صناعة الغزل والنسيج وأرباحها
إن اسم بلدة هورجن ليس بالاسم الذي يلمع حاليًّا في أفق الصناعة العالمية؛ فهذه البلدة القابعة على ضفاف البحيرة أصبحت الآن ضاحيةً من ضواحي مدينة زيورخ، لا يعكِّر صفْوَها شيء، ويحلو فيها العيش، ويتَّخِذ منها المديرون التنفيذيون من أصحاب الرواتب العالية ملاذًا لهم، وهي كما وصَفَها مكتبُ السياحة المحلي هناك: «إنها ببساطةٍ منطقةٌ يقصدها الناس للسلام والهدوء.» غير أنها قبل أكثر بقليل من مائة عام كانت واحدةً من مراكز القوى الصناعية الهامة في سويسرا، ومكانًا كان يحوي كمًّا هائلًا من القدرات الصناعية، لدرجةِ أن الولايات المتحدة شعرت بضرورة الحفاظ على قنصليةٍ خاصة بها هناك طوالَ عدة عقود من الزمن.
***
إن مزايا الموقع الجغرافي والتكلفة المنخفضة التي جعلت من سويسرا سابقًا مركزًا لصناعة النسيج على مستوى العالم، لم تَعُد لها قيمة اليوم؛ إذ إن الإنتاج المكثف للمنسوجات قد تحوَّلَ إلى بلدان أخرى، يمكن لأصحاب المشاريع فيها دفْعُ أجورٍ منخفضة، وتتوافر فيها التكنولوجيا الملائمة بسهولة، إلا أن مثل هذه التحديات تُفضِي دائمًا إلى ردودِ فعلٍ خلَّاقة للتعامُل معها؛ فهناك اليومَ جيلٌ جديد من الشركات السويسرية الناشئة لصناعة المنسوجات التي تحقِّق نجاحًا في مجال المنتجات ذات القيمة المضافة العالية بين صفوف أكبر الشركات ومنتجات منسوجات العلامات التجارية المرموقة.
إن تاريخ قطاع صناعة المنسوجات السويسري قد تشكَّلَ هو أيضًا من نفس العوامل التي حدَّدت معالمَ النجاح السويسري وإخفاقاته في العديد من القطاعات الأخرى، التي تشمل أيضًا قدومَ المهارات بأعدادٍ كبيرة بسببِ التعصُّب السياسي والديني في البلدان المجاورة، وكذلك الموارد المتوافرة من الطاقة المائية والعمالة الرخيصة نسبيًّا في المفاصل الزمنية الحاسمة، واعتماد التكنولوجيات المتجددة المستوردة من الخارج، إضافةً إلى كافة الاضطرابات التي تسبِّبها التكنولوجيات الجديدة، وكذلك الأرباح والمخاطر التي تصاحب نظامَيْ حمايةِ مكاسب الوطن والتجارة الحرة على حدٍّ سواء (وهما نظامان تبنَّتْهما سويسرا خلال فترة الازدهار التي شهدها قطاع المنسوجات).
النسيج نقطة بداية المعجزة الاقتصادية
يحظى قطاع النسيج بمكانةٍ فريدة في تاريخ الصناعة السويسرية؛ فهو القطاع الذي وضَعَ أسسَ التحول الصناعي للبلاد، ودونَ التعرف على تاريخ قطاع صناعة النسيج، لا يمكن فهم المعجزة الاقتصادية السويسرية. كانت صناعة الغزل والنسيج والتطريز في البداية عملًا يدويًّا غالبًا ما تقوم به شبكةٌ تتكوَّن من العاملين في البيوت، وكان هذا النوع من النشاط يندرج ضمن نظام اليد العاملة خارج المصنع، وعندما حلَّتِ الآلات محلَّ العمل اليدوي، تحوَّلَتْ مثل هذه الحِرَف إلى صناعةٍ أوجدَتِ العديدَ من الفرص التي أدَّتْ لاحقًا إلى ظهورِ قطاعٍ هندسيٍّ نما تدريجيًّا ليصبح رائدًا على مستوى العالم. على سبيل المثال، حوَّلت شركة إيشر فيس نفْسَها من شركةِ منسوجات إلى شركةٍ لصناعة آلات النسيج في بداية القرن التاسع عشر، وفي نفس الوقت انتقلَتْ عائلةُ ريتر من الاستثمار في قطاع الغزل إلى صناعة آلات النسيج، وقبل عام ١٨٣٠ بنَتِ الشركةُ مسبكًا خاصًّا بها وبدأت بتصنيع أنواعٍ مختلفة من الآلات تتعدَّى نطاقَ أعمالها التجارية في قطاع النسيج، وبعد مرور بضعة عقود، تحوَّلَتْ شركة ساورر من صناعة آلات التطريز التي كانت أولى منتجاتها، إلى تصنيع المركبات التجارية، وعند النظر إلى ماضي الأحداث، قد يبدو تسلسُلُ هذه التطورات حتميًّا ولا مفرَّ منه، لكنَّ ذلك لم يحدث في بلدانٍ كثيرةٍ أخرى كانت فيها صناعةُ النسيج هامةً أيضًا.
من حرفة يدوية منزلية إلى صناعة دولية
تعود جذورُ قطاعِ النسيج السويسري إلى العصور الوسطى، وكما كان الحال في تلك الفترة في معظم مناطق أوروبا، كان نسَّاجو الصوف والكتَّان يعملون في عددٍ كبير من المدن والبلدات السويسرية، ولم تكن صناعة الملابس من الصوف والكتان تتطلب الكثيرَ من التكنولوجيا؛ إذ كان يكفي أن تكون هناك يدٌ عاملة مدرَّبة وطلبٌ محلي منتظم. ولكن حتى في ذلك الوقت، بدأت تظهر في الأسواق مادةٌ جديدة أدَّت لاحقًا إلى تحويل قطاع النسيج من حرفةٍ يدوية منزلية إلى صناعةٍ شكَّلت القاعدةَ الأساسية لانطلاق الموجة الأولى من الإنتاج الصناعي المكثَّف في سويسرا.
لم تُقبَل أليافُ القطن القادمة من إيطاليا ومن جنوب ألمانيا في القرن الخامس عشر بسهولةٍ لتحلَّ محلَّ الصوف والكتان التقليديَّيْن، إلا أن الانتشار الكبير للقطن يعود إلى بداية القرن الثامن عشر، عندما جلب اللاجئون الفرنسيون من الهاجينوت إلى زيورخ مهاراتٍ عاليةً في الغزل الممتاز وحياكة النسيج القطني، فاتحين بذلك الأبوابَ أمام نشوءِ تجارةٍ جديدة انتشرت بسرعة في الكانتونات المجاورة وفي شرق سويسرا. وفي منطقة سانت جالن كان بيتر بيون — اللاجئ الفرنسي المتحدِّر من الهاجينوت — أولَ مَن قام بغزل ونسج ألياف القطن في عام ١٧٢١، وبذلك وضع الأسسَ لقطاعِ صناعةِ المنسوجات في تلك المنطقة.
