فلما كانت الليلة ١٢٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عزيز قال لتاج الملوك: ثم دخلتُ البستان ومشيت حتى أتيتُ إلى المقعد، فوجدتُ البنت الدليلة المحتالة جالسةً ورأسها على ركبتها، ويدها على خدِّها، وقد تغيَّرَ لونُها وغارت عيناها، فلما رأتني قالت: الحمد لله على السلامة. وهمَّتْ أن تقوم فوقعَتْ من فرحتها، فاستحييتُ منها، وطأطأتُ رأسي، ثم تقدَّمْتُ إليها وقبَّلتُها، وقلت لها: كيف عرفتِ أني أجيء إليك في هذه الساعة؟ قالت: لا علمَ لي بذلك، والله إن لي سنة لم أَذُقْ فيها نومًا، بل أسهر كلَّ ليلة في انتظارك، وأنا على هذه الحالة من يوم خرجت من عندي وأعطيتك البدلة القماش الجديدة، ووعدتني أنك تجيء إليَّ، وقد انتظرتُك فما أتيتَ لا أول ليلة، ولا ثاني ليلة، ولا ثالث ليلة، فاستمررت منتظرةً لمجيئك، والعاشق هكذا يكون، وأريد أن تحكي لي ما سببت غيابك عني هذه السنة.
فحكيتُ لها، فلما علمت أني تزوَّجْتُ اصفرَّ لونها، ثم قلتُ لها: إني أتيتك هذه الليلة، وأروح قبل الصباح. فقالت: أَمَا كفاها أنها تزوَّجَتْ بك، وعملت عليك الحيلة، وحبستك عندها سنة كاملة، حتى حلَّفتك بالطلاق أن تعود إليها قبل الصباح، ولم تسمح لك بأن تتفسَّح عند أمك ولا عندي، ولم يَهُنْ عليها أن تبيت عند إحدانا ليلةً واحدة؟ فكيف حال مَن غِبْتَ عنها سنة كاملة، وقد عرفتك قبلها؟ ولكن رَحِمَ الله عزيزة؛ فإنه جرى لها ما لم يجرِ لأحد، وصبرت على شيء لم يصبر عليه مثلها، وماتت مقهورة منك، وهي التي حمَتْكَ مني، وكنتُ أظنك تجيء، فأطلقْتُ سبيلك مع أني كنتُ أقدر على حبسك وعلى هلاكك. ثم بَكَتْ واغتاظت، ونظرت إليَّ بعين الغضب، فلما رأيتها على تلك الحالة ارتعدَتْ فرائصي، وخفت منها، وصرت مثل الفولة على النار، ثم قالت لي: ما بقي فيك فائدة بعدما تزوَّجتَ وصار لك ولد، فأنت لا تصلح لعشرتي؛ لأنه لا ينفعني إلا الأعزب، وأما الرجل المتزوِّج فإنه لا ينفعني، وقد بِعْتَني بتلك العاهرة، والله لأحسرنها عليك، وتصير لا لي ولا لها. ثم صاحَتْ، فما أدري إلا وعشر جوارٍ أتَيْنَ ورمينني على الأرض، فلما وقعتُ تحت أيديهن قامت هي وأخذت سكينًا، وقالت: لَأذبحنك ذبح التيوس، ويكون هذا أقل جزائك على ما فعلتَ مع ابنة عمك. فلما نظرتُ إلى روحي وأنا تحت جواريها، وتعفَّرَ خدي بالتراب، ورأيتُ السكين في يدها تحقَّقْتُ الموت. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.