا رفيقي وقت الضيق،
ماذا ينبغي لنا أن نفعل؟ إن جدران المعبد عالية، فهل نجرؤ على تسلُّقها؟ وهل
نستطيع أن نفعل ذلك دون أن نُرى؟ وهل نحطم مفاصل الباب النحاسية؟ وأنَّى نجد
القضبان التي نَقتحم بها الجدران؟ إننا إذا شُوهدنا ونحن نشق طريقنا إلى داخل
المعبد عنوةً فمصيرنا الموت بكل تأكيد. أليس من الخير لنا أن نعود إلى سفينتنا
والفرار ما يزال ممكنًا؟
بلديز
:
الفرار لا يُحتمَل، وهو ليس من طبيعتنا، وإرادة الله لا بُدَّ أن تُطاع. دعنا
نترك هذا المعبد ونختفي في كهفٍ على شاطئ البحر، كهف تَستره الأمواج المظلمة
وينأى عن سفينتا. فإذا شوهد زورقنا وأخذ حكام هذا البلد يبحثون على طول الساحل
عن قوم أغراب، لم يَعثُروا بنا ولن نقع في أسرهم، وإذا حل الغسق وأقبل الليل
بعينه القاتمة فتحنا هذا المعبد عنوة وتجاسَرنا على حمل التمثال المصقول
والفرار به. وجِّه بصرك إلى تلك الطُّنُف وانظر تحتها، ألا ترى فرجة نستطيع أن
نزحف خلالها؟ لسنا جُبناء فنتراجع الآن، وإنما تملأ قلوبنا الشجاعة، ولا تعوزنا
الصلابة نواجه بها خطر المغامرات.
أرستيز
:
نِعمَ ما فكرت فيه. وسنَفعل بما تُشير. فلنبحث الآن عن مكان نستطيع أن نتوارى
فيه بحيث لا يرانا أحد. إن وعد الله لن يكون بغير جدوى، والشباب لا ينال خيرًا
من الأحزان (يخرجان من اليسار).
(تدخل خادمات أفجنيا، وهنَّ نساء من آرجيف وقعنَ في أيدي
البرابرة من أهل تورس، ويُقبلن من اليمين.)
أولى أفراد الجوقة
:
أنصتوا يا ساكني الصخور التي يتكسَّر فوقها الموج. أنصتوا!
الثانية
:
هيه يا ابنة لاتونا، أنت يا دكننا يا ساكنة الجبل. إلى معبدك ذي الأعمدة
المحلَّى بالذهب وإلى بلاطك المقدَّس أتيت، وأنا أَمَة من إماء الكاهنة
المقدسة، وها أنا ذا أقف خاشِعة على قدميَّ الغضَّتين.
الثالثة
:
إنَّ بروج آرجس، ومراعي آكيا المشهورة بخَيلِها، والحدائق المعطرة على ضفاف
يورتاس، موطن آبائي، قد طال بُعدها عن ناظري.
(تدخل أفجنيا من اليمين.)
الرابعة
:
ها نحن أولاء، ما الخبر؟
الخامسة
:
أي حزن جديد تخبئه لنا الأقدار.
السادسة
:
لماذا دعَوتِنا إلى المعبد يا ابنة الملك الذي قاد أبناء أتريوس الذين ساروا
في ألوف السفن إلى أسوار طروادة؟
أفجنيا
:
وا حسرتاه! إن قلبي ينبض بويلات الألم العظيم، وفؤادي يُعذبه اضطراب تعجز عن
الإبانة عنه أوتار القيثار. إن ظلمة الليل لم تكد تنقشع من فوق الأرض حتى
عرَتْني رعدة حين ذكرت الحلم العابس الذي رأيت. وإني لأضيق ذرعًا بالنائبة التي
حلَّت ببيتي وأخشى أن تكون المنية قد أدركَت أخي. وا ضيعتاه! لقد انهار بيت أبي
وانطفأ نور الحياة في أهل أسرتي. وا حسرتاه على الويلات التي حلَّت بآرجس! ويلي
منكم يا «أرباب الموت». إنكم نزعتم أخي مني والآن تحكُمون عليه بلقاء حتفه لقاء
«هيدز». (تلتفت إلى الجوقة): إني من أجله قد
أعددتُ هذه القرابين، وهذه الكأس التي هي من نصيب الموتى في هذه الدار الفانية،
وهذا اللبن الذي أتيتُ به من ماشية الجبل، وعصير العنب وعسل النحل الذي لفحَتْه
الشمس. لقد أصبحَت هذه العطايا الآن من نصيب الأموات. أعطوني كأسًا ذهبيةً أصب
منها الماء المقدس فوق «هيدز». (تصلي): إنك
يا ابن بيت أجاممنن ترقد الآن في قبرك، وإليك — بعد موتك — أُقدِّم هذه
الأشياء. فتقبلها؛ لأني قد لا أستطيع أن أنثر فوق قبرك خصلة من خصلات شعري
اللامع، أو أذرف دمعة من عيني ما دمتُ بعيدة عن بلادي يَحسبني الناس في عداد
الأموات ضحية «لآكيا».
أُولى أفراد الجوقة
:
مولاتي، سنغنِّي معك نشيد الموت.
الثانية
:
ونولول كما يفعل أهل آسيا.
الثالثة
:
ونُغنِّي للموتى أغنية حزينة.
الرابعة
:
ونتوجَّه إلى «رب العالم السُّفلي» بنشيد كئيب.
الخامسة
:
وا حسرتاه، إن ضوء ملوك بيت آتريوس آخذ في التلاشي!
السادسة
:
والصولجان يسقط من أيدي ملوك آرجس الأمجاد.
الأولى
:
لقد حلَّت بأهلينا كارثة إثر كارثة.
الثانية
:
وأشاحت عنَّا الشمس بوجهها.
الثالثة
:
وتوالت النَّكبات التي أتى إلينا بها «الكبش الذهبي».
الرابعة
:
وتعاقَبت جرائم القتل والأحزان.
الخامسة
:
وحلَّت اللعنة بأبناء ثنتالس.
السادسة
:
والهلاك المحتوم يدركنا سراعًا.
أفجنيا
:
يا شؤم اليوم الذي تزوَّجَت فيه أمي؛ فقد قضى عليَّ «أرباب الموت» بحياة
الشقاء. إن أبي قد ظفر بابنة ليدا من بين العدد العديد من النُّبَلاء الذين
تقدموا يَطلبون الاقتران بها. ولكنه — برغم هذا — أقسم ليُقدمني — وأنا أول من
أعقَب — ضحية لأرتيمس، ويا له من قسم دَنِس! وفوق رمال أولس انطلقَت عربتي
تحملني عروسًا لإكليز، بل تَحملني إلى موت مريع.
وها أنا ذا الآن أعيش طريدة فوق شاطئ بحر لا يرحم، ليس لي زوج ولا ولد. ولا
وطن ولا صديق. وصوتي لا يرتفع تكريمًا «لهري الأرجيفية» ولا تنسج أصابعي على
المنوال صورًا براقةً لبلاس أثيني وتَبْتَنْ. إنما واجبي أن أقوم بالشعائر
المقدسة عند تقديم الغريب إلى الموت، وأن أشهد دماءه تتدفَّق فوق المذبح وهو
يصيح مُجلجلًا بصوته. إن الدمع المرير يَحرق عينيَّ. دعوني أُبعِد عن ذهني هذه
الخواطر؛ لأني الآن أبكي موت أخي الذي ذُبح في آرجس، أبكي أرستيز الصغير، أخي
الطفل. لقد أرضعَته أمي بلبنها، ولعب في حجرها، وهو أمير يجري في عروقه دم آرجس
الملكي.
أولى أفراد الجوقة
:
إن راعيًا يقبل من شاطئ البحر راكضًا.
(يدخل الراعي من اليسار.)
الراعي
:
استمعي إلى قصتي يا ابنة أجاممنن وكليتمنسترا.
أفجنيا
:
لماذا تُقاطعنا بهذه الخشونة؟ ما وراءك؟
الراعي
:
إن شابين قد نجوا من مخاطر الصخور، وهما الآن فوق شواطئنا. لقد أتَت بهما
أرتيمس إلى هنا ضحية مقبولة. أعدِّي الماء المقدس أيتها الكاهنة وتأهَّبي لأداء
المشاعر.
أفجنيا
:
خبِّرني عن بلدهما؟ أي لباس يرتديان؟
الراعي
:
لباسُهما أرجيفي، ولا أستطيع أن أخبرك بأكثر من هذا.
أفجنيا
:
ألم تَسمع باسميهما؟
الراعي
:
أجل، سمعتُ أحدهما ينادي الآخر باسم بلديز.
أفجنيا
:
وما اسم رفيقه؟
الراعي
:
لم نسمع قط بهذا.
أفجنيا
:
كيف استطلعتَ مكانهما وقبضت عليهما؟
الراعي
:
وجدتهما حيث تتكسَّر الأمواج المزبدة فوق الصخور الغليظة.
أفجنيا
:
وماذا تفعل قُطعان البقر عند ساحل البحر الملح؟
الراعي
:
سُقنا بقَرنا إلى هناك لنغسلها في ماء البحر.
أفجنيا
:
خبرني دون كبير عناء كيف قبضتَ عليهما، بأية حيلة؟ إن مذبح الإلهة لم يتلطَّخ
بدماء آكيا من زمن بعيد.
الراعي
:
كُنَّا نسوق ماشيتنا من مراعيها في الغابة إلى البحر الذي يتدقَّق في
سمبلجديز. وهناك في صخرة مرتفعة مغارة نحتَتْها الأمواج التي لا تنقطع، وإلى
هذا المكان يأتي قوم يَجمعون الصبغة الأرجوانية. وفي هذه المغارة تطلَّع صبي
مِنَّا وعاد على أطراف أصابعه يُنادينا قائلًا: «ألا ترونهم هناك داخل الغار؟
إلهان يجلسان فوق الصخور.» ورفع آخر — وهو رجل تقي — كفَّيه بالدعاء وفي عينيه
نظرة الورع قال: «يا ابن ربة البحر الطاهر المقدس، يا ولي الملاحين، يا بليمن
المبجل، كن بنا رءوفًا! هل هما ابنا ديسكيوراي أو ابنا نيريوس؟» وتهكَّم على
دعائه ثالث، وهو رجل ساخر داعر وَقِح وقال إنهما ملاحان تحطَّمت سفينتهما
فاختبئا في تلك الهوة خشية قانون بلادنا الذي يأمر بالتضحية بالأغراب لآرتيمس.
وحسبناه صادقًا في قوله، وعقدنا العزم على أن نقبض للإلهة على ضحيتها.
ولما اقتربنا من هذين الغريبين نهض أحدهما من فوق الصخور وهزَّ رأسه ورفع
عقيرته بالعويل، وأشار بأصابعه المرتعشة وصاح قائلًا: «انظر يا بلديز هذه
شيطانة من جهنم ذات جناحَين، وتلك أخرى مثلها، كلتاهما مسلَّحتان بالأفاعي التي
تتلوَّى حول جسمَيهما إنما تريدان أن تقضيا عليَّ. وتلك ثالثة تلفظ اللهب وتقطر
دمًا، تهبط تجاهي، وأمي بين ذراعيها. أين أتوارى؟ إنها سوف تدركني.»
