فلما كانت الليلة ٥١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شركان أمر الملكة إبريزة وجواريها أن ينزعن ما عليهنَّ من الثياب، وأن يلبسن لباس بنات الروم، ففعلن ذلك، ثم إنه أرسل جماعة من أصحابه إلى بغداد ليُعلِم والده عمر النعمان بقدومه، ويخبره أن الملكة إبريزة بنت ملك الروم جاءت صحبته لأجل أن يرسل موكبًا لملاقاتها. ثم إنهم نزلوا من وقتهم وساعتهم في المكان الذي وصلوا إليه، وباتوا فيه إلى الصباح، فلما أصبح ركب شركان هو ومَن معه، وركبت أيضًا الملكة إبريزة هي ومَن معها، واستقبلوا المدينة، وإذا بالوزير دندان قد أقبَلَ في ألف فارس من أجل ملاقاة الملكة إبريزة هي وشركان، وكان خروجه بإشارة الملك عمر النعمان، كما أرسل إليه ولده شركان. فلما قربوا منهما توجهوا إليهما، وقبلوا الأرض بين أيديهما، ثم ركبا وركبوا معهما، وصاروا في خدمتهما حتى وصلا إلى المدينة، وطلعا قصر الملك، ودخل شركان على والده، فقام إليه واعتنقه، وسأله عن الخبر، فأخبره بما قالته الملكة إبريزة، وما اتفق له معها، وكيف فارقت مملكتها وفارقت أباها، وقال له: إنها اختارت الرحيل معنا، والقعود عندنا، وإن ملك القسطنطينية أراد أن يعمل لنا حيلةً من أجل صفيَّة بنته؛ لأن ملك الروم قد أخبره بحكايتها، وبسبب إهدائها إليك، وإن ملك الروم ما كان يعرف أنها ابنة الملك أفريدون ملك القسطنطينية، ولو كان يعرف ذلك ما كان أهداها إليك، بل كان يردها إلى والدها، ثم قال شركان لوالده: ولم يخلصنا من هذه الحِيَل والمكايد إلا إبريزة بنت ملك القسطنطينية، وما رأينا أشجع منها.
ثم إنه شرع يحكي لأبيه ما وقع له معها من أوله إلى آخِره من أمر المصارعة والمبارزة، فلما سمع الملك عمر النعمان من ولده شركان ذلك الكلام عظمت إبريزة عنده، وصار يتمنَّى أنه يراها، ثم إنه طلبها لأجل أن يسألها، فعند ذلك ذهب شركان إليها، وقال لها: إن الملك يدعوك. فأجابت بالسمع والطاعة، فأخذها شركان وأتى والده، وكان والده قاعدًا على كرسيه، وأخرج مَنْ كان عنده ولم يَبْقَ عنده غير الخدم. فلما دخلت الجارية إبريزة على الملك النعمان قبَّلَتِ الأرضَ بين يديه، وتكلَّمَتْ بأحسن الكلام؛ فتعجَّبَ الملك من فصاحتها، وشكرها على ما فعلت مع ولده شركان، وأمرها بالجلوس فجلست وكشفت عن وجهها، فلما رآها الملك حيل بينه وبين عقله، ثم إنه قرَّبها إليه وأدناها منه، وأفرد لها قصرًا مختصًّا بها وبجواريها، ورتب لها ولجواريها الرواتب، ثم أخذ يسألها عن تلك الخرزات الثلاث التي تقدَّمَ ذكرها سابقًا، فقالت له: إن تلك الخرزات معي يا ملك الزمان. ثم إنها قامت ومضت إلى محلها وفتحت صندوقًا وأخرجت منه علبة، وأخرجت من العلبة حُقًّا من الذهب، وفتحته وأخرجت منه تلك الخرزات الثلاث، ثم قبَّلتها وناولتها للملك وانصرفت، فأخذت قلبه معها.
