السياحة السويسرية: كيف يُباع الثلج والهواء
كانت جميع المعطيات تشير إلى أن سويسرا لا تمتلك حظوظًا كبيرة تمكِّنها من تحقيق النجاح الاقتصادي المرجو؛ إذ لم تُغدِق عليها الطبيعةُ من خيراتها إلا القليل؛ فلا يوجد لديها نفْطٌ ولا فحمٌ ولا معادِنُ ثمينةٌ ولا ألماس، وأغلبُ أراضيها غيرُ صالحة للزراعة، كما أن جزءًا كبيرًا من البلاد تغطِّيه الثلوج طوالَ أشهرٍ عديدة في السنة؛ كان إذًا على سويسرا أن تسلك طريقًا وحيدًا لا غيرَ يُمكِّنها من تحقيق الازدهار، أَلَا وهو التعويل على مواردها البشرية بعدَ أن حُرِمَت من كرم الطبيعة.
***
غيرَ أن لهذه القاعدة استثناء، فلقد أغدقَتِ الطبيعة على سويسرا بالكثير من المناظر الطبيعية الخلَّابة التي استقطبَتْ في البداية المغامرين، ثم بعد ذلك الفضوليين من جميع أنحاء العالم، الذين أتَوْا لمشاهدة المناظر الرائعة التي تتميز بها الجبال السويسرية لتسحر لُبَّ الناظرين.
تُعتبَر ظاهرةُ تطوُّر القطاع السياحي في سويسرا ظاهرةً حديثة؛ لأن تطوُّرَ هذا المجال كان يستلزم وجودَ سيَّاح، وإيجاد السياح بأعدادٍ ضخمة لا يمكن أن يتوافر إلا في المجتمعات الصناعية، حيث تكون سُبُل الترفيه متاحة، ويكون دخْلُ الفرد مُلائِمًا، ووسائلُ النقل الجماعي متوافرةً وبأسعارٍ مناسبة. كما كان لا بد من توافُر عاملٍ آخَر في النموذج السويسري، وهو وجودُ سيَّاحٍ يُقدِّرون قيمةَ المناظر الطبيعية التي تتميز بها سويسرا ويَقْبلون الأوضاع السائدة فيها. لم يسبق في تاريخ الحضارة البشرية أن وُجِدَت مثل هذه السوق، أو كان من الممكن لها أن تُوجَد، غير أنه خلال القرنين الماضيين، كانت هناك تغيُّرات اقتصادية واجتماعية حصلت في البداية في بلدان الغرب المتقدم، لتتوسَّع بعد ذلك إلى جميعِ أنحاء العالَم، وأدَّت إلى قلب قواعد اللعبة وجعْلِ الأمورِ التي كانت غير واردة على مدى عدةِ أجيالٍ سابقةٍ ممكنةً ومتاحة. ومن مَحاسِن الصُّدَف أن سويسرا — إلى جانب مناظرها الطبيعية الخلَّابة — تتمتع بموقعٍ جغرافي استراتيجي بوجودها في قلب أوروبا الغربية التي يقطنها ٣٥٠ مليون نسمة، معظمهم من الأثرياء والميسورين.
وفي العصر الحديث، لا تحتاج سويسرا إلى الاعتماد كليًّا على تصدير أشياء مثل الساعات الفاخرة أو المهارات الخارقة في الأداء المالي، فهناك أناس مستعدون لدفع المال للقدوم إليها والتنزُّه على أراضيها.
السر يكمن في الجبال
تتميز الصورة الشعبية لسويسرا بوجود جبال الألب فيها، وهذه سلسلة جبلية كبيرة، تكوَّنت خلال الحِقْبة الوسطى عندما تلامسَتِ الطبقاتُ الأرضية الأفريقية والأوروبية وتدافعت منذ ما يقارب ٢٥٠ مليون سنة؛ مما أدى إلى بروزِ قممٍ مثل ماترهورن وينجفراو وإيجر، إلى جانب سلسلة من التلال والقمم الأقل عُلوًّا إلا أنها على جانبٍ كبير من الإثارة، وأصبحت هذه السلسلة بمثابةِ حدودٍ أرضية وثقافية تفصل الجنوبَ عن الشمال، والمناخَ البارد عن المناخِ الأكثر اعتدالًا، واللغاتِ اللاتينيةَ عن اللغات الأنجلوجرمانية، وهي تمثِّل أيضًا الخطَّ الحدودي الذي طالما فصَلَ بين الحضارات الأوروبية القديمة وحضارات القرون الوسطى، ولا يزال يفصل بين مراكز الجاذبية القديمة والجديدة في أوروبا.
إن تحوُّل سويسرا إلى وجهةٍ سياحية هو أمرٌ حديث نوعًا ما؛ إذ لم تكن جبال الألب فعلًا قبلةَ الأنظار، بل العكس هو الصحيح، هذا مع أن الأداءَ المالي لسويسرا والحرفيةَ والثقافةَ السياسية لها جذورٌ عريقة تمتدُّ على مدى قرون عديدة. ورغم أن سويسرا وقِمَمُها الشاهقة تستقطب اليومَ الملايين من الزوَّار، فإن مناظرها الطبيعية ظلت لقرونٍ عدة تُعتبَر مُمِلَّةً للغاية لدى العقول المتحضِّرة. كانت جبالُ الألب في البداية مجردَ حاجزٍ يجب عبوره عند الضرورة أو تفاديه إذا أمكن، ولم يكن من الوارد قطُّ أن تكون مكانًا تجدر زيارته. ومع أن فتْحَ هنيبعل لإيطاليا في عام ٢٠٠ قبل الميلاد — على رأسِ قواتٍ تمتطي الفِيَلةَ وتَعْبر سلسلة جبال الألب — يُعتبَر من بين الإنجازات الأكثر جرأةً في التاريخ العسكري؛ لم يكن من المألوف لدى عقليةِ العصور القديمة أن يُغامِرَ المرءُ باجتيازِ هذه الطبيعة القاسية. إلا أنه بين هذه الحِقْبة وتلك، التي رسم فيها ويليام تيرنر في عام ١٨١٢ رؤيتَه لمغامرة عبور جبال الألب، كانت قد حصلت تغيُّراتٌ جذرية، فمع مَجِيء الثورةُ الرومانسية في الثقافة الأوروبية في نهاية القرن الثامن عشر، تَحوَّلَ عزوفُ العقول الراقية وتخوُّفُها مما تتميَّز به جبالُ الألب من مناظِرَ طبيعيةٍ إلى وَلَعٍ بها وتعديدٍ لمَحاسِنها.
من اليأس إلى السمو والعظمة
حصل التغيير بشكلٍ مفاجئ جِدًّا، ففي عام ١٦٩٣ نشر جون دنيس — وهو إنجليزي الأصل — كتابًا لقيَ رواجًا كبيرًا، روى فيه قصةَ عبور جبال الألب في رحلةٍ عبر مَشاهِدَ وصفها الكاتب بأنها مزيج من الرعب واليأس في كثيرٍ من الأحيان، كانت تلك أحاسيسه لدى مشاهدة جبال الألب بصخورها العارية وقممها الشاهقة وثلوجها المتراكمة على مدار السنة، وفي هذه الحِقْبة من الزمن كان أفرادُ الطبقة المرموقة يتوقعون أن تكون ستائرُ عرباتهم مُسدَلةً كلَّما مروا ببلدٍ فيه طبيعةٌ جبلية؛ إذ كانت مشاهد الجبال وشلالات المياه مَناظِرَ تزعجهم جِدًّا.
بَيْدَ أن ظهور الثورة الثقافية في أواخر القرن الثامن عشر غيَّرَ كل المعطيات، فبدأ الكُتَّاب والفنانون الذين حدَّدوا مَعالِمَ الثورة الرومانسية يحتفون بما يُسَمَّى «السامي»، وباتت المناطق الجبلية الوعرة تُعتبَر وسيلةً من شأنها أن تسمو بالروح. وليس من قبيل الصدفة أن عددًا لا بأسَ به من الثوار المثقفين قد صبُّوا اهتمامهم على سويسرا، فعلى سبيل المثال، كان اللورد بايرون وشيلي وماري جودوين مؤلِّفة رواية فرانكنشتاين مقيمَيْن في جنيف في عام ١٨١٦، كما أن فنانين آخرين مثل جاسبار دافيد فريديريك وتيرنر كانا قد تجوَّلا عبر كافة أنحاء سويسرا في العقد الأول من القرن التاسع عشر، وقد هيَّأ مثل هؤلاء الفنانين والمثقفين الظروفَ الثقافية التي جعلت لاحقًا من طبيعة سويسرا الجغرافية عنصرًا أساسيًّا في مخيلة الأوروبيين، حتى أصبحت سويسرا شبه هاجس يمثِّل رمزًا للصفات الأخلاقية أو حتى العلاجية، وفي ذات السياق حارَبَ شيرلوك هولمز عدوَّه موريارتي حتى الموت فوق شلالات رايخِنباخ في منطقة بيرنر أوبرلند، واختِيرَتْ جبالُ الألب السويسرية في القرن التاسع عشر خلفيةً مثالية لتصويرِ لقطاتِ انتصارِ الخير على الشر.