وفي زيورخ التي كانت قد دأبت على إنتاج وترويج الأقمشة الحريرية منذ القرن الثالث عشر، لم يَكُن الهاجينوت اللاجئين الوحيدين الذين وجدوا في سويسرا ملاذًا لهم؛ إذ إن المدينة البروتستانتية كانت ملاذًا أيضًا لأفرادِ عائلاتٍ أتَوْا من منطقة تيشينو (الجزء الناطق بالإيطالية من سويسرا) ومن شمال إيطاليا، وكانوا مُضطهَدين بسبب إيمانهم بمعتقداتٍ كانت قد نتجَتْ عن حركةِ الإصلاح الديني. وبهذه الطريقة جلب هؤلاء اللاجئون حرفةَ إنتاجِ الحرير الخام إلى المنطقة الناطقة بالألمانية من سويسرا خلال القرن السادس عشر، على الرغم من أن المهاجرين أنفسهم قد ظلوا ممنوعين من ممارسة التجارة في هذا المجال، وبقِيَ الحال كذلك حتى عام ١٥٦٥ عندما أنهت السلطات في زيورخ عهدَ الحماية النقابية، وسمحت لشخصٍ يُدْعَى إفانجيليستا زانينو بزراعةِ أشجارِ التوت وتشغيلِ أولِ مصنعٍ للحرير بجانب نهر ليمات.
مدينة زيورخ في مواجهة مدينة بازل
لا شكَّ أن صناعة الحرير المُبكرة في مدينة زيورخ كانت منذ بدايتها عملًا يسبق ما يمكن تسميته نطاقًا صناعيًّا، وبموجب «النظام الحمائي القديم»، كانت تجارة الحرير — مثل الكثير من الميادين التجارية الأخرى في سويسرا — قد أصبحت بعد إعلان الكونفيدرالية تخضع لدرجةٍ عالية من التنظيم. وعلى سبيل المثال، في عام ١٧١٧ كانت التشريعات تنصُّ على أنه لا يمكن نسج الحرير إلا من طرف تجار ينتمون لنقابة التجار المقيمين في زيورخ؛ إذ كانت المدينة حريصةً على حفظ تفوُّقها في هذا الميدان، وأجبرَتْ جارتَها مدينةَ فينترتور على إغلاق مصانع الحرير التابعة لها.
وإلى جانب مدينة زيورخ، كانت مدينة بازل أيضًا قد نصَّبَتْ نفْسَها مركزًا لصناعة الحرير؛ ففيها أيضًا توفَّرت عواملُ النجاح من التمويل اللازم، وشبكات المواصلات الجيدة، وسهولةِ إيجادِ شبكةٍ من العاملين في بيوتهم. وحتى نهاية القرن الثامن عشر، كانت تجارتا القطن والحرير — على حدٍّ سواء — تعتمدان على نظام اليد العاملة في البيوت؛ حيث كان رجال الأعمال في زيورخ وبازل، ولاحقًا أيضًا في سانت جالن يوظفون عددًا كبيرًا من هؤلاء العمال. وفي أوج ازدهارهم، كان لدى سادة صناعة الحرير في زيورخ أكثرُ من ١٥٠٠ ماكينةِ غزلٍ تعمل بعقودِ ترخيصٍ في المدينة وضواحيها، وكذلك وفَّرت صناعةُ القطن فرصَ عملٍ وأجورًا لعددٍ كبير من السكان. وحوالي عام ١٧٧٠ كانت هذه الصناعة تشغِّل أكثرَ من ١٠٠ ألفِ عاملٍ متمركزين خاصةً في زيورخ وأرجاو وفي شرق سويسرا.
الثورة الصناعية تأتي على حين غِرَّة
غير أن ذلك لا يمنع من أن مكانة سويسرا الرائدة التي جعلتها في المقدمة أمام منافسيها، مثل بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر، قد بُنِيت على أُسسٍ ضعيفة؛ فقد أخفَقَ سادةُ الحرير في مُواكَبة التطورات التقنية، وكانت رؤيةُ أولى آلات النسيج الميكانيكية التي بدأت العمل في بريطانيا مفاجأةً غيرَ سارَّةٍ بالنسبة إليهم، وبينَ عَشِيَّةٍ وضحاها وَجَدَ السويسريون أنفسَهم في مُواجَهةِ منافسين لهم قدرةٌ إنتاجية أفضلُ من ذي قبل، وبسرعةٍ أصبحت الملابس البريطانية تُباع بأسعارٍ وجودةٍ لا مثيلَ لهما؛ ومن ثَمَّ كان السباق — الذي غالبًا ما يميِّز كلَّ صناعةٍ ناشئة — للحصول على أكبرِ حصةٍ في الأسواق، قد ترك السويسريين عند خط الانطلاق. تزامنت هذه الأزمة الاقتصادية مع اندلاع الاضطرابات السياسية في جميع أنحاء البلاد؛ فعندما وطِئَتْ أقدامُ القوات العسكرية الثورية الفرنسية ترابَ سويسرا في عام ١٧٩٨، تفكَّكَتْ بنيةُ السلطة القائمة، وكان على الحكَّام التنازل عن السلطة، كما فقدت النقابات قوتَها. ولم تتغير الأمور إلا بقدوم الثورة البرجوازية في عام ١٨٣٠، التي مكَّنت رجال الأعمال والتجار والصناعيين من فرْضِ وجودهم بعدَ أنْ نَصَّ أولُ دستورِ اتحادٍ سويسري دخَلَ حيِّزَ التنفيذ في عام ١٨٤٨، على أن حرية التجارة والتبادل التجاري يندرجان ضمن حقوق المُواطِن الأساسية.
حلول عصر الآلات
خلال السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، عندما اجتاحت الحروب النابليونية جميع أنحاء أوروبا، نشأت فرص للتجارة لم تكن تخطر على بال. وقد أدرك رجال الأعمال الذين يتمتعون بحَدْس عالٍ أن النظام القائم قد أوشك على النهاية، وأن استخدام الآلات وتعميمها بات أمرًا لا مفرَّ منه، وعندما بُنِي أول مصنعٍ مجهَّز بآلاتٍ ميكانيكية في عام ١٨٠١ في أحد الأديرة في سانت جالن، كانت الثورة الصناعية قد بدأت فعليًّا.
