فلما كانت الليلة ٧٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان لما سمعت من أخيها الشعر، دعَتِ الخادمَ الكبير وقالت له: اذهب وائتني بمَن ينشد هذه الأشعار. فقال لها: إني لم أسمعه، ولم أعرفه، والناس كلهم نائمون. فقالت له: كلُّ مَن رأيته مستيقظًا فهو الذي ينشد الأشعار. ففتَّشَ فلم يرَ مستيقظًا سوى الرجل الوقَّاد، وأما ضوء المكان فإنه كان في غشيته، فلما رأى الوقاد الخادم واقفًا على رأسه خاف منه، فقال له الخادم: هل أنت الذي كنت تنشد الشعر، وقد سمعَتْك سيدتنا؟ فاعتقد الوقَّاد أن السيدة اغتاظت من الإنشاد، فخاف وقال له: والله ما هو أنا. فقال له الخادم: ومَن الذي كان ينشد الشعر؟ فدُلَّني عليه فإنك تعرفه لأنك يقظان. فخاف الوقاد على ضوء المكان، وقال في نفسه: ربما يضره الخادم بشيء. فقال: لم أعرفه. فقال له الخادم: والله إنك تكذب، فإنه ما هنا قاعد إلا أنت، فأنت تعرفه. فقال الوقاد: أنا أقول لك الحق، إن الذي كان ينشد الأشعار رجلٌ عابرُ طريق، وهو الذي أزعجني وأقلقني، فالله يجازيه. فقال له الخادم: إذا كنت تعرفه فدُلَّني عليه، وأنا أمسكه وآخذه إلى باب المحفة التي فيها سيدتنا، أو أمسكه أنت بيدك. فقال له: اذهب أنت حتى آتيك به. فتركه الخادم وانصرف، ودخل وأعلم سيدته بذلك، وقال: ما أحد يعرفه؛ لأنه عابر سبيل. فسكتت، ثم إن ضوء المكان لما أفاق من غشيته رأى القمر وصل إلى وسط السماء، وهبَّ عليه نسيم الأسحار؛ فهيَّجَ في قلبه البلابلَ والأشجانَ، فحسن صوته وأراد أن ينشد، فقال له الوقاد: ماذا تريد أن تصنع؟ فقال له: أريد أن أنشد شيئًا من الشعر لأطفئ به نار قلبي. قال له: أنت ما علمت بما جرى لي، وما سلمت من القتل إلا بأخذ خاطر الخادم. فقال له ضوء المكان: وماذا جرى؟ فأخبرني بما وقع. فقال: يا سيدي، قد أتاني الخادم وأنت مغشي عليك، ومعه عصًا طويلة من اللوز، وجعل يتطلع في وجوه الناس وهم نائمون، ويسأل على مَن كان ينشد الأشعار، فلم يجد مَن هو مستيقظ غيري، فسألني فقلت له: إنه عابر سبيل، فانصرف، وسلمني الله منه، وإلا كان قتلني. فقال لي: إذا سمعته ثانيًا فائتِ به عندنا.
فلما سمع ضوء المكان ذلك بكى وقال: مَن يمنعني من الإنشاد؟! فأنا أنشد ويجري عليَّ ما يجري، فإني قربت من بلادي، وما أبالي بأحد. فقال له الوقَّاد: أنت ما مرادك إلا هلاك نفسك! فقال له ضوء المكان: لا بد من إنشادي. فقال له الوقاد: قد وقع الفراق بيني وبينك من هنا، وكان مرادي ألَّا أفارقك حتى تدخل مدينتك، وتجتمع بأبيك وأمك، وقد مضى لك عندي سنة ونصف ما حصل لك مني ما يضرك، فما سبب إنشادك الشعر ونحن في غاية التعب من المشي والسهر، والناس قد هجعوا ليستريحوا من التعب، ومحتاجون إلى النوم؟ فقال ضوء المكان: لا أرجع عمَّا أنا فيه. ثم هزته الأشجانُ فباح بالكتمان، وجعل ينشد هذه الأبيات:
وأنشد أيضًا هذين البيتين:
فلما فرغ من شعره صاح ثلاث صيحات، ثم وقع مغشيًّا عليه، فقام الوقاد وغطَّاه، فلما سمعت نزهة الزمان ما أنشده من الأشعار المتضمنة لذكر اسمها واسم أخيها ومعاهدهما، بكت وصاحت على الخادم، وقالت له: ويلك! إن الذي أنشد أولًا أنشد ثانيًا، وسمعته قريبًا مني، والله إن لم تأتِني به لَأنبهنَّ عليك الحاجبَ فيضربك ويطردك، ولكن خذ هذه الألف دينار وأعطِه إياها، وائتني به برفق ولا تضره، فإن أَبَى فادفع له هذا الكيس الذي فيه ألف دينار، فإن أَبَى فاتركه، واعرف مكانه وصنعته، ومن أي البلاد هو، وارجع إليَّ بسرعة ولا تغِب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.