فلما كانت الليلة ٣١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين لما قالت له العجوز: قم اقلع ثيابك. قام وهو غائب عن الوجود وقلع ثيابه وصار عريانًا، قالت الجارية لأخي: قُمِ الآن، واجرِ ورائي، وأجري أنا قدامك، وإذا أردتَ شيئًا فاتبعني. فجرت قدامه وتبعها، ثم جعلت تدخل من محل إلى محل، وتخرج من محل إلى آخَر، وأخي وراءها، وقد غلب عليه الشبق، وأيره قائم كأنه مجنون، ولم تزل تجري قدامه وهو يجري وراءها، حتى سمع منها صوتًا رقيقًا، فبينما هو كذلك إذ رأى نفسه في وسط زقاق، وذلك الزقاق في سوق الجلَّادين، وهم ينادون على الجلود، فرآه الناس على تلك الحالة وهو عريان، قائم الأير، محلوق الذقن والحواجب والشوارب، محمرَّ الوجه، فصاحوا عليه وصاروا يضحكون ويقهقهون، وصار بعضهم يصفعه بالجلود وهو عريان حتى غشي عليه، وحملوه على حمار حتى وصَّلوه إلى الوالي، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا وقع لنا من بيت الوزير، وهو على هذه الحالة. فضربه الوالي مائة سوط، وخرجتُ أنا خلفه، وجئتُ به وأدخلته المدينة سرًّا، ثم رتَّبْتُ له ما يقتات به، فلولا مروءتي ما كنتُ أحتمل مثله.
حكاية الأخ الثالث
وأما أخي الثالث فاسمه بقبق، ساقه القضاء والقدر إلى دار كبيرة، فدَقَّ الباب طمعًا أن يكلمه صاحبها فيسأله شيئًا، فقال صاحب الدار: مَن بالباب؟ فلم يكلمه أحدٌ، فسمعه أخي يقول بصوت عالٍ: مَن هذا؟ فلم يكلمه أخي، وسمع مشيه حتى وصل إلى الباب وفتحه، فقال: ما تريد؟ قال له أخي: شيئًا لله تعالى. فقال له: هل أنت ضرير؟ قال له أخي: نعم. فقال له: ناولني يدك. فناوله يده فأدخله الدار، ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلى أعلى السطوح، وأخي يظن أنه يُطعِمه شيئًا، أو يعطيه شيئًا، فلما انتهى إلى أعلى مكان قال لأخي: ما تريد يا ضرير؟ قال: أريد شيئًا لله تعالى. فقال له: يفتح الله عليك. فقال له أخي: يا هذا، أَمَا كنت تقول لي ذلك وأنا في الأسفل؟ فقال له: يا أسفل السَّفَلة، لم تسألني شيئًا لله حين سمعتَ كلامي أول مرة وأنت تدقُّ الباب. فقال أخي: وفي هذه الساعة ما تريد أن تصنع بي؟ فقال له: ما عندي شيء حتى أعطيك إياه. قال له: انزل بي إلى السلالم. فقال له: الطريق بين يديك. فقام أخي واستقبل السلالم، وما زال نازلًا حتى بقي بينه وبين الباب عشرون درجة، فزلقت رجله فوقع، ولم يزل واقعًا منحدرًا في السلالم حتى انشجَّتْ رأسه، فخرج وهو لا يدري أين يذهب، فلحقه بعض رفقائه العميان، فقالوا له: أي شيء حصل لك في هذا اليوم؟ فحدَّثهم بما وقع له، ثم قال لهم: يا إخواني، أريد أن آخذ شيئًا من الدراهم التي بقيت معنا، وأنفق منه على نفسي.
