فلما كانت الليلة ١١١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن تاج الملوك لاحَتْ منه التفاتة إلى القافلة، فرأى شابًّا جميل الشباب، نظيف الثياب، ظريف المعاني، إلا أن ذلك الشاب قد تغيَّرت محاسنه، وعلاه الاصفرار من فرقة الأحباب، وزاد به الأنين والانتحاب، وسالت من جفنَيْه العَبَرات، وهو ينشد هذه الأبيات:
ثم إن الشاب بعدما فرغ من الشعر بكى ساعة وغُشِي عليه، وتاج الملوك ناظر إليه وهو يتعجَّب من أمره، فلما أفاق رنا بفاتك اللحظات، وأنشد هذه الأبيات:
ثم شهق شهقة فغُشِي عليه، فلما رآه تاج الملوك على هذه الحالة تحيَّرَ في أمره وتمشَّى إليه، فلما أفاق من غشيته نظرَ ابنَ الملك واقفًا على رأسه، فنهض قائمًا على قدمَيْه، وقبَّلَ الأرض بين يدَيْه، فقال له تاج الملوك: لأي شيء لم تعرض بضاعتك علينا؟ فقال: يا مولاي، إن بضاعتي ليس فيها شيء يصلح لسعادتك. فقال: لا بد أن تعرض عليَّ ما معك، وتخبرني بحالك؛ فإني أراك باكي العين حزين القلب، فإن كنت مظلومًا أزَلْنَا ظلامتك، وإن كنتَ مديونًا قضينا دَيْنك، فإن قلبي قد احترق من أجلك حين رأيتك. ثم إن تاج الملوك أمر بنصب كرسيين، فنصبوا له كرسيًّا من العاج والأبنوس مشبكًا بالذهب والحرير، وبسطوا له بساطًا من الحرير، فجلس تاج الملوك على الكرسي، وأمر الشاب أن يجلس على البساط، وقال له: اعرِضْ عليَّ بضاعتك. فقال له الشاب: يا مولاي، لا تذكر لي ذلك؛ فإن بضاعتي ليست بمناسبة لك. فقال له تاج الملوك: لا بد من ذلك. ثم أمر بعض غلمانه بإحضارها فأحضروها قهرًا عنه، فلما رآها الشاب جرَتْ دموعه وبكى، وأنَّ واشتكى، وصعَّدَ الزفرات، وأنشد هذه الأبيات:
ثم إن الشاب فتح بضاعته وعرضها على تاج الملوك قطعة قطعة وتفصيلة تفصيلة، وأخرج من جملتها ثوبًا من الأطلس منسوجًا بالذهب يساوي ألفَيْ دينار، فلما فتح الثوب وقعت من وسطه خرقة، فأخذها الشاب بسرعة ووضعها تحت وركه، وقد ذهل عن المعقول، وأنشد يقول:
فتعجَّب تاج الملوك من إنشاده غاية العجب، ولم يعلم لذلك من سبب، ولما أخذ الخرقة ووضعها تحت وركه، قال له تاج الملوك: ما هذه الخرقة? فقال: يا مولاي، ليس لكَ بهذه الخرقة حاجة. فقال له ابن الملك: أَرِني إياها. قال له: يا مولاي، أنا ما امتنعت من عرض بضاعتي عليك إلا لأجلها، فإني لا أقدر على أنك تنظر إليها. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.