فلما كانت الليلة ٦٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الأحنف بن قيس قال لمعاوية لما سأله: وأدم السواك فإن فيه اثنتين وسبعين فضيلة، وغُسْلُ الجمعة كفارة لما بين الجمعتين. قال له معاوية: كيف رأيك لنفسك؟ قال: أوطئ قدمي على الأرض، وأنقلهم على تمهُّل، وأراعيها بعيني. قال: كيف رأيك إذا دخلتَ على نفرٍ من قومك دون الأمراء؟ قال: أُطرِق حياءً، وأبدأ بالسلام، وأَدَع ما لا يعنيني، وأقلُّ الكلام. قال: كيف رأيك إذا دخلتَ على نظرائك؟ قال: أستمع لهم إذا قالوا، ولا أجول عليهم إذا جالوا. قال: كيف رأيك إذا دخلتَ على أمرائك؟ قال: أسلِّم مِن غير إشارة، وأنتظر الإجابة، فإنْ قرَّبوني قربت، وإن أبعدوني بعدت. قال: كيف رأيك مع زوجتك؟ قال: أعفني من هذا يا أمير المؤمنين. قال: أقسمتُ عليك أن تخبرني. قال: أُحسن الخلق، وأُظهر العشرة، وأُوسع النفقة، فإن المرأة خُلِقت من ضلع أعوج. قال: فما رأيك إذا أردتَ أن تجامعها؟ قال: أُكلمها حتى تطيب نفسها، وألثمها حتى تطرب، فإن كان الذي تعلم طرحتها على ظهرها، وإن استقرت النطفة في قرارها، قلتُ: اللهم اجعلها مباركةً، ولا تجعلها شقية، وصوِّرها أحسنَ تصوير. ثم أقوم عنها إلى الوضوء، فأفيض الماء على يدي، ثم أصبه على جسدي، ثم أحمد الله على ما أعطاني من النِّعَم. فقال معاوية: أحسنتَ في الجواب، فقُلْ حاجتَكَ. فقال: حاجتي أن تتقي الله في الرعية، وتعدل بينهم بالسوية. ثم نهض قائمًا من مجلس معاوية، فلما ولَّى قال معاوية: لو لم يكن بالعراق إلا هذا لَكفى.
ثم إن نزهة الزمان قالت: وهذه النبذة من جملة باب الأدب، واعلم أيها الملك أنه كان معيقب عاملًا على بيت المال في خلافة عمر بن الخطاب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.