وبعد انصرافها أرسل إلى ولده شركان، فحضر فأعطاه خرزة من الثلاث خرزات، فسأله عن الاثنين الأخريين، فقال: يا ولدي، قد أعطيت منهما واحدة لأخيك ضوء المكان، والثانية لأختك نزهة الزمان، فلما سمع شركان أنَّ له أخًا يُسمَّى ضوء المكان، وما كان يعرف إلا أخته نزهة الزمان، التفت إلى والده الملك عمر النعمان، وقال له: يا والدي، ألك ولد غيري؟ قال: نعم وعمره الآن ست سنين. ثم أعلمه أن اسمه ضوء المكان، وأخته نزهة الزمان، وأنهما في بطن واحد، فصعب عليه ذلك، ولكنه كتم سره وقال لوالده: على بركة الله تعالى. ثم رمى الخرزة من يده ونفض أثوابه، فقال له الملك: مالي أراك قد تغيَّرَتْ أحوالك لما سمعت هذا الخبر؟ مع أنك صاحب المملكة من بعدي، وقد عاهدتُ أمراءَ الدولة على ذلك، وهذه خرزة لك من الثلاث خرزات. فأطرق شركان برأسه إلى الأرض، واستحى أن يكافح والده، ثم قام وهو لا يعلم كيف يصنع من شدة الغيظ، وما زال ماشيًا حتى دخل قصر الملكة إبريزة، فلما أقبل عليها نهضت إليه قائمة، وشكرته على فعاله، ودعت له ولوالده، وجلست وأجلسته في جانبها، فلما استقر به الجلوس رأت في وجهه الغيظ، فسألته عن حاله، وما سبب غيظه، فأخبرها أن والده الملك عمر النعمان رُزِقَ من صفية ولدين ذكرًا وأنثى، وسمَّى الولدَ ضوءَ المكان والأنثى نزهة الزمان، وقال لها: إنه أعطاهما خرزتين وأعطاني واحدة فتركتها، وأنا إلى الآن لم أعلم بذلك إلا في هذا الوقت فخنقني الغيظ، وقد أخبرتك بسبب غيظي، ولم أخفِ عنك شيئًا، وأخشى عليك من أن يتزوجك، فإني رأيت منه علامة الطمع في أنه يتزوَّج بك، فما تقولين أنت في ذلك؟ فقالت: اعلم يا شركان أن أباك ما له حكم عليَّ، ولا يقدر أن يأخذني بغير رضاي، وإن كان يأخذني غصبًا قتلتُ روحي. وأما الثلاث خرزات فما كان على بالي أنه ينعم على أحد من أولاده بشيء منها، وما ظننت إلا أنه يجعلها في خزائنه مع ذخائره، ولكن أشتهي من إحسانك أن تهب لي الخرزة التي كان أعطاها لك والدك إن قبلتها منه. فقال: سمعًا وطاعة. ثم قالت له: لا تخف. وتحدثت معه ساعة، وقالت له: إني أخاف أن يسمع أبي أني عندكم فيسعى في طلبي، ويتفق هو والملك أفريدون من أجل ابنته صفية، فيأتيان إليكم بعساكر، وتكون ضجة عظيمة. فلما سمع شركان ذلك قال لها: يا مولاتي، إذا كنتِ راضية بالإقامة عندنا لا تفكري فيهم، فلو اجتمع علينا كلُّ مَن في البر والبحر لَغلبناهم. فقالت: ما يكون إلا الخير، وها أنتم إن أحسنتم إليَّ قعدتُ عندكم، وإن أسأتموني رحلتُ من عندكم. ثم إنها أمرت الجواري بإحضار شيء من الأكل، فقُدِّمت المائدة، فأكل شركان شيئًا يسيرًا، ومضى إلى داره مهمومًا مغمومًا.
