فلما كانت الليلة ٦٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت لأخيها شركان — وهي لم تعرفه — بحضور القضاة الأربعة والتاجر: تتمة الفصل الثاني من الباب الأول: اتفق أنه كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الموسم: أما بعد؛ فإني أُشهِد الله في الشهر الحرام والبلد الحرام ويوم الحج الأكبر، أني أمرق من ظلمكم، وعدوان مَن اعتدى عليكم أن أكون أمرتُ بذلك وتعمَّدتُه، أو يكون أمرٌ من أموره بلغني أو أحاط به علمي، وأرجو أن يكون لذلك موضع من الغفران، إلا أنه لا إذن مني بظلم أحد، فإني مسئول عن كل مظلوم، إلَّا وأي عامل من عمالي زاغ عن الحق، وعمل بلا كتاب ولا سُنَّة، فلا طاعةَ له عليكم حتى يرجع إلى الحق. وقال رضي الله تعالى عنه: ما أحِبُّ أن يُخفَّف عني الموت؛ لأنه آخِر ما يُؤجَر عليه المؤمن.
وقال بعض الثقات: قدمت على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وهو خليفة، فرأيت بين يديه اثني عشر درهمًا، فأمر بوضعها في بيت المال، قلت: يا أمير المؤمنين، إنك أفقرت أولادك، وجعلتهم عيالًا لا شيء لهم، فلو أوصيت إليهم بشيء وإلى مَن هو فقير من أهل بيتك؟ فقال: ادنُ مني. فدنوت منه، فقال: أمَّا قولك أفقرْتَ أولادك، فأوصِ إليهم أو إلى مَن هو فقير من أهل بيتك، فغير سديد؛ لأن الله خليفتي على أولادي، وعلى مَن هو فقير من أهل بيتي، وهو وكيل عليهم، وهم ما بين رَجُلَيْن: إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجًا، وإما رجل معتكف على المعاصي فإني لم أكن لأقوِّيه على معصية الله. ثم بعث إليهم، وأحضرهم بين يديه، وكانوا اثني عشر ذكرًا، فلما نظر إليهم ذرفَتْ عيناه بالدموع، ثم قال: إن أباكم ما بين أمرَيْن: إما أن تستغنوا فيدخل أبوكم النار، وإما أن تفتقروا فيدخل أبوكم الجنة، ودخولُ أبيكم الجنةَ أحَبُّ إليه من أن تستغنوا، قوموا قد وكَّلتُ أمرَكم إلى الله.
وقال خالد بن صفوان: صحبني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك، فلما قدمت عليه، وقد خرج بقرابته وخدمه، فنزل في أرض وضرب له خيامًا، فلما أخذت الناس مجالسهم، خرجتُ من ناحية البساط فنظرت إليه، فلما صارت عيني في عينه قلتُ له: تمَّمَ اللهُ نعمتَه عليك يا أمير المؤمنين، وجعل ما قلَّدك من هذه الأمور رشدًا، ولا خالط سرورك أذًى يا أمير المؤمنين، إني لم أجد لك نصيحة أبلغ من حديث مَن سلف قبلك من الملوك. فاستوى جالسًا، وكان مُتَّكِئًا، وقال: هات ما عندك يا ابن صفوان. فقلتُ: يا أمير المؤمنين، إن ملكًا من الملوك خرج قبلك في عام قبل عامك هذا إلى هذه الأرض، فقال لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ وهل أُعطِي أحدٌ مثلَ ما أعطيته؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة، والمعينين على الحق السالكين في منهاجه، فقال: أيها الملك، إنك سألتَ عن أمر عظيم، أتأذن لي في الجواب عنه؟ قال: نعم. قال: أرأيت الذي أنت فيه شيئًا لم يزل أم شيئًا زائلًا؟ فقال: هو شيء زائل. قال: فما لي أراك قد أُعجبت بشيء تكون فيه قليلًا، وتسأل عنه طويلًا، وتكون عند حسابه مرتهنًا؟ قال: فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ قال: أن تقيم في ملكك، فتعمل بطاعة الله تعالى، أو تلبس أطمارك، وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك، فإذا كان السَّحَر فإني قادم عليك. قال خالد بن صفوان: ثم إن الرجل قرع عليه بابه عند السَّحَر، فرآه قد وضع تاجه وتهيَّأ للسياحة من عظم موعظته؛ فبكى هشام بن عبد الملك بكاءً كثيرًا حتى بلَّ لحيته، وأمر بنزع ما عليه، ولزم قصره، فأتت الموالي والخدم إلى خالد بن صفوان، وقالوا: أهكذا فعلتَ بأمير المؤمنين، أفسدتَ لذَّتَه، ونغَّصْتَ حياته؟!
ثم إن نزهة الزمان قالت لشركان: وكَمْ في هذا الباب من النصائح! إني لَأعجز عن الإتيان بجميع ما في هذا الباب في مجلس واحد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.