السياحة تتطلب سيَّاحًا
كان لا بد من إحداث تغييرات اقتصادية من أجل أن يزدهر قطاع السياحة ازدهارًا فعليًّا. كان الجزء الأكبر من سكان أوروبا في القرون الوسطى يعيش حياةً رتيبة إلى حدٍّ كبير، وكان الناس مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالأرض ويعيشون على إيقاع المواسم الزراعية، ولم يكن مفهوم الترفيه وتقضية الأوقات الممتعة في الاستجمام سائدًا في تلك الفترة لدى معظم الناس، بل كانت الحياةُ حياةَ عملٍ دَءُوبٍ مشترك تتخلَّله بعضُ أوقات الترفيه التي تحكمها الاحتفالاتُ الدينية والاجتماعية، وبقيَ نمطُ الحياة هذا على حاله حتى حلول القرن الثامن عشر عندما تتالت الثورات، بدايةً في مجال الزراعة، ومِنْ ثَمَّ في مجال الصناعة، لتُعيد رسْمَ مسارِ حياةِ البشر؛ فحلَّت المدن والبلدان محلَّ المجتمعات الريفية، وأصبح الأفرادُ يفصلون بين أوقات العمل وأوقات الترفيه، وبدأت سوقٌ جديدة للسفر بصفته وسيلةَ ترفيهٍ ترى النور، وعلى الرغم من أن السفر بين بلدان أوروبا في بداية القرن التاسع عشر بقيَ مغامرةً تحفُّها المَخاطِر، فإنه مع حلول منتصف القرن نفسه، أصبح التنقُّلُ سريعًا ومنظَّمًا وبأسعارٍ معقولة؛ ومن هنا بدأ عصر السياحة الحديثة.
كانت سويسرا من أوائل البلدان المستفيدة من تزايُدِ وتيرةِ الطلب على الرحلات والسفر، فقد كانت قادرةً على تلبية الطلبات المستمرة لأعداد كبيرة من السياح بتوفيرِ شيءٍ مختلِفٍ استثنائيٍّ ومثير يُمكِّن المسافرين من الاستمتاعِ برحلتهم في ظروف جيدة وكلهم ثقة بأن النُّزُل سيكون مِضْيافًا والسرير مُرِيحًا، وأن الطعام سيكون ذا طابعٍ خاص، وكلُّ هذا بأسعارٍ معقولة، وتبقى تلبيةُ هذه التوقعات حتى يومِنا هذا شغلَ سويسرا الشاغل.
مخاطر الطريق
في البداية لم تَكُن سويسرا وجهةً تُقصَد، بل مُجرَّد طريق يسلكه قادة الإمبراطورية للوصول إلى شمال أوروبا، فلما كانت الإمبراطورية الرومانية تبسط نفوذها على ما يُسَمَّى الآن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كانت مدن سويسرا مثل زيورخ وبازل وجنيف وسانت جالن بمثابة محطاتٍ قائمةٍ في منتصف الطريق التي تربط أحواضَ وسط إيطاليا الخصبة بأوروبا الشمالية، التي كانت تعاني آنذاك نقصًا في الغذاء. فالسفر كان شاقًّا في تلك الفترة، وكان من النادر أن يجازف المرء بالتعرض لمخاطر الطريق فقط من أجل المتعة، وبقيَ الحال كذلك حتى العصور الوسطى عندما كان الناس لا يسافرون إلا لحاجةٍ ماسَّة. ولكن بالطبع كانت هناك بعضُ الاستثناءات، إلا أنها لا يمكن أن تُقارَن بالمفهوم الحديث للسياحة، مثل بعض المنتجات الطبية كبادن ولوكرباد اللذين أُنْشِئَا في العصور الوسطى، وبعض مراكز التعليم مثل جامعة بازل التي كانت تستقطب الأجانبَ المتعطشين للمعرفة، وفنادق متواضعة في ممرات جبال الألب مثل سانت جوتارد وسِمبلون التي كانت توفر للمسافرين أكواخًا متواضِعةً يلجئون إليها. وفي الواقع، كان السويسريون في العصور الوسطى معروفين بكفاءتهم العسكرية أكثرَ من كونهم معروفين بحُسْن ضيافتهم، وكان الرومان يكنُّون لهم الاحترامَ بصفتهم مقاتلين أشداء، وقد كتب عنهم تاسيتيس في عام ٨٠ بعد الميلاد: «إن التخلي عن درعك يُعَد في ثقافتهم جريمة وضيعة.» وحتى مجيء الثورة الصناعية كانت القوة العسكرية أكثرَ الصادرات السويسرية ربحًا، وظلَّ الجنود السويسريون — على مر التاريخ الأوروبي خلال العصور الوسطى — مطلوبين كثيرًا للعمل مرتزقةً لحساب الملوك والطغاة، وحتى اليومِ ما زال جنودٌ سويسريون يعملون حرَّاسًا للبابا في الفاتيكان.
السيَّاح الأوائل في سويسرا كانوا من الإنجليز
كان توماس كوك، وهو أولُ متعهِّدِ رحلاتٍ من أصول بريطانية، قد روَّجَ لأول رحلةٍ سياحية منظمة إلى سويسرا في عام ١٨٦٣؛ مما جعل بعض السويسريين يدركون أن السياحة تجارةٌ مُربِحة ومنتظمة، وسوَّقَ كوك لرحلاته بالعبارات التالية: «رحلات دراسية» و«مغامرات آمنة»، وفي حقيقة الأمر لم تكن هذه الرحلات خالية تمامًا من المخاطر، فقد كانت أولى هذه الرحلات في ربوع سويسرا مرهقةً، حتى إن بعض السياح تخلَّوْا عن مواصلة رحلاتهم، إمَّا بسبب الخوف وإما بسبب الإرهاق، إلا أن سويسرا واصلت استقطابَ المغامرين الجريئين، كما عمل المُضيفون المحليون على تعويض ضيوفهم عن النقص الموجود في البنية التحتية بفضل قدرتهم على الارتجال لإيجاد الحلول، والاعتماد على ثقةٍ بالنفس لا حدودَ لها، وكان أغلب هؤلاء المُضيفين من المزارعين الذين اتخذوا من السياحة مهنةً ثانوية توفِّر لهم دخلًا إضافيًّا كما فعل غيرهم في مجالَيْ صناعةِ الساعات والنسيج، وكان هؤلاء يعملون من أجل تحقيقِ مكاسبَ هامشيةٍ دون أن يخسروا شيئًا في المقابل، على عكس نظرائهم في أماكن أخرى في أوروبا الذين لم يخطر ببالهم قطُّ السعْيُ إلى تحقيقِ حياةٍ أفضل، وهذا الوضعُ جعَلَ من العَمالة قطاعًا مَرِنًا؛ نظرًا لأن مواسم الزراعة ومواسم السياحة يُكمِل بعضُها بعضًا؛ ومن ثَمَّ تؤدي إلى خفض التكاليف. وحتى عام ١٩١٤ وما بعده، كان العديد من أفراد الأُسَر السويسرية يعملون في الوقت نفسه في جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية الثلاثة، وهي: تربية المواشي، والصناعات اليدوية، والسياحة، وكان هذا المزيج من المرونة ونمط العيش الحديث هو السمة الرئيسية لرواد القرن التاسع عشر في سويسرا.
قمم الموت
أصبحت التحديات التي تفرضها جبال الألب على كلِّ مَن أراد أن يغامر فيها مصدرَ إعجابٍ في حدِّ ذاتها، ففي عام ١٧٨٦ تَسلَّقَ جاك بلمات وميشال باكارد قمةَ جبل مون بلان (وهو أول تسلُّقٍ سُجِّلَ على هذا الجبل)، وفي عام ١٨١١ كان الأخَوَان يوهان رودولف وهيرونيموس ماير أولَ مَن تَسلَّقَ جبل يونجفراو، وفي عام ١٨٤٧ جرت أولى المحاولات لبلوغ قمة جبل دوفور، وبعد ذلك بثلاث سنوات استطاع مصوِّرٌ فوتوغرافي من خور اسمه يوهان كواز وعمره ٢٨ عامًا — مصحوبًا بمساعدَيْه الأخَوَيْن جون ولورانز راجو تشارنر — الوصولَ إلى قمةِ بيز برنينا لأول مرة، وكانت قمة ماتر هورن آخر القمم الشاهقة التي تُسلِّقَتْ، وحصل ذلك في عام ١٨٦٥ خلال بعثةٍ على رأسها مستكشِف بريطاني يُدْعَى إدوارد ويمبر الذي تَمكَّنَ من بلوغ تلك القمة الشامخة في محاولته العاشرة.
اختراع رياضة التزلج
إن تسلق الجبال لم يكن أهم الأنشطة التي أرسَتْ أُسسَ القطاع السياحي السويسري على مدار السنة، بل كان التزلُّج أهمَّها أو بالأحرى الطريقة المعينة التي اخترعتها الأرستقراطية البريطانية في ستينيات القرن التاسع عشر.
قبل ظهور ما يُعرَف الآن بالتزلج، كانت هناك لعبة التزحلق، وحتى عام ١٨٦٤ كانت سانت موريتز حصريًّا منتجعًا صيفيًّا، لكن من المرجح أن الحال قد تغيَّر إثرَ الرهان المزعوم الذي عقده يوهانس بادروت صاحب فندق كولم الفخم في سانت موريتز مع أربعة من ضيوفه في فصل الصيف، وكان الرهان أن يأتوا إلى النُّزُل خلال فصل الشتاء، وإذا لم يستمتعوا بأوقاتهم فسيدفع لهم كلَّ نفقات سفرتهم؛ أتى الضيوف في فصل الشتاء حسب الاتفاق، وكانت الثلوج بلا شك وفيرةً في الموعد، ولتمضية الوقت أخذوا أطباقَ الفضة من غرفة الطعام وتزحلقوا عليها حتى أسفل المنحدر أمام فندق كولم، وهكذا كانت ولادة رياضة الزلاجات «كريستا رَن» الشهيرة.
