فلما كانت الليلة ١٢٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان: فلما سمع تاج الملوك قصة الشاب، تعجَّبَ غاية العجب، وانطلقت في فؤاده النيران، لما سمع بجمال السيدة دنيا، وعرف أنها هي التي صوَّرت صورة الغزال، وزاد به الوجد والبلبال، فقال للشاب: والله لقد جرى لك شيء ما جرى لأحد غيرك مثله، ولكن هذا تقدير ربك، وقصدي أن أسألك عن شيء. فقال عزيز: وما هو؟ فقال: تصف لي كيف رأيتَ تلك الصبية التي صوَّرت صورة الغزال. فقال: يا مولاي، إني توصَّلت إليها بحيلة، وهو أني لما دخلت مع القافلة إلى بلادها، كنتُ أخرج وأدور في البساتين وهي كثيرة الأشجار، وحارس البساتين شيخ طاعن في السن، فقلتُ له: يا شيخ، لمَن هذا البستان؟ فقال لي: لابنة الملك السيدة دنيا، ونحن تحت قصرها، فإذا أردتَ أن تتفرج فافتح باب السر، وتفرَّجْ في البستان، فتشم رائحة الأزهار. فقلتُ له: أنعِمْ عليَّ بأن أقعد في هذا البستان حتى تمرَّ، لعلي أن أحظى منها بنظرة. فقال الشيخ: لا بأس بذلك. فلما قال ذلك أعطيته بعض دراهم، وقلت له: اشترِ لنا شيئًا نأكله. ففرح بأخذ الدراهم، وفتح الباب وأدخلني معه، وسرنا وما زلنا سائرين إلى أن وصلنا إلى مكان لطيف، وأحضر لي شيئًا من الفواكه اللطيفة، وقال لي: اجلس هنا حتى أذهب وأعود إليك. وتركني ومضى، فغاب ساعة، ثم رجع ومعه خروف مشوي، فأكلنا حتى اكتفينا، وقلبي مشتاق إلى رؤية الصبية، فبينما نحن جالسان وإذا بالباب قد انفتح، فقال لي: قُمِ اختفِ. فقمتُ واختفيت، وإذا بطواشي أسود أخرَجَ رأسه من الباب، وقال: يا شيخ، هل عندك أحد؟ فقال: لا. فقال له: أغلق الباب. فأغلق الشيخ باب البستان، وإذا بالسيدة دنيا طلعت من الباب، فلما رأيتها ظننتُ أن القمر نزل في الأرض؛ فاندهش عقلي، وصرتُ مشتاقًا إليها كاشتياق الظمآن إلى الماء، وبعد ساعة أغلقَتِ البابَ ومضَتْ، فعند ذلك خرجتُ أنا من البستان وقصدت منزلي، وعرفتُ أني لا أصل إليها، ولا أنا من رجالها، خصوصًا وقد صرتُ مثل المرأة، فقلت في نفسي: إن هذه ابنة ملك، وأنا رجل تاجر، فمن أين لي أن أصل إليها؟ فلما تجهَّزَ أصحابي للرحيل، تجهَّزْتُ أنا وسافرت معهم وهم قاصدون هذه المدينة، فلما وصلنا إلى هذه الطريق اجتمعنا بك، وهذه حكايتي وما جرى لي، والسلام.
فلما سمع تاج الملوك ذلك الكلام، اشتغل قلبه بحب السيدة دنيا، ثم ركب جواده وأخذ معه عزيزًا، وتوجَّهَ به إلى مدينة أبيه، وأفرَدَ له دارًا ووضع له فيها كلَّ ما يحتاج إليه، ثم تركه ومضى إلى قصره ودموعه جارية على خدوده؛ لأن السماع يحل محل النظر والاجتماع، وما زال تاج الملوك على تلك الحالة حتى دخل عليه أبوه، فوجده متغيَّرَ اللون، فعلم أنه مهموم ومغموم، فقال له: يا ولدي، أخبرني عن حالك، وما جرى لك حتى تغيَّرَ لونك؟ فأخبره بجميع ما جرى له من قصة دنيا من أولها إلى آخِرها، وكيف عشقها على السماع، ولم ينظرها بالعين، فقال: يا ولدي، إن أباها ملك، وبلاده بعيدة عنَّا، فدَعْ عنك هذا وادخل قصر أمك. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.