ولكنَّا لم نرَ شيئًا. فهل خُيِّلَ له أن غثاء ماشيتنا ونباح كلابنا هي أصوات
«ربات الغضب»، وعرانا الخوف والخور فلزمنا الصمت. ولكنَّه سلَّ سيفه وانقض على
عجولنا بالضرب المبرِّح حتى جرى البحر بالدماء وصاح قائلًا إن «ربات الغضب» قد
طارَت منه شعاعًا. ولما رأينا قطعاننا ذبيحة تسيل منها الدماء، تناول كلٌّ
مِنَّا ما استطاع من سلاح، ورمينا أصداف القواقع نستدعي بها رفاقنا؛ لأنَّا
أدركنا أن رعاة البقر المساكين قليلو الجدوى أمام المحاربين المسلَّحين. ولم
ينقضِ وقت طويل حتى تجمَّع عند الساحل عدد عديد وحينئذٍ هدأت من الأجنبي سورة
الجنون وسقط فوق الأديم خائرًا ينقط الزبد من فيه. ولما رأيناه صريعًا
انقضَضْنا عليه ورميناه بالحجارة وانهلنا عليه ضاربين. عندئذٍ تقدم رفيقة
لمعونته ومسح وجهه، وواراه عن الضربات والحجارة حتى أدرك سوء حاله لأنَّا لم
نكفَّ عن قذفهما بالحجارة من كل جانب. فصاح مرعوبًا وقال: «لا مناصَ من الموت
يا بلديز، وإذن فلنَمُت مكرمين، فسُلَّ سيفك واتبعني!» فلذنا بالفرار في
الأخاديد المنحدرة ذعرًا من أسلحتهما اللامعة، ورماهما بالحجارة من تخلف
وراءهما. فلما التفتَ إليهم المحاربان هاجمهما بدورهما أولئك الذين فروا منذ
لحظة هاربين، ولكن حياتهما كانت مصونة بالتعاويذ، فلم نَستَطِع أن نصيبهما
بأذى. وأخيرًا انتزعنا من أيديهما السيوف، وضربناهما حتى خرَّا إلى الأرض،
ثُمَّ أتينا بهما إلى الملك مكبَّلَين. وسيُرسلهما إليكِ أيتها العذراء للتطهير
والتضحية. ادعي لنا الله أيتها الكاهنة أن يقع بين أيدينا الكثير من أمثال هذه
الضَّحايا ليكفر «هلاس» عن رغبته في قتلِك فوق مذبح غابة أولس.
أولى فرقة الجوقة
:
ما أعجب وما أروع ما ترويه عن هذا الرجل الذي دفع به البحر القاسي من
آكيا.
أفجنيا
:
لتكن مشيئة زيوس! اذهبوا وأتوني بهذَين الغريبين وسأقوم بواجبي. ما أتعس
القلب الذي ينبض بين جنبي! لقد كان فيما مضى مطمئنًّا حينما كان يُحسُّ بالشفقة
على التُّعَساء من أهل آرجيف أبناء جنسي الذين كانوا يُوضَعون بين يديَّ
للتضحية بهم، ولكن رؤياي قد أدخلَت على قلبي القسوة. وكلما فكرتُ في أن أرستيز
لم يَعُد حيًّا تلاشت من نفسي كل رحمة.
ما أشد مرارة التُّعساء نحو السعداء! إن زيوس لم يسخِّر الريح لتدفع إلى هذا
البلد سفينة تحمل هلن، آفة حياتي، أو منلايوس. إذن لانتقمتُ منها، ولكان في
التضحية بهما هنا انتقام من التضحية بي في أولس، حيث كان «الدنان» متأهبين
لقتلي، كما تُقتل العجول، في حضرة أبي أجاممنن، الملك الكاهن.
يا ويلتاه! إني لا أستطيع أن أنسى الآلام التي تكبَّدتُها حينذاك … لقد
تعلَّقتُ بركبتي أبي، وأمسكت لحيته، وتضرَّعتُ إليه قائلةً: «أبتاه، لأي عرس
مشئوم أتيت بي؟ وأي أناشيد الزواج ستتغنَّى بها أمي ونساؤها في آرجس؟ وأي
الأغاني سيتردد صداها في قصر أتريوس؟ لأني سأموت على يديك. وسوف يُصبح «هيدز»٣ لي قرينًا، أمَّا ابن بيليوس فلن يكونه. لقد أمَرتني أن آتي ليكون
إكليز لي زوجًا، وانظر! لقد حملَتْني العربة إلى الموت بالتضحية، ولما تركتُ
آرجس نكست طرفي تحت نقابي الرقيق، ولم أودِّع شقيقتي، ولم أُعانق أخي الصغير
أرستيز، أرستيز الذي أصبح اليوم بين الأموات؛ فقد كنت أحسب أني سوف أعود إلى
ميسيني قبل أن ينقضي وقت طويل. آه يا أخي الشقي، إن كنتَ اليوم ميتًا، فمن أي
مركز سامٍ سقطت! لقد سقطتَ من جلال عرش آبائك!»
إن سلوك الآلهة فوق ما تُدرك العقول، فهي تُحرِّم مذبحها على أي إنسان
تلطَّخَت يداه بالدماء، بينا يسرُّها هي أن يُضحِّي من أجلها البشر. ولكن
لاتونا، زوج زيوس، لم تتَّصف بمثل هذا التناقض، كما أن تانتلس ما كان ليقدم
للآلهة لحم أبنائه ليسرَّهم به. ولكن البرابرة سكان هذي البلاد يشتهون دماء
البشر ويَنسبون إلى الآلهة هذا الإثم الذميم. إني لا يسعني إلا أن أعتقد أن
الآلهة تميل إلى الخير.
(يخرج الراعي من اليمين.)
أولى أفراد الجوقة
:
إن المياه مُظلمة حيث تتجمَّع أمواه الفيضان. وما أشد ظلمة ذلك التيار الذي
عبرت مياهه أيو التَّعِسة من أوربا إلى آسيا وهي تفرُّ من آرجس بعدما لدغتها
ألوف ذباب المواشي.
الثانية
:
أيها البحر القاتم، من أولئك الرجال القادمون من يورناس المعشبة النائية ذات
الأنهار الفضية أو من آبار ديرسي المقدسة؟ من أولئك الذين هبطوا على هذا الساحل
حيث تكرَّمُ أرتيموس ابنة زيوس في المعابد ذات الأعمدة الكثيرة عند المذابح
التي اكتسَت حمرة من دماء البشر؟
الثالثة
:
إن صفَّين من مجاديفِهم الصنوبرية كانا يتلألآن في ضوء الشمس، كما انتفخت
أشرعتهم بالنسيم وهم يَنزلقون فوق الموج. وكانت قلوبهم متعلِّقة بجمع الثروة
لبيوتهم وهم يشقُّون عباب الماء.
الرابعة
:
الأمل آفة الأحياء، يدفعهم من شاطئ وحشي إلى آخر يَحدوهم رجاءٌ مبهم. إنهم لا
يَفتُرُون عن طلب الثراء، وبعضهم تفوته فرصة النجاح من سوء التقدير، وبعضهم
يدرك النجاح بغير انتظار.
الخامسة
:
كيف نجوا من الصخور الوعرة؟ وكيف اجتازوا مخاطر شطآن فنيوس؟ هناك فوق لجج
آمفترايت ترقُص بنات نيريوس بأقدام متألقة وهن يتغنين بالأناشيد.
السادسة
:
إن الرياح التي تملأ الأشرعة دفعتهم إلى هنا، وقد أخذت دفاتهم الثابتة تصر
والريح تهبُّ جنوبًا وتهبُّ غربًا حتى مروا بأرض تتردَّد عليها الطيور،
وبالساحل الأبيض، مندفعين فوق البحر الذي لا يرحم، كما كان إكليز يندفع في
السباق.
الأولى
:
آه لو أن هلن ابنة ليدا الحسناء طارَت إلى هنا من أسوار طروادة الشاهقة! آه
لو أُجيب دعاء مولاتي! إذن لماتَت الأسبرطية فوق المذبح، وابتلَّت خصلات شَعرها
بقطرات الدماء. إنها لتموتَّن بيدِ مولاتي، وحينئذٍ يكون الانتقام
لآلامي.
الثانية
:
ما أشدَّ سرورنا لو أقبلت علينا سفينة آكيا المشمسة وأنقذتنا من الأَسر
المنحوس! آه لو عُدت إلى وطني القديم، ولو في الحلم، ووطأت الطرقات في مدينة
آبائي، وأصغيت إلى الموسيقى في قاعات الأميرة!
الثالثة
:
ها هما الأسيران يُقبلان، تُكبِّل معاصمهما الأصفاد، ليُضحَّى بهما للآلهة،
أنصتوا جميعًا!
الرابعة
:
صدق الراعي. إن أبناء هلاس يَقتربون من المعبد.
الخامسة
:
أيتها الآلهة، أيتها العذراء المقدسة! لو كانت مثل هذه الأمور مما تُحبِّين،
فتقبَّلي هذه الضحايا التي تُقدَّم لك علانية كما هي عادة هذه البلاد، وإن يكن
ذلك يُوصم بالدنس بين أهل آرجيف.
(يدخل من اليسار أرستيز وبلديز مكبَّلَين بالسلاسل بين
حارسين.)
أفجنيا
:
لن يُهمَّني الآن أن تُؤدى واجبات الإلهة بغير توان.
(للحراس): فكُّوا إسار أيدي هذين
الغريبين؛ إذ إنهما بعد أن باتا ضحيتَين مقدستَين لم يعودا أسيرين بعد هذا.
(تُوجه الخطاب إلى بعض الخدم الذين يلجون
المعبد): ادخلوا المعبد، وأعدُّوا كل ما نحتاج لشعائر
التضحية
ما أشدَّ حزن الأم التي حملتك! من كان أبوك؟ وهل لك أخت؟ إنها ستَفقِد بفقدك
أخوين! من ذا الذي يستطيع أن يتكهَّن بالكارثة المقبلة؟ إن إرادة الآلهة تسير
في طريق لا يدركه الإنسان، ومصباح «الأمل» مغواة في المستقبل المظلم. أيها
الغريبين التَّعِسين، من أين أتيتما؟ ما أشأم اليوم الذي أبحرتما فيه إلى هذه
البلاد، ولسوف يطول غيابكما من أرض الوطن، ولسوف تُعانيان النفي أبدًا في ظلمات
الموت.
أرستيز
:
لماذا تتَفوَّهين بكلمات الرثاء وتحزنين لمصيرنا أيتها العذراء، ومن ذا عسى
أن تكوني؟ إني أعتقد أن الرجل الذي تُواجهه المنية فيُجاهد أن يستثير العطف
ويثرثر باللفظ خشية الموت لا يَستحِق الثناء، إنما هو يُضاعف سوء حظه، وجديرٌ
به أن يتصف بالحماقة؛ لأنه مُلاقٍ حتفَه برغم هذا. لا مفرَّ مما في طي القدر،
لا تذرفي من أجلنا الدموع؛ فنحن نعرف عادة التضحية في هذه البلاد.
أفجنيا
:
خبِّرني أوَّلًا أيكما يُدعى بلديز؟
أرستيز
(مُشيرًا إلى بلديز)
:
هو ذا، إن كان يسرُّك أن تعرفي.
أفجنيا
:
من أي ولاية في آكيا أتيت؟
أرستيز
:
ماذا يعود عليكِ من العلم بهذا أيتها الكاهنة؟
أفجنيا
:
هل أنتما شقيقان، ولدتكما أمٌّ واحدة؟
بلديز
:
لسنا شقيقَين، ولكنَّا صديقان.
أفجنيا
:
بماذا سماك أبوك؟
أرستيز
:
كان الأجدر به أن يُسمِّيَني منحوس الطالع.
أفجنيا
:
لا أسألك عن هذا، إن نصيبك قد قدَّرته لك «ربات القضاء».
أرستيز
:
إذا مُتنا مجهولَين فلن يسخر مِنَّا أحد.
أفجنيا
:
هل بلَغ بك الكبر ألا تبوح باسمك؟
أرستيز
:
تستطيعين أن تُضحِّي بجسمي دون اسمي.
أفجنيا
:
لا أقلَّ من أن تخبرني ببلدك؟
أرستيز
:
وماذا يُجدي هذا رجل مقضي عليه بالموت؟
أفجنيا
:
لماذا ترغب عن أن تصنع لي هذا الجميل؟
أرستيز
:
آرجس موطني.
أفجنيا
:
هل صحيح أنكَ من آرجس أتيت؟ وهل يُمكن أن يكون هذا صحيحًا؟
أرستيز
:
أتيت من ميسيني التي كانت في يوم من الأيام تُدعى بحق «الأرض
السعيدة».
أفجنيا
:
وهل دُفعتَ على أن تُقلع من بلدك طريدًا؟ وإلا فأي مغامرة أتت بك إلى
هنا!
أرستيز
:
قد يُقال إني طريد، رغمًا عني، وبإرادتي.
أفجنيا
:
مرحبًا بمقدمك!
أرستيز
:
ولكني لا أرحِّب به، فلتهنئي أنت به إن كان يسرك.