مزيج من السرعة والخوف وصيحات الموضة
من محاسن الصُّدَف، كان طقس فصل الشتاء ذلك العام رائعًا، وعاد الزوار إلى المملكة المتحدة في منتهى السعادة ليقصُّوا على الجميع أطوارَ تجربتهم الرائعة، وهكذا لم تَعُد سانت موريتز كما كانت؛ إذ أصبح لها صيت، وصارت في وقت قصير وجهةً يقصدها ذوو الثروة والجمال والذوق الرفيع لممارسة الألعاب الشتوية، وكان لرياضة الزلاجات «كريستا رَن» شأنٌ كبير في هذا النجاح، فلا شيء يماثل نفحةً من نشوةِ السرعة وتحدِّي الخطر لاستقطاب جمهورٍ من ذوي الذوق الرفيع، وعلى طول الطريق المنحدرة من سانت موريتز وصولًا إلى قرية سالرينا ينزلق المتسابقون على زلاجات معدنية صغيرة (وهي زلاجاتُ سباقٍ لا توجد فيها آلةٌ للتوجيه ولا فرامل)، واضعين رءوسهم نحو الأمام ولا يفصل بين وجوههم والثلج الصلب سوى بضعة سنتيمترات. يعادل ممرُّ التزحلقِ طولَ عمارة تتكوَّن من خمسين طابقًا، وتتخلله عشرة منعطفات صغيرة يتعرض فيها المتسابقون إلى ٤ أضعاف الجاذبية الطبيعية (على سبيل المقارنة، فإن قوة مكوك الفضاء لحظةَ الإقلاع أو الهبوط لا تزيد عن ثلاثة أضعاف الجاذبية الطبيعية). وكانت وسائل الحماية تقتصر على خوذة رأس وبعض طبقات القطن صُمِّمت قبل أكثر من قرن تُرْبَط على المرفقين والركبتين.
ويفسر هذا المزيج من نمط الحياة المميز والتقاليد العريقة والسرعة المخيفة سببَ بقاءِ كريستا كلوب طوال ١٥٠ عامًا وجهةَ الترفيه الشتوية للأغنياء والمشاهير، ومنهم إيرول فلين وجون كينيدي وجياني أنيللي، إلَّا أن سانت موريتز لا تتلخَّص في منحدرِ التزلج «كريستا رَن»، فهذه المدينة الصغيرة كانت مُبدعةً في الترويج للألعاب الرياضية الشتوية الجديدة، ومن بينها أول مباراة للعب الكيرلنج في قارة أوروبا في عام ١٨٨٠، وأول بطولة أوروبية للتزحلق على الجليد في عام ١٨٨٢، وأول مباراة لهوكي الجليد على الأراضي السويسرية في عام ١٨٨٨، كما شهد عام ١٩٢٨ في سانت موريتز قبول التزحلق على الجليد لأول مرةٍ بصفتها رياضةً أولمبية خلال دورة الألعاب الأولمية الشتوية؛ ممَّا ساهَمَ كثيرًا في زيادةِ شعبيةِ الألعاب الشتوية. ولكن كان لا بد من انتظار فترةِ ما بعد الحرب العالمية الثانية ليصبح فصلُ الشتاء الموسمَ السياحي الرئيسي في جبال الألب، ولكي يذيع صيتُ مواقعِ التزلج مثل جيشتاد وزير مات ودافوس، لتكتسب أسماءَها المتميزة المعاصرة. كانت سانت موريتز أكبرَ المراكز المستفيدة من هذه النزعة، حتى إن العديد من السياح كانوا يعتبرون سويسرا مجردَ بلدٍ صغير مريح يحيط بسانت موريتز.
كان العمل على تنظيم وسائل التسلية في الجبال في القرن التاسع عشر عملًا يتطلب طاقةً شخصية كبيرة وجهودًا جبَّارةً لدرْءِ المخاطر التي يمكن أن تنجم عنها، ولكي يصبح هذا المجال قادرًا على استيعاب أعدادٍ كبيرة من السياح، كان لا بد من تحقيقِ قفزةٍ هائلة إلى الأمام، وكان يجب الانتظار حتى يتوصل المهندسون السويسريون إلى إيجاد طريقة لإيصال السياح إلى القمم وإعادتهم بأمانٍ لتصبح السياحةُ فعلًا قطاعًا قائمًا بذاته.
تذكرة لبلوغ القمة
في عام ١٨٠٥ افتُتِحَ أول طريق في ممر سِمبلون ليكون أول الممرات الجبلية العالية التي يمكن عبورها في جبال الألب، ثم في عام ١٨٢٣ بدأت عربات البريد في التوغُّل عبر ممرات سانت بيرناردينو وسبلوجن، وابتداءً من عام ١٨٣٨ ربَطَ بينَ مدينة بازل ومدينة بيرن يوميًّا خطُّ بريدٍ سريع يُسَمَّى «آيل فاجن»، الذي أصبحت له شعبيةٌ بين السيَّاح القادمين إلى منطقة بيرنر أوبرلند. وفي عام ١٨٤٢ عبَرَ أولُ خطِّ بريدٍ ممرَّ سانت جوتارد، وبعد مرور ٣٠ عامًا بالضبط بدأت الأشغال لحفْرِ نفقِ سككٍ حديدية طوله ١٥ كيلومترًا لتنتهي بذلك بعثاتُ عربات البريد، وافتُتِحَ النفق الذي كان أطولَ نفقٍ في العالم آنذاك في ١ يونيو ١٨٨٢، وبعد ٣٥ عامًا فقط دُشِّنَ أولُ خطٍّ للسكك الحديدية السويسرية يربط بين بادن وزيورخ.
أمَّا الابتكار التكنولوجي الحاسم، فقد تمثَّلَ في اختراع آلية جديدة من شأنها أن تمكِّن القطارات من تسلُّق المرتفعات السويسرية الحادة؛ ففي عام ١٨٧١ باشَرَ المهندس السويسري نيكلاوس ريجنباخ صناعةَ أولِ قطارٍ يعمل بالعجلات المعدنية المسنَّنة في أوروبا، أُطْلِقَ عليه اسم قطار «فيتسناو-ريجي» على جبل ريجي، وكانت هذه التكنولوجية مماثلةً لتلك التي استُعْمِلَت في صناعة قطار ماونت واشنطن في الولايات المتحدة، وكان باستطاعة تلك القطارات أن تصعد المرتفعات الحادة؛ لأنها مُجهَّزة بتروس تتشابك مع خطِّ السكك الحديدية وتمنع بذلك القطار من الانزلاق إلى الوراء، وكان الخط الرابط بين فيتسناو وريجي يمتدُّ على طول ٥ كيلومترات مع ارتفاع إجمالي يبلغ ١١١٥ مترًا وبانحدارٍ يصل إلى ٢٥ درجة.
وفي عام ١٨٨٨ أُضيف إلى خطِّ ريجي خطُّ برونيج الرابطُ بين ألبناخ شتاد وبرينر، الذي يصل وسط سويسرا بمنطقة بيرنر أوبرلند، وخلال وقت قصير كانت جميع خطوط السكك الحديدية الجبلية الموجودة حاليًّا قد بُنِيَت، ومنها سكة الحديد في بيلاتوس على أكثر المنحدرات حدةً في العالم. وفي عام ١٨٩٦ بدأ العمل على ما يُعَدُّ مفخرةَ المهارات الهندسية السويسرية، وهو خط السكك الحديدية الذي يمتد من كلاين شايد إج إلى قمة جبل يونجفراو، وقد أُنجِزَ في عام ١٩١٢ تزامُنًا مع افتتاحِ أعلى محطة أوروبية للسكك الحديدية في يونجفراو يوخ، على ارتفاعٍ أقلَّ بقليلٍ من القمة الشامخة.
موهبة توفير وسائل الترف
في عام ١٨٩٥ صدر في بريطانيا دليل سياحي — بعنوان «موسمان سياحيان في سويسرا» — يُعدِّد محاسن ومسرَّات فصل الشتاء في جبال الألب، وكان نجاحه دليلًا على أن سويسرا تُؤسِّس لنفسها بسرعةٍ مكانةً رائدة في عالَم السياحة. كانت الفنادق تنبت كالفطر، وأحيانًا دونَ مراعاةٍ للجودة، وبحلول عام ١٩١٢ كانت طاقةُ استيعابِ هذه الفنادق قد بلغت ٢١١ ألف سرير، وعلى سبيل المثال لا الحصر: اليومَ بعد مرور ١٠٠ عامٍ، لم يتجاوز هذا العدد ٢٧٤ ألف سرير، وكما هو متوقَّع في المجتمعات الريفية، كانت أغلبية الفنادق قد بنَتْها وتُدِيرها عائلاتٌ يتوارثها أفرادُها جيلًا بعد جيل، ولم يكن مديروها من المختصين، بل كان أولُ أفراد العائلة تفرُّغًا هو مَن يأخذ على عاتقه إدارةَ النُّزُل بما لديه من حُسْنِ أو سوءِ تقدير، إلا أن ثقافة الضيافة بإيجابها وسلبها بقيت شخصية للغاية.
وبالرغم من أن الشعب السويسري شعب مقتصد بطبعه، إلا أنه أيضًا شعب يتقن فنونَ التجارة، ومن المفارقات المثيرة للاهتمام أن بلدًا معروفًا بحبه للاقتصاد في النفقات قد شيَّدَ بعضًا من أكثر الفنادق تَرَفًا مثل بوريفاج في مدينة لوزان، ودولدَر في زيورخ، وبالاس في سانت موريتز، ولقد بُنِي معظم هذه الفنادق الكبيرة بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وغالبًا ما كان ذلك بفضل حُسْن بصيرة أبناء أصحاب الفنادق الصغيرة الذين تجرَّءُوا على خوْضِ المغامرة وتعدَّوْا حدودَ نظرةِ آبائهم الضيقة.