كانت آلات الغزل الأربع والأربعون في فينترتور تعمل بالقوة الهيدروميكانيكية عبر نظامٍ معقَّد لنقل القدرة، وكان المصنع يُعَدُّ معجزةً تكنولوجية آنذاك. ومما لا شكَّ فيه أن تداعيات هذا التطور على حرفة الغزل اليدوي في المنطقة كانت مدمرة؛ إذ إن ثمانية آلاف شخص من رجالٍ ونساءٍ كانوا يعملون في مجال الغزل في بيوتهم قد خسروا أسبابَ رزقهم، وانتشر الخوف والعَوَز على نطاق واسع، إلا أن المصنع كان قد أصبح مَعْلَمًا بارزًا في تاريخ الاقتصاد السويسري. وبعد ذلك انتشرت المصانع في كل مكان؛ كانت اليد العاملة رخيصة، وكانت الأنهار والجداول توفر القوةَ المحرِّكة الكافية. كما أن النظام المُعتمَد في القارة الأوروبية ساهَمَ في منع السلع البريطانية من دخول البلاد، وبذلك ضَعُفت منافسةُ صانعي المنسوجات البريطانيين بشكلٍ كبير. وبحلول عام ١٨٣٠ كان هناك أكثر من ٤٠٠ ألف مغزل للقطن، وأكثر من ١٠٠٠ آلةِ نسيجٍ تعمل في سويسرا، وكانت بعض هذه الآلات قد وُرِّد من بريطانيا عبر طُرقٍ غير مشروعة (فقد كانت بريطانيا تمنع تصدير آلات النسيج حتى عام ١٨٤٣)، وكان البعض الآخر نُسَخًا مقلَّدةً من صنعٍ محلي أقيمت على التلال الشرقية لمدينة زيورخ، وهو ما وصفه المؤرخ هانس مارتن جويلر كالتالي: «أكبر وأهم كثافة صناعية.» وحوالي عام ١٨١٥ — تاريخ هزيمة نابليون — عرفَتْ بلدة فيتسيكون وبلدة أوستر طفرةً كبيرة، وبعد مرور عشر سنوات كان هناك على ضفافِ جدولِ آباخ وحْدَه، البالغ طوله ٦ أميال، عشرةُ مصانع للغزل والنسيج.
حدث إحراق الآلات
لقد جلب التصنيع معه النموَّ السريع والتفكُّك الاجتماعي؛ ففي ربوع زيورخ — حيث كان العمل في البيوت منتشرًا — أدَّى التصنيع الآلي إلى دمار العديد من العائلات، وكان إدخالُ أنواعٍ جديدة من الإنتاج الميكانيكي قد لاقى معارضةً انتشرَتْ في العديد من المناطق. وفي صباح يوم ٢٢ نوفمبر عام ١٨٣٢ في مدينة أوبر أوستر، تجمَّعَ حشدٌ من نحو ٣٠٠ شخص أمام مصنع الغزل كورودي وفيستر؛ هرب عمَّالُ المصنع، وألقى المعارِضون الحجارةَ عليه، وحطَّموا زجاجَ نوافذه، ووضعوا القشَّ وأغصان الأشجار في المبنى وأضرموا فيه النار لتأكل ألسنةُ اللهب مصنعَ النسيج الذي كان يعمل بالآلات الميكانيكية.
كان هذا الحدث مفاجأةً بالنسبة إلى السلطات السويسرية، وكانت قوات حفظ النظام بطيئةً في التدخُّل، ونتيجةً لحريق مصنع أوستر، لم تُبْنَ عقِبَ ذلك مصانعُ نسيجٍ ميكانيكية في المنطقة طوال ١٥ عامًا. غير أن النسَّاجين الذين يعملون في بيوتهم لم يكونوا قادرين على تحسين أوضاعهم، كما أن أصحاب المصانع لم يرضخوا لتهويل انتفاضة المعارضين فاستمرَّ التوسُّع. وبحلول عام ١٨٦٦ كانت صناعة القطن تضمُّ أكثرَ من ١٫٦ مليون مغزل، وحوالي ١٥ ألف آلة نسيج؛ وبذلك أصبحت سويسرا في تلك الفترة واحدًا من أكبر المنتجين في أوروبا، وطرفًا دوليًّا هامًّا في شراء القطن الخام وبيع المنتجات النهائية الجاهزة على حدٍّ سواء.
الابتكار يأتي فقط بالتأنِّي
كانت الأعمال في صناعة الحرير تزدهر بدورها أيضًا؛ فبينَ عامَيْ ١٨٢٤ و١٨٤٢ نما عددُ المصانع في كانتون زيورخ وحدها من ١٧ إلى ٦٨ مصنعًا، بينما في مدينة بازل كانت تجارة الحرير وأشرطة الحرير تمثِّل حوالي ٢٠ في المائة من دخول المدينة والكانتون المحيط بها بحلول عام ١٨٤٧. وفي منتصف القرن التاسع عشر، باتت سويسرا أكبرَ منتجٍ للحرير في العالم، لكن المؤكَّد هو أن ظهور التصنيع لم يجعل الأمورَ سهلةً أمام مصنِّعي الحرير ولا أمام نظرائهم من مصنِّعي القطن؛ فخيوطُ الحرير كانت أدقَّ من أن تتلاءم مع تجهيزات الآلات القديمة الجلفة وحركتها غير المنتظمة. وفي عام ١٨٢٤ فَتح أولُ مصنع ميكانيكي أوروبي لغزل الحرير أبوابَه في بازل، ولكن كان لا بد من الانتظار حتى عام ١٨٦٠، عندما استورد مخترعٌ من مدينة زيورخ اسمه إميل دورَر أربعَ آلاتٍ للغزل من بريطانيا وحوَّلها إلى آلاتٍ لغزل الحرير وشغَّلَها بنجاح، ولكن حتى بعد هذه الانطلاقة الناجحة كان اعتماد الآلات الميكانيكية يشهد تقدُّمًا يشوبه التردُّد. وبحلول عام ١٨٨١ كانت الآلات الميكانيكية لا تمثِّل سوى عُشْر آلات النسيج المستخدَمة في زيورخ، كما أن نظام العمل في البيوت قد استمر حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريبًا.
