فلما كانت الليلة ٨٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان: إن أباك قال للعجوز لما طلبت منه الجواري: إن عندي جارية رومية اسمها صفية، ورُزِقت منها بولدين: أنثى وذكر، ولكنهما فُقِدَا من منذ سنتين، فخذيها معهن لأجل أن تحصل لها البركة، ولعل رجال الغيب أن يدعوا الله لها بأن يرد عليها ولدَيْها، ويجمع شملها بهما. فقالت العجوز: نِعْمَ ما قلت. وكان ذلك أعظم غرضها، ثم إن والدك أخذ في تمام صيامه، فقالت له: يا ولدي، إني متوجهة إلى رجال الغيب، فأحضر لي صفية. فدعا بها فحضرت في ساعتها، فسلَّمها إلى العجوز، فخلطتها بالجواري، ثم دخلت العجوز مخدعها، وخرجت للسلطان بكأس مختوم، وناولته له وقالت: إذا كان يوم الثلاثين فادخل الحمام، ثم اخرج منه وادخل خلوة من الخلاوي التي في قصرك، واشرب هذا الكأس ونَمْ، فقد نلتَ ما تطلب، والسلام مني عليك.
فعند ذلك فرح الملك وشكرها وقبَّل يدها، فقالت له: استودعتك الله. فقال لها: ومتى أراكِ أيتها السيدة الصالحة؟ فإني أود ألَّا أفارقك. فدعَتْ له وتوجَّهَتْ ومعها الجواري والملكة صفية، وقعد الملك بعدها ثلاثة أيام، ثم هلَّ الشهر، فقام الملك ودخل الحمام، وخرج من الحمام ودخل الخلوة التي في القصر، وأمر ألا يدخل عليه أحد، وردَّ الباب عليه، ثم شرب الكأس ونام، ونحن قاعدون في انتظاره إلى آخر النهار، فلم يخرج من الخلوة، فقلنا: لعله تعبان من الحمام، ومن سهر الليل وصيام النهار، فبسبب ذلك نام. فانتظرنا لثاني يوم فلم يخرج، فوقفنا بباب الخلوة وأعلنَّا برفع الصوت لعَلَّه ينتبه ويسأل عن الخبر، فلم يحصل منه ذلك، فخلعنا الباب ودخلنا عليه، فوجدناه قد تمزَّقَ لحمه وتفتَّتَ عظمه، فلما رأيناه على هذه الحالة عظم علينا ذلك، وأخذنا الكأس فوجدنا في غطائه قطعة ورق مكتوبًا فيها: مَن أساء لا يستوحش منه، وهذا جزاء مَن يتحيَّل على بنات الملوك ويفسدهن، والذي نُعلِم به كلَّ مَن وقف على هذه الورقة، أن شركان لما جاء بلادنا قد أفسد علينا الملكةَ إبريزة، وما كفاه ذلك حتى أخذها من عندنا وجاء بها إليكم، ثم أرسلها مع عبد أسود فقتلها، ووجدناها مقتولةً في الخلاء مطروحةً على الأرض، فهذا ما هو فِعْل الملوك، وما جزاء مَن يفعل هذا الفعل إلا ما حلَّ به، وأنتم لا تتهموا أحدًا بقتله؛ فما قتله إلا العاهرة الشاطرة التي اسمها ذات الدواهي، وها أنا أخذتُ زوجةَ الملك صفية، ومضيتُ بها إلى والدها أفريدون ملك القسطنطينية، ولا بد أن نغزوكم ونقتلكم، ونأخذ منكم الديار، فتهلكون عن آخِركم، ولا يبقى منكم ديَّار، ولا مَن ينفخ النار، إلا مَن يعبد الصليب والزنار.
فلما قرأنا هذه الورقة علمنا أن العجوز خدعتنا، وتمَّتْ حيلتها علينا، فعند ذلك صرخنا ولطمنا على وجوهنا، وبكينا فلم يفدنا البكاء شيئًا، واختلفت العساكر فيمَن يجعلونه سلطانًا عليهم، فمنهم مَن يريدك، ومنهم مَن يريد أخاك شركان. ولم نزل في هذا الاختلاف مدة شهر، ثم جمعنا بعضنا وأردنا أن نمضي إلى أخيك شركان، فسافرنا إلى أن وجدناك، وهذا سبب موت الملك عمر النعمان.
فلما فرغ الوزير من كلامه، بكى ضوء المكان هو وأخته نزهة الزمان، وبكى الحاجب أيضًا، ثم قال الحاجب لضوء المكان: أيها الملك، إن البكاء لا يفيدك شيئًا، ولا يفيدك إلا أنك تشد قلبك، وتقوِّي عزمك، وتؤيد مملكتك، ومَن خلَّف مثلك ما مات. فعند ذلك سكت عن بكائه، وأمر بنصب السرير خارج الدهليز، ثم أمر أن يعرضوا عليه العساكر، ووقف الحاجب بجانبه، والسلحدراية من ورائه، ووقف الوزير دندان قدامه، ووقف كلُّ واحد من الأمراء، وأرباب الدولة في مرتبته. ثم إن الملك قال للوزير دندان: أخبرني بخزائن أبي. فقال: سمعًا وطاعة. وأخبره بخزائن الأموال، وبما فيها من الذخائر والجواهر، وعرض عليه ما في خزنته من الأموال، فأنفق على العساكر، وخلع على الوزير دندان خلعة سنية، وقال له: أنت في مكانك. فقبَّل الأرض بين يديه ودعا له بالبقاء، ثم خلع على الأمراء. ثم إنه قال للحاجب: اعرض عليَّ الذي معك من خراج دمشق، فعرض عليه صناديق المال والتحف والجواهر، فأخذها وفرَّقها على العساكر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.