قرب نهاية القرن التاسع عشر عرفت الضفة الشمالية لبحيرة جنيف قفزةً نوعية في تطوير الفنادق، ففي عام ١٨٣٥ كانت مدينة مونترو لا تمتلك غير فندقَيْن متواضعَيْن، ولكن مع مطلع القرن العشرين، باتَتْ تفخر ﺑ ٧٤ فندقًا تحتوي على ٥٠٠٠ سرير، أمَّا في لوتسرن، فقد بُنِيَ على ضفاف البحيرة منتزهٌ ضخمٌ بين عامَيْ ١٨٣٣ و١٨٥٤، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى اصطفَّت فيه الفنادق الفاخرة واحدًا تلو الآخر، مثل تيفولي وشفايزرهوف وناشيونال وبالاس، كما حدثت تطورات مماثلة حول بحيرة فيرفالدشتيترسيه، وبحيرة لوغانو حيث توجد ضفاف توفِّر مكانًا مثاليًّا لإقامة العديد من الفنادق.
إمبراطورية السيد بوخر
سويسرا بلد صغير، وصعوبة التجول في طبيعته الوعرة تسكن في شرايين السويسريين، مما جعل منهم مُصدِّرين من الدرجة الأولى، وبحكم أن الطبيعة تعزلهم عن العالم الواسع، أصبح من طبعهم البحث عن آفاقٍ أوسع، وهكذا أصبحت أنظارُ أصحاب الفنادق السويسرية تتعدَّى حدودَ البلد الضيقة بغيةَ تصديرِ خبراتها. كان فرانس جوزيف بوخر، أحدُ أكبر رجال الأعمال في القرن التاسع عشر من أوبفالدن (أحد أول الكنتونات في الفيدرالية السويسرية)، قد أسَّسَ بصحبة شريكه روبرت دورَر إمبراطوريةً من الفنادق تمتد من بلدته سارنين مرورًا بإيطاليا البلد المجاور، وصولًا إلى مصر، وقد تضمنت هذه الإمبراطورية في نهاية المطاف أكثر من عشرة فنادق فاخرة سُمِّي أغلبها «بالاس»، لقد أدرك رجل الأعمال بوخر أن عليه الاستثمار على نطاق واسع، ليس فقط في بناء الفنادق بل أيضًا في البنية التحتية التابعة لها، ولهذا السبب عندما أنشأ مشروعًا سكنيًّا ومنتجعًا صحيًّا على هضبة بورجنستوك على المرتفعات المحيطة ببحيرة فيرفالدشتيترسيه، حرص على إقامةِ طريقٍ وسكةِ حديدٍ يؤديان إلى المكان، كما بنى برج هاميتشفاند الذي يُعتبَر حتى الآن أعلى برجٍ بمصعد في أوروبا. كان بوخر رائدًا في هذا المجال، لكن سريعًا ما حذا حذْوَه رجلٌ آخَر أصبح اسمه عنوانًا للفخامة العالية والخدمات المميزة وهو سيزار ريتز.
مؤسس فنادق ريتز
«أنت مدير فنادق الملوك، وملك مديري الفنادق.» قيل إن هذه العبارة وردت على لسان مَلِكِ إنجلترا إدوارد السابع مخاطبًا بها ريتز. وُلِدَ ريتز في قرية نيدرفالد في كانتون فاليس من أبٍ مزارع، وكان أصغر أبناء عائلته الثلاثة عشر، وكانت بداية مسيرته المهنية في مجال الخدمات متعثِّرة إلى حدٍّ بعيد، فقد طُرِدَ خلال فترة التدريب من نُزُل كورون وبوست في مدينة بريج في عام ١٨٦٥، ولكن ذلك لم يكن ليَثْنِيه عن عزمه؛ إذ إنه حاوَلَ من جديدٍ — وخلال سبع سنوات — شقَّ طريقه بثباتٍ ليحصل على وظيفةٍ عليا في سبلنديد؛ أحدِ فنادق باريس الفاخرة، ثم أدار فنادقَ فخمةً في لوتسرن وموناكو، وبعدها فتح مطعمًا بصحبة الطباخ الفرنسي الكبير أوجوست إسكوفير في المنتجع الألماني المرموق بادن-بادن.
ولكن سرعان ما دُعِيَ الرجلان من طرف ريتشارد دوللي كارت لإدارة فندق سافوي بلندن، وخلال وقت قصير جعلا منه فندقًا من أرفع طراز في كل المدينة. وفي عام ١٨٩٨ افتتح ريتز أولَ فندقٍ يحمل اسمه الشخصي في ساحة فاندوم الشهيرة في باريس، ومنذ ذلك الحين لم يَعُدْ هناك شيءٌ يستطيع الوقوفَ في طريقه، وما زال اسم ريتز حتى الآن عنوانًا لحياة الترف والفخامة، كما أصبحت فنادق رئيسية مثل فندق ريتز في لندن مثالًا يحتذي به المشرفون على مجال فن إدارة الفنادق. كان لريتز حسٌّ طبيعي لما يحتاجه زبائنه، فقد كان يسجِّل طلبات زبائنه المرموقين الخاصة، وما ينقصهم أثناء إقامتهم، ثم يفاجئهم لاحقًا بتأمين طلباتهم الفردية ليثبت لهم أنه لم يَنْسَهم، واضِعًا بذلك أُسُسَ ولاءٍ لا يُقدَّر بثمن. كان ريتز بعيدَ الرؤية متقنًا ومخلصًا في عمله، وكلما خسر أحد الفنادق الفاخرة — أيًّا كان موقعه — صيتَه، دُعِي ريتز ليُعِيد له توازُنَه مثلما كان الشأن بالنسبة إلى فندق ناسيونال في لوتسرن.
ثمن التميُّز
ومع حلول مطلع القرن العشرين كان ريتز يدير تقريبًا عشرةَ فنادق ومطاعم فاخرة في الآن نفسه، وكان يسافر بلا توقُّفٍ في جميع أنحاء أوروبا مُصِرًّا على الإتقان في كل ما يقوم به. وفي عمر ٥٢ عامًا، وبسبب إدمانه على العمل وحبه للإتقان، ألمَّ به فجأةً مرضٌ جسدي ونفسي اضطره إلى التخلي عن مهنته وموهبته كليًّا، وتُوفِّي بعد مرور ١٦ عامًا.
هناك اليومَ ٧٨ فندقًا من فنادق ريتز مُوزَّعة في ٢٣ بلدًا في جميع أنحاء العالَم، من أوروبا إلى أمريكا وصولًا إلى آسيا والشرق الأوسط، ولا تزال العلامةُ تنشد تحقيقَ الأفضل دائمًا في مجال الخدمات الفندقية الفاخرة. لقد أحدث ريتز تغييرًا جذريًّا في قطاع الخدمات الفندقية، ووضع معايير لم يسبق لها مثيل، وبذلك ساهَمَ إلى حدٍّ كبيرٍ في إرساء صورة سويسرا بصفتها مركزًا للتميُّز في مجال الخدمات الفندقية. وليست المدرسة العليا لإدارة الفنادق في لوزان — التي فتحت أبوابها في عام ١٨٩٣ — إلا دليلًا على هذا النجاح، ويُعَد قطاع تصدير اليد العاملة المتخصصة في مجال الخدمات الفندقية من أنجح الصادرات السويسرية. وتُعتبر المدرسة المذكورة — إلى جانب مدرسة كورنيل للإدارة الفندقية في نيويورك — أرقى المؤسسات التربوية للراغبين بالعمل في هذا المجال، كما أن هناك ٢٥ ألفًا من المديرين التنفيذيين الذين تَخرَّجوا من هاتين المدرستين، والنتيجة الآن هي أن العديد من الفنادق الكبرى والسلاسل الفندقية يُدِيرها أشخاصٌ سويسريون.
بيتر بوزر (متخرج في ١٩٧٥) | مدير التشغيل في مجموعة فنادق بنينسولا. |
فرانسوا دوسار (متخرج في ١٩٩٠) | مدير عام فندق بوريفاج في لوزان. |
رولان فاسيل (متخرج في ١٩٨٤) | المدير العام والمدير الإقليمي لفندق دورشيستر. |
أندرياس متمول (متخرج في ١٩٧٩) | نائب رئيس فنادق موفنبيك ومنتجعاتها في الشرق الأوسط وآسيا. |
توماس ماير (متخرج في ١٩٩٥) | نائب رئيس عمليات في فنادق رافلز ومنتجعاتها. |
فيليب موزيمان (متخرج في ٢٠٠٠) | مدير عام فندق موزيمان في لندن. |
كورت فاختفايتل (متخرج في ١٩٦١) | مدير عام سابق لفندق مندارين أوريينتال في بانكوك. |
ريتو فيتفر (متخرج في ١٩٧٠) | الرئيس والمدير التنفيذي في مجموعة فنادق كمبينسكي ومنتجعاتها. |
بداية الرحلات السياحية المتكاملة
لم يكن ريتز الوحيد الذي أبدَعَ في هذا المجال، فهناك مثالٌ مهم آخَر يجسِّد النجاحَ السويسري الذي يجمع بين الخبرة في المجال السياحي والابتكار اللوجستي، وهو ألفريد كوروني المولود عام ١٨٧٤، الذي أنشأ — إثر مدة إقامته في المملكة المتحدة في مطلع القرن — وكالةَ سفرٍ محلية متواضعة في زيورخ، متأثِّرًا بما شهده من إدارة للرحلات السياحية هناك. كانت الوكالة تنظِّم رحلاتٍ في فترةِ ما بعد الظهر لزيارة المناطق المحيطة بزيورخ، وكان كووني رائدًا لفكرة تسويق الأسفار الكاملة الترتيبات في سويسرا، والتي أصبحت في نهاية المطاف معروفةً بالرحلات المنظمة، وفي زيورخ كان هناك وكالتان تعملان في نفس المجال، وهما مايس وشركاؤه وفرع تابع لوكالة توماس كوك.