وعلى النقيض من ذلك، كانت هناك حِرْفةٌ تقليدية صغيرة لكنها بنفس أهمية حرفة غزل الحرير، وهي حرفة التطريز، التي استفادت مبكرًا استفادةً كبيرة من قدوم التصنيع؛ حيث ارتبط تاريخها ارتباطًا وثيقًا بتطوير آلات التطريز، هذا على الرغم من أن هناك أدلةً على وجود حرفيي تطريز في زيورخ حتى قبل عام ١٨٠٠. وحوالي عام ١٨٣٠ كانت أولى آلات التطريز اليدوي التي اخترعها رجل ألماني يُدْعَى جوشوا هايلمان، والتي صُنِّعت في سانت جالن، قد لاقت نجاحًا هائلًا، ولكن نجاح هذه الآلات يرجع بشكلٍ خاصٍّ إلى شركة ساورر في مدينة آربون، كما أن ظهور التجارة الحرة وتأثير الموضة كان لهما أيضًا دورٌ هام؛ كانت الطبقات الراقية والعائلات الحاكمة تَعُدُّ الملابسَ المطرزة أنيقةً جِدًّا، فارتفع الطلبُ على أشرطة مخرمات الزينة المصنوعة في سانت جالن، كما زاد الإنتاج لتلبية الطلب، وبحلول عام ١٨٨٠ بلغت قيمة صادرات هذا القطاع إلى أمريكا وحدها ٢١ مليون فرنك سويسري. وحتى اليوم ما زالت مدينة سانت جالن تحمل آثار الأرباح التي حقَّقتها من صناعة التطريز بوفرة بنايات الفن الحديث ووجود فن العمارة الذي يرجع إلى عصر النهضة، كما لا تزال المدينة تحتفظ لنفسها بمكانةٍ في أسواق التطريز العالمية بالرغم من تزايُد الضغوطات على الأسعار.
أرباح التصنيع تتوافق مع حجمه
نظرًا لتطور صناعة المنسوجات التي أصبحت صناعةً قائمة بذاتها في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأت الشركات باستغلال مزايا التصنيع الواسع النطاق بجعل أعمالها ذات صبغةٍ دولية وبتنظيم الجمعيات التجارية وإقامة مجموعات من الشركات المصنعة. وعلى سبيل المثال، سافَرَ إميل شتيهلي هيرت — تاجر الحرير الشاب — من زيورخ إلى مدن: ليون وباريس ولندن ونيويورك، وأقام علاقات مع شركاتٍ كبيرة في تجارة الحرير هناك؛ ومن ثَمَّ وضع أُسسَ التوسُّعِ على الصعيد الدولي. وبحلول عام ١٩٢٠ كانت شركة شتيهلي وشركاؤه تشغِّل مصنعَيْن لحياكة الحرير في أمريكا الشمالية يضمَّان ١٨٠٠ آلةِ نسيجٍ وثلاثة آلاف لِلَفِّ الحواشي، وفُتِحت فروعٌ لها في البلدان الأوروبية المجاورة، كمغزل حرير في مدينة جيرميناجا في إيطاليا، ومصنع نسيج في مدينة آرتسينجن الألمانية. كما توسَّع آخرون بإنشاء مصانعِ حريرٍ أخرى خارج حدود سويسرا مثل تلك التابعة لشركات شفارتسينباح وشتوزي وسيبر آند فيهرلي. وفي نفس الوقت نمَتْ هذه الصناعة داخل حدود سويسرا، وحوالي نهاية القرن التاسع عشر كان في مدينة هورجن وحدها — التي لُقِّبَت ﺑ «ليون الصغيرة» — عشرة مصانعِ حريرٍ توظِّف أكثرَ من ١٠٠٠ شخص.
وخلال تلك الفترة كان أربابُ العمل في مجال صناعة الحرير في زيورخ يدرسون إمكانياتِ الجمعِ بين مصالحهم، وكان العامل المحرِّك لهذه الرغبة هو تأسيس الدولة الفيدرالية السويسرية في عام ١٨٤٨، الذي أحدَثَ ثورةً عميقة في الحياة الاقتصادية للبلاد. وفي العديد من الأمور أصبحت القرارات النهائية في يد الحكومة الفيدرالية عوضًا عن المدن والكانتونات؛ ونتيجةً لذلك وُحِّدَتِ العملةُ وحُرِّرت تجارة السلع، وما لم يكن يخطر على بال أحد قبل أعوامٍ قليلة أصبح حقيقةً ملموسة؛ فقد أصبح لسويسرا بالفعل اقتصادٌ موحد.
قوة تنظيم الصفوف
وللمساعدة على رسم ملامح هذه المنطقة الاقتصادية والدفاع عن مصالح صناعتها، وحَّدت مجموعة من رجال الأعمال قواها لتشكِّل «جمعية صناعة الحرير» في كانتون زيورخ في عام ١٨٥٤. لم يسبق أن نظَّمَ أيُّ فرعٍ آخَرَ من فروع الصناعة السويسرية صفوفَه للدفاع عن مصالحه والمشاركة بنشاط في الحياة السياسية بمثل السرعة التي عرفها قطاع صناعة الحرير. ومنذ البداية اضطلعت هذه المؤسسة اللامعة بوظائفَ مهمةٍ داخل البلاد أيضًا؛ إذ أنشأت محكمةَ تحكيمٍ للبتِّ في دعاوى المطالَبة بالتعويضات ضد الشركاء التجاريين الذين يروِّجون خيوطًا ذات جودةٍ منخفضة، أو يصبغون خيوطًا أو لفائفَ من الأقمشة بطريقةٍ غير صحيحة. كما تولَّتِ الجمعية تدريبَ وتطويرَ مستوى العاملين في القطاع، وكانت هذه ممارسةً جديدة تمامًا في ذلك الوقت، وفي عام ١٨٨١ أسَّست الجمعيةُ مدرسةَ زيورخ لنسج الحرير.
وفي نفس الوقت تقريبًا، أدرك صانعو القطن أيضًا أن علاقتهم لا تقتصر على المنافسة فقط، بل إن لديهم أيضًا مصالحَ مشتركةً مع سادة صناعة الحرير، وما دفع بالمصنِّعين إلى توحيد قواهم هو عدم رضاهم عن المورِّدين الذين كانوا يزيدون وزن بالات القطن بطرقٍ مشينة، مثل إضافة الرمل أو تعبئة أليافِ قطن أقلَّ جودةً مما هو مذكور على السطح الخارجي للبالة. وبحلول عام ١٨٧٤ ضاق عملاؤهم ذرعًا من هذه الممارسات، واتفقوا على فرْضِ شروطٍ موحَّدة لشراء المواد الخام، كما طلبوا من مورديهم احترام التزاماتهم، وبذلك تكوَّنت أول مجموعة «كارتيل» فعلية في سويسرا، وكان النجاح باهرًا لدرجةِ أن الشركات المنضوية في هذا الاتفاق ذهبت إلى أبعدَ من ذلك، وشكَّلت «الاتحاد السويسري لمغازل القطن» الذي أصبح بدوره عضوًا مؤسسًا في اتحاد التجارة والصناعة السويسري (فور أورت) في عام ١٨٧٩، والذي بقيَ لعقودٍ عديدةٍ قوةً سياسية رئيسية في سويسرا (وفي عام ٢٠٠٣ غُيِّرَ اسمه إلى «إيكونومي-سويس»، وهو ما يعني حرفيًّا «الاقتصاد السويسري»).
