فلما كانت الليلة ١٢١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: ثم إن الصبية قالت لي: إني أخاف عليك أن تقع في رزية، فلا تجد مَن يخلِّصك منها بعد موت بنت عمك، فوا حسرتاه على بنت عمك، وليتني علمت بها قبل موتها حتى أكافِئَها على ما فعلَتْ معي من المعروف، رحمة الله تعالى عليها؛ فإنها كتمَتْ سرَّها ولم تَبُحْ بما عندها، ولولاها ما كنتَ تصل إليَّ أبدًا، وإني أشتهي عليك أمرًا. فقلت: ما هو؟ قالت: أن توصلني إلى قبرها حتى أزورها في القبر الذي هي فيه، وأكتب عليه أبياتًا. فقلت لها: في غدٍ إن شاء الله تعالى. ثم إني نمت معها تلك الليلة، وهي بعد كل ساعة تقول لي: ليتك أخبرتني بابنة عمك قبل موتها. فقلت لها: ما معنى هاتين الكلمتين اللتين قالتهما، وهما: الوفاء مليح، والغدر قبيح؟ فلم تُجِبْني، فلما أصبح الصباح قامت وأخذت كيسًا فيه دنانير، وقالت لي: قُمْ وأَرِني قبرها حتى أزوره، وأكتب عليه أبياتًا، وأعمل عليها قبة، وأترحَّم عليها، وأصرف هذه الدنانير صدقةً على روحها. فقلت لها: سمعًا وطاعة. ثم مشيت قدامها، ومشت خلفي، وصارت تتصدَّق وهي ماشية في الطريق، وكلما تصدَّقت صدقة تقول: هذه الصدقة على روح عزيزة التي كتمَتْ سرَّها حتى شربت كأس مناياها، ولم تَبُحْ بسر هواها. ولم تَزَلْ تتصدق من الكيس وتقول عن روح عزيزة حتى وصلنا إلى القبر، ونفد ما في الكيس، فلما عاينَتِ القبرَ رمَتْ روحها عليه وبكت بكاءً شديدًا، ثم إنها أخرجت بيكارًا من الفولاذ، ومطرقة لطيفة، وخطَّتْ بالبيكار على الحجر الذي على رأس القبر خطًّا لطيفًا، ورسمت هذه الأبيات:
ثم بكت بكاء شديدًا، وقامت وقمت معها، وتوجَّهنا إلى البستان، فقالت لي: سألتك بالله ألَّا تنقطع عني أبدًا. فقلتُ: سمعًا وطاعة. ثم إني صرتُ أتردد عليها، وكلما بِتُّ عندها تُحسِن إليَّ وتكرمني، وتسألني عن الكلمتين اللتين قالتهما ابنة عمي عزيزة لأمي، فأعيدهما لها، وما زلت على ذلك الحال من أكل وشرب وضم وعناق، وتغيير ثياب من الملابس الرقاق، حتى غلظت وسمنت، ولم يكن بي هم، ولا غم ولا حزن، ونسيت ابنة عمي، ومكثت مستغرقًا في تلك اللذات سنةً كاملةً، وعند رأس السنة دخلتُ الحمام، وأصلحت شأني، ولبست بدلة فاخرة، ولما خرجت من الحمام شربت قدحًا من الشراب، وشممت روائح قماشي المضمَّخ بأنواع الطيب، وأنا خالي القلب من غدرات الزمان، وطوارق الحدثان، فلما جاء وقت العشاء اشتاقَتْ نفسي إلى الذهاب إليها وأنا سكران لا أدري أين أتوجه، فذهبت إليها فمال بي السكر إلى زقاق يقال له زقاق النقيب، فبينما أنا ماشٍ في ذلك الزقاق، وإذا بعجوز ماشية، وفي إحدى يدَيْها شمعة مضيئة، وفي يدها الأخرى كتاب ملفوف. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.