هذا ما كان من أمر شركان، وأما ما كان من أمر أبيه عمر النعمان، فإنه بعد انصراف ولده شركان من عنده قام ودخل على جاريته صفيَّة ومعه تلك الخرزات، فلما رأته نهضت قائمةً على قدمَيْها إلى أن جلس، فأقبل عليه ولداه ضوء المكان ونزهة الزمان، فلما رآهما قبَّلهما وعلَّق على كل واحد منهما خرزة، ففرحا بالخرزتين وقبَّلا يديه، وأقبلا على أمهما ففرحت بهما، ودعت للملك بطول الدوام. فقال لها الملك: يا صفية، حيث إنك ابنة الملك أفريدون ملك القسطنطينية، لأي شيء لم تُعلِميني لأجل أن أزيد في إكرامك ورفع منزلتك؟ فلما سمعت صفية ذلك قالت: أيها الملك، وماذا أريد أكثر من هذا زيادةً على هذه المنزلة التي أنا فيها؟ فها أنا مغمورة بإنعامك وخيرك، وقد رزقني الله منك بولدين ذكر وأنثى. فأَعجبَ الملكَ عمر النعمان كلامُها، واستظرف عذوبة ألفاظها، ودقة فهمها، وظرف أدبها ومعرفتها. ثم إنه مضى من عندها، وأفرد لها ولأولادها قصرًا عجيبًا، ورتَّب لهم الخدم والحشم، والفقهاء والحكماء، والفلكية والأطباء والجراحين، وأوصاهم بهم وزاد في رواتبهم، وأحسن إليهم غاية الإحسان، ثم رجع إلى قصر المملكة والمحاكمة بين الناس.
هذا ما كان من أمره مع صفية وأولادها، وأما ما كان من أمره مع الملكة إبريزة، فإنه اشتغل بحبها، وصار ليلًا ونهارًا مشغوفًا بها، وفي كل ليلة يدخل إليها ويتحدث عندها، ويلوِّح لها بالكلام، فلم تردَّ له جوابًا، بل تقول: يا ملك الزمان، أنا في هذا الوقت ما لي غرض في الرجال. فلما رأى تمنُّعها منه اشتدَّ به الغرام، وزاد عليه الوَجْد والهيام، فلما أعياه ذلك أحضر وزيره دندان، وأطلعه على ما في قلبه من محبة الملكة إبريزة ابنة الملك حردوب، وأخبره أنها لا تدخل في طاعته، وقد قتله حبها، ولم ينَلْ منها شيئًا، فلما سمع الوزير دندان ذلك قال للملك: إذا جَنَّ الليل فخُذْ معك قطعة بنج مقدار مثقال، وادخل عليها واشرب معها شيئًا من الخمر، فإذا كان وقت الفراغ من الشرب والمنادمة فأَعْطِها القدح الأخير، واجعل فيه ذلك البنج واسقها إياه، فإنها ما تصل إلى مرقدها إلا وقد تحكَّم عليها البنج، فتبلغ غرضك منها؛ وهذا ما عندي من الرأي. فقال له الملك: نِعْمَ ما أشرتَ به عليَّ.
ثم إنه عمد إلى خزائنه، وأخرج منها قطعة بنج مكرَّر، لو شمَّه الفيل لَرقد من السنة إلى السنة، ثم إنه وضعها في جيبه وصبر إلى أن مضى قليل من الليل، ودخل على الملكة إبريزة في قصرها، فلما رأته نهضت إليه قائمة، فأذن لها بالجلوس فجلست، وجلس عندها وصار يتحدث معها في أمر الشراب، فقدَّمت سفرةَ الشراب، وصفَّت له الأواني، وأوقدت الشموع، وأمرت بإحضار النقل والفاكهة، وكل ما يحتاجان إليه، وصار يشرب معها وينادمها إلى أن دبَّ السُّكْر في رأس الملكة إبريزة؛ فلما علم الملك النعمان ذلك أخرج قطعة البنج من جيبه، وجعلها بين أصابعه، وملأ كأسًا بيده وشربها، وملأها ثانيةً وأسقط قطعة البنج فيها، وهي لا تشعر بذلك، ثم قال لها: خذي اشربي هذا. فأخذته الملكة إبريزة وشربته، فما كان إلا دون ساعة حتى تحكَّم البنج عليها، وسلب إدراكها، فقام إليها فوجدها ملقاةً على ظهرها، وقد كانت قلعت السراويل من رجليها، ورفع الهواء ذيل قميصها عنها، فلما دخل عليها الملك ورآها على تلك الحالة، ووجد عند رأسها شمعة، وعند رجليها شمعة تضيء على ما بين فخذيها، حيل بينه وبين عقله، ووسوس له الشيطان، فما تمالَكَ نفسه حتى قلع سراويله ووقع عليها، وأزال بكارتها، وقام من فوقها ودخل إلى جاريةٍ من جواريها يقال لها مرجانة، وقال لها: ادخلي على سيدتك كلِّميها. فدخلت الجارية على سيدتها، فوجدت دمها يجري على ساقيها، وهي ملقاة على ظهرها، فمدَّتْ يدها إلى منديل من مناديلها، وأصلحت به شأنَ سيدتها، ومسحت عنها ذلك الدم.