أفجنيا
:
هل تتفضَّل فتخبرني عن أشياء أحب أن أعرفها؟
أرستيز
:
إن هذا لا يَزيد شيئًا من نكبتي الراهنة.
أفجنيا
:
لعلَّ لك بطروادة علمًا، واسمها يتردد على كل الشفاه.
أرستيز
:
وددتُ لو لم أسمع بها حتى في أحلامي!
أفجنيا
:
يقولون إنها تلاشَت من الوجود، وإن الحرب قضت عليها قضاءً مبرَمًا.
أرستيز
:
هذا صحيح، ولم يكذبوك الخبر.
أفجنيا
:
وهل عادَت هلن إلى بيت منلايوس؟
أرستيز
:
أجل، وهذا من سوء حظِّ رجل من أقربائي.
أفجنيا
:
وأين هي الآن؟ إن بيننا دَينًا قديمًا لم نُسوِّه.
أرستيز
:
إنها تسكن في أسبرطة مع زوجها الأول.
أفجنيا
:
عليها لعنة أهل آكيا جميعًا لا لعنَتي أنا وحدي.
أرستيز
:
وأنا كذلك عانَيتُ من هذا الزواج.
أفجنيا
:
وهل عاد كل أهل آرجيف كما يُشاع.
أرستيز
:
يتضمَّن هذا السؤال كل سؤال آخر دفعة واحدة.
أفجنيا
:
أحبُّ أن أعلم الكثير قبل موتك.
أرستيز
:
إذًا، سليني أجبك، ما دمتِ في هذا ترغبين.
أفجنيا
:
وهل عاد من طروادة عرَّاف اسمه كالكس؟
أرستيز
:
يقولون إنه مات في ميسيني.
أفجنيا
:
حمدًا لإلهتي! ما أعدَلَها! وما أخبار ابن ليرتيز؟
أرستيز
:
لم يَعُد إلى الوطن بعد، غير أنهم يقولون إنه ما زال حيًّا.
أفجنيا
:
أرجو أن يُلاقيَ حتفه بعيدًا عن وطنه!
أرستيز
:
لا تتمنَّي له شرًّا، ويكفيه عبثًا ما يتحمل من مشاق.
أفجنيا
:
وهل ابن بيريد ثيتس ما يزال حيًّا.
أرستيز
:
كلا، بل مات، وكان زواجه في أولس أجوف.
أفجنيا
:
يُقرر العارفون أنه كان زواجًا كاذبًا.
أرستيز
:
من أنت؟ إنك تسألين عن شئون آرجيف سؤالًا دقيقًا.
أفجنيا
:
أتيتُ من آكيا، وتحملت النائبات وأنا ما زلت طفلة.
أرستيز
:
الآن فهمتُ اهتمامك بما يجري هناك.
أفجنيا
:
خبرني ماذا حدث لذلك الملك الذي يَحسبه الناس جميعًا رجلًا سعيدًا؟
أرستيز
:
من ذا تعنين؟ إنني لا أستطيع أن أذكر أحدًا جديرًا بهذا اللقب.
أفجنيا
:
كان هناك سيد يُدعى أجاممنن بن أتريوس.
أرستيز
:
لا أستطيع أن أخبرك، ولا تسأليني بعد هذا.
أفجنيا
:
لا بُدَّ أن أعرف أيها الغريب، أرجو أن تخبرني.
أرستيز
:
لقد مات هذا الرجل الشقي، وجلَب موتُه الدمار للآخرين.
أفجنيا
:
هل قُلت إنه مات؟ وكيف مات؟ ما أشدَّ أحزاني!
أرستيز
:
لماذا يُحزنك هذا؟ هل أنت من أسرته؟
أفجنيا
(مترددة)
:
إنما أرثي لفقد أبهته.
أرستيز
:
لقد مات، ذبحتْه امرأة ذبحًا مشينًا.
أفجنيا
:
وا حسرتاه على القاتلة والمقتول.
أرستيز
:
لا تسألي عنه أكثر من هذا.
أفجنيا
:
أرجو أن تأذن لي بسؤال آخر. هل لا تزال زوجة هذا الرجل الشقي حية؟
أرستيز
:
فارقت الحياة، فقد ذبَحَها ابنها وفلذة كبدها.
أفجنيا
:
يا لها من أسرة حاقَت بها النكبات العابسة! ماذا عسى أن يكون الحافز الذي
دفعه إلى هذا؟
أرستيز
:
كي ينتقم لموت أبيه.
أفجنيا
:
يا للهول! عمل عادل، ولكنه عمل أثيم. وقد كان أداؤه حقًّا.
أرستيز
:
كان العدل إلى جانبه، ولكنَّ الآلهة لم تكن به رحيمة.
أفجنيا
:
وأيُّ أبناء أجاممنن الآخرين على قيد الحياة؟
أرستيز
:
ابنة واحدة فحسب، هي إلكترا العذراء.
أفجنيا
:
ابنة واحدة فحسب! وما مصير الأخرى، تلك الابنة التي ضحَّى بها؟
أرستيز
:
إنها لم تَعُد تشهد ضوء النهار بعد موتها.
أفجنيا
:
ما أتعسَ هذه الابنة، لقد قتَلَها أبوها الشقي؟
أرستيز
:
لقد ماتت في قضية سوء، قضية امرأة فاجرة.
أفجنيا
:
وهل لا يزال في آرجس ابن ذلك الرجل المقتول؟
أرستيز
:
ما أتعس هذا الرجل. أين يا ترى يكون؟ إنه في كل مكان، وفي غير مكان.
أفجنيا
(جانبًا)
:
ألا بعدًا للرؤيا الكاذبة! لقد كانَت جوفاء بغير معنى.
أرستيز
:
إن الآلهة الذين يَحسبهم الناس بكلِّ شيء عليمين ليسوا أكثر صدقًا من الأحلام
العابرة. لقد صوَّر الإنسان الله على صورته فجلب لنفسه آلامًا لا تحد. إن كلمة
واحدة من كاهن تُودي به إلى الدمار، وكم من رجل لقي هذا المصير.
أولى أفراد الجوقة
:
وا حسرتاه! وا حسرتاه! أي قضاء حُمَّ بآبائنا. من ذا يستطيع أن
يخبرنا؟
أفجنيا
:
أنصتوا! لديَّ خطة تعود عليكما أيها الغريبين كما تعود عليَّ بالنفع في آن
واحد. وأرجِّح أن تنجح الخطة نجاحًا باهرًا، ما دامت تفيد كلَّ من له بها صلة.
هل توافق — إذا أنقذتُ حياتك — أن تتوجه إلى آرجس وتحمل رسالة إلى أصدقائي
هناك؟ سأُعطيك خطابًا تَحمِله، كتبه أسير في هذا المكان، وقد أشفق عليَّ لأنه
اعتقد أنه يموت وفقًا لقانون هذه البلاد ولم يَعتبرني قاتلة. إني لم أجد أحدًا
يذهب إلى آرجس ليُسلم هذا الخطاب، فأرجوك أن تقوم لي بهذا، ولستَ وضيع المولد،
وإنك بميسيني لعليم، كما أنك تعرف الأصدقاء الذين أُحبُّ أن يصلهم هذا الخطاب.
فكن لي رسولًا واغنم جزاءً حسنًا، وذلك الجزاء هو حياتك. وما دامت تورس في حاجة
إلى ضحية، فليُقدَّم هذا الغريب الثاني وحده ضحية «للعذراء».
أرستيز
:
إن خطَّتك أيتها الفتاة المجهولة محكمة التدبير إلا في شيء واحد، وذلك أنه
يُحزنني أن يُضحَّى بهذا الرجل؛ لأني أنا الحافز على هذه المغامرة، وإن هو إلا
رفيقي وشريك متاعبي. وليس من العدل في شيء أن أتكرَّم عليك وأنجو بحياتي على
حساب حياة هذا الرجل. وإذًا فلتكن الخطة كما يأتي: سلِّمي خطابك لهذا الرجل
الذي سوف يحمله إلى آرجس ويُنفِّذ مشيئتك. واحتفظي بي هنا للتضحية. إني لا أحسب
أن هناك فكرة أشد وضاعة من أن أشتري نجاتي بحياته وأنا الذي أوقعتُه في هذه
الكارثة. إنه صديقي، وأحبُّ له أن يستمتع بنور النهار كما أحب لنفسي.
أفجنيا
:
ما أعظم قلبك! حقًّا إنك لمَن أسرة نبيلة. أنت رفيق صادق، شديد الشبه بآخر
أقربائي. إنني لستُ بغير شقيق، وإن تكن عيناي لا تقع عليه. وما دامت هذه
إرادتك، فليحمل هذا الآخر رسالتي ولتَمُت أنت، فهل أنت مشغوف بلقاء
مصيرك؟
أرستيز
:
من ذا الذي سيُضحِّي بي؟ ومن ذا يجسر على هذا العمل المريع؟
أفجنيا
:
أنا، لأني كاهنة الإلهة.
أرستيز
:
إني لا أَحسدُك على هذا الواجب الممقوت.
أفجنيا
:
الحاجة تتحكَّم فينا جميعًا، ولا مفر لنا منها.
أرستيز
:
ولكن هل تَقتُلين الرجال بالسيف أيتها المرأة؟
أفجنيا
:
كلا، كلا. سأصبُّ فوق رأسك ماء التضحية.
أرستيز
:
ومن الذي سيقتلني، إن كان يجوز لي أن أسأل هذا السؤال؟
أفجنيا
:
في هذا المعبد رجال سيكون هذا واجبهم.
أرستيز
:
وأي قبر سيتلقَّف جسدي بعد الموت؟
أفجنيا
:
إن نارًا مقدسةً تَحترِق داخل أخدود في الصخور فسيح، وسوف يكون هذا
جدثك.
أرستيز
:
ما أشد حسرتي لأن يدَ أختي لا تفحص عيني!
أفجنيا
:
هذا دعاء باطل لأن بيتَها ناءٍ عن هذه الأرض الوحشية. سأفعل كل ما تستطيع
الأخت أن تفعله؛ لأنك أيضًا من آرجيف. سوف أزين قبرك وأطفئ رماد جسدك بالزيت
الأصفر، وأصبُّ فوق كومة الحطب التي ستحرق لها جثتك الرحيق العذب يمتصُّه نحل
الجبال الذهبي من المراعي الشاهقة.
(تدخل أفجنيا المعبد.)
أولى أفراد الجوقة
(إلى أرستيز)
:
نحن نَبكيك لأن الموت المقدس حتم عليك.
أرستيز
:
لا تُشفِقْنَ عليَّ أيتها النسوة بل ابتهجْنَ لي!
ثانية أفراد الجوقة
(إلى بلديز)
:
نحن نَبتهج معك لأنك سوف تُشاهد شواطئ موطنك مرة أخرى وتطأ بقدميك أرض بلادك
ثانية.
بلديز
:
لا تبتهجْن لي. ليس من السرور أن يموت صديقي.
الثالثة
(إلى بلديز)
:
إنك ستعود إلى الوطن ولكن بقلب حزين!
الرابعة
(إلى أرستيز)
:
مقضيٌّ عليك بالموت، وا حر قلباه!
الخامسة
:
إن قلوبنا تتمزَّق من أجلكما أيها الشقيان.
السادسة
:
لأيكما نرثي؟ (إلى أرستيز): لك، أو
(إلى بلديز): لك؟
أرستيز
:
خبِّرني يا بلديز، ألا تحسُّ بما أحس؟
بلديز
:
لا أستطيع أن أجيبك عن هذا، إنه سؤال لا يُجاب عنه.
أرستيز
:
من ذا عسى أن تكون هذه العذراء؟ عجبًا، إنها تسأل كما تسأل فتاة من آرجيف عن
طروادة، وعن عودة الهلينيين، وعن كالكس العرَّاف الحكيم وعن إكليز. ومن عجبٍ
كذلك أنها تُشفِق على أجاممنن وتتلهَّف على أخبار زوجه وبنيه! لا بُدَّ أن تكون
من آرجيف، وإلا فلماذا ترسل خطابًا إلى هناك وتسأل سؤالًا دقيقًا عن شئون
آرجيف؟ لا بُدَّ أنها قد أتت من آرجس.