لقد بدأ كووني من الصفر إذ كان يعمل في نفس المكتب الذي شغله إخوته لإدارة شركن شحن، وبالرغم من عدم اقتناع إخوته بفكرته، إلا أنهم تركوه يواصل ما بدأه. خطرت ببال كووني فكرةُ تنظيمِ رحلةٍ جماعية إلى منتزه دولدَر بمبلغ فرنك واحد للفرد، وكانت الوجهة لا تبعد إلا مسافة قصيرة عن مكتبه، وكانت الوجهة الثانية التي اقترحها على زبائنه غير بعيدة أيضًا، وهي رحلة بالسكة الحديدية الرائعة إلى قمة تلة يوتليبيرج الواقعة عند طرف المدينة.
إلا أن كووني كان على قاب قوسين من الإفلاس؛ إذ إنه لم يحقِّق أرباحًا في العام الأوَّل سوى مبلغ ٢٥٠٠ فرنك سويسري، وفي العام التالي ١٩٠٧، بالكاد بلغت دخوله ٦٣٠٠ فرنك، إلا أن الحال تغيَّر تمامًا بعد أن باع كووني لأول مرة أسفارًا إلى خارج البلاد، فقد أدرك سريعًا أن الأرباح يُمكن أن تتحقق من خلال الرحلات المنظمة التي يجب أن تكون معقَّدة وطموحة، وعلى سبيل المثال، قام بتنظيم رحلات جماعية بالقطار إلى مدن ليون ومرسيليا ونيس ومونتي كارلو وجنوا وميلان مع زيارة خاصَّة لحضورِ عرضِ مصارعةِ الثيران في مدينة نيم، ومن بين أبرز إنجازات كووني رحلةٌ استكشافية إلى شلالات النيل كانت تكلفتها آنذاك ٢٧٥٠ فرنك سويسري؛ أيْ ما كان يعادل أجرَ عاملٍ عادي لمدة عامين تقريبًا.
فن التفرُّد
لقد تعمَّدَ كووني إنشاءَ مؤسسةٍ لتنظيم رحلات راقية تكون الأولى من نوعها، وتُقدَّم للزبائن الأثرياء الذين يقدِّرون قيمةَ العناية الشخصية، وجاءت في كُتَيِّب الترويج لرحلاته العباراتُ التالية: «جميع التسهيلات لأسفارٍ مريحة آمنة ومُربحة.» ويبدو أنه بذلك قد وجد العبارة السحرية؛ ففي تلك الفترة، كان أغلب الذين يسافرون إلى الخارج يملكون ما يكفي من المال لتحمُّل نفقات تلك الأسفار.
كاد اندلاع الحرب العالمية الأولى بين عامَيْ ١٩١٤ و١٩١٨ أن يدمِّر كووني للمرة الثانية، إلا أنه تَسلَّحَ بالصبر واستطاع خلال الأعوام التالية أن يوسِّع نشاطه بفتح وكالات سفر في جميع أنحاء سويسرا. أدرك كووني بسرعة أن السوق السويسرية غير كافية لتحقيق أحلامه المستقبلية، وقُبَيْل انتهاء الحرب العالمية الثانية، فتح أولَ فرعٍ لشركته في الخارج في مدينة نيس. تُوفِّيَ كووني في عام ١٩٤٣، وبمجرد انتهاء الحرب بدأت أحلام مؤسِّس شركة كووني تتحوَّل إلى حقيقةٍ على أرض الواقع؛ ففي عام ١٩٤٨ افتُتِحَ العديد من الفروع في فرنسا وإيطاليا، وكان الطلب المتزايد على الرحلات المثيرة قد دفع الشركةَ إلى الاتجاهِ نحو أفريقيا؛ حيث حطَّتْ طائرةُ أولى الرحلات الخاصة بكووني في عام ١٩٥٧، وبعد ذلك خاضت مؤسسةُ كووني مغامرةَ الشرق الأقصى في عام ١٩٦٣ بفتح فرعٍ في اليابان، وبعد عامين دخلت السوق البريطانية بعد أن اشترت شركةَ شاليس وبينسون التي سُمِّيت شركة كووني للسفر ابتداءً من عام ١٩٧٠.
كسر حاجز المليار فرنك
بعد إدراجها في سوق الأوراق المالية السويسرية في عام ١٩٧٢، أصبحت مؤسسة كووني تملك الموارد الرأسمالية اللازمة لتحقيق رغبتها في التوسع، ففتحت فروعًا في أستراليا وألمانيا وإسبانيا واليونان، كما قامت بشراء وكالات سفر أخرى، وطُوِّرت منتجاتٌ جديدة مثل الرحلة الأولى حول العالَم، ورحلة خاصة بطائرة الكونكورد، واشترت كووني أيضًا سلسلةً من فنادق الدرجة الأولى في أكثر المنتجعات شعبيةً، وأُطلِقت العلامة «هيلفتيك تورز» التي أصبحت متخصصة في الرحلات ذات القيمة العالية بأسعار منخفضة. وفي عام ١٩٨١، كسرت مبيعات كووني حاجز المليار فرنك سويسري لأول مرة؛ مما شجَّعَها على مواصلة شراء المؤسسات حول العالم لتضيفها إلى قائمتها، مُعزِّزةً بذلك مكانتَها في فرنسا وإسكندينافيا وهولندا، ومتأهبةً لغزو السوق الهندية. وبحلول عام ٢٠٠٠، أصبحت شركة كووني رائدةً في سوق الرحلات الجماعية، وهي مكانةٌ ما زالت تحتفظ بها حتى الآن.
من كل فرنك تربحه كووني، هناك ٧٥ سنتيمًا تأتي من الخارج، وأكبر أسواقها المُربحة تقوم في الجانب الآخر من العالم؛ أيْ في الهند والصين، وما من شكٍّ في أن جذور كووني هي في سويسرا، إلا أن عملياتها باتَتْ عالميةَ النطاق، وهي تشغل حاليًّا ٩٠٠٠ شخص، ورأس مالها يساوي ٤ مليارات فرنك سويسري تقريبًا، وفي الواقع تطمح كووني لأنْ تكون إحدى مجموعات وكالات السفر الأكثر جودةً في العالم.
إلا أن كووني ليست أكبر مجموعة لوكالات السفر في سويسرا، بل يعود هذا اللقب إلى إحدى الوكالات الأخرى التي بدأت مغامرتها من الصفر تمامًا مثل كووني؛ ففي عشرينيات القرن العشرين، بدأ الجزء الناطق بالإيطالية من سويسرا (منطقة تيسين) بجذب السياح تدريجيًّا، وأدرك شابٌّ من المنطقة يُدْعَى أنطونيو مَنتيجازا أن ذلك من شأنه أن يدرَّ عليه بعض الأرباح، وفي عام ١٩٢٨ اقترض أنطونيو بعض المال واشترى قاربَ تجديفٍ لينقل فيه السياح لمشاهدة المناظر الخلابة المحيطة ببحيرة لوغانو، بينما كان يُتحِفهم بالقصص المحلية من المنطقة، وهكذا وُلِدَت مؤسسة «جلوبوس فواياج».
كيف تُنشئ شركة طيران خاصة؟
اشترى أنطونيو مَنتيجازا المزيدَ من قوارب التجديف، وأتبعها في فترة وجيزة بقوارب ذات محرِّكات، ثم بسيارات أجرة، وأخيرًا بأسطول من حافلات المسافات البعيدة، وعند نهاية الحرب العالمية الثانية، كان أسطول جلوبوس يضم ٣٣ حافلة، وكان يحتكر مجال الرحلات المنظمة في منطقة تيسين، وتمامًا مثل كووني، أدركت مؤسسة جلوبوس سريعًا أن عائدات السوق العالمية أكبرُ بكثيرٍ ممَّا توفره السوق المحلية، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى بدأت المؤسسة بتوفير رحلات فاخرة على متن الحافلات من صقلية إلى رأس الشمال النرويجي، وكانت تلك التجربة نموذجًا لما يُعْرَف اليومَ بالرحلات الكبرى في أوروبا، وبحلول نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، وبالرغم من أن جلوبوس بقيت مؤسسة عائلية مقرها في تيسين، فإنها تمكَّنت من دخول السوق الأمريكية، وبعد مرور سنوات قليلة، أطلقت جلوبوس بنجاح علامتها «كوزموس» للرحلات ذات التكلفة المنخفضة إلى جانب شركة الطيران الخاصة بها «مونارك» للرحلات الجوية الخاصة، وفي عام ٢٠٠٣ أطلقت جلوبوس علامتين تجاريتين إضافيتين: أفلون ووتروايز، وهي شركة رحلات بحرية تستخدم السفن الصغيرة الفاخرة، ومونوجرامز المتخصصة في تنظيم الأسفار المُصمَّمة حسب الطلب وبأسعار مرتفعة. واليومَ تُشغِّل جلوبوس أكثرَ من ٥٠٠٠ موظف في ٣٢ فرعًا حول العالم، وتناهز قيمةُ مبيعاتها ٦ مليارات فرنك سويسري، وباتت واحدةً من أكبر الشركات السويسرية بالرغم من أنها بقيت غيرَ معروفة نسبيًّا. وكما هو الشأن بخصوص كووني، فإن نشأة جلوبوس جاءَتْ نتيجةً للقيود الجغرافية والمهارة السويسرية المميزة، ولا شك أن مساحة السوق المحلية المتواضعة قد حفَّزت سويسرا ودفعتها لإحراز المكانة الدولية التي تحتلها حاليًّا؛ ومن ثَمَّ كان لزامًا على الشركات السويسرية أن تدخل الأسواق الدولية لكي تستطيع البقاء والاستمرار.
