فلما كانت الليلة ٨٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان: فلما كان النهار صام السلطان، وخرجت العجوز إلى حال سبيلها، وأتمَّ الملك صومَ العشرة أيام، وفي اليوم الحادي عشر فتح الكوز وشربه، فوجد له في فؤاده فعلًا جميلًا. وفي العشرة أيام الثانية من الشهر جاءت العجوز ومعها حلاوة في ورق أخضر يشبه ورق الشجر، فدخلت على والدك وسلَّمَتْ عليه، فلما رآها قام لها وقال لها: مرحبًا بالسيدة الصالحة. فقالت له: أيها الملك، إن رجال الغيب يسلِّمون عليك؛ لأني أخبرتهم عنك ففرحوا بك، وأرسلوا معي هذه الحلاوة، وهي من حلاوة الآخرة، فافطر عليها في آخِر النهار. ففرح والدك فرحًا زائدًا، وقال: الحمد لله الذي جعل لي إخوانًا من رجال الغيب. ثم شكر العجوز، وقبَّلَ يدَيْها، وأكرمها وأكرم الجواري غاية الإكرام، ثم مضت مدة عشرين يومًا وأبوك صائم، وعند رأس العشرين يومًا أقبلت عليه العجوز وقالت له: أيها الملك، اعلم أني أخبرت رجالَ الغيب بما بيني وبينك من المحبة، وأعلمتهم بأني تركت الجواري عندك؛ ففرحوا حيث كانت الجواري عند ملك مثلك؛ لأنهم كانوا إذا رأوهن يبالغون لهنَّ في الدعاء المستجاب، فأريد أن أذهب بهن إلى رجال الغيب لتحصيل نفحاتهم لهن، وربما أنهن لا يرجعن إليك إلا ومعهن كنز من كنوز الأرض، حتى إنك بعد تمام صومك تشتغل بكسوتهن، وتستعين بالمال الذي يأتينك به على أغراضك.
فلما سمع والدك كلامها شكرها على ذلك، وقال لها: لولا أني أخشى مخالفتي لك، ما رضيت بالكنز ولا غيره، ولكن متى تخرجين بهن؟ فقالت له: في الليلة السابعة والعشرين، وأرجع بهن إليك في رأس الشهر، وتكون أنت قد أوفيتَ الصوم، وحصل استبراؤهن، وصرن لك وتحت أمرك، والله إن كل جارية منهن ثمنها أعظم من مُلْكك مرات. فقال لها: وأنا أعرف ذلك أيتها السيدة الصالحة. فقالت له بعد ذلك: ولا بد أن ترسل معهن مَن يعزُّ عليك من قصرك؛ حتى يجد الأنس، ويلتمس البركة من رجال الغيب. فقال لها: عندي جارية رومية اسمها صفية، ورُزِقت منها بولدين: أنثى وذكر، ولكنهما فُقِدَا من منذ سنتين، فخذيها معهن لأجل أن تحصل لها البركة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.