بلديز
:
إنك تُعبر عن آرائي بدقة. غير أنا ينبغي ألا ننسى هذه الحقيقة، وهي أن الناس
جميعًا قد سمعوا بمصير زعمائنا. ولكن هناك يا أرستيز شيئًا واحدًا تحدَّثت عنه
يشغل خاطري.
أرستيز
:
وما ذاك؟ لعلك إذ تُفضي به تخفف عن نفسك.
بلديز
:
هل هويت إلى الحضيض فأحيا وتموت؟ أنت إنما قمتَ بهذه المغامرة كي أشاطرك كل
مخاطرك. ولذا فلا بُدَّ لي أن أموت معك. فلو أني عدتُ وحدي لوصَمُوني بالجبن في
آرجيس وفوكس. سيقول الناس — وهم قُساة — إني عدت وحدي إلى أودية الوطن العزيزة.
وحيدًا آمنًا وبيتُك مغمور بالنكبات. ولا شك أنهم قائلون إني دبَّرت موتك كي
أظفر بالعرش من بعدك فأنا زوجُ أختك. أيُّ عارٍ يكون هذا؟ إني لأخشاه. وأنا فوق
ذلك صديقك، وسألفظ النفَس الأخير إلى جانبك، وأُقتَل معك، ويختلط رماد جسدينا
في نار واحدة.
أرستيز
:
صه، صه! لا بُدَّ أن أتحمل وحدي سوء طالعي، ولا أضمَّ ويلات غيري إلى ويلاتي.
أفتقول: «إنه عارٌ شديد»؟ ماذا عسى أن يكون مصيري إذا تركتُك تموت وأنا أسُّ
هذا البلاء؟ إن ضيعتك كبيرة يانعة، وبيتك سعيد لم يتلطَّخ بالجرائم الشنيعة.
فلماذا إذًا تُلاحقك اللعنات؟ إنك إن فررت وتزوجت من أختي التي وعدتُك إياها
فسيُخلَّد اسمك في بنيك ويبقى بيت آبائي قائمًا. وها أنا ذا أمد إليك يمناي
لتُعاهدني أن تقيم لي بعد عودتك إلى آكيا قبرًا تضمُّ في جوفه بعض آثاري. وهناك
تَبكيني شقيقتي وتُلقي فوق الحجر خصلات شعرها المقصوصة، وخبِّرْهم جميعًا كيف
وقعت بين يدي امرأة من آرجيف ضحَّت بي للإلهة بعدما غمرتني بماء الموت المقدس،
ولا تهجر قطُّ أختي فليس لها حامٍ آخر.
والآن وداعًا يا أعز أصدقائي ويا أعز رفاق الصيد. لقد كُنَّا معًا طفلين
وغلامين! لم تبتعد عني قط، وكنت دائمًا تحمل معي عبء أحزاني. إن فيبس الكاهن
الكاذب قد خدَعَنا، وبالوعود الماكرة نفاني بعيدًا من هلاس خشية أن يلحقه العار
من نبوءاته الكاذبة؛ فقد أغراني باللفظ حتى قتلتُ أمي، ثُمَّ سلمت له كل ما
أملك، والآن ها أنا ذا أموت بعدما أغراني بالرحلة إلى هنا.
بلديز
:
سيكون لك قبر. ولن أغدر قط بأختك يا صديقي الشقي. وسوف تكون أعز لديَّ ميتًا
منك حيًّا. ولكن لا تقل إنَّ الكاهن قد ساقَك إلى الدمار وإن كنت تقف من الموت
قاب قوسين أو أدنى. إن الدهر قد يَقلب لنا ظهر المِجَنِّ إذا كانت هذه هي مشيئة
زيوس.
أرستيز
:
إن كلمات فيبس لم تَعُد عليَّ بخير. انظر، ها هي ذي الكاهنة تعود من
المعبد.
أفجنيا
(إلى الخدم)
:
اتركونا واعملوا كل ما يحتاجه أولئك الذين سوف يُقدمون الضحية. (إلى أرستيز وبلديز): ها هو ذا الخطاب أيها
الغريبان، ولكن استمعا إلى ما أريد منكما، ليس من إنسان لا يقع في المخاطر، وما
يُصرح به وهو خوف الموت ينساه بعد زوال الخطر. كيف لي أن أعرف أن رسالتي قد
بلغت بعدما ينأى الرسول عن هذه البلاد؟
أرستيز
:
ماذا تريدين؟ ليطمئن قلبك.
أفجنيا
:
إذن فليقسم لي أنه سوف يَحمل هذا المكتوب إلى آرجس في أمان وفي غير توان، أو
أنه سوف يسلمه ليد من وُجِّه إليه الخطاب.
أرستيز
:
وأي شروط تقدمينها له؟
أفجنيا
:
أي شروط؟ ماذا تعني؟
أرستيز
:
أعني أن تضمَني له نجاته من هذا البلد الوحشي.
أفجنيا
:
وكيف بغير ذلك يستطيع أن يحمل الرسالة؟
بلديز
:
وهل يُوافق على هذا حاكم هذا البلد؟
أفجنيا
:
أجل، وأنا أتعهَّد بإقناعه، وسأرى بنفسي أن الرسول يقلع في سفينتكم.
أرستيز
:
أيَّ يمين يقسمه لك وتقسمينه له؟
أفجنيا
(إلى بلديز)
:
كرِّر بعدي هذا القول: «سأسلم هذا الخطاب لأصدقائك في أمان.»
بلديز
:
«سأسلم هذا الخطاب لأصدقائك في أمان.»
أفجنيا
:
وسأُرسلك آمنًا بعيدًا من صخور كينيا.
بلديز
:
أي الآلهة تدعين شاهدًا على قسمك.
أفجنيا
:
أرتيمس؛ فأنا كاهنتها.
بلديز
:
أقسم بزيوس، ملك السماء المُهاب.
أفجنيا
:
وإذا حنثتَ في يمينك وأسأت إليَّ؟
بلديز
:
لا كانت عودتي إلى آكيا! وماذا إذا لم تنقذيني أنت؟
أفجنيا
:
لا وطأتْ قدميَّ أرض آرجس.
بلديز
:
لقد نسينا أمرًا واحدًا.
أفجنيا
:
وما ذاك؟
بلديز
:
هبيني استثناءً واحدًا للعهد، إذا فُقدت السفينة في عاصفة هوجاء وفُقد معها
الخطاب ولم أنجُ بغير نفسي فكيف أبلغ الرسالة؟
أفجنيا
:
بالفطنة تتغلَّب على المجهول. سأُخبرك بما يتضمن الكتاب حتى تستطيع أن تعيدَه
على مسامع أصدقائي، وبعد هذا نكون آمنين من كل جانب. إذا أنقذت الخطاب سلمته،
وإن فقدته احتفظت بكلماتي.
بلديز
:
نِعمَ ما قلت. والآن خبريني لمن في آرجس أحمل هذا الخطاب، وماذا ينبغي أن
أقول له؟
أفجنيا
:
اذهب إلى أرستيز بن أجاممنن، وقل له: «إن أفجنيا، التي حسبتُم أنكم ضحَّيتم
بها في أولس، وأنها الآن من الأموات، تبعث إليك بهذه الرسالة.»
أرستيز
:
وأين هي؟ هل عادت إلى الحياة من الموتى؟
أفجنيا
(إلى أرستيز)
:
هي التي تتحدَّث إليك. لا تبلبل خواطري بالمقاطعة. (إلى بلديز): قل له: «إنها تبعث إليك بهذه الرسالة: أخي،
أَعِدْني إلى آرجس من هذا البلد الوحشي قبل أن أموت، وخلِّصني من خدمة الإلهة
التي يجب عليَّ أن أقدِّم لها الضحايا من الرجال.»
أرستيز
:
بلديز! ماذا أسمع؟ وماذا أقول؟ هل نحن في حلم؟
أفجنيا
:
قل له: «وإذا لم تُحاول أن تنتشلني يا أرستيز، فسأكون على بيتك نقمة تتردَّد
إلى أبد الزمان.» والآن سمعتَ اسمه مرتين، فلا تنسه.
بلديز
:
يا ألله!
أفجنيا
:
لماذا تبتهل إلى الآلهة؟
بلديز
:
أرجو أن تُواصلي الحديث كأن شيئًا لم يحدث.
أفجنيا
:
أخبره أن الإلهة أرتيمس قد أنقذَتني من سيف الكاهن، وأن ظبيًا ذُبح عِوَضًا
عني، وأني أتيتُ إلى هنا. هذا هو ما يحتويه هذا الخطاب.
بلديز
:
إنكِ حين أقسمت مخلصة أن تنقذيني قيَّدتِني بيمين يسيرٌ عليَّ أن أبرَّ بها.
انظري، إني أؤدِّي الآن واجبي. (إلى
أرستيز): إني أحمل إليك خطابًا من أختك فتسلَّمه.
أرستيز
:
إني أتقبله، ولكني لن أفضَّ ختمه الآن، ولن أُظهر سروري بمجرد الكلمات. أي
شقيقتي العزيزة، إنَّ الدهشة تعقد لساني، وإني حين أضمُّك بين ذراعيَّ لا أشك
في هذه المعجزة، وإن قلبي لينبض بالسرور.
أولى أفراد الجوقة
(تظهر عند باب المعبد)
:
أيها الغريب المتهوِّر، أيها الرجل الذي لا يرعى الحرمات. كيف تجسر أن تدنس
ثياب كاهنة أرتيمس المقدس بيدك الملوثة؟
أرستيز
:
لا تَنبذيني يا أختاه، فنحن من أب واحد وأم واحدة. أنا أخوك، وإن كنت لم
تتوقعي هذا.
أفجنيا
:
أفحقًّا أنت أخي؟ إنه في آرجس، وقد يكون في نوبليا.
أرستيز
:
كلا أيتها الأخت التَّعِسة، إنه ليس هناك.
أفجنيا
:
هل كانت الأسبرطية ابنة تندارس أمك؟
أرستيز
:
أجل لقد كانت، وأبي هو حفيد بليس.
أفجنيا
:
هل تستطيع أن تُبرهِن على ما تدَّعي؟
أرستيز
:
أجل، أستطيع. سلي ما شئتِ عن بيت آبائنا.
أفجنيا
:
كلا. ليس عليَّ أن أسأل، إنما عليك أن تخبر.
أرستيز
:
لقد أخبرتني ألكترا بهذه الأمور، وسأبدأ بذكرها: هل تعلمين بالنِّضال القائم
بين الأخوين أثريوس وثيستيز؟
أفجنيا
:
أجل، إنه نضال بشأن الكبش الذهبي.
أرستيز
:
حسنًا. إنك إذن لم تنسَي كيف نسجته بمهارة على المنوال.
أفجنيا
:
آه يا أخي العزيز، إنكَ تمسُّ أمورًا عزيزةً ماضيةً.
أرستيز
:
وعلى المنوال كذلك نسجت خيوط الشمس.
أفجنيا
:
أجل، لقد نسجت ذلك أيضًا، وقد أحسنت نسجه.
أرستيز
:
وفي أولس قامت لكِ أمُّنا باستحمام العرس.
أفجنيا
:
إني لم أنسَ هذا وما حرمته.
أرستيز
:
وقطعت خصلة من شَعرك لأمِّك تحتفظ بها.
أفجنيا
:
أجل، ولقد كانت ذكرى مماتي لا ذكرى زفافي.
أرستيز
:
والآن سأُحدِّثك عن أشياء شهدتها بنفسي. إن الرمح القديم الذي كان بليس
يلوِّح به حينما ذبح أينمايوس وظفر بهبداميا البيزية عروسًا له معلَّق في
حجرتك.
أفجنيا
:
كفى، كفى، أنت أخي. وأنت الآن بين ذراعي يا أرستيز يا أخي العزيز بعيدًا عن
آرجس وعن أرض الوطن.
أرستيز
:
وأنتِ كذلك يا أختاه بين ذراعيَّ، وقد ظنَّ الناس جميعًا أنهم ضحَّوا بك. إن
الدموع التي ليسَت بالدموع وبكاء الفرح يُبلِّل وجنتيك كما يُبلِّل
وجنتيَّ.
أفجنيا
:
أخي، لقد تركتك في رعاية مربيتك صبيًّا يافعًا في أبهاء ميسيني، وأنا الآن
سعيدة بك سعادةً يَعجز عنها اللفظ. ماذا أقول؟ إن ما حدث يفوق العجب
والعقل.
