فلما كانت الليلة ٩٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن اللعينة ذات الدواهي لما أخذت رأس البطريق رئيس العشرين ألف كافر، أتت بها وألقتها بين يدَي الملك ضوء المكان وأخيه شركان والوزير دندان، وقالت لهم: لما رأيتُ حالَكم، أخذتني الغيرةُ عليكم، وهجمتُ على البطريق الكبير وضربته بالسيف، فأطحتُ رأسَه ولم يقدر أحد من الكفار أن يدنو مني، وأتيت برأسه إليكم لتقوى نفوسكم على الجهاد، وترضوا بسيوفكم ربَّ العباد، وأريد أن أشغلكم في الجهاد، وأذهب إلى عسكركم، ولو كانوا على باب القسطنطينية، وآتيكم من عندهم بعشرين ألف فارس يهلكون هؤلاء الكفرة. فقال شركان: وكيف تمضي إليهم أيها الزاهد والوادي مسدود بالكفار من كل جانب؟ فقالت الملعونة: الله يسترني عن أعينهم فلا يرونني، ومَن رآني لا يجسر أن يُقبِل عليَّ، فإني في ذلك الوقت أكون فانيًا في الله، وهو يقاتل عني أعداءَه. فقال شركان: صدقتَ أيها الزاهد؛ لأني شاهدت ذلك، وإذا كنتَ تقدر أن تمضي أول الليل يكون ذلك أجود لنا. فقال: أنا أمضي في هذه الساعة، وإن كنتَ تريد أن تجيء معي ولا يراك أحد فقُمْ، وإن كان أخوك يذهب معنا أخذناه دون غيره، فإنَّ ظلَّ الوليِّ لا يستر غير اثنين. فقال شركان: أمَّا أنا فلا أترك أصحابي، ولكن إذا كان أخي يرضى بذلك فلا بأس حيث ذهب معك وخلص من هذا الضيق، فإنه هو حصن المسلمين وسيف رب العالمين، وإنْ شاء فَلْيأخذ معه الوزير دندان أو مَن يختار، ثم يرسل إلينا عشرة آلاف فارس إعانةً على هؤلاء اللئام. واتفقوا على هذا الحال، ثم إن العجوز قالت: أمهلوني حتى أذهب قبلكم، وأنظر حال الكفرة، هل هم نيام أو يقظانون؟ فقالوا: ما نخرج إلا معك، ونسلم أمرنا لله. فقالت: إذا طاوعتكم لا تلوموني ولوموا أنفسكم، فالرأي عندي أن تمهلوني حتى أكشف خبرهم. فقال شركان: امضِ إليهم ولا تبطئ علينا؛ لأننا ننتظرك. فعند ذلك خرجت ذات الدواهي، وكان شركان حدَّث أخاه بعد خروجهما، وقال: لولا أن هذا الزاهد صاحب كرامات ما قتل هذا البطريق الجبَّار، وفي هذا القدر كفاية في كرامة هذا الزاهد، وقد انكسرت شوكة الكفار بقتل هذا البطريق؛ لأنه كان جبَّارًا عنيدًا، وشيطانًا مريدًا.
فبينما هم يتحدثون في كرامات الزاهد، وإذا باللعينة ذات الدواهي قد دخلت عليهم، ووعدتهم بالنصر على الكفرة، فشكروا الزاهد على ذلك، ولم يعلموا أن هذا حيلة وخداع، ثم قالت اللعينة: أين ملك الزمان ضوء المكان؟ فأجابها بالتلبية، فقالت له: خذ معك وزيرك، وسِرْ خلفي حتى نذهب إلى القسطنطينية. وكانت ذات الدواهي قد أعلمت الكفار بالحيلة التي عملتها، ففرحوا بذلك غاية الفرح، وقالوا: ما يجبر خاطرنا إلا قتل ملكهم في نظير قتل البطريق؛ لأنه لم يكن عندنا أفرس منه. وقالت العجوز النحس ذات الدواهي حين أخبرتهم بأنها تذهب إليهم بملك المسلمين: إذا أتيتُ به نأخذه إلى الملك أفريدون. ثم إن العجوز ذات الدواهي توجَّهت وتوجَّهَ معها ضوء المكان والوزير دندان، وهي سابقة عليهما تقول لهما: سيروا على بركة الله تعالى. فأجاباها إلى قولها، ونفذ فيهما سهم القضاء والقدر، ولم تَزَلْ سائرةً بهما حتى توسَّطت بهما عسكر الروم، ووصلوا إلى الشعب المذكورة الضيقة، وعساكر الكفار ينظرون إليهم ولا يتعرضون لهم بسوء؛ لأن الملعونة أوصتهم بذلك. فلما نظر ضوء المكان والوزير دندان إلى عساكر الكفار، وعرفوا أن الكفار عاينوهم ولم يتعرَّضوا لهم، قال الوزير دندان: والله إن هذه كرامة من الزاهد، ولا شك أنه من الخواص. فقال ضوء المكان: والله ما أظن الكفار إلا عميانًا؛ لأننا نراهم وهم لا يروننا. فبينما هما في الثناء على الزاهد، وتعداد كراماته وزهده وعبادته، وإذا بالكفار قد هجموا عليهما، واحتاطوا بهما وقبضوا عليهما، وقالوا: هل معكما أحد غيركما فنقبض عليه؟ فقال الوزير دندان: أَمَا ترون هذا الرجلَ الآخَر الذي بين أيدينا؟ فقال لهم الكفار: وحق المسيح والرهبان والجاثليق والمطران إننا لم نَرَ أحدًا غيركما. فقال ضوء المكان: والله إن الذي حلَّ بنا عقوبة لنا من الله تعالى. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.