لوتسِرن، في قلب العتمة بصيص من النور
من الخطأ الظن أن أسباب الاهتمام بسويسرا تقتصر على ما أنعمت به الطبيعةُ عليها من مناظر خلابة؛ فلقد كانت البلاد طوالَ قرونٍ عديدة ملجأً للكثير من الفنانين والمبدعين، ابتداءً من اللورد بايرون ووصولًا إلى فلاديمير نابوكوف، ولا تزال تجذب اهتمامَ العقول المبدعة والمتأثرين بها، وقد أصبحت المهرجانات الفنية والموسيقية والأدبية السويسرية تستقطب العديدَ من الزوَّار.
وأكثر هذه المهرجانات شهرةً هو مهرجان لوتسرن الذي انطلق في فترةٍ مضطربة من شهر أغسطس عام ١٩٣٨، عندما جمع آرتورو توسكانيني — قائدُ الأوركسترا الشهير — العديدَ من العازفين المنفردين المتميزين والفِرَق الموسيقية في حديقة فيلا على ضفاف بحيرة لوتسرن، وهذا التجمع جذب كل أولئك الذين رأوا فيه نفحةَ أملٍ للوقوف ضدَّ صعودِ الحزب النازي في ألمانيا والنمسا، وكان العديد من الموسيقيين آنذاك قد امتنعوا عن المشاركة في مهرجانَيْ سالزبورج وبايرويت تضامنًا مع زملائهم اليهود الذين لم يَعُدْ في استطاعتهم الأداء في هذه الأماكن، إلا أنهم كانوا مستعدِّين للأداء في لوتسرن، ولقد رحَّبَتْ سويسرا — في كثيرٍ من الأحيان — بالمواهب التي أُقصِيَتْ من بلدان أخرى لأسباب سياسية، ومن المُفارَقات أن الفيلا التي استضافَتْ هذا الموسم الأوَّل الذي أقيمت فيه عشرُ حفلات، كانت في السابق مَقَرًّا لريتشارد فاجنر الذي كان مُعادِيًا للساميَّة، ولربما كانت تلك رسالةً للعالَم أن الإيديولوجية النازية لن تَسُود.
واليومَ يزور لوتسرن ما يقارب ١٢٠ ألف شخص سنويًّا للتمتُّع بما تقدِّم لهم مهرجاناتُ لوتسرن من برامج أصبحت متنوعةً أكثرَ من أي وقتٍ مضى، ومنها مهرجانٌ خاص في أواخر الخريف مخصص لعزف البيانو، ومساحة للتعريف بالعازفين المنفردين الشباب، ومهرجان لوتسرن للأوركسترا، ومهرجان لوتسرن للآلات الوترية. ولقد ساعد مركز الثقافة والمؤتمرات في لوتسرن الذي صمَّمه المهندس المعماري الفرنسي جون نوفيل — بفضل تقنية الانبعاثات الصوتية الرائعة والجمال المعماري — على الارتقاء بالمدينة إلى قلب المشهد الثقافي الدولي منذ الانتهاء من بنائه في عام ٢٠٠٠، ويستقطب المهرجان بانتظامٍ أفضلَ العازفين المنفردين والفِرَق الموسيقية وقائِدِي الأوركسترا في العالَم إلى هذه المدينة القابعة على ضفاف البحيرة الشاعرية، ولكنَّ كلَّ ذلك يحدث في صمتٍ وهدوءٍ وتواضُعٍ على الطريقة السويسرية؛ حيث تُقدَّم أعلى مستويات الجودة الموسيقية دون الكثير من الضجة التي غالبًا ما ترافِق المهرجاناتِ الرئيسيةَ الأخرى.
أماكن للراغبين في الظهور وأخرى للراغبين في التخفي
لقد اكتسبَتْ سانت موريتس مكانةً راقيةً بصفتها مركزًا لالتقاء النخبة من الأثرياء وذوي الذوق الرفيع والنفوذ الراغبين في الظهور، في حين جعلت جِشتاد من موقعها مَخْبأً أنيقًا وباهظ الثمن للمشاهير الباحثين عن السرية. كما جذبت دافوس اهتمامَ العالَم منذ أن انعقد فيها الاجتماع السنوي الأوَّل للمنتدي الاقتصادي العالمي عام ١٩٧١، ولقد اقترن اسم بلدة جبال الألب الصغيرة هذه باسم المنتدى، وأصبحت المكانَ الذي يلتقي فيه رجالُ الأعمال الدوليون والزعماء السياسيون والمثقفون والصحفيون لمناقشة بعض القضايا الأكثر إلحاحًا التي يواجهها العالَم، ويُعقَد هذا الاجتماع عادةً في شهر يناير.
تأسست المنظمة السويسرية للمنتدى الاقتصادي العالمي، وهي مؤسسة سويسرية غير ربحية، تحت اسم منتدى الإدارة الأوروبي على يد كلاوس شواب، وهو أستاذُ اقتصادٍ ألمانيٌّ كان قد زاوَلَ مهنة التدريس في جنيف. اعتاد شواب أن يستدعي عددًا محدودًا من الاقتصاديين وعلماء السياسة البارزين من أوروبا والولايات المتحدة إلى دافوس كلَّ شهر يناير لمناقشة القضايا الهامة في بيئةٍ جبليةٍ هادئة، وخلال السنوات القليلة التالية كَبُرت مكانةُ هذه المناسَبة وازداد عددُ المشاركين فيها، وأُطلِق عليها اسمُ المنتدى الاقتصادي العالمي في عام ١٩٨٧؛ لتحدِّد مَعالِمَ رؤيةٍ أوسعَ هدفُها حلُّ النِّزاعاتِ الدولية. وقد حقَّقَ هذا الملتقى نجاحًا ملحوظًا، وأضحى فرصةً للقادة والسياسيين لمناقشة خلافاتهم، وفي أحسن الظروف للتوصُّل إلى حلها، وهذا يسلِّط الضوء مرةً أخرى على أهمية الحياد في سويسرا الذي يجعل منها بلدًا آمنًا يمكن للأيديولوجيات المتعارضة أن تجتمع فيه حول طاولة النقاش. وعلى سبيل المثال، وقَّعت اليونان وتركيا هنا في عام ١٩٨٨ إعلانَ دافوس الرامي إلى تجنُّب الحرب بين البلدين. كما أن المنتدى الاقتصادي العالمي كان المنبرَ الذي تحدَّثَ منه بيل كلينتون للمرة الأولى عن «الرأسمالية الخلَّاقة» مؤكِّدًا على ضرورةِ مُعالَجةِ مسألةِ عدم المساواة العالَمية، وفي الوقت نفسه السعي لتحقيق الربح.
سويسرا تخفض أسعارها
بالرغم من حياد سويسرا، شهد قطاعُ السياحة خلال الحرب العالمية الثانية تدهورًا كاد أن يؤدي به إلى الإفلاس التام، إلا أنه سرعان ما تعافى بشكلٍ ملحوظٍ عند انتهاء العمليات القتالية، كما توسَّعَ القطاعُ ليشمل أجزاءً أخرى من البلاد. على سبيل المثال، بدأت منطقةُ تيسين — وهي الجزء السويسري الناطق بالإيطالية — باجتذابِ أعدادٍ كبيرة من الزوَّار، كما باتت المدن مثل: أسكونا ولوجانو ولوكارنو تستهوي سكانَ الشمال الذين يحبون التمتعَ بمناخٍ يشبه مناخَ البحر الأبيض المتوسط الدافئ، ويقدِّرون المناطقَ الخضراء المحيطة بالبحيرة التي تُذكِّرهم بطبيعة إيطاليا. وفي الوقت نفسه، كان قطاع السياحة للألعاب الشتوية يشهد توسُّعًا منقطع النظير، مستقطبًا أعدادًا غفيرة من السيَّاح بفضل التطور التكنولوجي غير المسبوق الذي شَهِدَته رياضة التزلُّج على المنحدرات، وكذلك بفضل الهبوط الحاد المتواصل في التكاليف الحقيقية للسفر.
ولمَّا أصبح السفر متاحًا بشكلٍ أوسع وبتكلفةٍ أقل، انضمَّتْ إلى الفنادق الفاخرة التي صنعت مجد سويسرا في عالَم السياحة فنادقُ أقلُّ ترفًا وبخدماتٍ متفاوتة الجودة. وبعد أن كانت السياحة حكرًا على الأثرياء نسبيًّا، تطوَّرَت لتصبح قطاعًا ضخمًا، خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية. وبين عامَي ١٩٥٠ و١٩٧٠ تضاعَفَ تقريبًا عدد وحدات المبيت المتاحة في الفنادق من ١٩ مليونَ سريرٍ إلى ٣٦ مليونًا. وخلال الثمانينيات من العقد الماضي تراوَحَ هذا العدد بين ٣١ و٣٧ مليونًا، إلا أن عدد هذه الوحدات في القطاع الموازي للفنادق، مثل الشاليهات ومنازل العُطَل والمُخيَّمات ومجموعات الإقامة وبيوت الشباب، تزايَدَ بشكلٍ مستمر. في عام ١٩٥٥ كانت نسبة وحدات المبيت في الفنادق تتراوَح بين ثمانين وتسعين في المائة من مجموع الوحدات المتوافرة. وبحلول عام ١٩٩٨ انخفَضَت هذه النسبة إلى أقلَّ من ٥٠ في المائة. وفي حين صار من الممكن للسكَّان من القارات الأخرى زيارةُ سويسرا بفضل الرحلات الجوية الطويلة المدى، تزايَدَ أيضًا عددُ السيارات على طرقات البلد، وفي عام ١٩٥٠ ولأول مرةٍ عبرَتِ الحدودَ السويسرية أكثرُ من مليون سيارةٍ أجنبية.