أرستيز
:
أرجو أن يعود لنا المستقبل بالسعادة في رفقتنا!
أفجنيا
(إلى الجوقة)
:
ما أشدَّ سروري أيها الأصدقاء! إني لأخشى أن يُفلت من بين يدي ويفرَّ في
الهواء ويختفي في السماء. إني لأشكر وأشكر الموقد الذي بناه السيكلوب، وأشكر
ميسيني، على هذا، على حياة أخي. أشكرها على شبابه وعلى تربيته حتى يقف هنا الآن
نور أسرتنا.
أرستيز
:
قد نكون بأسرتنا سُعداء. ولكن النوائب يا عزيزتي قد ألمَّت بحياتنا
وأشقتنا.
أفجنيا
:
وهل أجهل هذا؟ إن أبي في جنونه قد هوى على نحري بسكينه.
أرستيز
:
يا للفزع! يبدو لي أني أشهد ذلك أمامي.
أفجنيا
:
زعم أني سأزفُّ عروسًا لإكليز محفوفة بالتكريم وبأناشيد العرس. ولشد ما كانت
دهشتي حينما حُملت إلى المذبح محفوفة بالدموع والرثاء، وصبَّ فوقي الزيت المقدس
لتضحيتي.
أرستيز
:
ما أشد رثائي للعمل الذي جَرُؤ عليه أبي؟
أفجنيا
:
لقد أعطاني القدر أبًا ليس كالآباء، ولكن مشيئة زيوس أن البليَّة تجرُّ في
ذيلها بليَّةً أخرى.
أرستيز
:
ما كان أشد حزنكِ لو أنكِ قتلتِ أخاك.
أفجنيا
:
أي حزن مفزع! أخي، ما أروع الفعال التي أقدمتُ عليها. وما كان أقرب أن تحدث
على يديَّ! كيف ينتهي كل هذا؟ وماذا يُخبئ لي القدر؟ كيف أستطيع أن أُدبِّر
فرارك من هنا إلى وطنِنا آرجس وأضعك بعيدًا عن منال السيف؟ ويلي، ويلي، كيف
تستطيع أن ترحَلَ برًّا وتخترق مخاطر الطرق المجهولة والقبائل المتوحِّشة؟ كلا.
إنك لا نستطيع أن نسير إلا بطريق البحر، آرجس وأضعك بعيدًا عن منال السيف؟
ويلي، ويلي، كيف تستطيع أن ترحل برًّا وتخترق مخاطر الطرق المجهولة والقبائل
المتوحشة؟ كلا. إنك لا تستطيع أن تسير إلا بطريق البحر، خلال صخور كيانيا وهو
طريق طويل. ما أشد شقوتي! خبِّرني أيها التعس أي إله وأي إنسان وأية فرصة
تدلُّك على المخرج من هذا الخطر، وتُخلِّصك من مُلمَّة قد تحلُّ بأبناء أزيوس
الأحياء؟
أولى أفراد الجوقة
(إلى الثانية)
:
إن رؤيتي هذا العجب بعيني أمرٌ يذهل العقول.
الثانية
(للأولى)
:
لو أن إنسانًا أخبرني بمثل هذا لما صدقته.
بلديز
:
والآن يا رفيقي من الطبيعي أن يتحرَّك قلباكما بعد هذا الفراق الطويل، ولكن
لنطرح جانبًا سرورنا وعواطفنا ونُفكِّر في هدوء في سبيل الهرب المرغوب، وكيف
نستطيع أن ننجو من هذا البلد القاسي. ولا شك أننا أحكم من أن ننسى المستقبل في
مسرات الحاضر الزائلة.
أرستيز
:
أصبتَ القول يا بلديز. لا بُدَّ أن تكون لدى زيوس خطة لنا؛ فهو في عون من
يعينون أنفسهم.
أفجنيا
:
حدِّثني أوَّلًا عن إلكترا. كل أهلي أعزاء لديَّ.
أرستيز
:
إنها ستتزوَّج من هذا الرجل، بلديز، والسعادة تنتظرها.
أفجنيا
:
وماذا تعرف عنه؟ خبِّرني عن بلده، وابن من يكون؟
أرستيز
:
هو من فوكس، وأبوه ستروفيس.
أفجنيا
:
وإذا فهو ابن ابنة أتريوس، وابن عمي.
أرستيز
:
ابن عمنا وصديقي.
أفجنيا
:
لم يكن قد وُلد حينما تركتُ آرجس.
أرستيز
:
لبث ستروفيس زمنًا بغير أبناء.
أفجنيا
:
مرحبًا بزوج أختي.
أرستيز
:
هو أعزُّ من أي قريب، هو حافظي.
أفجنيا
:
وكيف استطعتَ أن تَقترف ما فعلت بأمنا.
أرستيز
:
أحب ألا نتكلم في هذا. لقد انتقمتُ لأبي.
أفجنيا
:
ولماذا قتلَتْ زوجها؟
أرستيز
:
لا تتحدَّثي أكثر من هذا عن سلوك أمنا، فإنه لا يليق بك أن تسمعيه.
أفجنيا
:
لن أسأل بعد هذا عنها. ألا تتطلَّع آرجس إليك حاكمًا عليها؟
أرستيز
:
منلايوس يتولى الملك هناك، ونحن منفيون.
أفجنيا
:
هل انتزع العرش منك عنوة؟
أرستيز
:
كلا، لم يكن هذا. إنما طردني أهل أرنايز من بلدي.
أفجنيا
:
وذلك إذًا سبب الجنون الذي حدَّثني عنه الراعي، الجنون الذي استولى عليك عند
الشاطئ.
أرستيز
:
لم نُهاجم أول الأمر إلى هذا الحد.
أفجنيا
:
لقد فهمت. إن أهل أرنايز هاجَمُوك بسبب أمنا.
أرستيز
:
وفلُّوا من سرعتي بقيد ملطخ بالدماء.
أفجنيا
:
ولماذا قصدتَ هذا الساحل؟
أرستيز
:
وجهَّني كهان فيبس إلى هذا المكان.
أفجنيا
:
وماذا كانوا يَبتغون؟ هل لك أن تكشف لي عن السر، أم لا بُدَّ أن يبقى الأمر
في طي الكتمان؟
أرستيز
:
لا يخفى عليك سر. إنها قصة طويلة وكلها مشاق. ولن أُخبرك بشيءٍ عن الشرور
التي تمسُّ أمنا سوى أني قد أرغمت على اقترافها. طاردتنا من آرجس بهجماتها
المتلاحِقة «أرباب الغضب» الذين لم تَلِن قلوبهم، بل ظلوا يتابعونني من بلد إلى
بلد حتى بعث بي أبولو إلى أتينا كي أقدم إلى المحاكمة أمام الآلهة الذين لا
يجوز لي أن أتفوَّه بأسمائهم. وهناك فوق تل آريز محكمة قديمة مقدَّسة أنشأها
زيوس لمحاكمة آريز الملوث بالدماء. ولما وطأت قدماه أتينا لم يستقبلني أحد من
أهلها بالترحاب؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن السماء قد أنزلت عليَّ لعنتها. ولكن
بعضهم — احترامًا لبيتي وشفقةً بحالي — قدَّمَ لي طعامًا على مائدة منفصلة وحرم
عليَّ الحديث مع أيٍّ من أهل البيت، وأبعدوني عن طعامهم وشرابهم وحديثهم وشئون
حياتهم اليومية، وكانوا حينما يُديرون الراح مَرِحين يقدمون لي كأسًا فريدةً في
صمت وسكون. ولم يكن من اللائق أن ألوم من أضافوني، فكتمتُ غيظي، وتظاهرت بأني
لا أكترث للعار الذي لحقَني، ثم توجَّهتُ إلى تل «إله الحرب»، ووقفت للمحاكمة
وحيدًا منعزلًا. وقام باتهامي أكبر أهل أرنايز سنًّا، وشهد لي فيبس مُدافعًا
عني. ثُمَّ وقف بالس موقف الحياد وعدَّ الأصوات معي وضدي فكانت مُتساوية،
وبُرئت من جريمة القتل. ولكن أهل أرنايز انقسموا على أنفسهم، واتخذ أولئك الذين
أيَّدوا القرار مقامًا لهم عند تل «إله الحرب»، وأمَّا أولئك الذين عارضوا
الحكم فظلوا يُطاردونني من مهجر إلى مهجر حتى ألفَيتُ نفسي مرة أخرى فوق أرض
مقدَّسة لدى فيبس، فارتميتُ عند مذبحه، وامتنعتُ عن الطعام بتاتًا، وأقسمتُ أن
أستلقي هناك حتى أموت، اللهم إلا إن ارتأى إنقاذي الإله نفسه الذي قضى على
كهنته. وصعد صوت فيبس من مثواه الذهبي ذي الثلاثة أرجل وأمر أن أُقلع إلى تورس،
وأن أحمل من هذه الأرض تمثال أرتيمس الذي سقَط من السماء، ثُمَّ أقيمه في
أثينا. فعاونينا أختاه على أن نظفر بالسلامة التي وعدنا إياها الله. وإذا ما
تملَّكنا التمثال تخلَّى عني الجنون. وستُبحرين أنتِ كذلك في سفينتِنا ذات
المجاديف الكثيرة، وسنحملك في سلام إلى ميسيني. لقد فقدتك طويلًا يا أختي، وها
أنا ذا أجدك الآن، فخلِّصي بيت آبائنا! ويا ضيعتاه لي ولكل أبناء بليس إذا لم
نحصل على تمثال «العذراء»!
الجوقة
:
ما أروع غضب السماء، فقد أهلكَ جيلًا بعد جيل من أبناء تانتلس.
أفجنيا
:
كم كنتُ أتوق يا أخي أن أعود إلى آرجس وأطالع وجهك مرة أخرى! والآن لستُ أرغب
في شيء أكثر من أن أنقذك من ويلاتك. إن الرجل الذي أراد قتلي قد مات، فلست أحمل
له الآن في نفسي حقدًا ولا ضغينةً. ولكني أحب أن أُنهض بيتَه من الدمار. لن أرى
يدي ملطختَين بدماء تضحيتك، بل سأفعل ما أستطيع لإنقاذ أسرتنا من الهلاك. غير
أني أخشى أن تعوق سبيلنا الآلهة، وأن يَلحظ الملك اختفاء التمثال قبل أن نلوذ
بالفرار، فهل لا يَحكمون عليَّ بالموت؟ أي تبرير أتقدَّم به؟ لا تختلس التمثال
وحده وتَحمله إلى سفينتك السريعة، بل عليك أيضًا أن تأخذني معك. أي شيء لا أضحي
به في سبيل الحرية؟ ولكني إن لم أَستَطِع أن أنجو مع التمثال، فلا مناص من
الحكم عليَّ بالهلاك، أمَّا أنت فإن استطعتَ أن تشقَّ طريقك إلى الوطن حاملًا
معك التمثال فسوف تنجو من أهل أرنايز. إني لا أتراجع عن ركوب الأخطار — حتى وإن
كان فيها موتي ميتةً شنعاء — إذا استطعتُ أن أظفر ببعدتك آمنًا؛ فالرجل عماد
البيت، أمَّا المرأة فقليلة الخطر.
أرستيز
:
إني لا أُحب أن تفقدي حياتك على يدي كما فقدَت أمي حياتها، ويكفي إراقة دم
امرأة واحدة. دعيني أُشاركك الحياة، وإن متِّ فلأُلاق الموت معك. أمَّا إن
استطعتُ أن أفرَّ من هذا البلد بأية وسيلة، فسآخذك معي ونعود إلى الوطن. فإن لم
تَستطيعي الفرار فسوف أموت معك. أنصتي لما أقول: إذا كان اختلاس التمثال لا
يُرضي أرتيمس، فكيف أمرني فيبس أن أحمله إلى مدينة بالس؟ كلا، بل لقد أتى بي
إلى هنا لأشهد وجهَكِ مرةً أخرى. وانظري يا أختاه، ها نحن أولاء مجتمعين مرة
ثانية. لا شك أن زيوس سوف يمنُّ علينا برحلة آمنة إلى الوطن.