فلما أصبح الصباح تقدَّمت الجارية مرجانة، وغسلت وجهَ سيدتها ويديها ورجليها، ثم جاءت بماء الورد وغسلت به وجهها وفمها، فعند ذلك عطست الملكة إبريزة وتقيَّأتْ ذلك البنج، فنزلت قطعة البنج من باطنها كالقرص، ثم إنها غسلت فمها ويديها، وقالت لمرجانة: أعلميني بما كان من أمري. فأخبرتها أنها رأتها ملقاةً على ظهرها، ودمها سائل على فخذَيْها، فعرفت أن الملك عمر النعمان قد وقع بها وواصلها، وتمت حيلته عليها؛ فاغتمَّتْ لذلك غمًّا شديدًا، وحجبت نفسها، وقالت لجواريها: امنعوا كلَّ مَن أراد أن يدخل عليَّ، وقولوا له إنها ضعيفة حتى أنظر ماذا يفعل الله بي. فعند ذلك وصل الخبر إلى الملك عمر النعمان بأن الملكة إبريزة ضعيفة، فصار يرسل إليها الأشربة والسكر والمعاجين، وأقامت على ذلك شهورًا وهي محجوبة. ثم إن الملك قد بردت ناره، وانطفأ شوقه إليها وصبر عنها، وكانت قد علقت منه، فلما مرت عليها أشهر ظهر الحمل وكبر بطنها، ضاقت بها الدنيا، فقالت لجاريتها مرجانة: اعلمي أن القوم ما ظلموني، وإنما أنا الجانية على نفسي، حيث فارقتُ أبي وأمي ومملكتي، وأنا قد كرهت الحياةَ وضعفت همتي، ولم يَبْقَ عندي من الهمة ولا من القوة شيء، وكنت إذا ركبت جوادي أقدر عليه، وأنا الآن لا أقدر على الركوب، ومتى ولدتُ عندهم صرتُ معيرة عند جواريَّ، وكلُّ مَن في القصر يعلم أنه أزالَ بكارتي سفاحًا، وإذا رجعتُ لأبي فبأيِّ وجه ألقاه! وبأي وجه أرجع إليه! وما أحسن قول الشاعر:
فقالت لها مرجانة: الأمر أمرك، وأنا في طوعك. فقالت: أريد اليوم أن أخرج سرًّا بحيث لا يعلم بي أحد غيرك، وأسافر إلى أبي وأمي، فإن اللحم إذا أنتن ما له إلا أهله، والله يفعل بي ما يريد. فقالت لها: نِعْمَ ما تفعلين أيتها الملكة. ثم إنها جهزت أحوالها، وكتمت سرها، وصبرت أيامًا حتى خرج الملك للصيد والقنص، وخرج ولده شركان إلى القلاع ليقيم بها مدةً من الزمان، فأقبلت إبريزة على جاريتها مرجانة، وقالت لها: أريد أن أسافر في هذه الليلة، ولكن كيف أصنع في المقادير وقد قرب أوان الطلق والولادة؟ وإن قعدت خمسة أيام أو أربعة وضعت هنا، ولم أقدر أن أروح بلادي، وهذا ما كان مكتوبًا على جبيني، ومقدَّرًا عليَّ في الغيب. ثم تفكَّرت ساعةً، وبعد ذلك قالت لمرجانة: انظري لنا رجلًا يسافر معنا، ويخدمنا في الطريق، فإنه ليس لي قوة على حمل السلاح. فقالت مرجانة: والله يا سيدتي ما أعرف غير عبد أسود اسمه الغضبان، وهو من عبيد الملك عمر النعمان، وهو شجاع ملازم لباب قصرنا، فإن الملك أمره أن يخدمنا، وقد غمرناه بإحساننا؛ فها أنا أخرج إليه وأكلِّمه في شأن هذا الأمر، وأَعِدُه بشيء من المال، وأقول له: إذا أردتَ المقامَ عندنا أزوِّجك بمَن شئتَ. وكان قد ذكر لي قبل اليوم أنه كان يقطع الطريق، فإن هو وافقنا بلغنا مرادَنا، ووصلنا إلى بلادنا. فقالت لها: هاتيه عندي حتى أحدِّثه.