روَّاد القطاع، كان عليهم إمَّا التسول أو الاقتراض
إن الطفرة التي عرفها قطاعُ صناعة الغزل والنسيج تحقَّقَتْ بقيادة أفرادٍ كانوا على استعداد لمواجهة المخاطر، وهذه سمة لم يكن يتحلى بها الإطارُ المحافِظ لعالَمِ التجارة السويسري؛ حيث كانت النقابات الحرفية في المدن وسكان الأرياف على حدٍّ سواء ينظرون بعين الريبة لكل ما هو جديد، ولم تكن هناك سوى نخبةٍ قليلة نسبيًّا ممَّنْ أدركوا أن هناك فرصًا متاحةً في عالم التصنيع، وكان معظم هؤلاء الأشخاص من التجار الذين توسعت علاقاتهم التجارية لتمتدَّ إلى أبعدَ من المناطق المجاورة، وكذلك من رجال الأعمال الذين كانوا أكثر إدراكًا للوضع الاقتصادي من العمال والحرفيين الذين كانوا مكتَّفِين بالعمل التقليدي. غير أن إنشاء المصانع والمرافق التابعة لها وإدارتها كان أمرًا يتطلب رأسَ مالٍ أكبرَ مما يحتاجه إنشاء ورشات العمل أو الشركات التجارية، وكان الصناعيون الناشئون يراهنون بآخِر سنت في جيوبهم لبناء مشاريعهم.
على سبيل المثال، كان فريتز شترايف ميتلر — الذي أسَّس مصنعَ غزلٍ ناجحًا يحمل اسمه في منطقة آتال في عام ١٩٠١ — لا يملك إلا مبلغ ٣٠ ألف فرنك سويسري في البنك عندما قرَّرَ أن يدخل مجال الصناعة، ولم يكن يرغب أن يفوِّت فرصةَ شراءِ مصنعٍ كان معروضًا للبيع مع ما يتبعه من أبنيةٍ خارجية وأراضٍ، لكنَّ السعر كان باهظًا وناهَزَ ١٫٣ مليون فرنك سويسري، لكن شترايف ميتلر اقترض المالَ من أمه ومن عائلة زوجته، وكذلك باعتماده على الضمانات والتعهدات والرهون العقارية، استطاع شراءَ مصنعه ومباشَرةَ أعماله بالرغم من ثقل ديونه. كان هناك رجلٌ آخَر تحدَّى المخاطرَ وهو هاينريخ كونز، الذي كان يُعرَف بلقب «ملك حرفة الغزل»، كان والده رجلَ أعمالٍ صغيرًا وفَّرَ لابنه تعليمًا جَيِّدًا، ثم أرسله لتلقِّي تدريبٍ مهنيٍّ لدى أحد غزَّالي القطن في منطقة الألزاس، وعندما رجع بعد فترةِ تدريبه، أنشأ مشغلَ غزلٍ صغيرًا في مصنعٍ مُستأجَر في بلدة فيتسيكون، وفي عام ١٨١٦ انتقل إلى بنايةٍ خاصة به في أوستر حيث بنى مصنعه بتكلفةٍ بلغت ٢٠ ألف جولدن هولندي (٤٢ ألف فرنك سويسري)، وكانت أعمال هذا المصنع الذي أداره بصحبة والده قد تكلَّلت بنجاحٍ منقطعِ النظير، وعندما تُوفِّي والده في عام ١٨٢٥ ترك له مبلغ ٢٥٠ ألف جولدن (٥٣٠ ألف فرنك سويسري)، وهو مبلغٌ استخدمه لتمويل مشروعِ توسُّعٍ منقطعِ النظير، ورويدًا رويدًا قام بإنشاء أو بشراء شركاتٍ أخرى، وفي منتصف القرن التاسع عشر كانت إمبراطوريته تمتدُّ من آتال في كانتون جلاروس إلى فينديش في كانتون آرجام، وتضم ثمانية مواقع إنتاج تعمل فيها ١٥٠ ألف آلة نسيج، وعندما تُوفِّي كونز كانت قيمةُ أعماله التجارية — بلا جدال — تمثِّل مبلغًا مذهلًا لذلك الوقت مقداره ١٨ مليون فرنك سويسري. ولم يكن نجاح «ملك حرفة الغزل» نتيجةً لتعليمه الجيد ووضعه المالي المريح في البداية فحسب، بل أيضًا إلى قوة حَدْسه في ميدان الأعمال وطاقته التي لم تعرف الكَلَل.
المصانع وقسوة واقعها
بالرغم من ذلك، كان هناك جانبٌ مُظلِم في قطاع أعمال الغزل في سويسرا، كما في أماكنَ أخرى من أوروبا؛ فأصحاب المصانع مثل كونز وغيره كانوا يديرون مصانعهم بقبضة من حديد، وكان شعار هذه المصانع «اعمل حتى تنهار»، وكانت هذه السياسة تُطبَّق حتى على الأطفال، وتؤدي إلى عواقبَ وخيمةٍ (كما جاء في تقريرِ مفتشِ مدرسةٍ يعود لعام ١٨٣٦)، فقد وجد المفتش في غرفة الدراسة «أطفالًا تتراوح أعمارهم بين ٦ و٩ سنوات ينامون في فصل الدراسة؛ لأنهم كانوا مُجبَرين على العمل في المصنع بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحًا».
ولكن في الأيام الأولى لبداية عهد التصنيع، كان أسلوب كونز لإدارة شئون الموظفين في مصنعه ظاهرةً شائعة في تلك الفترة؛ ففي المعادلة الاقتصادية لم يكن للعمالة أهميةٌ تُذْكَر؛ إذ كان أصحاب المصانع يعاملون عمَّالَهم مثلما كان الأمراء الإقطاعيون يعاملون عبيدَهم؛ ومن ثَمَّ كانت ظروفُ معيشةِ العمال قاسية، وكما قال كارل ماركس في عمله الشهير «رأس المال»: «لقد حَرمَنا العمل من إيجاد الوقت الكافي لكي نعيش.» وفي بريطانيا — وأكثر من ذلك في ألمانيا — أدَّتِ الاضطرابات الاجتماعية إلى صراعٍ مرير، وفي سويسرا — التي غالبًا ما تأخذ فيها الأحداثُ وقْعًا أقلَّ حدةً — كانت هناك معارضةٌ من طرف المجتمع للظروف القاسية في القطاع الصناعي، ولكن باستثناءِ حريقِ أوستر لم تكن هناك أحداثٌ أعنف، غير أن المهنيِّين — مثل الأطباء والكهنة — كانوا يطالبون باستمرارٍ بإدخالِ إصلاحاتٍ على القطاع الصناعي.