أسعار سويسرا مرتفعة وأجراس الحذر تُقْرَع
لقد ثبت مع الوقت أن نقاط القوة في تطوُّر وتوسُّع القطاع السياحي السويسري تشكِّل هي نفسها نقاطَ ضعفه؛ فالمنافسة بدأت تحتدُّ شيئًا فشيئًا، كما بدأت سويسرا تُعتبَر وجهةً سياحيةً تُقدِّم القليلَ مُقارَنةً بأسعارها المرتفعة، وبدأت حصة البلاد من السوق العالمية للسياحة تتضاءل من ٨ في المائة في الخمسينيات إلى ٢ في المائة فقط في التسعينيات. وفي حين أن حجم سوق السياحة الإجمالي قد شهد نموًّا ملحوظًا (يرجع بشكل كبير إلى انخفاض تكاليف السفر. انظر الرسم في الصفحة السابقة)، إلا أن هذا التراجُع في قطاع السياحة السويسرية لم يكن فقط نتيجةَ الركودِ الذي كانت تشهده البلدان الصناعية أو ارتفاعِ سعرِ صرف الفرنك السويسري فحسب، بل كان أيضًا نتيجةً لمشكلات هيكلية؛ مثل عدم وجودِ تنسيقٍ كافٍ بين مقدِّمِي الخدمات، والتفاوت القائم بين الأسعار وجودة الأداء، ونقص في روح الابتكار في وسائل التسلية المقترحة. وفي أكتوبر ١٩٩٧، صدر مرسومٌ فيدرالي بغرضِ تشجيعِ الابتكار والتنسيق في ميدان السياحة، وأُنشِئَ ما يُدْعَى «إينو تور»، وهو مخطَّط يهدف إلى تجديد هياكل العروض السياحية القائمة.
١٩٥٠ | ١٩٧٠ | ١٩٨٠ | ٢٠٠٠ | ٢٠١١ | |
---|---|---|---|---|---|
كوروني رايزن (١٩٠٦) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | ٢ | ٢٥٥ | ٢١٩٦ | ٤١١٣ | ٥١١١ |
عدد العمال الإجمالي | – | ١٣٥٠ | ٣١٠٠ | ٧٦٧٠ | ١١٠٤٨ |
عدد العمال في سويسرا | – | ١٠٨٠ | ١٦٠٠ | ١٧٣٠ | ١٣٥٠ |
هوتيل بلان هولدينج (١٩٣٥) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | ١٢ | ١٩٤ | ١٠٣٦ | ٢١٨١ | ١٨٢٨ |
عدد العمال الإجمالي | – | – | – | ٣٨٠٠ | ٢٤٥٠ |
عدد العمال في سويسرا | – | – | – | ١٤٧٠ | ١٣٨٠ |
فنادق موفنبيك ومنتجعاتها (١٩٤٨) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | – | ٩٨ | ٢٥٠ | ٤٥٦ | ٨٠٢ |
عدد العمال الإجمالي | – | ٣١٩٠ | ١٠٨٧٠ | ٦٩٣٠ | ١٢٢٠٠ |
عدد العمال في سويسرا | – | – | – | – | – |
دولارات السيَّاح تبقى لا غنى عنها
يدرُّ قطاعُ السياحة في سويسرا ٣٤ مليار دولار سنويًّا، ويمثِّل ٣ في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبصفةٍ عامة يُنفِق السياح الأجانب سنويًّا أكثر من ١٨ مليار فرنك سويسري. ويستمر هذا القطاع في توفيرِ فائضٍ كبير للاقتصاد السويسري، كما أنه مصدرٌ مُهِم لتوفير العمالة؛ إذ إنه يؤمِّن ما يزيد عن ١٥٠ ألف وظيفة بدوامٍ كامل؛ أيْ ما يعادل تقريبًا ٤ في المائة من مجموع الوظائف، وفي المنتجعات الجبلية يصل هذا المعدَّل إلى ٣٠ في المائة. كما تتضاعف فوائدُ السياحة وتمتدُّ إلى قطاعاتٍ أخرى مثل التجارة والنقل والقطاع المصرفي وقطاع التأمين والمؤسسات الثقافية.
عادةً ما يكون من الصعب تحديد المقوِّمات التي يمكن أن تجعل مُنتَجًا ما شعبيًّا ومحبَّبًا في أعين السياح؛ فما كان أحدٌ ليتنبأ أنَّ ما يُسَمَّى «سكين الجيش السويسري» (أو سكين الجيب باللغة الألمانية)، سيصبح رمزًا من رموز سويسرا؟ وسواء استُخدِم هذا السكين من قِبَل روَّاد الفضاء في الرحلات المكوكية، أو أثناء الحملات الاستكشافية إلى جبال هيمالايا، أو استعمله جان كوستو على متن باخرته «كاليبسو»، فلا شك أن «سكين الجيش السويسري» قد أصبح رمزًا من رموز سويسرا في كلِّ مكانٍ وزمان.
فكتور إينوكس: سفير للطابع السويسري المميز
لقد بدأ كل شيء في عام ١٨٨٤ في قرية إيباخ، بالقرب من المكان الذي تحدَّرَ منه الرجل الأسطوري ويليام تيل، وحيث وُقِّعَ الميثاق الاتحادي الذي أفضى إلى تأسيس سويسرا في عام ١٢٩١، وفي ذلك الوقت كانت تكلفة إنتاج الحديد الصلب (الفولاذ) مرتفعة، وكان استخدامه يقتصر على صنع الأشياء القيِّمة مثل السيوف وشفرات الحلاقة والسكاكين وغيرها من الأدوات التي تستلزم حدًّا صلبًا وماضيًا. وقد تطلَّبَ إنتاجُ السكاكين قدْرًا عاليًا من المهارة الحرفية، وعملًا يدويًّا مكثَّفًا بسبب عدم توافُر معدات التصنيع الآلية. وكان على الحدَّاد صياغةُ المعدن بعد تسخينه حتى درجاتِ حرارةٍ عالية جِدًّا تصل إلى ١٣٠٠ درجة؛ ومِن ثَمَّ طَرْقه بالمطرقة حتى يحصل على شكل النصل المطلوب، كما يتوجَّب تسخين النصل وطَرْقه وتبريده على عدة مراحل وبدرجاتِ حرارةٍ متفاوتة، ولكن المرحلة الأكثر صعوبةً في هذه العملية تكمن في الحفاظ بدقةٍ بالغة على درجة الحرارة اللازمة لكلِّ مرحلة، فإذا كانت الحرارة أعلى مما يجب يتشظَّى النصل وينكسر بسهولة، أمَّا إذا كانت الحرارة أدنى من المستوى المطلوب، فإن الفولاذ ومعدن الفيريت لن يلتحما بشكلٍ جيد متماسك. وبعد أن تتم معالجة النصل يجري صقل السكين وشَحْذه بعملياتٍ متتابعةٍ تتدرَّج فيها أحجارُ الشحذ المستخدمة من الخشِن حتى الناعم، وهذه عمليةٌ طويلة ومُضنية؛ لذلك فإن عمل الحداد المتمرِّس في الصقل والشحذ كان ذا قيمةٍ عالية؛ ومن ثَمَّ غالبًا ما كان الحدادُ يتقاضى أجرًا جَيِّدًا لقاء عمله، كما أن درجة مضاء السكين وقدرة الحفاظ عليها تعتمد على عرض النصل وزاويةِ ميلِ حدِّه. أمَّا فترةُ بقاء السكين في الخدمة وقدرة الحفاظ على نصله فتعتمد على المواد المستخدَمة، والدقة والمهارة الحرفية المسخَّرة لتصنيعه.
في أواخر القرن التاسع عشر، كان الجيش السويسري يبحث عن أفضل مزوِّد للسكاكين، وكان كارل إلسينير — ابن صانعِ قُبَّعات — قد أسَّسَ الجمعية السويسرية لصانعي الأدوات القاطعة، وهي تعاونية لإنتاج السكاكين للجيش السويسري. في البداية التحق بالجمعية نحو ٢٥ زميلًا، ولكنهم سرعان ما انسحبوا منها؛ لأن شركةً ألمانية في مدينة سولينغن كانت تُنتج السكاكين بتكلفةٍ أدنى بفضل استخدامها لتقنيات الإنتاج الآلي، في حين كان الحرفيون السويسريون ينتجونها بشقِّ الأنفس يدويًّا، إلا أن كارل إلسينير الذي أنشأ الجمعية وأسَّسَ شركةَ فكتور إينكوس بقي وحْدَه مثابرًا، ولكنه خسر كلَّ مدَّخراته الشخصية في محاولته الباسلة ولكن اليائسة، فسارَعَ بعض أقارب إلسينير لإنقاذه وتجنيبه الإفلاس، وساعدوه على تجهيز مشغله بمعدات التصنيع الآلي اللازمة لكي يتمكَّن من منافسة الألمان. آنذاك كانت سكاكين الجنود عملية، لكنها ثقيلة الوزن، غير أن إلسينير استطاع تحقيق نجاحٍ باهر عندما ابتكر ما سُمِّي حينها ﺑ «سكين الضباط والرياضيِّين»، كان هذا السكين متينًا بالرغم من خفة وزنه، وكان أنيقًا أيضًا. وفي عام ١٨٩١ كُلِّفت شركة فكتور إنوكس بإنتاجِ وتوفيرِ سكينٍ لكلِّ جنديٍّ في الجيش السويسري المحترم، وبفضل هذا التكليف القيِّم بمكانته العالية ومداه الواسع، اكتسبَتِ الشركة حضورًا قويًّا في السوق ومكانةً مميزة، وأصبح السكين أداةً لا غنى عنها لكل جندي ووسيلةً لا بد منها للبقاء؛ مما ساعد الجنود السويسريين على اكتساب سمعة بصفتهم مقاتلينَ أشداءَ موثوقًا فيهم، وحتى اليوم لا يزال الجنود السويسريون يحرسون مقرَّ الفاتيكان؛ ومن هذا المنطلق بدأ «سكين الجيش السويسري» يحتلُّ مكانةً أسطورية وتقديرًا عظيمًا يُجسِّدُ أهمَّ سماتِ الطابع السويسري؛ مثل: الجدارة بالثقة، والدقة في الأداء، والاستقلالية والاعتماد على الذات.
