فلما كانت الليلة ٨٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ضوءَ المكان أمَرَ الحاجب أن يعرض عليه ما أتى به من خراج دمشق، فعرض عليه صناديق المال والتحف والجواهر، فأخذها وفرَّقها على العساكر، ولم يبقَ منها شيءٌ قطُّ، فقبَّلَ الأمراءُ الأرضَ بين يديه، ودعوا له بطول البقاء، وقالوا: ما رأينا ملكًا يعطي مثل هذه العطايا. ثم إنهم مضوا إلى خيامهم، فلما أصبحوا أمرهم بالسفر، فسافروا ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع أشرفوا على بغداد، فدخلوا المدينة فوجدوها قد تزينت، وطلع السلطان ضوء المكان قصر أبيه، وجلس على السرير، ووقف أمراء العسكر والوزير دندان وحاجب دمشق بين يديه، فعند ذلك أمر كاتب السر أن يكتب كتابًا إلى أخيه شركان، ويذكر فيه ما جرى من الأول إلى الآخر، ويذكر في آخِره: وساعة وقوفك على هذا المكتوب، تجهِّز أمرك وتُحضِر بعسكرك حتى نتوجَّه إلى غزو الكفَّار، ونأخذ منهم الثأر ونكشف العار. ثم طوى الكتاب وختمه وقال للوزير دندان: ما يتوجه بهذا الكتاب إلا أنت، ولكن ينبغي أن تتلطف به في الكلام، وتقول له: إن أردتَ مُلْكَ أبيك فهو لك، وأخوك يكون نائبًا عنك في دمشق كما أخبرنا بذلك. فنزل الوزير دندان من عنده وتجهَّزَ للسفر، ثم إن ضوء المكان أمر أن يجعلوا للوقَّاد مكانًا فاخرًا، ويفرشوه بأحسن الفرش — وذلك الوقَّاد له حديث طويل — ثم إن ضوء المكان خرج يومًا إلى الصيد والقنص، وعاد إلى بغداد، فقدَّمَ له بعض الأمراء من الخيول الجياد ومن الجواري الحسان ما يعجز عن وصفه اللسان، فأعجبته جارية منهن فاستخلى بها ودخل عليها في تلك الليلة، فعلقت منه من ساعتها، وبعد مدة رجع الوزير دندان من سفره، وأخبره بخبر أخيه شركان وأنه قادم إليه، وقال له: ينبغي أن نخرج ونلاقيه. فقال له ضوء المكان: سمعًا وطاعة. فخرج إليه من خواص دولته من بغداد مسيرة يوم، ثم نصب خيامه هناك لانتظار أخيه، وعند الصباح أقبل الملك شركان في عساكر الشام، ما بين فارس مقدام وأسد ضرغام وبطل مصدام، فلما أشرقت الكتائب، وقدمت السحائب، وأقبلت العصائب، وخفقت أعلام المواكب، توجَّهَ ضوء المكان هو ومَن معه لملاقاتهم، فلما عاين ضوءُ المكان أخاه أراد أن يترجَّل إليه، فأقسم عليه شركان ألَّا يفعل ذلك، وترجَّلَ شركان ومشى خطوات، فلما صار بين يدي ضوء المكان، رمى ضوء المكان نفسه عليه، فاحتضنه شركان إلى صدره، وبكيَا بكاءً شديدًا، وعزى أحدهما الآخَر، ثم ركب الاثنان وسارَا وسار العسكر معهما إلى أن أشرفوا على بغداد ونزلوا، ثم طلع ضوء المكان هو وأخوه شركان على قصر الملك، وباتَا تلك الليلة، وعند الصباح خرج ضوء المكان، وأمر أن يجمعوا العساكر من كل جانب، وينادوا بالغزو والجهاد، ثم أقاموا ينتظرون مجيء الجيوش من سائر البلدان، وكلُّ مَن حضر يكرمونه ويَعِدُونه بالجميل، إلى أن مضى على ذلك الحال مدة شهر كامل، والقوم يأتون أفواجًا متتابعة، ثم قال شركان لأخيه: يا أخي، أَعلِمني بقضيتك. فأعلَمَه بجميع ما وقع له من الأول إلى الآخِر، وبما صنعه معه الوقَّاد من المعروف، فقال له شركان: أَمَا كافأتَه على معروفه؟ فقال له: يا أخي، ما كافأتُه إلى الآن، ولكن أكافِئه إن شاء الله تعالى لما أرجع من الغزوة. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.