القواعد وُضِعَت لتُكسَر
بدأت السلطات تُدرِك أن الإصلاح قد أصبح حاجةً ماسَّة؛ ولذلك اتخذت حكومةُ زيورخ خطوةً رائدة في عام ١٨٣٧ بإصدارِ أمرٍ لحماية الأطفال الذين ما زالوا في سن الدراسة، غير أن هذا الإجراء لم يحقِّق في البداية نجاحًا يُذكَر لدى أشخاصٍ مثل كونز؛ لأنهم بكل بساطة تجاهلوه كليًّا. وأخيرًا عندما فرضت الحكومة غرامةً مالية — حتى ولو كانت متواضِعةً جِدًّا لا تتعدى ٨ فرنكات سويسرية — على كونز وأمثاله من الصناعيين، ساهَمَ ذلك في إرساء الأسس لعهدٍ جديد. ولأول مرة كان موقفُ الدولة واضحًا، على الأقل من حيث المبدأ؛ إن تنصُّل أصحاب المصانع من مسئوليتهم الاجتماعية ستكون له عواقب.
وفي أماكنَ أخرى من سويسرا أيضًا أثار سلوكُ أرباب العمل في قطاع النسيج المزيدَ من الانتقادات؛ ففي كانتون جلاروس — حيث بدأ التصنيع في وقتٍ مبكر — ندَّدَ طبيبٌ يُدْعَى فريدولين شولر وآخَرون غيره بسوءِ المعاملة علنًا، وفي عام ١٨٥٦ أقنعت هذه المجموعة من المندِّدين السلطاتِ المحليةَ بحظرِ عملِ الأطفال تحت سن الثانية عشرة في المصانع. وفي عام ١٨٦٤ كان كانتون جلاروس الكانتون الكونفيدرالي الأوَّل الذي طبَّقَ قانونَ إلغاء عمالة الأطفال في المصانع، وحدَّدَ ساعات العمل اليومي للراشدين، ونصَّ على تدابير لتأمين السلامة في أماكن العمل. وبعد مرور أربع سنوات فقط، دخل أيضًا قانون المصانع حيِّزَ التنفيذ في كانتون بازل، كما بُذِلت جهودٌ مماثلة في شرق سويسرا وفي كانتون آرجاو، وتعالَتِ الأصواتُ المندِّدة أكثرَ من أي وقت مضى للمطالبة بتعميم هذه القوانين في جميع أنحاء سويسرا، وبعد ذلك — وتحديدًا في عام ١٨٧٧ — أقرت السلطةُ الاتحادية قانونًا اتحاديًّا خاصًّا بالمصانع يحدِّد عددَ ساعات العمل ﺑ ١١ ساعة في اليوم، وحظرت تشغيلَ الأشخاص تحت سن الرابعة عشرة.
العمل لا يعني بالضرورة الرخاء
لقد ساهمت الإجراءات الحكومية المذكورة في وضعِ حدٍّ لتجاوزاتٍ معينة في قطاع النسيج، وكذلك في قطاعاتٍ أخرى، غير أن حياة العاملين في القطاع الصناعي بصفةٍ عامة لم تكن سهلة؛ فمتوسطُ الدخل لمُعِيلِ أسرةٍ لم يكن يغطي سوى ٥٠ إلى ٧٠ في المائة من الاحتياجات المنزلية؛ فمثلًا في مدينة بازل، كان دخلُ حائكِ الأشرطة الحريرية لا يتجاوز ٩٠٠ فرنك سويسري في السنة في عام ١٨٧٥؛ مما كان يستوجب عمل الزوجة والأولاد أيضًا. كانت «الامتيازات» التي أصبحت شيئًا فشيئًا جزءًا من نظام الأجور في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تمثِّل تحسينًا مرحَّبًا به، فبات أصحاب المصانع يوفرون أماكنَ سكنٍ منخفضةَ الإيجار وضرورياتِ العيش والأكل، كما كانوا يضعون غرفَ استشفاءٍ بتصرُّف العمال المرضى. وفي العديد من المناطق السويسرية التي عرفت نشاطًا صناعيًّا في وقتٍ مبكر، فإن المباني الأولى لغرف العمال — التي اندمجت لاحقًا ضمن مشاريع الإسكان العامة — لا تزال قائمةً كشاهد على تلك الحقبة.
إلا أن الدافع الرئيسي من وراء الرعاية التي كان أصحابُ العمل يقدمونها للعمال هو خلق روابطَ وثيقةٍ قدْرَ الإمكان بين العامل والشركة، وهذا أمرٌ أصبح حاجةً مُلِحَّة ومتزايدةً نظرًا لظهور صناعاتٍ جديدة وسريعة التوسُّع في القرن التاسع عشر (مثل صناعة الساعات والمعادن والهندسة الميكانيكية) باتت تتنافس مع صناعة النسيج من أجل استقطاب اليد العاملة، وشيئًا فشيئًا بدأ الأشخاص يأتون للعمل في المصانع من مناطقَ سويسريةٍ أخرى أقل تطورًا في المجال الصناعي، ولاحقًا بدأ العمال الأجانب في الوصول إلى سويسرا، ولم يكتفِ أصحاب العمل بإعطائهم فرصًا للعمل فحسب، بل منحوهم أيضًا بيوتًا للسكن.
في أواخر القرن التاسع عشر، كان هناك على الأقل ٨٠ ألف شخص يعملون في قطاع صناعة النسيج السويسري، وبحلول عام ١٩١٠ أصبح عددهم يفوق ١٠٠ ألف شخص، كما أن صناعة الملابس بدأت تتوسع في القرن العشرين مستخدمةً قرابة ٤٣ ألف عامل في بداية الخمسينيات، إلا أن ذلك كان بمثابة بلوغ القمة وبداية السقوط؛ إذ شهدت نهاية القرن العشرين تراجعًا حادًّا، خاصةً في قطاع المنسوجات الذي بالكاد يشغِّل اليومَ ١٠ آلاف شخص. وقد شاهدَت سويسرا مزايا تفوُّقها النسبي في مجال التصنيع الواسع النطاق تتبخَّر تدريجيًّا، وأدركت أن السبيل الوحيد المتبقي أمامَها للبقاء والاستمرار هو التوجُّه الفعلي نحو صناعة الملابس الفاخرة.
صناعة قيد التراجع
وبالعودة إلى تاريخ تلك الفترة، يمكن القول بأن التراجع قد بدأ في وقتٍ مبكر؛ فبين عامَيْ ١٨٨٨ و١٩١١ كانت صادرات سويسرا من الغزل والنسيج قد انخفضت بنسبة ٣٠ في المائة بسبب ازدياد حدة نظام حماية التجارة المحلية في جميع أنحاء العالم، غير أن هذه الصناعة قد واصلت تحقيق نتائجَ جيدةٍ في الداخل، وكانت قوتها العاملة تتزايد نتيجةً لارتفاع الطلب المحلي، والتعريفات الجمركية الوقائية المفروضة على المنسوجات الأجنبية، ونظام الحماية الوطني الذي لم تتخلف فيه سويسرا عمَّا كان مُعتمَدًا في البلدان الصغيرة الأخرى، وهكذا سُدَّت أبوابُ الأسواق فعليًّا في كل مكان. وفي السنوات الخمس التي سبقت الحرب العالمية الأولى، خسرت التجارة الدولية لسلع القطن حوالي ٥٠ في المائة من حجمها، لكن في هذه الفترة نفسها ارتفع الإنتاجُ العالمي للمُنتَجات القطنية بمقدار الثلث تقريبًا.
