فلما كانت الليلة ٧٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان لما سمعت كلامه قالت: الله يجمع شمله بمَن يحب، ثم قالت للخادم: قُلْ له أسمِعنا شيئًا من الأشعار المتضمنة لشكوى الفراق. فقال له الخادم كما أمرته سيدته، فصعَّد الزفرات، وأنشد هذه الأبيات:
وأنشد أيضًا هذه الأبيات:
ثم سكب العَبَرات وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره، وسمعته نزهة الزمان، كشفت ذيل الستارة عن المحفة ونظرت إليه، فلما وقع بصرها على وجهه عرفته غايةَ المعرفة، فصاحت قائلة: يا أخي، يا ضوء المكان! فرفع بصره إليها فعرفها، وصاح قائلًا: يا أختي، يا نزهة الزمان! فألقت نفسها عليه، فتلقَّاها في حضنه، ووقع الاثنان مغشيًّا عليهما، فلما رآهما الخادم على تلك الحالة تعجَّب في أمرهما، وألقى عليهما شيئًا سترهما به، وصبر عليهما حتى أفاقا، فلما أفاقا من غشيتهما، فرحت نزهة الزمان غايةَ الفرح، وزال عنها الهم والترح، وتوالت عليها المسرات، وأنشدت هذه الأبيات:
فلما سمع ذلك ضوء المكان، ضمَّ أخته إلى صدره، وفاضت لفرط سروره من أجفانه العَبَرات، وأنشد هذه الأبيات:
وجلسا على باب المحفة ساعةً، ثم قالت: قُمِ ادخل المحفة، واحكِ لي ما وقع لك، وأنا أحكي لك ما وقع لي. فقال ضوء المكان: احكي لي أنتِ أولًا. فحَكَتْ له جميعَ ما وقع لها منذ فارقَتْه من الخان، وما وقع لها من البدوي والتاجر، وكيف اشتراها منه، وكيف أخذها التاجر إلى أخيها شركان، وباعها له، وأن شركان أعتقها من حين اشتراها وكتب كتابه عليها، ودخل بها، وأن الملك أباها سمع بخبرها، فأرسل إلى شركان يطلبها منه، ثم قالت له: الحمد لله الذي مَنَّ عليَّ بك، ومثل ما خرجنا من عند والدنا سواء نرجع إليه سواء. ثم قالت له: إن أخي شركان زوَّجَني بهذا الحاجب لأجل أن يوصلني إلى والدي، وهذا ما وقع لي من الأول إلى الآخر، فاحكِ لي أنت ما وقع لك بعد ذهابي من عندك. فحكى لها جميع ما وقع له من الأول إلى الآخر، وكيف مَنَّ الله عليه بالوقَّاد، وكيف سافر معه، وأنفق عليه ماله، وأنه كان يخدمه في الليل والنهار. فشكرته على ذلك، ثم قال لها: يا أختي، إن هذا الوقَّاد فعل معي من الإحسان فعلًا لا يفعله أحد في أحد من أحبابه، ولا الوالد مع ولده، حتى كان يجوع ويطعمني، ويمشي ويُركبني، وكانت حياتي على يديه. فقالت نزهة الزمان: إن شاء الله تعالى نكافئه بما نقدر عليه. ثم إن نزهة الزمان صاحت على الخادم فحضر وقبَّل يد ضوء المكان، فقالت له نزهة الزمان: خُذْ بشارتك يا وجه الخير؛ لأنه كان جُمْعُ شملي بأخي على يديك، فالكيس الذي معك وما فيه لك، فاذهب وائتني بسيدك عاجلًا. ففرح الخادم، وتوجه إلى الحاجب، ودخل عليه، ودعاه إلى سيدته، فأتى به ودخل على زوجته نزهة الزمان، فوجد عندها أخاها، فسأل عنه، فحكت له ما وقع لهما من أوله إلى آخره، ثم قالت: اعلم أيها الحاجب أنك ما أخذت جاريةً، وإنما أخذت بنت الملك عمر النعمان، فأنا نزهة الزمان، وهذا أخي ضوء المكان.
فلما سمع الحاجب القصة منها تحقَّقَ ما قالته، وبان له الحق الصريح، وتيقَّن أنه صار صهر الملك عمر النعمان، فقال في نفسه: مصيري أن آخذ نيابةً على قطر من الأقطار. ثم أقبل على ضوء المكان، وهنَّأه بسلامته، وجَمْع شمله بأخته، ثم أمر خدمه في الحال أن يهيِّئوا لضوء المكان خيمةً ومركوبًا من أحسن الخيل، فقالت له زوجته: إنَّا قد قربنا من بلادنا، فأنا أختلي بأخي، ونستريح مع بعضنا، ونشبع من بعضنا قبل أن نصل إلى بلادنا، فإن لنا زمنًا طويلًا ونحن مفترقان. فقال الحاجب: الأمر كما تريدان. ثم أرسل إليهما الشموع، وأنواع الحلاوة، وخرج من عندهما، وأرسل إلى ضوء المكان ثلاث بدلات من أفخر الثياب، وتمشَّى إلى أن جاء إلى المحفة، وعرف مقدار نفسه. فقالت له نزهة الزمان: أرسِل إلى الخادم وأمره أن يأتي بالوقَّاد، ويهيئ له حصانًا يركبه، ويرتب له سفرة طعام في الغداة والعشى، ويأمره أنه لا يفارقنا. فعند ذلك أرسل الحاجب إلى الخادم، وأمره أن يفعل ذلك، فقال: سمعًا وطاعة. ثم إن الخادم أخذ غلمانه وذهب يفتش على الوقاد إلى أن وجده في آخر الركب، وهو يشد حماره، ويريد أن يهرب، ودموعه تجري على خده من الخوف على نفسه، ومن حزنه على فراق ضوء المكان، وصار يقول: قد نصحتُه في سبيل الله فلم يسمع مني، يا تُرَى كيف حاله؟ فلم يُتِمَّ كلامَه إلا والخادم واقف على رأسه، ودارت حوله الغلمان، فالتفت الوقَّاد فرأى الخادم واقفًا فوق رأسه، ورأى الغلمان حوله، فاصفرَّ لونه وخاف. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.