فلما كانت الليلة ١٠٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنهم جهَّزوا شركان ودفنوه في الجبل المذكور، وحزنوا على فضله المشهور، ثم إن الملعونة لما فرغت من الداهية التي عملتها، والمخازي التي لنفسها أبدتها، أخذت دواة وقرطاسًا، وكتبت فيه: «من عند شواهي ذات الدواهي، إلى حضرة المسلمين، اعلموا أني دخلت بلادكم، وغششت بلؤمي كرامكم، وقتلت سابقًا ملككم عمر النعمان في وسط قصره، وقتلتُ أيضًا في وقعة الشعب والمغارة رجالًا كثيرين، وآخِر مَن قتلته بمكري ودهائي وغدري شركان وغلمانه، ولو ساعدني الزمان وطاوعني الشيطان كنتُ قتلتُ السلطان والوزير دندان، وأنا الذي أتيتُ إليكم في زيِّ الزاهد، وانطلَتْ عليكم مني الحيل والمكائد، فإنْ شئتم سلامتكم بعد ذلك فارحلوا، وإنْ شئتم هلاكَ أنفسكم فعن الإقامة لا تعدلوا، فلو أقمتم سنين وأعوامًا فما تبلغون منَّا مرامًا.» وبعد أن كتبَتِ الكتابَ، أقامت حزنها على الملك أفريدون ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع دعَتْ بطريقًا وأمرَتْه أن يأخذ الورقة، ويضعها في سهم ويرميها إلى المسلمين، ثم دخلت الكنيسة وصارت تندب وتبكي على فقْدِ أفريدون، وقالت لمَن تسلطن بعده: لا بدَّ أن أقتل ضوء المكان، وجميع أمراء الإسلام.
هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر المسلمين، فإنهم أقاموا ثلاثة أيام في همٍّ واغتمام، وفي اليوم الرابع نظروا إلى ناحية السور، وإذا ببطريق معه سهم نشاب، وفي طرفه كتاب، فصبروا عليه حتى رماه إليهم، فأمر السلطان الوزير دندان أن يقرأه، فلما قرأه وسمع ما فيه وعرف معناه، هملت بالدموع عيناه، وصاح وتضجَّرَ من مكرها، وقال الوزير: والله لقد كان قلبي نافرًا منها. فقال السلطان: وهذه العاهر، كيف عملت علينا الحيلة مرتين؟ ولكن والله لا أحول من هنا حتى أملأ فرجها بمسيح الرصاص، وأسكنها سجن الطير في الأقفاص، وبعد ذلك أصلبها من شعرها على باب القسطنطينية. ثم تذكَّرَ أخاه فبكى بكاءً شديدًا. ثم إن الكفار لما توجَّهت لهم ذات الدواهي وأخبرتهم بما حصل، فرحوا بقتل شركان وسلامة ذات الدواهي، ثم إن المسلمين رجعوا إلى باب القسطنطينية، ووعدهم السلطان أنه إنْ فتح المدينة فرَّق أموالها عليهم بالسوية، هذا والسلطان لم تنشف دموعه حزنًا على أخيه، وعرَا جسمَه الهزالُ حتى صار كالخلال، فدخل عليه الوزير دندان، وقال له: طِبْ نفسًا وقِرَّ عينًا، فإن أخاك ما مات إلا بأجَلِه، وليس في هذا الحزن فائدة، وما أحسن قول الشاعر:
فَدَعِ البكاء والنواح، وقوِّ قلبك لحمل السلاح. فقال: يا وزير، إن قلبي مهموم من أجل موت أبي وأخي، ومن أجل غيابنا عن بلادنا، فإن خاطري مشغول برعيتي. فبكى الوزير هو والحاضرون، وما زالوا مقيمين على حصار القسطنطينية مدةً من الزمان، فبينما هم كذلك، وإذا بالأخبار وردت عليهم من بغداد صحبةَ أميرٍ من أمرائه، مضمونها: «إن زوجة الملك ضوء المكان رُزِقت ولدًا وسمَّتْه «نزهةُ الزمان» أختُ الملك: «كان ما كان»، ولكن هذا الغلام سيكون له شأن بسبب ما رأوه له من العجائب والغرائب، وقد أمر العلماء والخطباء أن يدعوا لكم على المنابر، ودُبرَ كلِّ صلاة، وإننا طيبون بخير، والأمطار كثيرة، وإن صاحبك الوقَّاد في غاية النعمة الجزيلة، وعنده الخدم والغلمان، ولكنه إلى الآن لم يعلم بما جرى لك والسلام.» فقال ضوء المكان: الآن اشتدَّ ظهري؛ حيث رُزِقت ولدًا اسمه «كان ما كان». وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.