شهد النصف الأوَّل من القرن العشرين عددًا من الحروب والأزمات، وكانت الحماية ضد المنتجات الأجنبية المستوردة تُعَدُّ على نطاقٍ واسع السبيلَ الوحيد لاستمرار اقتصاد البلاد، كما أصبحت الحدودُ غيرَ قابلة للاختراق أكثر من أي وقتٍ مضى. وبينما كانت سويسرا في بداية العشرينيات قادرةً على بيعِ ما يقارب نصف مُنتَجاتها من النسيج في الخارج، تراجعَتْ نسبة التصدير إلى ٢٠ في المائة فقط بحلول عام ١٩٥٠؛ لقد خسرت هذه الصناعة مركزَها المهيمن في التجارة الخارجية، كما كانت تفقد بسرعة أهميتها الداخلية أيضًا، وبينما كان هناك في عام ١٨٨٨ نسبةٌ لا بأسَ بها تبلغ ١٨ في المائة من مجموع عمال المصانع يعملون في قطاع المنسوجات، تراجعت هذه النسبة إلى ٧ في المائة بحلول عام ١٩٢٩، وإلى ٤ في المائة فقط بحلول عام ١٩٥٢. كان التركيز في النمو الصناعي والتنمية منصبًّا على صناعتَين جديدتَين وديناميكيتَين، كان قطاع النسيج قد ساعد في إحداثهما، وهما الهندسة الميكانيكية (التي نتجت عن تصنيع آلات المصانع)، والمستحضرات الصيدلية (التي تطوَّرت بفضل تصنيع الأصباغ)، وقد كان هذا الانفصال متوقَّعًا منذ وقتٍ طويل. وفي القرن التاسع عشر أُقِيمت علاقاتٌ وطيدة بين قطاع صناعة المنسوجات وشركات تصنيع الآلات للمنسوجات، وهي علاقات أثبتَتْ أنها دائمةٌ ومثمرة، واستمرَّتْ حتى الربع الأخير من القرن العشرين.
عندما أصبح الاستثمار غير كافٍ
كانت التحسينات التكنولوجية في آلات النسيج التي تحقَّقت بفضل تلك العلاقات الوطيدة قد زادت القدراتِ الإنتاجيةَ، التي بدورها مكَّنت أصحابَ المصانع من توظيف النساء اللواتي يَقْبلْنَ أجورًا متدنية بدلًا من اليد العاملة المُكلِّفة من الرجال، أو حتى التخلي عن اليد العاملة من الرجال والنساء على حدٍّ سواء، وفي نفس الوقت أصبح الإنتاج يتطلب المزيدَ من رءوس الأموال ويستهلك قدرًا أكبر من الطاقة. وخلال السنوات الستين التي تَلَتْ عام ١٨٩٠، ارتفع متوسط القدرة الآلية المستخدَمة في المصانع من ٢٠٠ إلى ٨٠٠ وحدة حصانية، في حين انخفضت أعداد القوى العاملة في مصانع الغزل بنسبة ٣٠ في المائة بحيث لم تَعُدْ تتعدَّى ١٣٥٠٠ شخص.
وفي أواخر القرن العشرين أصبح تحدِّي إعادة الاستثمار في منهجياتِ إنتاجٍ جديدة أكثر كفاءةً أمرًا لا مفرَّ من الإيفاء به، وباتَتِ الزيادة الضرورية في رءوس الأموال تعني أن العديد من مصانع الغزل الصغيرة إمَّا استُحوِذَ عليها أو اضطُرت إلى التوقف عن العمل. وقد تمكَّنت الشركات الكبيرة من التأقلم مع هذا التحول بسهولةٍ أكبر من خلال الاستثمار في مصانعَ جديدةٍ وتوسيع قدراتها الإنتاجية، وكانت معظم الشركات التي بقيت تزاول نشاطَها مؤمنة بنفس المبدأ، ألا وهو تجديد المُعَدَّات التقنية وزيادة الإنتاجية وتخفيض تكلفة وحدة الإنتاج.
سويسرا خارج حلبة المنافسة
غير أن العائدات لم تكن في مستوى الاستثمارات والجهود المبذولة؛ فالمنافسة الأجنبية كانت قد نمت بشكلٍ متواصل، وكان بإمكانها الإنتاج بأسعارٍ منخفضة جِدًّا، لا سيَّما في الاقتصادات الناشئة؛ حيث كانت المصانع تتزوَّد بآلاتٍ مُستخدَمة لكنها صالحة للعمل، ومن المفارقة أنها كانت تشتريها من سويسرا ومن بلدانٍ أوروبية أخرى؛ مما مكَّنها من الادخار في رأس المال، كما أن تكاليف العمالة لديها كانت أقلَّ بكثيرٍ من تكاليف العمالة في سويسرا؛ وعلى سبيل المثال، في باكستان كان متوسط تكلفة العمالة أقلَّ خمسين مرة من التكلفة في سويسرا. وفي ذات الوقت، لم تكن قوانين العمل في الاقتصادات الناشئة متشددة؛ مما أتاح للشركات أن تعمل لساعات أطول بكثير مما تسمح به القوانين في سويسرا. وفي تايوان — مثلًا — تعمل مصانع النسيج ٨٥٠٠ ساعة في السنة؛ أيْ ما يعادل ٢٣٫٣ ساعة في اليوم، بينما ينخفض هذا المعدل بنسبة ٤٠ في المائة في سويسرا بفضل قوانينها الأكثر صرامةً فيما يخصُّ السلامة وساعات العمل.
كانت الصحوة بالنسبة إلى معظم أصحاب مهنة الغزل والنسيج قد جاءت متأخرة نوعًا ما؛ فمن عام ١٩٨٠ حتى عام ١٩٩٠ كان الإنتاج يتراجع ببطء ولكن بشكلٍ متواصل، وعقب ذلك بدأ الهبوط السريع نحو الهاوية، وفي عام ٢٠٠٠ انخفض إنتاج الغزل والنسيج بنسبة ٧٥ في المائة بالمقارنة مع ما كان عليه قبل عشر سنوات، واليومَ بات قطاعُ النسيج يشغِّل أقلَّ من ٢ في المائة من اليد العاملة الصناعية؛ وباختصارٍ فإن عهد الإنتاج الواسع النطاق لصناعة المنسوجات في سويسرا قد ولَّى ومضى.
