فلما كانت الليلة ٧٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك عمر النعمان قال في مكتوبه: وأرسِل إلينا الجارية لأجل أن تناظرهن بين العلماء، فإذا غلبتهن أرسلتها إليك، وصحبتها خراج بغداد. فلما علم ذلك شركان أقبل على صهره، وقال له: هات الجارية التي زوَّجتُكَ إياها. فلما حضرت أوقفها على الكتاب، وقال لها: يا أختي، ما عندك من الرأي في رد الجواب؟ قالت له: الرأي رأيك. ثم قالت له وقد اشتاقت إلى أهلها ووطنها: أرسلني صحبة زوجي الحاجب لأجل أن أحكي لأبي حكايتي، وأخبره بما وقع لي مع البدوي الذي باعني للتاجر، وأخبره بأن التاجر باعني لك، وزوَّجتني للحاجب بعد عتقي. فقال لها شركان: وهو كذلك. ثم أخذ ابنته قضى فكان، وسلَّمَها للمراضع والخدم، وشرع في تجهيز الخراج، وأمر الحاجب أن يأخذ الخراج والجارية صحبته، ويتوجه إلى بغداد، فأجابه الحاجب بالسمع والطاعة، فأمر بمحفَّة يجلس فيها، وللجارية أيضًا، ثم كتب كتابًا وسلَّمه للحاجب، وودَّع نزهة الزمان، وكان قد أخذ منها الخرزة، وجعلها في عنق ابنته في سلسلةٍ من خالص الذهب.
ثم سافَرَ الحاجب في تلك الليلة، فاتفق أنه خرج ضوء المكان هو والوقاد في تلك الليلة يتفرَّجان، فرأيا جمالًا وبغالًا محمَّلة ومشاعل وفوانيس مضيئة، فسأل ضوء المكان عن هذه الأحمال وعن صاحبها، فقال: هذا خراج دمشق مسافر إلى الملك عمر النعمان صاحب مدينة بغداد. فقال: ومَن رئيس هذه المحامل؟ قيل: هو الحاجب الكبير الذي تزوَّجَ الجارية التي تعلَّمت العلم والحكمة. فعند ذلك بكى بكاءً شديدًا، وتذكَّر أمه وأباه وأخته ووطنه، وقال للوقَّاد: ما بقي لي قعود هنا، بل أسافر مع هذه القافلة، وأمشي قليلًا قليلًا حتى أصل إلى بلادي. فقال له الوقاد: أنا أمنت عليك من القدس إلى دمشق، فكيف آمن عليك إلى بغداد؟ فأنا أكون معك حتى تصل إلى مقصدك. فقال ضوء المكان: حبًّا وكرامة. فشرع الوقاد في تجهيز حاله، ثم شد الحمار وجعل خرجه عليه، ووضع فيه شيئًا من الزاد، وشدَّ وسطه، وما زال على أهبة حتى جازت عليه الأحمال، والحاجب راكب على هجين، والمشاة حوله، وركب ضوء المكان حمارَ الوقَّاد، وقال للوقاد: اركب معي. فقال: لا أركب، ولكن أكون في خدمتك. فقال ضوء المكان: لا بدَّ أن تركب ساعة. فقال له: إذا تعبت فأركب ساعة. ثم إن ضوء المكان قال للوقاد: يا أخي، سوف تنظر ما أفعل بك إذا وصلتُ إلى أهلي. وما زالوا مسافرين إلى أن طلعت الشمس، فلما اشتد عليهم الحر أمرهم الحاجب بالنزول، فنزلوا واستراحوا، وسقوا جمالهم، ثم أمرهم بالمسير، وبعد خمسة أيام وصلوا إلى مدينة حماة، ونزلوا وأقاموا بها ثلاثة أيام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.