فلما كانت الليلة ٦٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت: واعلم أيها الملك أنه كان معيقب عاملًا على بيت المال في خلافة عمر بن الخطاب، فاتفق أنه رأى ابن عمر يومًا، فأعطاه درهمًا من بيت المال، قال معيقب: وبعد أن أعطيته الدرهم انصرفت إلى بيتي، فبينما أنا جالس وإذا برسول عمر جاءني، فرهبت منه وتوجَّهْتُ إليه، فإذا الدرهم في يده، وقال لي: ويحك يا معيقب، إني قد وجدتُ في نفسك شيئًا. قلت: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إنك تخاصم أمة محمد ﷺ في هذا الدرهم يوم القيامة. وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري كتابًا مضمونه: إذا جاءكَ كتابي هذا فأعطِ الناس الذي لهم، واحمل إليَّ ما بقي. ففعل، فلما ولي عثمان الخلافة كتب إلى أبي موسى مثل ذلك، ففعل وجاء زياد معه، فلما وضع الخراج بين يدي عثمان، جاء ولده فأخذ منه درهمًا، فبكى زياد، فقال عثمان: ما يبكيك؟ قال: أتيت عمر بن الخطاب بمثل ذلك فأخذ ابنه درهمًا، فأمر بنزعه من يده، وابنك أخذ فلم أرَ أحدًا ينزعه منه، أو يقول له شيئًا. فقال عثمان: وأين تلقى مثل عمر؟!
وروى زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: خرجت مع عمر ذات ليلة حتى أشرفنا على نار تضرم، فقال: يا أسلم، إني أحسب هؤلاء ركبًا أضرَّ بهم البرد، فانطلِق بنا إليهم. فخرجنا حتى أتينا إليهم، فإذا امرأة توقد نارًا تحت قدر، ومعها صبيان يتضرعون، فقال عمر: السلام عليكم أصحاب الضوء — وكره أن يقول أصحاب النار — ما بالكم؟ قالت: أضرَّ بنا البرد والليل. قال: فما بال هؤلاء القوم يتضرعون؟ قالت: من الجوع. قال: فما هذه القِدر؟ قالت: ما أُسكِتهم به، وإن عمر بن الخطاب ليسأله اللهُ عنهم يومَ القيامة. قال: وما يُدري عمر بحالهم؟ قالت: كيف يتولى أمورَ الناس ويغفل عنهم؟! قال أسلم: فأقبل عمر عليَّ وقال: انطلق بنا. فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الصرف، فأخرج عدلًا فيه دقيق، وإناءً فيه شحم، ثم قال: حَمِّلني هذا. فقلت: أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين. فقال: أتحمل عني وزري يوم القيامة؟ فحمَّلته إياه، وخرجنا نهرول حتى ألقينا ذلك العدل عندها، ثم أخرج من الدقيق شيئًا، وجعل يقول للمرأة: تردَّدي إليَّ، وكان ينفخ تحت القدر، وكان ذا لحية عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ، وأخذ مقدارًا من الشحم فرماه فيه، ثم قال: أطعميهم، وأنا أبرِّد لهم. ولم يزالوا كذلك حتى أكلوا وشبعوا، وترك الباقي عندها، ثم أقبل عليَّ وقال: يا أسلم، إني رأيت الجوعَ أبكاهم، فأحببتُ ألَّا أنصرف حتى يتبيَّن لي سبب الضوء الذي رأيته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.