أفجنيا
:
كيف نستطيع أن نُحاول اختلاس التمثال ونتحاشى أعيُنَ الرقباء والموت؟ هذه هي
المشكلة التي لا بُدَّ من التغلب عليها قبل أن نستطيع الإقلاع إلى
هلاينت.
أرستيز
:
هل من سبيل إلى قتل الملك؟
أفجنيا
:
إنه لعمل شنيع أن أقتل مضيفي.
أرستيز
:
ذلك كي ننجو معًا.
أفجنيا
:
لا أستطيع أن أفعل هذا، وإن كنت أعجب بجرأة الفكرة.
أرستيز
:
إذًا فلتُخبِّئيني سرًّا في هذا المعبد.
أفجنيا
:
هل تقصد أن نستغل الظلام ونلوذ بالفرار ليلًا؟
أرستيز
:
الليل وقت اللصوص، وفي النهار يُحصحِص الحق.
أفجنيا
:
يقوم على المعبد حراس لا نَستطيع أن نتحاشاهم.
أرستيز
:
إن قضيتنا تبعث على اليأس. ماذا ترين؟
أفجنيا
:
أظن أني وجدتُ خطةً معقولةً؟
أرستيز
:
وما تلك؟ إن النساء ماكرات لا يعدمن الحيلة.
أفجنيا
:
سأتخذ من متاعبك مكيدة.
أرستيز
:
ألم أقل لك هذا. ليسَت بالمرأة من تعدم الحيلة.
أفجنيا
:
سأُعلِن أنك قتلت أمك في آرجس.
أرستيز
:
قولي ما تشائين إن كان في ذلك تحقيق السلامة.
أفجنيا
:
ثُمَّ أصرِّح أنه لا يجوز شرعًا أن نقدمك إلى الآلهة.
أرستيز
:
لماذا؟ آه! إني أدرك ما تقصدين.
أفجنيا
:
لأنك لستَ طاهرًا، فلستُ أستطيع أن أضحِّي إلا بالطاهرين.
أرستيز
:
وكيف يُعيننا هذا على الظفر بتمثال الآلهة؟
أفجنيا
:
سأُقرِّر أن البحر وحده يستطيع أن يطهره.
أرستيز
:
ولكنَّا — برغم هذا — لن نَظفر بالتمثال الذي أبحرنا من آرجس في
سبيله.
أفجنيا
:
سوف يحتاج هذا إلى التطهير كذلك، سوف ندَّعي أنك لمستَه بيدك الدنسة.
أرستيز
:
وإلى أين نذهب للطهارة؟ هل إلى خليج قريب من خلجان البحر؟
أفجنيا
:
إلى حيث ترسو سفينتُك موثوقة بالساحل بالحبال الغليظة.
أرستيز
:
ومن الذي سيَحمل التمثال أنت أم من غيرك؟
أفجنيا
:
سأحمله أنا؛ لأني أنا وحدي أستطيع أن أمسَّه.
أرستيز
:
وبلديز؟
أفجنيا
:
إنه يُشارِكُك الدنس.
بلديز
:
وهل سنُقدم على هذه الخطة دون أن يعلم الملك؟
أفجنيا
:
لا بُدَّ لي أن أخدَعَه أول الأمر؛ لأنَّا لا نستطيع أن نفرَّ بغير
رقابة.
أرستيز
:
إن سفينتنا السريعة بانتظارنا ودفعة واحدة قوية بالمَجاديف السريعة تحقق لنا
السلامة.
أفجنيا
:
هذا يا أخي من شأنك.
بلديز
:
هناك أمر آخر. لا بُدَّ أن يحتفظ هؤلاء النسوة بخططنا سرًّا. فهل تَثقين بهن؟
توسلي إليهن أن يلتزمن الصمت. إن المرأة تعرف كيف تَستثير الشفقة، ثُمَّ يسير
كل شيء بعد هذا على ما يُرام.
أفجنيا
(إلى الجوقة)
:
إني أتطلع إليكنَّ للمعونة أيتها النسوة العزيزات. مصيرنا بين أيديكن،
وبوسعكن النَّفع والضرر. تستطعن أن تقفن في سبيلنا وتَحرمنَني من رؤية بلادي
مرةً أخرى ومن لقاء أختي. كما تستطعن أن تَنتزعن مني أخي العزيز. أتوسل إليكنَّ
أن تستمعن إلى ضراعتي، نحن نسوة، والنسوة يأتلفْنَ، ويُوثَق بهن في إخفاء سرهن
المشترك عن الرجال الغرباء. الزمن الصمت من أجلنا وافعلنَ ما بوسعكن لمعونتنا
على الفرار؛ فالشرف من حق أولئك الذين يتحكَّمون في ألسنتهم. تصورن كيف أن
زلَّة واحدة قد تقضي على ثلاثة أشخاص كل منهم عزيز لدى الآخرين. وإذا لم
نستَطِع الفرار فقد قُضي علينا بالموت.
(إلى أولى أفراد الجوقة): كوني على ثقة أني
إن نجوتُ لن أنساك، بل سأُرسل سفينة تعود بك إلى آكيا. (إلى الثانية): وبك. (إلى الثالثة): وبك. (إلى بقية أفراد
الجوقة): وبكنَّ جميعًا. وإني أقسم لكن بيميني، وأتوسَّل إليكِ
بيمناك، وإليكِ بوجهك الجميل، وإليكنَّ جميعًا بكلِّ ما هو عزيز لديكن، وإن لكن
لآباءً وأمهات واحدة وأزواجًا وبنين. أتضرَّع إليكن ألا تتكلمن. عاونَّنا،
وإنكن سوف تفعلن، ومن ذا الذي لا يسعه أن يفعل؟ فإن أبيتن فقد ضعنا ولا مناص من
الموت.
أولى أفراد الجوقة
:
هوِّني من روعك أيتها السيدة الكريمة، وليطمئن قلبك. كل ما ذكرت سيبقى سِرًّا
في صدورنا، وزيوس على ما نقول شهيد.
أفجنيا
:
بورك على هذه الكلمات! وإني لأرجو أن يكون الحظ السعيد أبدًا حليفك! (إلى أرستيز وبلديز): والآن عليكما أن تَلجا
المعبد؛ لأن الملك سيأتي بعد قليل ليسألَ إن كانت التضحية قد أنجزت. (يدخلون المعبد) أي أرتيمس، أيتها العذراء
المقدسة! إنك أنقذتِني في غابة أولس من يد أبي، فأنقذيني الآن وأنقذي هذين
الرجلين كذلك! ولا تكوني سببًا في أن نُكذِّب كلمات أبولو أخيك. أرجو لك
التوفيق، وأتمنى أن تَغتبِطي برحيلك من هذا البلد، وتتَّخذي أثينا لك مقامًا!
لا يليق بك أن يكون مسكنُكِ هنا بين قوم متوحِّشين، في حين أنك تستطيعين أن
تتقبَّلي العبارة من مدينةٍ أُنعم عليها بالحظ السعيد (تدخل المعبد).
أولى أفراد الجوقة
:
تحت الصخور الكئيبة تنوح القاوند (طائر مائي) على مصيرها، موقِّعةً نواحها
على أنغام البحر الذي لا يهدأ، وهي تبكي زوجها المفقود بالمراثي التي لا
تنقطع.
الثانية
:
ونحن نضمُّ رثاءنا إلى رثائها ونبكي مَن فقدنا، ونحن أسرى ليست لدينا أجنحة
نطير بها.
الثالثة
:
إن قلوبنا تَنبض لأعياد آكيا، وتحنُّ لأن ترى ثانيةً أرتيمس المباركة التي
تسكن فوق تل كنيا.
الرابعة
:
حيث تنمو أشجار النخيل وينشر شجر الغار أغصانه، وتُلقي أشجار الزيتون القاتمة
— التي تقدسها لأتونا وهي في آلامها — ظلالها المشتبكة.
الخامسة
:
حيث ترتفع فوق البحيرة الأمواج المتلاطمة، ويعلو صوت التَّمِّ بالغناء الشجي
تكريمًا لميورس.
السادسة
:
لقد قدَّت الدموع الأخاديد في وجنتيَّ منذ اليوم الذي دكَّ فيه العدو
أسوارنا، وانتُزعتُ من وطني، وحُملت فوق متن البحر في سفن المتوحشين.
الأولى
:
وباعوني رخيصة في مساوَمة وضيعة، وأصبحت رقيقًا في مملكة نائية. رقيقًا
لكاهنة «الصائدة» المقدَّسة، رقيقًا لدى مذبحٍ احمرَّ من دماء مواطنينا.
الثانية
:
لطالما حسدْتُ حظ المرأة الملعونة التي حلت بها الكوارث، فلم تُبدِ تألمًا
رغم طول بقائها تحت نير الأحزان. إنَّ سوء الحظ مرُّ المذاق حين يأتي في أعقاب
الرفاهية!
الثالثة
:
أيتها السيدة الكريمة، إنَّ سفينة من آرجيف ستحملك إلى وطنك يدفعها خمسون
مجدافًا. وسيعزف بان فوق جبله أنشودة سارة على مزاميره الطويلة المصنوعة من
الغاب، وسيدفع المُجدِّفون سفينتهم مبتهجين وهم يستمعون إليها. وسيُغنِّي فيبس
بعيدُ النظر على قيثارته ذات الأَوتار السبعة وأنت تَقتَربين من آتكا
المحبوبة.
الرابعة
:
وسوف نبقى هنا وزورَقُكِ يشقُّ عباب الماء، وسوف تَنغمِس المَجاديف الطويلة
في الموج الأزرق الغزير، وتَنتَفِخ الأشرعة ممتلئة بالنسيم، وأنت تشقِّين
الطريق مسرعة.
الخامسة
:
وددتُ لو استطعتُ أن أتابع الطريق البراق الذي تسلُكه الشمس النارية اللامعة
يومًا بعد يوم! إذن لرفرفَت أجنحة كَتفي العريضة ولا تكلُّ حتى أسقط صوب الأرض
فوق سقف البيت.
السادسة
:
وكم أتمنى أن آخُذَ مكاني في الرقص كرفيقة للعروس حينما تُزفُّ أميرة إلى
أمير، ثُمَّ ندور في جماعات متألِّفة من الرفاق والمُتنافسين والأصدقاء
يُجلِّلنا البهاء والرونق، وتزين ثيابنا الصوفية الرقيقة المشابك الذهبية
والحُلى الأنيقة، الأقنعة الفضفاضة الطويلة شعورنا المتموِّجة بعض
الحجاب.
(يدخل ثواس من اليسار يَتبعه الخدم.)
ثواس
:
أين الأرجيفية، حامية هذا المعبد؟ هل ضُحِّي بالرجلَين الغريبين؟ وهل يَحترق
جسداهما في لهب الهاوية؟
الجوقة
:
أيها الملك، ها هي ذي مُقبلة، وستُخبرك عن كل شيء بنفسها.
(تظهر أفجنيا عند مدخل المعبد وبين يدَيها تمثال
أرتيمس.)
ثواس
(منزعجًا)
:
آه! لماذا تحملين بين ذراعَيكِ تمثال الآلهة؟ لماذا تنقلينه من مقره المقدس
المصون؟
أفجنيا
:
أيها الملك، لا تتقدم أكثر من هذا فوق أرض المعبد!
ثواس
:
ماذا حدث يا أفجنيا؟
أفجنيا
:
زيوس يَحفظنا! حوادث مشئومة!
ثواس
:
ما هذا؟ خبِّريني بوضوح.
أفجنيا
:
إنَّ الرجلين اللذين أَسَرْتهما ليُضحَّى بهما لم يكونا طاهرين بل هما دنسان
يا ثواس.
ثواس
:
كيف عرفتِ هذا؟ هل الأمر حدس أم أكبر؟
أفجنيا
:
إن تمثال الآلهة ولَّاهما ظهره.
ثواس
:
ماذا؟ وهل فعل ذلك من تلقاء نفسه أم هل هزَّه زلزال!
أفجنيا
:
من تلقاء نفسه، ثُمَّ أغمض عينيه.
ثواس
:
لماذا؟ ما الذي استطاع هذان الغريبان أن يفعلا؟
أفجنيا
:
فعَلا أكثر الأمور دليلًا على الكفر.