فخرجت له مرجانة وقالت له: يا غضبان، قد أسعدك الله إنْ قبلتَ من سيدتك ما تقوله لك من الكلام. ثم أخذت بيده وأقبلت به على سيدتها، فلما رآها قبَّل يديها، فحين رأته نفر قلبها منه، لكنها قالت في نفسها: إن الضرورة لها أحكام. وأقبلت عليه تحدِّثه وقلبها نافر منه وقالت له: يا غضبان، هل فيك مساعدة لنا على غدرات الزمان؟ وإذا أظهرتُك على أمري تكون كاتمًا له؟ فلما نظر العبد إليها، ورأى حُسْنها ملكت قلبه وعشقها لوقته، وقال لها: يا سيدتي، إن أمرتِني بشيء لا أخرج عنه. فقالت له: أريد منك في هذه الساعة أن تأخذني وتأخذ جاريتي هذه، وتشد لنا راحلتين وفرسين من خيل الملك، وتضع على كل فرس خرجًا من المال وشيئًا من الزاد، وترحل معنا إلى بلادنا، وإن أقمتَ عندنا زوَّجناك مَن تختارها من جواريَّ، وإن طلبتَ الرجوعَ إلى بلادك أعطيناك ما تحب، ثم ترجع إلى بلادك بعد أن تأخذ ما يكفيك من المال. فلما سمع الغضبان ذلك الكلام فرح فرحًا شديدًا، وقال: يا سيدتي، إني أخدمكما بعيوني، وأمضي معكما وأشد لكما الخيل. ثم مضى وهو فرحان، وقال في نفسه: قد بلغتُ ما أريد منهما، وإن لم تطاوعاني قتلتهما، وأخذت ما معهما من المال. وأضمر ذلك في سره، ثم مضى وعاد ومعه راحلتان وثلاث من الخيل، وهو راكب إحداها، وأقبل على الملكة إبريزة، وقدَّم إليها فرسًا فركبتها وهي متوجعة من الطلق، ولا تملك نفسها من كثرة الوجع، وركبت مرجانة فرسًا، ثم سافر بهما ليلًا ونهارًا حتى وصلوا بين الجبال، وبقي بينها وبين بلادها يوم واحد، فجاءها الطلق، فما قدرت أن تمسك نفسها على الفرس، فقالت للغضبان: أنزلني فقد لحقني الطلق. وقالت لمرجانة: انزلي واقعدي تحتي وولِّديني. فعند ذلك نزلت مرجانة من فوق فرسها، ونزل الغضبان من فوق فرسه، وشد لجام الفرسين، ونزلت الملكة إبريزة من فوق فرسها وهي غائبة عن الدنيا من شدة الطلق، وحين رآها الغضبان نزلت على الأرض وقف الشيطان في وجهه، فشهر حسامه في وجهها، وقال: يا سيدتي، ارحميني بوصلك. فلما سمعت مقالته التفتت إليه وقالت له: ما بقي عليَّ إلا العبيد السود، بعدما كنتُ لا أرضى بالملوك الصناديد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.