فلما كانت الليلة ٦٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شركان لما سمع هذا الكلام ارتجف قلبه، واصفرَّ لونه، ولحقه الارتعاش، وأطرق برأسه إلى الأرض، وعرف أنها أخته من أبيه، فغاب عن الدنيا، فلما أفاق صار يتعجَّب، ولكنه لم يعرِّفها بنفسه، وقال لها: يا سيدتي، هل أنتِ بنت الملك عمر النعمان؟ قالت: نعم. فقال لها: وما سبب فراقك لأبيك وبيعك؟ فحكت له جميع ما وقع لها من الأول إلى الآخر، وأخبرته أنها تركت أخاها مريضًا في بيت المقدس، وأخبرته باختطاف البدوي لها، وبيعه إياها للتاجر. فلما سمع شركان ذلك الكلام تحقَّقَ أنها أخته من أبيه، وقال في نفسه: كيف أتزوَّجُ بأختي؟ لكن أنا أزوِّجها لواحدٍ من حجَّابي، وإذا ظهر أمر أدَّعِي أنني طلقتها قبل الدخول، وزوَّجْتُها بالحاجب الكبير. ثم رفع رأسه وتأسَّف، وقال: يا نزهة الزمان، أنت أختي حقيقة، وأستغفر الله من هذا الذنب الذي وقعنا فيه، فإنني أنا شركان ابن الملك عمر النعمان. فنظرتُ إليه وتأمَّلَتْه فعرفته، فلما عرفته غابت عن صوابها وبكت، ولطمت وجهها وقالت: قد وقعنا في ذنب عظيم، ماذا يكون العمل؟ وما أقول لأبي وأمي إذا قالَا لي من أين جاءتك هذه البنت؟ فقال شركان: الرأي أن أزوِّجك بالحاجب، وأدعك تربي بنتي في بيته، بحيث لا يعلم أحد بأنك أختي، وهذا الذي قدَّره الله علينا لأمرٍ أراده، فما يسترنا إلا زواجك بهذا الحاجب قبل أن يدري أحد. ثم صار يأخذ بخاطرها، ويقبِّل رأسها، فقالت له: وما تسمِّي البنت؟ قال أسميها: قضى فكان. ثم زوَّجها للحاجب الكبير، ونقلها إلى بيته هي وبنتها، فربوها على أكتاف الجواري، وواظبوا عليها بالأشربة، وأنواع السفوف.
هذا كله وأخوها ضوء المكان مع الوقاد بدمشق، فاتفق أنه أقبل بريدٌ يومًا من الأيام من عند الملك عمر النعمان إلى الملك شركان، ومعه كتاب، فأخذه وقرأه، فرأى فيه بعد البسملة: اعلم أيها الملك العزيز أني حزين حزنًا شديدًا على فراق الأولاد، وعدمتُ الرقاد، ولازمني السهاد، وقد أرسلتُ هذا الكتابَ إليك، فحالَ حصولِه بين يديك تُرسِلُ إلينا الخراج، وترسل صحبته الجارية التي اشتريتها وتزوَّجتَ بها، فإني أحببتُ أن أراها وأسمع كلامها؛ لأنه جاءنا من بلاد الروم عجوز من الصالحات، وصحبتها خمس جوارٍ نُهد أبكار، وقد حازوا من العلم والأدب وفنون الحكمة ما يجب على الإنسان معرفته، ويعجز عن وصف هذه العجوز ومَن معها اللسانُ، فإنهن حُزْنَ أنواعَ العلم والفضيلة والحكمة، فلما رأيتهن أحببتهن، وقد اشتهيت أن يكنَّ في قصري وفي ملك يدي؛ لأنه لا يوجد لهن نظير عند سائر الملوك، فسألتُ المرأة العجوز عن ثمنهن، فقالت: لا أبيعهن إلا بخراج دمشق. وأنا والله أرى خراج دمشق قليلًا في ثمنهن، فإن الواحدة منهن تساوي أكثر من هذا المبلغ، فأجبتها إلى ذلك، ودخلت بهن قصري، وبقين في حوزتي، فعجِّلْ لنا بالخراج لأجل أن تسافر المرأة إلى بلادها، وأرسل لنا الجارية لأجل أن تناظرهن. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.