ثواس
:
متى؟ وكيف؟ هل قتَلا شخصًا ما على الساحل؟
أفجنيا
:
إنهما متَّهمان بقتل شخص من أُسرَتهما.
ثواس
:
ومَن الذي قتلاه؟ لا بُدَّ أن أعرف هذا.
أفجنيا
:
طعَنا سيفهما في صدر أُم.
ثواس
:
يا أبولو! إن أحدًا هنا لا يَجسر على مثل هذا العمل.
أفجنيا
:
وطُردا من كل مدينة في هلاس من جراء جريمتهما.
ثواس
:
وهل تَحمِلين التمثال خارج المعبد من أجل هذا؟
أفجنيا
:
أجل، حتى يُطهِّره هواء السماء النقي.
ثواس
:
وكيف علمتِ بدنس هذين الرجلين؟
أفجنيا
:
لما ولَّاهما التمثال ظهره سألتُ هذين الغريبين سؤالًا دقيقًا.
ثواس
:
إن آرجس قد نشَّأتكِ امرأةً ذكية فاستطعتِ أن تكشفي عن هذه الآثام.
أفجنيا
:
إن الخبر الذي أتَوني به كان شراكًا لروحي.
ثواس
:
جاءوك بخبر يُغرونك به على لقاء أصدقائك في آرجس.
أفجنيا
:
أرستيز أخي سعيد بخير.
ثواس
:
إنهم يَكذبونك كي ينقذوا حياتهم.
أفجنيا
:
وأبي حيٌّ مُوفَّق.
ثواس
:
إنك تعرفين واجبك نحو الآلهة.
أفجنيا
:
أجل، وإني لأكره آكيا التي قضَت عليَّ بالهلاك.
ثواس
:
وماذا عسانا بهذين الغريبين فاعلون؟
أفجنيا
:
يجب أن نُعاملهم وفقًا للقانون.
ثواس
:
أليس لديكِ الماء النقي والسيف؟
أفجنيا
:
ينبغي أوَّلًا أن يُطهَّرا من كل إثم.
ثواس
:
أفي ماء النبع الصافي أم في ماء البحر الأجاج.
أفجنيا
:
البحر يُطهر الناس من كل الشرور.
ثواس
:
وهل تَقبل الآلهة التضحية بهما بعد هذا؟
أفجنيا
:
هذه هي الطريقة الصحيحة لإعدادهما.
ثواس
:
إن أمواج البحر ترتطم فوق جدار المعبد.
أفجنيا
:
ولكن لا بُدَّ من أن يتم هذا العمل في عزلةٍ لا يراها أحد.
ثواس
:
اذهبي حيثُ شئتِ، إني لن أتطلع إلى منظر محظور.
أفجنيا
:
والتمثال كذلك لا بُدَّ أن يُطهر.
ثواس
:
لا جدال في هذا ما دام قاتل أمه قد دنَّسه.
أفجنيا
:
وإلا لما حركتُه من مكانه.
ثواس
:
إن تقواكِ دليلكِ الصائب.
أفجنيا
:
ولكنَّ هناك أمرًا واحدًا لا بُدَّ أن نقوم به لهذين الرجلين.
ثواس
:
اذكريه.
أفجنيا
:
كبِّل هذَين الغريبين بالسلاسل.
ثواس
:
وأنَّى لهما أن يَفرَّا من حارسك، إن استطاعا الفرار؟
أفجنيا
:
لا تَثِق في شخص من هلن.
ثواس
(إلى أحد حراسه)
:
أسرع وهات الأصفاد لهذين السجينين.
أفجنيا
:
أصدِر أمرك بإحضار الغريبين من هذا الطريق (تُشير
إلى اليسار).
ثواس
:
سيكون ذلك.
أفجنيا
:
ويَنبغي أن يُغطى رأساهما بالعباءات.
ثواس
:
كي نُخفي وجهيهما عن الشمس.
أفجنيا
:
أرسل بعض حراسك معي.
ثواس
:
سيقوم على خدمتك بعضهم.
أفجنيا
:
وابعث رجلًا ينذر المدينة.
ثواس
:
بماذا؟
أفجنيا
:
يُنذر أهلها بأن يلزم كل منهم داره.
ثواس
:
كي يتجنَّبوا الدنَسَ من غير الطاهرين!
أفجنيا
:
أجل؛ لأن ذلك أمر دنس.
ثواس
(إلى أحد الحراس)
:
اذهب وأعلن هذا الإنذار.
أفجنيا
:
وحذِّر أصدقاءك جميعًا.
ثواس
:
ولماذا يَخصُّني هذا أكثر مما يخص الآخرين؟
أفجنيا
:
لا يجوز لأحد أن يكون على مرأى.
ثواس
:
إنك تفكِّرين في المدينة.
أفجنيا
:
أليس لديَّ سبب معقول؟
ثواس
:
ولدى المدينة سبب معقول لإعجابها بعنايتك.
أفجنيا
:
ستبقى أيها الملك هنا في المعبد لخدمة الآلهة.
ثواس
:
وماذا أفعل؟
أفجنيا
:
تُطهِّر الفناء بالنار.
ثواس
:
كي تعودي إلى حرم طاهر.
أفجنيا
:
أنصت. وحينما يخرج الغريبان من المعبد تُلقي على عينيك عباءتك.
ثواس
:
وبهذا أتقي الدنس؟!
أفجنيا
:
لا يُهمك أن يستغرق التطهير أمدًا طويلًا.
ثواس
:
وإلى متى أظلُّ في انتظار؟
أفجنيا
:
لا تقلق مهما يحدث من الأمر.
ثواس
:
قومي بالشعائر اللازمة للآلهة بالوقار الواجب.
أفجنيا
:
وددتُ لو أفلح هذا التطهير كما أريد!
ثواس
:
وضمِّي دعائي إلى دعائك.
(يدخل أرستيز وبلديز بين الحراس، ويتبعهما خدام المعبد وهم
يحملون زينات المذبح والتمثال، كما يَحملون حملانًا للتضحية وما إلى ذلك. وكل من
ليس بالموكب يُغطي رأسه بعباءته أو بطرف ردائه ويقف جانبًا.)
أفجنيا
:
ها هما ذان الغريبان يُقبلان من المعبد، لا بُدَّ أن تطهر زينة الآلهة
بالدماء؛ إذ بالقتل والنار والماء تمحو أثر القتل.
وإني أُنذِر كل من بالمدينة أن يبتعد عن هذا الدنس، وإن كان هناك حارس على
معبد أو عريس في طريقه إلى الزفاف، أو زوجة تُوشك أن تكون أمًّا، فليبتعد عن
الدنس إن أرادوا أن يحتفظوا بطهارتهم.
أيتها العذراء السماوية، يا ابنة زيوس ولاتونا، إذا أنا أزلتُ في مياه البحر
الطاهرة ما اقترف هذا الرجلان من إثم، وإذا قدمنا الضحية في المكان الذي أرشدنا
إليه، فسوف تَقطنين بعد هذا أيتها الملكة في معبد طاهر، ويباركنا الحظ السعيد،
وكل ما ينبغي أداؤه بعد هذا معروف للآلهة المقدَّسين ولك يا أرتيمس.
(تقود أفجنيا أرستيز وبلديز ومعهما الحراس والخدم إلى الخارج
ناحية اليمين ويدخل المعبد ثواس والآخرون ما عدا الجوقة.)
أولى أفراد الجوقة
:
إنَّا نحمد ابن لاتونا الذي تتألَّق خصلات شعره لامعة كالذهب.
الثانية
:
لقد حملتْه أمه في الوادي الضاحك فوق دَلُسْ. وهو ماهر في العزف على القيثار
بأنامله، كما يفخر بأن ضربه بالنبال مميت.
الثالثة
:
لقد هجر الجزيرة الجميلة التي وُلد فيها، وعبر ظهر الماء الذي لا يحدُّه
شاطئ، حتى بلغ بارناسيس.
الرابعة
:
وفوق قمة بارنارس يقيم ديونيسس مآدب الطرب، وتحت ظلال الغار تَكمُن أفعى في
الظلام ضخمة كثيرة الألوان هي من ذرية هذه الأرض، وهي تقوم على حراسة منبع
المعرفة.
الخامسة
:
ولم تكد يا فيبس تنزل عن ذراعَي أمك — وأنت ما تزال طفلًا صغيرًا — حتى قتلت
الأفعوان واحتسَيتَ من نبع المعرفة.
السادسة
:
ثُمَّ اتخذت لك مكانًا فوق العرش الذهبي الذي لا يَسمح بالخداع، وشرعت تجيب
على أولئك الذين يسألونك وهم على ضفاف أنهار كاستليا الشذية، وهي مركز موطن
الإنسان.
الأولى
:
ويا عجبًا! إن «الأرض» كي تنتقم لابنتها ثيمس — التي زجَّ بها فيبس في الظلام
— أرسلت للناس خلال ساعات الليل المسحورة الأحلام المفزعة. ورفعت النقاب الذي
يَحجب الماضي والمستقبل.
الثانية
:
وأرادت «الأرض» الغاضبة أن تحرم الإله الصغير شرفه، ولكن «أمير الرماة» أسرع
إلى أوليمس بخطًا حثيثةً. ووضع يديه على عرش أبيه، وتوسل إليه أن يمحو غضب
«الأرض» ويضع حدًّا للأحلام التي تأتي في الظلام.
الثالثة
:
وضحك زيوس العظيم حين وقعت عيناه على الطفل جاثيًا عند قدميه فوعد أن يكون
معبد بثيا لفيبس ذاته تنقطع الرؤى والأحلام ستنقطع، وابتسم الإله العظيم وهو
ينحني دليلًا على الموافقة.
السادسة
:
ومنح الشرف مرةً أخرى للكسياس الذي ينطق بالتكهُّنات، فأخذت الجماهير تقصد
عرشه.
(يدخل أحد الحراس الذين كانوا يرافقون أرستيز وبلديز.)
الحارس
:
يا سدنة المعبد! يا كهنة المذبح! خبِّروني أين أجد ثواس ملك هذي البلاد،
افتحوا أبوابكم ونادوا الملك.
الرابعة
:
هل لي أن أعرف ما الخبر؟
الحارس
:
إن ابنة أجاممنن المُحتالة قد فرَّت مع الشابين، وحملوا معهم التمثال المقدس
في سفينتهم.
الخامسة
:
هذه قصة لا تكاد تُصدَّق. إن الملك قد رحل.
السادسة
:
أجل، لقد غادر المعبد.
الحارس
:
وإلى أين ذهب؟ وفي أي طريق سار؟ لا بُدَّ أن نخبره.
الأولى
:
لسنا نعرف. ينبغي لك أن تجده سريعًا وتخبره بهذا الخبر الخطير.
الحارس
:
إنكنَّ جميعًا خائنات، ونسوة غادرات. لكنَّ جميعًا ضلعٌ في هذه
المؤامرة.
الثانية
:
أنت مجنون. ما شأنُنا وفرار هذين الغريبين؟
الثالثة
:
اذهب إلى القصر الملَكي بأسرع ما تستطيع؛ فالملك هناك بكل تأكيد.
الحارس
:
لن أبرح مكاني حتى أعرف أن الملك في المعبد أم لا.
(يطرق باب المعبد.)
يا من بداخل المعبد! افتَحوا الباب، وأسقطوا المزلاج! وأخبروا مولانا أني هنا
رسول الويل.
(يخرج ثواس من المعبد، وفي معيته بقية حراسه وكهنة
المعبد.)
ثواس
:
ما هذا الضجيج الذي لا يَليق بحرم الآلهة المقدس؟ ومن الذي جرؤ على أن يأتينا
صائحًا ويقرع الأبواب؟
الحارس
:
هؤلاء النسوة زعمن أنك لستَ هنا وحاولنَ أن يُبعدنني عن المعبد، وها أنت ذا
موجود.
ثواس
:
ولماذا ترتاب فيهنَّ في هذا الشأن؟
الحارس
:
سأخبرك فيما بعد لِمَ فعلنَ هذا. واستمع أوَّلًا إلى الخبر السيئ الذي آتيك
به. تلك الشابة التي كانت كاهنةً لدى هذا المذبح — أفجنيا — فرت وغادرت البلاد
وبصحبتها الرجلان الغريبان والتمثال المقدَّس ولم تكن قصة التطهير إلا
حيلة.