وكان صاحب الدار مشى خلفه ليعرف حاله فسمع كلامه، وأخي لا يدري بأن الرجل يسعى خلفه، إلى أن دخل أخي مكانه، ودخل الرجل خلفه، وهو لا يشعر به وقعد أخي ينتظر رفقاءه، فلما دخلوا عليه قال لهم: أغلقوا الباب، وفتِّشوا البيت كي لا يكون أحدٌ غريب تبعنا. فلما سمع الرجل كلام أخي، قام وتعلَّق بحبل كان في السقف، فطافوا البيت جميعه فلم يجدوا أحدًا، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانب أخي، وأخرجوا الدراهم التي معهم وعدُّوها، فإذا هي عشرة آلاف درهم، فتركوها في زاوية البيت، وأخذ كل واحد ممَّا زاد عنها ما يحتاج إليه، ودفنوا العشرة آلاف درهم في التراب، ثم قدموا بين أيديهم شيئًا من الأكل، وقعدوا يأكلون، فأحسَّ أخي بصوت غريب في جهته، فقال لأصحابه: هل معنا غريب؟ ثم مدَّ يده فتعلَّقت بيد الرجل صاحب الدار، فصاح على رفقائه، وقال: هذا غريب. فوقعوا فيه ضربًا، فلما طال عليهم ذلك صاحوا: يا مسلمون! دخل علينا لص يريد أن يأخذ مالنا. فاجتمع عليهم خلق كثير، فتعامى الرجل الغريب صاحب الدار الذي ادَّعَوْا عليه أنه لص، وأغمض عينَيْه، وأظهر أنه أعمى مثلهم بحيث لا يشكُّ فيه أحدٌ، وصاح: يا مسلمون، أنا بالله والسلطان، أنا بالله والوالي، أنا بالله والأمير، فإن عندي نصيحة للأمير. فلم يشعروا إلا وقد احتاط بهم جماعة الوالي، فأخذوهم وأخي معهم، وأحضروهم بين يديه، فقال الوالي: ما خبركم؟ فقال ذلك الرجل: اسمع كلامي أيها الوالي، لا يظهر لك حقيقة حالنا إلا بالعقوبة، وإن شئتَ فابدأ بعقوبتي قبل رفقائي. فقال الوالي: اطرحوا هذا الرجل واضربوه بالسياط. فطرحوه وضربوه، فلما أوجعه الضرب فتح إحدى عينَيْه، فلما ازداد عليه الضرب فتح عينه الأخرى، فقال له الوالي: ما هذه الفعال يا فاجر؟ فقال: أعطني الأمان وأنا أخبرك. فأعطاه الأمان فقال: نحن أربعة نعمل أرواحنا عميانًا، ونمر على الناس، وندخل البيوت وننظر النساء، ونحتال في فسادهن واكتساب الأموال من طرفهن، وقد حصلنا من ذلك مكسبًا عظيمًا وهو عشرة آلاف درهم، فقلت لرفقائي: أعطوني حقي ألفين وخمسمائة. فقاموا وضربوني وأخذوا مالي، وأنا مستجير بالله وبك، وأنت أحق بحصتي من رفقائي، وإنْ شئتَ أن تعرف صِدْقَ قولي، فاضرب كلَّ واحد أكثر ممَّا ضربتني فإنه يفتح عينيه.
فعند ذلك أمر الوالي بعقوبتهم، وأول ما بدأ بأخي، ولا زالوا يضربونه حتى كاد أن يموت، ثم قال لهم الوالي: يا فَسَقَة! أتجحدون نعمة الله، وتدعون أنكم عميان؟! فقال أخي: الله الله الله، ما فينا بصير. فطرحوه إلى الضرب ثانيًا، ولم يزالوا يضربونه حتى غُشِي عليه، فقال الوالي: دعوه حتى يفيق، وأعيدوا عليه الضرب ثالث مرة. ثم أمر بضرب أصحابه كل واحد أكثر من ثلاثمائة عصًا، والبصير يقول لهم: افتحوا عيونَكم، وإلا جدَّدوا عليكم الضرب. ثم قال للوالي: ابعث معي مَن يأتيك بالمال، فإن هؤلاء ما يفتحون أعينهم، ويخافون من فضيحتهم بين الناس. فبعث الوالي معه مَن أتاه بالمال فأخذه، وأعطى الرجل منه ألفين وخمسمائة درهم على قدر حصته رغمًا عنهم، ونفى أخي وباقي الثلاثة خارج المدينة، فخرجتُ أنا يا أمير المؤمنين ولحقت أخي، وسألتُه عن حاله، فأخبرني بما ذكرته لك، فأدخلته المدينة سرًّا ورتَّبْتُ له ما يأكل وما يشرب طول عمره.
