فلما كانت الليلة ٩٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عسكر المسلمين ملكوا باب المغارة، ووقفوا في طرفيه، وصاروا يدفعون الكفار عن الباب، وكلُّ مَن أراد أن يهجم عليه قتلوه، وصبروا على قتال الكفار إلى أن ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار، ولم يبقَ عند الملك شركان إلا خمسة وعشرون رجلًا لا غير، فقال الكفار لبعضهم: متى تنقضي هذه الأيام، فإننا قد تعبنا من قتال المسلمين. فقال بعضهم: قوموا نهجم عليهم، فإنه لم يبقَ منهم إلا خمسة وعشرون رجلًا، فإن لم نقدر عليهم نضرم عليهم النار، فإن انقادوا وسلَّموا أنفسهم إلينا أخذناهم أسارى، وإن أَبَوْا تركناهم حطبًا للنار حتى يصيروا عبرةً لأولي الأبصار، فلا رحم المسيح أباهم، ولا جعل مستقر النصارى مثواهم. ثم إنهم حملوا الحطب إلى باب المغارة، وأضرموا فيه النار، فأيقن شركان ومَن معه بالبوار، فبينما هم كذلك إذا بالبطريق الرئيس عليهم التفَتَ إلى المشير بقتلهم، وقال له: لا يكون قتلهم إلا عند الملك أفريدون لأجل أن يشفي غليله، فينبغي أننا نبقيهم عندنا أسارى، وفي غدٍ نسافر بهم إلى القسطنطينية، ونسلمهم إلى الملك أفريدون، فيفعل بهم ما يريد. فقالوا: هذا هو الرأي الصواب. ثم أمروا بتكتيفهم، وجعلوا عليهم حرَّاسًا.
فلما جنَّ الظلام اشتغل الكفار باللهو والطعام، ودعوا بالشراب، فشربوا حتى انقلب كلٌّ منهم على قفاه، وكان شركان وأخوه ضوء المكان مقيَّدين، وكذلك مَن معهم من الأبطال، فعند ذلك نظر شركان إلى أخيه وقال له: يا أخي كيف الخلاص؟ فقال ضوء المكان: والله لا أدري، وقد صرنا كالطير في الأقفاص. فاغتاظ شركان وتنهَّدَ من شدة غيظه؛ فانقطع الكتاف، فلما خلص من الوثاق قام إلى رئيس الحراس، وأخذ مفاتيح القيود من جيبه، وفكَّ ضوء المكان وفكَّ الوزير دندان، وفكَّ بقية العسكر، ثم التفت إلى أخيه ضوء المكان والوزير دندان، وقال: إني أريد أن أقتل من الحراس ثلاثة، ونأخذ ثيابهم ونلبسها نحن الثلاثة حتى نصير في زيِّ الروم، ونسير بينهم حتى لا يعرفوا أحدًا منَّا، ثم نتوجه إلى عسكرنا. فقال ضوء المكان: إن هذا الرأي غير صواب؛ لأننا إذا قتلناهم نخاف أن يسمع أحد شخيرهم، فينتبه إلينا الكفَّار فيقتلوننا، والرأي السديد أن نسير إلى خارج الشعب. فأجابوه إلى ذلك.
فلما صاروا بعيدًا عن الشعب بقليل رأوا خيلًا مربوطة، وأصحابها نائمون، فقال شركان لأخيه: ينبغي أن يأخذ كل واحد منَّا جوادًا من هذه الخيول. وكانوا خمسة وعشرين رجلًا، فأخذوا خمسة وعشرين جوادًا، وقد ألقى الله النومَ على الكفار لحكمة يعلمها، ثم إن شركان جعل يختلس من الكفار السلاحَ من السيوف والرماح حتى اكتفى، ثم ركبوا الخيل التي أخذوها وساروا، وكان في ظن الكفار أنه لا يقدر أحد على فكاك ضوء المكان وأخيه ومَن معهما من العساكر، وأنهم لا يقدرون على الهروب، فلما خلصوا جميعًا من الأسر، وصاروا في أمن من الكفار، التفَتَ إليهم شركان وقال لهم: لا تخافوا حيث سترنا الله، ولكن عندي رأي ولعله صواب. فقالوا: وما هو؟ قال: أريد أن تطلعوا فوق الجبل، وتكبِّروا كلكم تكبيرةً واحدةً، وتقولوا: لقد جاءتكم العساكر الإسلامية. ونصيح كلنا صيحة واحدة بقول: الله أكبر. فيفترق الجمع من ذلك، ولا يجدون لهم في هذا الوقت حيلة، فإنهم سكارى ويظنون أن عسكر المسلمين أحاطوا بهم من كل جانب، واختلطوا بهم، فيقعون ضربًا بالسيوف في بعضهم من دهشة السكر والنوم، فنقطعهم بسيوفهم ويدور السيف فيهم إلى الصباح. فقال ضوء المكان: إن هذا الرأي غير صواب، والصواب إننا نسير إلى عسكرنا ولا ننطق بكلمة؛ لأننا إن كبَّرنا تنبَّهوا لنا، ولحقونا فلم يسلم منَّا أحد. فقال شركان: والله لو تنبَّهوا لنا ما علينا بأس، وأشتهي أن توافقوني على هذا الرأي، وهو لا يكون إلا خيرًا. فأجابوه إلى ذلك، وطلعوا فوق الجبل، وصاحوا بالتكبير، فكبَّرَتْ معهم الجبال والأشجار والأحجار من خشية الله، فسمع الكفَّار ذلك التكبير، فصاح الكفار … وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.