فلما كانت الليلة ٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان أرسلت الخادم يفتش عليه، وقالت له: إذا وجدته فلاطفه، وائتِني به برفق ولا تغِب. فخرج الخادم يتأمل في الناس، ويدوس بينهم وهم نائمون، فلم يجد أحدًا مستيقظًا، فجاء إلى الوقَّاد فوجده قاعدًا مكشوف الرأس، فدنا منه وقبض على يده، وقال له: أنت الذي كنتَ تنشد الشعر. فخاف على نفسه، وقال: لا والله يا مقدم القوم، ما هو أنا. فقال الخادم: لا أتركك حتى تدلني على مَن كان ينشد الشعر؛ لأني لا أقدر على الرجوع إلى سيدتي من غيره. فلما سمع الوقاد كلام الخادم خاف على ضوء المكان، وبكى بكاءً شديدًا وقال للخادم: والله ما هو أنا، وإنما سمعت إنسانًا عابر سبيل ينشد، فلا تدخل في خطيئتي؛ فإني غريب، وجئت من بلاد القدس والخليل معكم. فقال الخادم للوقاد: قم أنت إلى سيدتي، وأخبرها بفمك، فإني ما رأيت أحدًا مستيقظًا غيرك. فقال له الوقاد: أَمَا جئتَ ورأيتَني في الموضع الذي أنا قاعد فيه، وعرفت مكاني؟ وما أحد يقدر أن ينفكَّ عن موضعه إلا أمسكَتْه الحرس، فامضِ أنت إلى مكانك، فإن بقيتَ تسمع أحدًا في هذه الساعة ينشد شيئًا من الشعر، سواء كان بعيدًا أو قريبًا لا تعرفه إلا مني. ثم باس رأس الخادم، وأخذ بخاطره، فتركه الخادم، ودار دورة، وخاف أن يرجع إلى سيدته بلا فائدة، فاستتر في مكان قريب من الوقاد، فقام الوقاد إلى ضوء المكان ونبَّهَه، وقال له: قُمِ اقعد حتى أحكي لك ما جرى. وحكى له ما وقع، فقال له: دعني، فإني لا أبالي بأحد، فإن بلادي قريبة. فقال الوقَّاد لضوء المكان: لأي شيء أنت مطاوع نفسك وهواك، ولا تخاف من أحد، وأنا خائف على روحي وروحك؟ فبالله عليك إنك لا تتكلم بشيء من الشعر حتى تدخل بلدك، وأنا ما كنت أظنك على هذه الحالة، أَمَا علمتَ أن زوجة الحاجب تريد زجرك لأنك أقلقتها، وكأنها ضعيفة أو تعبانة من السفر، وكم مرة وهي ترسل الخادم يفتش عليك؟ فلم يلتفت ضوء المكان إلى كلام الوقَّاد، بل صاح ثالثًا، وأنشد هذه الأبيات:
وكان الخادم يسمعه وهو مستخفٍ، فما فرغ من شعره إلا والخادم على رأسه، فلما رآه الوقاد قام ووقف بعيدًا ينظر ما يقع بينهما، فقال الخادم: السلام عليكم يا سيدي. فقال ضوء المكان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فقال الخادم: يا سيدي … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.