فلما كانت الليلة ٧٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب لما أمر الفرَّاشين أن ينصبوا خيمة واسعة لاجتماع الناس عند الملك، نصبوا خيمة عظيمة على عادة الملوك، فلما فرغوا من أشغالهم، وإذا بغبار قد طار، ثم محق الهواء ذلك الغبار، وبان من تحته عسكر جرار، وتبيَّنَ أن ذلك العسكر عسكر بغداد وخراسان، ومقدِّمه الوزير دندان، وكلهم فرحوا بسلطنة ضوء المكان، وكان ضوء المكان لابسًا خلعة الملك، متقلدًا بسيف الموكب، فقدَّم له الحاجب الفرس، فركب وسار هو ومماليكه، وجميع مَن في الخيام مشى في خدمته حتى دخل القبة الكبيرة، وجلس ووضع النمشة على فخذيه، ووقف الحاجب في خدمته بين يديه، ووقفت مماليكه في دهليز الخيمة، وشهروا في أيديهم السيوف، ثم أقبلت العساكر والجيوش، وطلبوا الإذن، فدخل الحاجب واستأذن لهم السلطان ضوء المكان، فأمر أن يدخلوا عليه عشرة عشرة، فأعلمهم الحاجب بذلك، فأجابوا بالسمع والطاعة، ووقف الجميع على باب الدهليز، فدخلت عشرة منهم، فشقَّ بهم الحاجب في الدهليز، ودخل بهم على السلطان ضوء المكان، فلما رأوه هابوه، فتلقَّاهم أحسن ملتقًى، ووعدهم بكل خير، فهنَّئوه بالسلامة، ودعوا له، وحلفوا له الأيمان الصادقة إنهم لا يخالفون له أمرًا، ثم قبَّلوا الأرضَ بين يديه وانصرفوا، ودخلت عشرة أخرى، ففعل بهم مثل ما فعل بغيرهم، ولم يزالوا يدخلون عشرة بعد عشرة حتى لم يَبْقَ غير الوزير دندان، فدخل عليه وقبَّلَ الأرض بين يديه، فقام إليه ضوء المكان، وأقبل عليه وقال له: مرحبًا بالوزير والوالد الكبير، إنَّ فعلك فعل المشير العزيز، والتدبير بيد اللطيف الخبير.
ثم إن الحاجب خرج في تلك الساعة، وأمر بمد السماط، وأمر بإحضار العسكر جميعًا، فحضروا وأكلوا وشربوا، ثم إن الملك ضوء المكان قال للوزير دندان: اؤمر العسكر بالإقامة عشرة أيام حتى أختلي بك وتخبرني بسبب قتل أبي. فامتثل الوزير قول السلطان، وقال: لا بد من ذلك. ثم خرج إلى وسط الخيام، وأمر العسكر بالإقامة عشرة أيام، فامتثلوا أمره، ثم إن الوزير أعطاهم إذنًا أنهم يتفرجون، ولا يدخل أحد من أرباب الخدمة عند الملك مدة ثلاثة أيام، فتضرَّع جميع الناس، ودعوا لضوء المكان بدوام العز، ثم أقبل عليه الوزير، وأعلمه بالذي كان، فصبر إلى الليل ودخل على أخته نزهة الزمان، وقال لها: هل علمتِ بسبب قتل أبي أم لم تعلمي بسببه كيف كان؟ فقالت له: لم أعلم سببَ قتْلِه. ثم إنها ضربت لها ستارة من حرير، وجلس ضوء المكان خارج الستارة، وأمر بإحضار الوزير دندان، فحضر بين يديه، فقال له: أريد أن تخبرني تفصيلًا بسبب قتل أبي الملك عمر النعمان.
حكاية مقتل الملك عمر النعمان
فقال الوزير دندان: اعلم أيها الملك، أن الملك عمر النعمان لما أتى من الصيد والقنص، وجاء إلى المدينة، سأل عنكما فلم يجدكما، فعلم أنكما قد قصدتما الحج؛ فاغتمَّ لذلك وازداد به الغيظ، وضاق صدره، وأقام نصف سنة وهو يستخبر عنكما كلَّ شارد ووارد، فلم يخبره أحد عنكما، فبينما نحن بين يديه يومًا من الأيام، بعدما مضى لكما سنة كاملة من تاريخ فقدكما، وإذا بعجوز عليها آثار العبادة قد وردت علينا ومعها خمس جوارٍ نُهد أبكار كأنهن الأقمار، وقد حوين من الحسن والجمال ما يعجز عن وصفه اللسان، ومع كمال حسنهن يقرأن القرآن، ويعرفن الحكمة وأخبار المتقدمين، فاستأذنت العجوز في الدخول على الملك، فأذن لها، فدخلت عليه وقبَّلت الأرض بين يديه، وكنت أنا جالسًا بجانب الملك، فلما دخلت عليه قرَّبها إليه لما رأى عليها آثارَ الزهد والعبادة، فلما استقرت العجوز عنده أقبلت عليه، وقالت له: اعلم أيها الملك أن معي خمس جوارٍ ما ملك أحد من الملوك مثلهن؛ لأنهن ذوات عقل وجمال وحسن وكمال، يقرأن القرآن بالروايات، ويعرفن العلوم وأخبار الأمم السالفة، وهنَّ بين يديك واقفات في خدمتك يا ملك الزمان، وعند الامتحان يُكرَم المرء أو يهان. فنظر المرحوم والدك إلى الجواري فسرَّته رؤيتهن، وقال لهن: كل واحدة منكن تُسمِعني شيئًا مما تعرفه من أخبار الناس الماضين والأمم السابقين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.