فلما كانت الليلة ٧٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حاجب شركان لما سمع الوزير دندان ما ذكره من خبر الملك عمر النعمان، تأسَّفَ ولكنه فرح لزوجته وأخيها ضوء المكان؛ لأنه يصير سلطانًا ببغداد مكان أبيه، ثم التفت الحاجب إلى الوزير دندان وقال: إن قصتكم من أعجب العجائب، اعلم أيها الوزير الكبير أنكم حيث صادفتموني الآن أراحكم الله من التعب، وقد جاءكم الأمر كما تشتهون على أهون سبب؛ لأن الله ردَّ إليكم ضوء المكان هو وأخته نزهة الزمان، وانصلح الأمر وهان. فلما سمع الوزير هذا الكلام فرح فرحًا شديدًا، ثم قال له: أيها الحاجب، أخبرني بقصتهما، وبما جرى لهما، وبسبب غيابهما. فحدثه بحديث نزهة الزمان، وأنها صارت زوجته، وأخبره بحديث ضوء المكان من أوله إلى آخره، فلما فرغ الحاجب من حديثه، أرسل الوزير دندان إلى الأمراء والوزراء وأكابر الدولة، وأطلعهم على القصة؛ ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا، وتعجبوا من هذا الاتفاق، ثم اجتمعوا كلهم وجاءوا عند الحاجب، ووقفوا على خدمته، وقبَّلوا الأرضَ بين يديه، وأقبل الوزير من ذلك الوقت على الحاجب، ووقف بين يديه، ثم إن الحاجب عمل في ذلك اليوم ديوانًا عظيمًا، وجلس هو والوزير دندان على تخت، وبين أيديهما جميع الأمراء والكبراء وأرباب المناصب على حسب مراتبهم، ثم بَلُّوا السكر في ماء الورد وشربوا، ثم قعد الأمراء للمشورة، وأعطوا بقية الجيش إذنًا في أن يركبوا مع بعضهم، ويتقدموا قليلًا حتى يتموا المشورة ويلحقوهم، فقبَّلوا الأرض بين يَدَي الحاجب، وركبوا وقدَّامهم رايات الحرب، فلما فرغ الكبراء من مشورتهم ركبوا ولحقوا العساكر.
ثم أقبل الحاجب على الوزير دندان، وقال له: الرأي عندي أن أتقدَّم وأسبقكم لأجل أن أهيِّئ للسلطان مكانًا يناسبه، وأُعلِمه بقدومكم، وأنكم اخترتموه على أخيه شركان سلطانًا عليكم. فقال الوزير: نِعم الرأي الذي رأيته. ثم نهض ونهض الوزير دندان تعظُّمًا له، وقدَّم له التقادم، وأقسم عليه أن يقبلها، وكذلك الأمراء الكبار وأرباب المناصب قدَّموا له التقادم ودعوا له، وقالوا: لعلك تحدِّث السلطان ضوء المكان في أمرنا ليبقينا مستمرين في مناصبنا. فأجابهم لِمَا سألوه، ثم أمر غلمانه بالسير، فأرسل الوزير دندان الخيام مع الحاجب، وأمر الفراشين أن ينصبوها خارج المدينة بمسافة يوم، فامتثلوا أمره وركب الحاجب وهو في غاية الفرح، وقال في نفسه: ما أبرك هذه السفرة! وعظمت زوجته في عينه، وكذلك ضوء المكان.
ثم جَدَّ في السفر إلى أن وصل إلى مكانٍ بينه وبين المدينة مسافة يوم، ثم أمر بالنزول فيه لأجل الراحة، وتهيئة مكانٍ لجلوس السلطان ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان، ثم نزل من بعيد هو ومماليكه، وأمر الخدام أن يستأذنوا السيدة نزهة الزمان في أن يدخل عليها، فاستأذنوها في شأن ذلك فأذنت له، فدخل عليها واجتمع بها وبأخيها، وأخبرهما بموت أبيهما، وأن ضوء المكان جعله الرؤساء ملكًا عليهم عوضًا عن أبيه عمر النعمان، وهنأهما بالملك. فبكيَا على فقْدِ أبيهما، وسألَا عن سبب قتله، فقال لهما: الخبر مع الوزير دندان، وفي غدٍ يكون هو والجيش كله في هذا المكان، وما بقي في الأمر أيها الملك إلا أن تفعل ما أشاروا به؛ لأنهم كلهم اختاروك سلطانًا، وإن لم تفعل سلطنوا غيرك، وأنت لا تأمن على نفسك من الذي يتسلطن غيرك، فربما يقتلك، أو يقع الفشل بينكما، ويخرج المُلك من أيديكما. فأطرق برأسه ساعةً من الزمان، ثم قال: قبلت هذا الأمر؛ لأنه لا يمكن التخلي عنه. وتحقَّق أن الحاجب تكلَّم بما فيه الرشاد، ثم قال للحاجب: يا عم، وكيف أعمل مع أخي شركان؟ فقال: يا ولدي، أخوك يكون سلطان دمشق، وأنت سلطان بغداد، فشُدَّ عزمك، وجهِّز أمرك. فقبل منه ضوء المكان ذلك، ثم إن الحاجب قدَّمَ إليه البدلة التي كانت مع الوزير دندان من ملابس الملوك، وناوَلَه النمشة وخرج من عنده، وأمر الفراشين أن يختاروا موضعًا عاليًا وينصبوا فيه خيمة واسعة عظيمة للسلطان ليجلس فيها إذا قدم عليه الأمراء، ثم أمر الطباخين أن يطبخوا طعامًا فاخرًا ويحضروه، وأمر السقَّايين أن ينصبوا حياض الماء، وبعد ساعة طار الغبار حتى سدَّ الأقطار، ثم انكشف ذلك الغبار، وبان من تحته عسكر جرَّار مثل البحر الزخار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.