فضحك الخليفة من حكايتي، وقال: صلوه بجائزة، ودعوه ينصرف. فقلت له: واللهِ ما آخذ شيئًا حتى أبيِّنَ لأمير المؤمنين ما جرى لبقية إخوتي، وأوضِّح له أني قليل الكلام. فقال الخليفة: اصدع آذاننا بخرافة خبرك، وزِدْنا من عجرك وبجرك.
حكاية الأعور الأخ الرابع
فقلت: وأمَّا أخي الرابع يا أمير المؤمنين وهو الأعور، فإنه كان جزَّارًا ببغداد يبيع اللحم ويربي الخرفان، وكانت الكبار وأصحاب الأموال يقصدونه ويشترون منه اللحم، فاكتسب من ذلك مالًا عظيمًا، واقتنى الدوابَّ والدُّورَ، ثم أقام على ذلك زمنًا طويلًا، فبينما هو في دكانه يومًا من الأيام إذ وقف عليه شيخ كبير اللحية، فدفع له دراهم وقال: أعطني بها لحمًا. فأخذ منه الدراهم، وأعطاه اللحم وانصرف. فتأمَّلَ أخي في فضة الشيخ، فرأى دراهمه بيضًا بياضها ساطع، فعزلها وحدها في ناحية، وأقام الشيخ يتردَّد عليه خمسة أشهر، وأخي يطرح دراهمه في صندوق وحدها، ثم أراد أن يخرجها ويشتري غنمًا، فلما فتح الصندوق رأى جميع ما فيه ورقًا أبيض مقصوصًا، فلطم وجهه وصاح، فاجتمع الناس عليه، فحدَّثهم بحديثه فتعجَّبوا منه، ثم رجع أخي إلى الدكان على عادته، فذبح كبشًا وعلَّقه داخل الدكان، وقطع لحمًا وعلقه خارج الدكان، وصار يقول في نفسه: لعلَّ ذلك الشيخ يجيء فأقبض عليه. فما كان إلا ساعة وقد أقبل الشيخ ومعه الفضة، فقام أخي وتعلَّقَ به، وصار يصيح: يا مسلمون! الحقوني واسمعوا قصتي مع هذا الفاجر.
فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أي شيء أحبُّ إليك: أن تُعرِض عن فضيحتي، أم أفضحك بين الناس؟ فقال له أخي: بأي شيء تفضحني؟ قال: بأنك تبيع لحم الناس في صورة لحم الغنم. فقال له أخي: كذبت يا ملعون. فقال الشيخ: ما ملعون إلا الذي عنده رجل معلَّق في الدكان. فقال له أخي: إنْ كان الأمر كما ذكرتَ، فمالي ودمي حلال لك. فقال الشيخ: يا معاشر الناس، إن هذا الجزار يذبح الآدميين، ويبيع لحمهم في صورة لحم الغنم، وإنْ أردتم أن تعلموا صدْقَ قولي فادخلوا دكانه. فهجم الناس على دكان أخي، فرأوا ذلك الكبش صار إنسانًا معلَّقًا، فلما رأوا ذلك تعلَّقوا بأخي، وصاحوا عليه: يا كافر! يا فاجر! وصار أعز الناس إليه يضربه، ولطمه الشيخ على عينه فقلعها، وحمل الناس ذلك المذبوح إلى صاحب الشرطة، فقال له الشيخ: أيها الأمير، إن هذا الرجل يذبح الناس، ويبيع لحمهم على أنه لحم غنم، وقد أتينا به فقُمْ واقْضِ حقَّ الله عز وجل. فدافَعَ أخي عن نفسه، فلم يسمع منه صاحب الشرطة، بل أمر بضربه خمسمائة عصًا، وأخذوا جميع ماله، ولولا كثرة ماله لقتلوه، ثم نفوا أخي من المدينة، فخرج هائمًا لا يدري أين يتوجَّه، حتى دخل مدينة كبيرة، واستحسن أن يعمل إسكافيًّا، ففتح دكانًا، وقعد يعمل شيئًا يتقوَّت منه، فخرج ذات يوم في حاجة فسمع صهيل خيل، فبحث عن سبب ذلك، فقيل له: إن الملك خارج إلى الصيد والقنص. فخرج أخي ليتفرج على الموكب وهو يتعجب من حسن رأيه، حيث انتقل إلى صنعة الأساكفة، فالتفَتَ الملك فوقعت عينه على عين أخي، فأطرق الملك رأسه وقال: أعوذ بالله من شرِّ هذا اليوم. وثنى عِنان فرسه، وانصرف راجعًا، فرجع جميع العسكر، وأمر الملك غلمانه أن يلحقوا أخي ويضربوه، فلحقوا به وضربوه ضربًا موجعًا حتى كاد أن يموت، ولم يَدْرِ أخي ما السبب، فرجع إلى موضعه وهو في حالة العدم، ثم مضى إلى إنسان من حاشية الملك، وقصَّ عليه ما وقع له، فضحك حتى استلقى على قفاه، وقال له: يا أخي، اعلم أن الملك لا يطيق أن ينظر إلى أعور، لا سيما إن كان العَوَر شمالًا، فإنه لا يرجع عن قتله.
