فلما كانت الليلة ١١٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: أنا ما امتنعت من عرض بضاعتي عليك إلا لأجلها، فإني لا أقدر على أنك تنظر إليها. فقال له تاج الملوك: لا بدَّ من كوني أنظر إليها. وألحَّ عليه واغتاظ، فأخرجها من تحت ركبته وبكى، وأنَّ واشتكى، وأكثر من الأنَّات، وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره، قال له تاج الملوك: أرى أحوالك غير مستقيمة، فأخبرني ما سبب بكائك عند نظرك إلى هذه الخرقة? فلما سمع الشاب ذِكْر الخرقة تنهَّد وقال: يا مولاي، إن حديثي عجيب وأمري غريب، مع هذه الخرقة وصاحبتها وصاحبة هذه الصورة والتماثيل. ثم نشر الخرقة وإذا فيها صورة غزال مرقومة بالحرير، مزركشة بالذهب الأحمر، وقبالها صورة غزال آخَر وهي مرقومة بالفضة، وفي رقبته طوق من الذهب الأحمر، وثلاث قصبات من الزبرجد، فلما نظر تاج الملوك إليه وإلى حُسْن صنعته قال: سبحان الله الذي علَّمَ الإنسانَ ما لم يعلم. وتعلَّق قلب تاج الملوك بحديث هذا الشاب، فقال له: احكِ لي قصتك مع صاحبة هذا الغزال.
حكاية الشاب عزيز
فقال الشاب: اعلم يا مولاي أن أبي كان من التجار الكبار، ولم يُرزَق ولدًا غيري، وكان لي بنت عمٍّ تربيت أنا وهي في بيت أبي؛ لأن أباها مات، وكان قبل موته تعاهَدَ هو وأبي على أن يزوِّجاني بها، فلما بلغت مبلغ الرجال، وبلغت هي مبلغ النساء، لم يحجبوها عني ولم يحجبوني عنها، ثم تحدَّث والدي مع أمي وقال لها: في هذه السنة نكتب كتاب عزيز على عزيزة، واتفق مع أمي على هذا الأمر، ثم شرع أبي في تجهيز مؤن الولائم، هذا كله وأنا وبنت عمي ننام مع بعضنا في فراش واحد، ولم ندرِ كيف الحال، وكانت هي أشعر مني وأعرف وأدرى، فلما جهَّزَ أبي أدواتِ الفرح ولم يبقَ غير كتب الكتاب والدخول على بنت عمي، أراد أبي أن يكتبوا الكتاب بعد صلاة الجمعة، ثم توجَّهَ إلى أصحابه من التجار وغيرهم وأعلمهم بذلك، ومضت أمي وعزمت صواحبها من النساء ودعت أقاربها. فلما جاء يوم الجمعة غسلوا القاعة المُعَدَّة للجلوس، وغسلوا رخامها، وفرشوا في دارنا البُسُط، ووضعوا فيها ما يحتاج إليه الأمر بعد أن زوَّقوا حيطانها بالقماش المقصَّب، واتفق الناس أن يجيئوا بيتنا بعد صلاة الجمعة. ثم مضى أبي وعمل الحلويات وأطباق السكر، وما بقي غير كتب الكتاب، وقد أرسلتني أمي إلى الحمام، وأرسلت خلفي بدلة جديدة من أفخر الثياب، فلما خرجتُ من الحمام لبست تلك البدلة الفاخرة، وكانت مطيَّبَة، فلما لبستها فاحَتْ منها رائحة ذكية عبقت في الطريق، ثم أردتُ أن أذهب إلى الجامع، فتذكَّرْتُ صاحبًا لي، فرجعت أفتِّش عليه ليحضر كتب الكتاب، وقلت في نفسي: أشتغل بهذا الأمر إلى أن يقرب وقت الصلاة.
ثم إني دخلت زقاقًا ما دخلته قطُّ، وكنت عرقان من أثر الحمام والقماش الجديد الذي على جسدي، فساح عرقي وفاحت روائحي، فقعدت في رأس الزقاق لأرتاح على مصطبة، وفرشت تحتي منديلًا مطرَّزًا كان معي، فاشتدَّ عليَّ الحر فعرق جبيني، وصار العرق ينحدر على وجهي، ولم يمكنني مسح العرق عن وجهي بالمنديل لأنه مفروش تحتي، فأردتُ أن آخذ ذيل فرجيتي وأمسح به وجنتي، فما أدري إلا ومنديل أبيض وقع عليَّ من فوق، وكان ذلك المنديل أرقَّ من النسيم، ورؤيته ألطف من شفاء السقيم، فمسكته بيدي، ورفعت رأسي إلى فوق لأنظر من أين سقط هذا المنديل، فوقعت عيني في عين صاحبة هذا الغزال. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.