فلما كانت الليلة ١٢٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال للملك ضوء المكان: ثم إن الشاب عزيزًا قال لتاج الملوك: إن ابنة عمي قالت لي: واحتفظ بهذه الخرقة التي فيها صورة الغزال ولا تفرِّط فيها أبدًا؛ فإن تلك الصورة كانت تؤانسني إذا غبتَ عني، وبالله عليك إنْ قدرْتَ على مَن صوَّرت هذه الصورة، ينبغي أنك تتباعد عنها، ولا تخلها تقرب منك، ولا تتزوَّجْ بها، وإن لم تقدر عليها ولا تجد لك إليها سبيلًا، فلا تقرب واحدة من النساء بعدها، واعلم أن التي صوَّرت هذه الصورة تصوِّر في كل سنة صورةً مثلها وترسلها إلى أقصى البلاد؛ لأجل أن يشيع خبرها وحُسْن صنعتها التي يعجز عنها أهل الأرض، وأما محبوبتك الدليلة المحتالة، فإنها لما وصلَتْ إليها هذه الخرقةُ التي فيها صورة الغزال، صارت تريها للناس وتقول لهم إن لي أختًا تصنع هذا، مع أنها كاذبة في قولها، هتك الله سترها، وما أوصيتك بهذه الوصية إلا لأنني أعلم أن الدنيا قد تضيق عليك بعد موتي، وربما تتغرَّب بسبب ذلك، وتطوف في البلاد وتسمع بصاحبة هذه الصورة، فتتشوَّق نفسك إلى معرفتها، واعلم أن الصبية التي صوَّرت هذه الصورة بنت ملك جزائر الكافور.
فلما قرأتُ تلك الورقة وفهمت ما فيها، بكيت وبكت أمي لبكائي، وما زلت أنظر إليها وأبكي إلى أن أقبَلَ الليل، ولم أزل على تلك الحالة مدةَ سنة، وبعد السنة تجهَّزَ تجارٌ من مدينتي إلى السفر، وهم هؤلاء الذين أنا معهم في القافلة، فأشارَتْ عليَّ أمي أن أتجهَّزَ وأسافر معهم، وقالت لي: لعل السفر يُذهِب ما بِكَ من هذا الحزن، وتغيب سنة أو سنتين أو ثلاثًا حتى تعود القافلة، فلعل صدرك ينشرح. وما زالَتْ تلاطفني بالكلام حتى جهزت متجرًا وسافرت معهم، وأنا لم تنشف لي دمعة مدة سفري، وفي كل منزلة ننزل بها أنشر هذه الخرقة قدامي، وأنظر إلى هذه الصورة فأتذكر ابنة عمي وأبكي عليها كما تراني، فإنها كانت تحبني محبةً زائدة، وقد ماتَتْ مقهورةً مني، وما فعلتُ معها إلا الضرر، مع أنها لم تفعل معي إلا الخير، ومتى رجع التجار من سفرهم أرجع معهم، وتكمل مدة غيابي سنة وأنا في حزن زائد، وما زاد همي وحزني إلا أنني جزت على جزائر الكافور وقلعة البلور، وهي سبع جزائر، والحاكم عليهم ملك يقال له شهرمان، وله بنت يقال لها دنيا، فقيل لي إنها هي التي تصوِّر صورة الغزلان، وهذه الصورة التي معك من جملة تصويرها، فلما علمتُ ذلك زادَتْ بي الأشواق، وغرقت في بحر الفكر والاحتراق؛ فبكيت على روحي لأني بقيت مثل المرأة، ولم تَبْقَ لي آلة مثل الرجال، ولا حيلة لي، ومن يوم فراقي لجزائر الكافور وأنا باكي العين، حزين القلب، ولي مدة على هذا الحال، وما أدري هل يمكنني أن أرجع إلى بلدي وأموت عند والدتي أو لا، وقد شبعت من الدنيا. ثم بكى، وأنَّ واشتكى، ونظر إلى صورة الغزال، وجرى دمعه على خده وسال، وأنشد هذين البيتين:
وهذه حكايتي أيها الملك. فلما سمع تاج الملوك قصة الشاب، تعجَّبَ غاية العجب، وانطلقت في فؤاده النيران حين سمع بجمال السيدة دنيا. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.