فلما سمع أخي ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة، ثم ارتحل منها وتحوَّلَ إلى مدينة أخرى لم يكن فيها ملك، وأقام بها زمنًا طويلًا، ثم بعد ذلك تفكَّرَ في أمره، وخرج يومًا ليتفرج، فسمع صهيل خيل خلفه، فقال: جاء أمر الله. وفرَّ يطلب موضعًا ليستتر فيه، فلم يجد، ثم نظر فرأى بابًا منصوبًا، فدفع ذلك الباب فدخل فرأى دهليزًا طويلًا، فاستمر داخلًا فيه، فلم يشعر إلا ورجلان قد تعلَّقَا به، وقالَا له: الحمد لله الذي مكَّنَنا منك يا عدو الله، هذه ثلاث ليالٍ ما أرحتنا، ولا تركتنا ننام، ولا يستقر لنا مضجع، بل أذقْتَنا طعْمَ الموت. فقال أخي: يا قوم، ما أمركم؟ فقالوا: أنت تراقبنا، وتريد أن تفضحنا، وتفضح صاحب البيت، أَمَا يكفيك أنك أفقرتَه وأفقرتَ أصحابك؟ ولكن أَخْرِجْ لنا السكين التي تهدِّدنا بها كلَّ ليلة. وفتَّشوه فوجدوا في وسطه السكينَ التي يقطع بها النعال، فقال: يا قوم، اتقوا الله في أمري، واعلموا أن حديثي عجيب. فقالوا: وما حديثك؟ فحدَّثهم بحديثه طمعًا أن يُطلِقوه، فلم يسمعوا منه ما قاله، ولم يلتفتوا إليه، بل ضربوه ومزَّقوا ثوبه، فلما تمزَّقَتْ أثوابه وانكشف بدنه، وجدوا أثر الضرب بالمقارع على جنبَيْه، فقالوا له: يا ملعون، هذا أثر الضرب يشهد على جرمك. ثم أحضروا أخي بين يدي الوالي، فقال في نفسه: قد وقعتُ بذنوبي، وما يخلِّصني إلا الله تعالى. فلما حضر بين يدي الوالي قال له: يا فاجر، ما حملك على أن ضُرِبت بالمقارع إلا جرم عظيم. ثم ضرب أخي مائة سوط، ثم حملوه على جمل ونادوا عليه: هذا جزاء مَن يهجم على بيوت الناس. فلما سمعتُ به أنا خرجتُ إليه، ولا زلت دائرًا معه وهم ينادون عليه حتى تركوه، فأتيتُ إليه وأخذته، وأدخلته المدينة سرًّا، ورتَّبْتُ له ما يأكل وما يشرب.