ثواس
:
ماذا تقول؟ أرجو أن تهبَّ عليها ريح مضادَّة وتعيدها إلى هنا!
الحارس
:
إنها أرادت أن تنقذ أرستيز، وإنه لأمرٌ عجب.
ثواس
:
ومن هو؟ لا بُدَّ أن يكون ابن كليتمنسترا.
الحارس
:
هو الرجل الذي كان سيُقدَّم ضحية للآلهة.
ثواس
:
إني لا أعرف فيم أفكر.
الحارس
:
أصغ إليَّ، ثُمَّ خبِّرنا كيف نقبض على الغريبين.
ثواس
:
قصَّ قصتك. ليست لديهم وسيلة سريعة يفرُّون بها من سلطاني.
الحارس
:
لم نكَد نبلغ الشاطئ حيث ترسو سفينة أرستيز بعيدة عن الأنظار حتى أشارت
الكاهنة ابنة أجاممنن إلينا — نحن الذين أرسلتَ معهم لنحمل قيود الغريبين — أن
نبتعد لأنها ستقوم بشعائر التطهير بالماء والنار. ثُمَّ أخذت بين يديها أطراف
السلاسل، ورافقت الغريبين إلى الساحل. وكان من الجائز أن نَرتاب يا مولاي
حينئذٍ، ولكن الشك لم يتطرَّق بكلمات بعدُ إلى أذهان جندك. وبعد برهة سمعناها
ترفع صوتها وهي تتغنى بكلمات لم نَستَطِع لها فهمًا حسبناها طقوسًا سحريةً تمحو
بها جريمة القتل. وبعدما جلسنا هناك فترة لم نَستَطِع أن نشهد فيها ما كانوا
يفعلون، خشينا أن يَقتلَ الغريبان الكاهنةَ ويُحاولا الفرار. ولكنَّ خوفنا من
أن تقع أعيننا على المحظور ألزَمَنا الصمت. وأخيرًا اتفقنا أن نهبط إلى البحر
رغم تحريمها ذلك علينا. ولما بلغنا المكان الذي ذهبوا إليه رأينا هيكل سفينة من
آرجيف بها خمسون من المُجدِّفين، والمجاديف مُعَدَّة في أماكنها، والغريبين
طليقين من الأصفاد. وقد أخذ الملاحون عند مؤخر السفينة يجرُّون الحبال، وبعضهم
يوجه مقدام السفينة بالساريان، وبعضهم الآخر يُنزل السلاليم الخشبية في البحر.
ولم نعبأ بتهديدهم وقبَضْنا على الكاهنة وأمسكنا بحراس المؤخرة وارتمينا في
البحر، وحاوَلنا أن نسحب المجاديف التي تُسيِّر السفينة والدفة تتحرَّك وصِحنا
بهم قائلين: «من أنتما، وأيُّ حق تملكان لاختلاس الكاهنة وتمثالنا المقدس؟ من
أي جنس أنتما يا من تحاولان تهريب هذه المرأة من بلادنا؟» فأجابنا أحدهما: «أنا
أرستيز شقيق هذه المرأة وابن أجاممنن. أنصتوا إليَّ جميعًا! إني مُعيد إلى
الوطن أختي التي فقدتها منذ سنوات عديدة.» ولم نكترث له، ولبثنا قابضين على
الكاهنة، وحاولنا أن نجذبها من السفينة عنوة. فكان أن أُصبنا بهذه الضربات
الشديدة على وجوهنا. وكانوا عُزَّلًا كما كُنَّا بغير سلاح في أيدينا، فقاتَلنا
بقبضات أيدينا، وضَرَبَنا المحاربان الشابان ضربًا مبرحًا، فسلَّمنا، وولينا
أمامهما الفرار برءوس تَدمى وأعين تعمى. ووقفنا فوق الصخور المرتفعة وأمطرناهم
وابلًا من الحجارة. وفي خلال ذلك أتى لهما الرجال الذين كانوا على ظهر السفينة
بالقسيِّ فدُفعنا إلى الوراء بأسراب من السهام. وارتفعت مياه البحر وما فتئ
الموج المتلاطم يدفع السفينة صوب الصخور. وكانت الشابة تخشى أن تبتلَّ قدماها،
فرفعها أرستيز الرجل، وحملها على كتفه، وخاض في البحر الهائج، وسار بها إلى
السلم. ثُمَّ وثب على السفينة التي أحسنَ تجديفها، يحمل معه أخته وتمثال أرتيمس
الذي سقط من السماء من زمان بعيد. وارتفع من وسط السفينة صوت عظيم وصاح قائلًا:
«يا ملاحي آكيا، أمسكوا مجاديفكم وشقُّوا الزبد الأبيض، فقد ظفرنا بالأشياء
التي عبرنا من أجلها يوكسين ومرَرنا بسمبلجديز.» فصاح المجدفون صيحةً عاليةً
ووقعوا المجاديف في الماء الأجاج، وانطلقَت السفينة في الخليج. ولكنها ما كادت
تخرج من ثغر المرفأ حتى ارتطمت بالموج المُتلاطم فارتدت بالمؤخرة قبل المقدمة،
ودفعتها عاصفة هوجاء صوب الشاطئ. وجاهدوا جهاد العمالقة، ولكن الموج المرتفع ظل
يقذف السفينة ويُقرِّبها من الصخور شيئًا فشيئًا، فنهضت ابنة أجاممنن ودعت
قائلةً: «يا ابنة لاتونا، أتوسَّل إليكِ أن تحملي كاهنتك إلى آرجس سالمةً من
هذا البلد الوحشي، وباركي لنا في سرقاتنا، فكما أنك تُحبِّين أخاك أيتها الآلهة
فكذلك أحب أخي.» وعقَّبَ الملاحون على دعاء العذراء بنشيد تغنَّوا به وقد انحنت
ظهورهم العارية فوق المجاديف. وبرغم هذا أخذت السفينة تقترب من الصخور شيئًا
فشيئًا، حتى وثب في الماء رجل وأنزل الآخر عقدًا ملفوفةً من الحبال. وحينئذٍ
بُعثتُ لأحمل إليك الخبر أيها الملك. فأسرع الآن يا مولاي، وهيَّا بنا نحمل
الحبال والقيود إلى الساحل؛ فإذا لم تتراخَ العاصفة ويهدأ البحر ويستقر فلن
تتهيأ للغريبين فرصة الفرار. إن بوزايدن العظيم، إله البحر، كان صديقًا لطروادة
وعدوًّا لأبناء بليس، وسوف يضع الآن بين يديك ابن أجاممنن وأخته الكاهنة
الغادرة التي نسيَت كيف نجَت من الموت في أولس.
أولى أفراد الجوقة
:
يا أفجنيا الشقية، لقد سقطتِ تحت رحمة البرابرة مرةً أخرى، ولسوف تموتين ميتة
أليمة.
ثواس
:
اذهبوا سريعًا إلى الساحل يا سكان تورس، واقبضوا واستولوا على حطام هذه
السفينة الأرجيفية، وبمعونة آلهتنا جندلوا هؤلاء الرجال الذين لم يراعوا
الحرمات، ولينزل بعضكم في الزوارق السريعة فسوف نقبض عليهم بحرًا وبرًّا وسوف
يموتون جميعًا لأننا سنَقذف بهم من فوق حافة الصخرة المرتفعة أو نحشر فيهم
الأوتار.
(إلى الجوقة): أمَّا أنتن أيتها النسوة،
وقد ساهمتن في هذه المؤامرة فسوف نعاقبكنَّ على مهل. والآن، هيا بنا نسرع ولا
نطيل التأجيل.
(تظهر بالس أثيني في الهواء خلف المسرح ويغطي الجميع رءوسهم
المنكسة.)
بالس
:
قف أيها الملك ثواس! استمع إلى كلمات أثيني التي تقف أمامك! لأي غرض أصدرت
أوامرك بالمطارَدة؟ كف عن استعدادك، واستدعِ رجالك المسلحين ثانية! واعلم أن
أرستيز قد جاء إلى هنا بأمر من أبولو كي يتحاشى سوء نية «ربات الغضب»، وكي يبحث
عن أخته ويُعيدها إلى وطنها، وكي يحمل التمثال المقدس إلى مملكتي. هذا ما نأمرك
به. ومن العبث أن تَحلُم بالقبض على أرستيز على حافة الماء وبإنفاذ الموت فيه؛
فإن بوزايدن قد هدَّأ البحر من أجلي وهيَّأ له تيارًا ملائمًا. (تتحدث إلى
أرستيز وهو بعيد): أرستيز، لقد سمعتَ أوامري؛ لأن صوت الإله يُسمَع مهما كان
بعيدًا. ارحل وخذ معك أختك والتمثال. وحينما تبلغ مدينة أثينا الإلهية مرةً
ثانية، ستجد هناك مكانًا مُقدَّسًا عند أقصى حدود المملكة مقابلًا لصخرة
كاريستس، يسميه أهل بلدي هالي؛ أقم هناك معبدًا تحفظ فيه تمثال أرتيمس
المقدَّس، وأَطلِق على المعبد اسم تورس ذكرى لأحزانك ومغامراتك حينما طارَدَك
حقد أرنايز خلال آكيا. وليتغنَّ الناس بالأناشيد في هذا المعبد لأرتيمس
ثورولكس، وعليك أن تنشئ هذه العادة شكرًا على نجاتك من الموت؛ وذلك أن تُؤدِب
وليمة كلما وُضع السيف على نحر إنسان، وأريقت الدماء للإلهة العذراء، وقدم لها
الشرف اللائق بها.
وأنتِ يا أفجنيا، اتَّخذي لك فوق مُنحدرات برورن المقدَّسة مقامًا، وكوني
حافظةً على هذا المعبد الذي ستُدفَنين فيه بعد موتك. وإليكِ تُهدى ثياب الزوجات
اللائي يقضين نحبهنَّ وهنَّ يَلدن.
وهؤلاء النسوة الأرجيفيات لا بُدَّ مِن إعادتهن إلى أوطانهن؛ فبهذا تقضي
العدالة. وأنتَ يا أرستيز، لقد أنقذتُك مرةً فوق تل «إله الحرب» حينما عَددنا
الأصوات لك وعليك فكانت مُتساوية، فأعطيتُكَ صوتي، وبهذا قررتُ أن تكون العادة
في البلاد أن يظفر بالبرابرة من تتعادَل له الأصوات عند محاكمته. احمل أختك يا
ابن أجاممنن سريعًا من هذا البلد، وأنت يا ثواس اكتم غضبك.
ثواس
:
ليس لي أيتها الملكة أثيني أن أعصيَ أوامر الآلهة، ولست أحمل لأرستيز ضغينة،
وإن يكن قد حمل أخته وتمثال أرتيمس المقدس وفر بهما. ماذا يفيد الإنسان في
نضاله مع الآلهة الجبارة؟ ليرحلوا إلى بلدك لا يعوقهم أحد، وليُقيموا التمثال
بالتكريم اللائق والبشرى الطيبة. وسوف أبعث كذلك بهؤلاء النسوة إلى آكيا
السعيدة وفقًا لأمرك. وسوف أُغمِد الرمح الذي رفَعتُ وأُوقف المجاديف التي حركت
ضد هؤلاء الأغراب؛ فهذه مشيئتك أيتها الإلهة.
بالس
:
نِعمَ ما قررت. فلتكن الضرورة رائدك كما هي رائد الآلهة في السموات العلا.
أيتها النسمات! هبي وادفَعي ابن أجاممنن إلى أثينا. وسوف أرافقكم إلى هناك كي
أحرس تمثال أختي المقدس. (إلى الجوقة): وأنتن
أيتها النسوة المُخلِصات، أسرعن إلى آكيا، وليكتب لكم «القدر» النجاح
والفلاح.
أولى أفراد الجوقة
:
أي بالس أثيني، يا من يُبجِّلك الآلهة والناس، أمرك مُطاع.
الثانية
:
لقد طرقَت مسامعنا كلمات في طيِّها النجاة لم يكن لنا فيها أمل.
الثالثة
:
أيها الظفر المقدس! أرجو أن تكون حياتي أبدًا تحت رعايتك، وأن يُكلَّل هامي
بتاجك.