الترف أم الأرقام أم الاثنان معًا؟
هل يحتاج قطاع السياحة السويسرية إلى تغييرٍ جذري في طريقة إدارة أعماله؟ لا شكَّ أن قطاع السياحة خلال العقود الأخيرة — على عكسِ ما كان عليه في السنوات الأُولى للقرن العشرين — قد سجَّلَ تباطؤًا ملحوظًا، ولم يشهد ما يكفي من التطور والتغيير في حين يتغير المنافسون بسرعة ويستثمرون بلا حساب، ولكن سويسرا ستستمر في السعي لاجتذاب أكبر عددٍ ممكن من السياح. وبينما تحافظ البلاد على بنيةٍ تحتية مناسبة للسياحة الجماعية، فإن الفائدة الرئيسية من ذلك هي على الأرجح في مجال العمالة، أمَّا من حيث الأرباح، فالمجال الذي يمكن لسويسرا — إذا تحلَّتْ بالفطنة — أن تحافظ فيه على ميزةٍ تنافسية هو قطاع الأسفار الفاخرة. وتشير التوجُّهات الحالية إلى أن شركات السياحة الرائدة لديها هذه القناعة نفسها.
استثمر رجل الأعمال أورس إي شفارتسِنباخ مؤخرًا مبلغ ٥٠٠ مليون فرنك لترميم وتحسين فندق دولدَر جراند المعروف في زيورخ، وهذا مبلغ باهظ جِدًّا ناهزت فيه التكاليف مبلغ ١١٠٠٠ فرنك سويسري للمتر المربع الواحد. ويستثمر سميح ساويرس — وهو رجلُ أعمالٍ مصري — أكثر من مليار فرنك سويسري في بلدة أندرمات بهدف تمكين زبائنه من أثرياء الشرق الأوسط من «امتلاك جزءٍ صغير من سويسرا» بإنشاء ٦ فنادق، و٤٩٠ شقة، و٣٠ بيتًا، وملعب جولف يحتوي على ١٨ حفرة في منتجع التزلج الهادئ الذي كان في السابق قاعدةً عسكرية.
وتبقى هناك مسألةٌ شائكة تُواجه سويسرا، وهي ضرورة الاختيار بين السياحة المتخصصة الفاخرة من ناحية، والسياحة الجماعية من ناحيةٍ أخرى، وهما قطاعان تَعايَشَا بشكلٍ معتدل ومريح حتى الآن، لكن قد لا يبقى ذلك ممكنًا في بيئةٍ تزداد ازدحامًا يومًا بعد يوم. وإذا استمر الصراع بالفعل، يبدو أن ما من شك بشأن السبيل الذي ستختاره سويسرا.
لا شك أن مكانة سويسرا الساحرة — التي تجمع بين مزيجٍ رائع من الهواء الطَّلْق والأضواء البرَّاقة وأجواءٍ من الرفاهية منقطعة النظير — لا يمكن إعادة زرعها في أيِّ مكانٍ آخَر من العالم؛ لأنها فريدة من نوعها. ولقد ورد في الدليل السياحي «الطريقة الأكثر استفادةً ومتعةً للتجول في سويسرا» الذي كتبه يوهان جوتفريد آيبل في عام ١٧٩٣ (وهو أصلًا ما يُعْرَف اليومَ ببولندا) ما يلي: «من المؤكد أنه لا وجودَ لبلدٍ أو قطعة أرض على سطح المعمورة يحتوي على ما تحتويه سويسرا من مقوماتٍ لافتة للنظر ومثيرة للاهتمام.» وربما كان الوافدون الإيطاليون الأوائل إلى سانت موريتز قد وجدوا العبارات الأمْثَل لوصف سويسرا عندما قالوا: «كمٌّ هائل من الأشياء مجتمعٌ في مكانٍ واحد.»
فنادق سويسرية عريقة ذات جو كلاسيكي ساحر
لم تفتقر سويسرا يومًا للفنادق الفخمة المميزة، بل هي تفخر بالعديد من الفنادق الأسطورية الفاخرة التي كانت ولا تزال تستضيف الملوك والرؤساء ونخب الزوَّار من جميع أنحاء العالم؛ مثل فندق «داريكونيج» في مدينة بازل، و«دولدَر غراند» في زيورخ، و«سبلنديد رويال» في لوجانو، و«بالاس» في غيشتاد، وفندق «بو ريفاج» التاريخي في مدينة جنيف.
أُسِّس فندق بو ريفاج على يد السيد جون جاك ماير في جنيف عام ١٨٦٥، وهو واحدٌ من الفنادق الفخمة السويسرية القليلة التي لا يزال يديرها أفرادُ العائلة نفسها منذُ ما يناهز خمسة أجيال. وهذا الفندق — بكنوزه الثمينة التي تراكمت على مدى ١٥٠ عامًا — يؤمِّن لكل زائر قدْرًا كبيرًا من الامتياز والجمالية والتفنُّن الأصيل والتناسُق والانسجام في كل التفاصيل التي تجتمع معًا باعتمادِ أفضلِ وأحدثِ التكنولوجيات الحديثة المتوافرة، ويدعمها فريقُ عمل يكرِّس نفسه كليًّا للسهر على راحة الضيوف، ويجعل من كلِّ إقامةٍ تجربةً شخصيةً فريدةً من نوعها من خلال التكيف مع متطلبات العملاء واحتياجاتهم.
وهذا الفندق — الذي أصبح بمثابة أسطورة في جنيف — يقوم في أفضلِ موقعٍ على ضفاف البحيرة بالقرب من جسر مون بلان ومتاجر السلع الفاخرة والمصارف والشركات المعروفة والمدينة العتيقة، كما يبعد مسافةَ خمسَ عشرةَ دقيقةً بالسيارة عن مطار جنيف الدولي، وخمسِ دقائق سَيْرًا على الأقدام عن محطة القطارات الرئيسية.
وفي عام ٢٠١٧ افتتح الفندقُ طابقَه العلوي الذي يتميز بمناظره الخلَّابة المطلَّة على بحيرة جنيف ونافورة المياه الشهيرة «جي-دو»، كما يظهر جبل مون بلان عن بُعْد في الأفق. وتتراوح مساحةُ الشقق الجديدة في هذا الطابق من ١٠٠ إلى ١٥٠ مترًا مربعًا، وتحتوي جميعها على مرافقِ استجمامٍ خاصة بالمياه المعدنية، وأَسِرَّة مُريحة للغاية تسمح للزائر بمشاهدة النجوم وهو مُستلقٍ على سريره. وهناك اثنان من أجمل وأبهى الأجنحة المزدوجة الطوابق بمساحة ١٥٠ و٢٥٠ مترًا مربعًا، كما يمكن إلحاق هذَين الجناحَين بغُرَفٍ إضافية متصلة بهما. أمَّا الأجنحة الأسطورية التي سُمِّيَت بأسماء الضيوف البارزيِنَ الذين قاموا بزيارة الفندق، فتحتوي على شرفاتٍ خاصة وتِراساتٍ تطلُّ على البحرية أو على المدينة العتيقة أو على جبال الألب، كما أن الفندق يفخر أيضًا بغُرَفه الأخرى التي تُعَدُّ الأربحَ في فئتها على مستوى مدينة جنيف.
ومطعم فندق بو ريفاج «لو شا بوتييه»، الحاصل على نجمة ميشلين، يُوظِّف أحدَ أكبر مواهب الطهي في سويسرا، الشيف دومينيك غوتييه، ويقدِّم المطعمُ أكلاتٍ فرنسيةً حديثة بما في ذلك الوجبة التي يُعِدُّها الشيف غوتييه بنفسه على طاولته الخاصة في مطعم الفندق التي يمكن أن تستقبل ثمانية أشخاص. ويُقدِّم مطعم «باترا» للمأكولات التايلندية الممتاز في الفندق قائمةً استثنائيةً من الأطباق الفاخرة غير المعهودة بالتوابل والنكهات المختلفة.
أمَّا بار رَدْهة الفندق «أتريوم لوبي» فيُقدِّم وجباتٍ خفيفةً من خدمة الشاي الفرنسي الأنيقة وقتَ الظهيرة في أجواءٍ مريحة، وفي المساء يمكن للضيوف الاستمتاع بتناول المشروبات في جوٍّ ممتع على أنغام موسيقى البيانو.
تُعتبَر شرفة الفندق فريدةً من نوعها ولا مثيلَ لها؛ فهي من الأماكن النادرة في جنيف حيث يمكن للزوَّار الاستمتاع بالمناظر الخلابة وهم يتذوَّقون طبقًا راقيًا أو شرابًا أو بوظةً لذيذة أو بعضًا من الحلويات.
لا شكَّ أن أصحاب الفندق وإدارته وموظَّفيه على درايةٍ تامةٍ بثقافة الشرق الأوسط وقِيَمه، ولطالما استضافوا الزوَّارَ من هذه المنطقة طوالَ سبعين عامًا وأكثر، وكان الزوَّار في كل مرة يجدون خدماتِ الفندق المصمَّمة خصوصًا لهم تَفُوق كافةَ توقُّعاتهم.