حكاية الأخ الخامس
وأما أخي الخامس، فإنه كان مقطوع الأذنين يا أمير المؤمنين، وكان رجلًا فقيرًا يسأل الناس ليلًا، وينفق ما يحصِّله بالسؤال نهارًا، وكان والدنا شيخًا كبيرًا طاعنًا في السن، فخلف لنا سبعمائة درهم، فأخذ كل واحد منَّا مائة درهم، وأما أخي الخامس هذا فإنه لما أخذ حصته تحيَّر ولم يدرِ ما يصنع بها، فبينما هو كذلك إذ وقع في خاطره أنه يأخذ بها زجاجًا من كل نوع ليتَّجِرَ به ويربح، فاشترى بالمائة درهم زجاجًا، وجعله في طبق كبير، وقعد في موضع ليبيع ذلك الزجاج، وبجانبه حائط، فأسند ظهره إليها، وقعد متفكرًا في نفسه، وقال: إن رأس مالي في هذا الزجاج مائة درهم، وأنا أبيعه بمائتَيْ درهم، ثم أشتري بالمائتَيْ درهم زجاجًا، وأبيعه بأربعمائة درهم، ولا أزال أبيع وأشتري إلى أن يبقى معي مال كثير، فأشتري به من جميع المتاجر والعطريات؛ حتى يربح ربحًا عظيمًا، وبعد ذلك أشتري دارًا حسنة، وأشتري المماليك والخيل والسروج المذهبة، وآكل وأشرب، ولا أخلي مغنية في المدينة حتى أجيء بها إلى بيتي، وأسمع مغانيها.
هذا كله وهو يحسب في نفسه، وقفص الزجاج قدَّامه، ثم قال: وأبعث جميع الخاطبات في خطبة بنات الملوك والوزراء، وأخطب بنت الوزير، فقد بلغني أنها كاملة الحسن، بديعة الجمال، وأمهرها بألف دينار، فإن رضي أبوها حصل المراد، وإن لم يرضَ أخذتُها قهرًا على رغم أنفه، فإن حصلت في داري أشتري عشرة خُدَّام صغار، ثم أشتري لي كسوة الملوك والسلاطين، وأصوغ لي سرجًا من الذهب مرصعًا بالجواهر، ثم أركب ومعي المماليك يمشون حولي، وقدامي وخلفي، حتى إذا رآني الوزير قام إجلالًا لي، وأقعدني مكانه، ويقعد هو دوني؛ لأنه صهري، ويكون معي خادمان بكيسين في كل كيس ألف دينار، فأعطيه ألفَ دينار مهرَ بنته، وأهدي إليه الألفَ الثاني إنعامًا؛ حتى أُظهِرَ له مروءتي وكرمي وصِغَر الدنيا في عيني، ثم أنصرف إلى داري، فإذا جاء أحد من جهة امرأتي، وهبتُ له دراهم، وخلعت عليه خلعة، وإنْ أرسَلَ إليَّ الوزير هديةً رددْتُها عليه، ولو كانت نفيسةً، ولم أقبلها منه حتى يعلموا أني عزيز النفس، ولا أخلي نفسي إلا في أعلى مكانة، ثم أقدم إليهم في إصلاح شأني وتعظيمي، فإذا فعلوا ذلك أمرتهم بزفافها. ثم أصلح داري إصلاحًا بيِّنًا، فإذا جاء وقت الجلاء لبست أفخر ثيابي، وقعدت على مرتبة من الديباج لا ألتفت يمينًا ولا شمالًا لكبر عقلي ورزانة فهمي، وتجيء امرأتي وهي كالبدر في حليها وحللها، وأنا لا أنظر إليها عجبًا وتيهًا حتى يقول جميع مَن حضر: يا سيدي، امرأتك وجاريتك قائمة بين يديك، فأنعِمْ عليها بالنظر، فقد أضرَّ بها القيام. ثم يقبِّلون الأرض قدامي مرارًا، فعند ذلك أرفع رأسي، وأنظر إليها نظرة واحدة، ثم أُطرِقُ برأسي إلى الأرض، فيمضون بها، وأقوم أنا وأغيِّر ثيابي، وألبس أحسن ممَّا كان عليَّ، فإذا جاءوا بالعروسة المرة الثانية لا أنظر إليها حتى يسألوني مرارًا، فأنظر إليها، ثم أطرق إلى الأرض، ولم أزل كذلك حتى يتم جلاؤها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.