حفنة من الناجين
إلا أنه بالرغم من تراجع الإنتاج المكثف، فإن عددًا من الشركات التجارية المتخصصة في المنتجات ذات المكانة المرموقة والقيمة العالية لا تزال تمارس نشاطها بقوة ونجاح، كما أن العديد منها يشهد ازدهارًا بفضل التزايد الشديد في الطلب على السلع الفاخرة، وكذلك بسبب الحواجز الكبيرة التي تعترض الراغبين في ولوج هذا النطاق، والعديد من أنجح الشركات في هذه القطاعات هي شركاتُ غزلٍ ونسيج سابقة تَحوَّل بعضها إلى ماركاتِ أزياءٍ فاخرة جِدًّا، أو انضمت إلى شركاتٍ صناعية متخصصة في المنتجات الفاخرة، وكمثالٍ على ذلك، هناك في زيورخ شركة فابريك فرونتلاين لإنتاج الحرير التي تزوِّد مصمِّمي أزياء بارزين مثل فيفيان ويستوود بالمنسوجات الفاخرة.
كما أن الأرضية الجيدة لتطوير ماركات الأزياء قد توافرت من خلال قطاع التطريز في مدينة سانت جالن، الذي كانت له علاقاتٌ وثيقة مع عالم الأزياء الراقية. ويُعَدُّ الدانتيل «المخرمات الزخرفية» الذي يُصنَّع في سانت جالن مادةً أوليةً للتصاميم الرائعة والباهظة الثمن التي تستخدمها أرقى شركات الأزياء في باريس وروما. وعلى سبيل الذكر، فإن شركات مثل: أرماني وديور وبرادا وأونجارو وجيفينشي، هي من بين زبائن شركات سانت جالن، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى أبدَعَ عددٌ من هذه الشركات في سانت جالن في مجال تصميم الأزياء لحسابها الخاص، ومن بينها بيشوف تيكستايل، كريستيان فيشباخر، فورستر روهنر، جاكوب شليبفر، إضافةً إلى شركة يونيون وشركة فيلتكس كأمثلة على ذلك. وفي عام ٢٠٠٩ خلال حفل تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كانت زوجته ميشيل ترتدي ثوبًا من صنع فورستر روهنر. ولكن ربما تكون أشهر شركات الأزياء هذه هي شركة أكريس التي أُنشِئت في عام ١٩٢٢ على يد أليس كريملر شوخ، والتي يُشرِف حفيدا ألبرت وبيتر كريملر اليومَ على إدارتها، وهي تصمِّم ملابسَ للمشاهير وكبار الشخصيات في جميع أنحاء العالم مثل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، وشارلين ويتستوك خلال خطوبتها للأمير ألبرت أمير موناكو.
الملابس الداخلية والرياضية والأزياء
تأسَّست العلامة التجارية «كاليدا» في عام ١٩٤١ على يد ماكس كيلينبيرج وهانس يواكيم بالمرز، وكان هذا الأخير نجل عائلة بالمرز النمساوية المتخصصة في مصانع الغزل والنسيج، وقد بِيعَت هذه الشركة في عام ١٩٤٦ إلى شركة سورسيه للحياكة التي غيَّرت اسم العلامة لاحقًا إلى كاليدا. وعلى الرغم من أن هذه العلامة قد عرفَتْ بالتأكيد أوقاتًا صعبةً، وعانت طوال أربع سنوات من خسائرَ جسيمةٍ في بداية القرن، فإنها حقَّقت تحوُّلًا خلال عام ٢٠٠٣، واستحوذت في عام ٢٠٠٥ على شركة أوباد الفرنسية للملابس الداخلية، وأعادت المجموعة تعديلَ مسارِ علامتَيْها التجاريتَيْن بنجاح، وهي تشغِّل اليومَ ١٣٠٠ شخص في جميع أنحاء العالم، كما أن سويسرا اليومَ هي موطن شركةٍ أخرى أكبر بكثير مختصة في صنع الملابس الداخلية، وهي شركة تأسَّست في عام ١٨٨٦ في المنطقة الألمانية بادن فيرتنبيرج، التي كانت حتى عام ١٩٠٢ تحمل اسم تريومف، ويقوم مقرها الرئيسي في بلدة باد سورساخ في سويسرا. هناك أيضًا علاماتٌ تجارية أخرى رائدة نمَتْ من قطاع صناعة المنسوجات، منها: شركة ماموت التي أصبحت اليومَ واحدةً من أكبر الموردين في العالَم للملابس والمُعَدَّات الرياضية، وشركة شتريلسون السويسرية التي كانت في السابق شركةً غير ناجحة لصنع المعاطف، وتبيع اليومَ منسوجاتها للأزياء المميزة في ٤٢ بلدًا، وكذلك شركة فوجال التي بدأت أولى خطواتها كمتجر لبيع الجوارب والملابس الداخلية النسائية في زيورخ في عام ١٩٢٣، لكنها نمَتْ على مدى عقود لتصبح علامةً تجارية تحظى باحترامٍ دولي.
كان التركيز على صناعة الأقمشة ذات التقنية العالية بمثابة الاستراتيجية اللازمة لتأمين البقاء والاستمرار للشركة، وقد اعتُمِدت هذه الاستراتيجية بنجاحٍ من طرف شركاتِ غزلٍ ونسيج أخرى، ولعل أحد الأمثلة على ذلك مجموعةُ سيفار التي تعود جذورها إلى عائلة بودمر العريقة في صنع الحرير في زيورخ، وكان أفرادها لاجئين من منطقة بييمون قد استقروا في المدينة في القرن السادس عشر، وحاليًّا تنتج شركة سيفار أقمشةً ذات تقنيةٍ عالية للاستخدام في طباعة الشاشات الحريرية ومعدات تصفية المواد (الفلترات)، وكذلك الصوتيات والإلكترونيات وصناعة المواد الغذائية وصناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلية ومجالاتٍ أخرى، وللشركة قوةٌ عاملة تتكوَّن من ٢١٠٠ شخص، كما وصلت مبيعاتها السنوية في عام ٢٠١٠ إلى ٣٦٠ مليون فرنك سويسري.
المنسوجات تؤدي إلى اقتصاد صناعي كلي
لا تختلف الصعوبات التي عرفها قطاع صناعة الغزل والنسيج في سويسرا كثيرًا عن تلك التي عانت منها قطاعات النسيج في غيرها من الدول الصناعية المتقدمة؛ وبتعبير حديث يمكن القول إن صناعة الغزل والنسيج كانت بمثابة «صناعة تمهيدية» أدَّتْ إلى إرساء الأسس لنشوء صناعاتٍ متفرعة أخرى تتطلب رءوسَ أموال عالية وتزخر بالمهارات الحرفية، ولا تزال مزدهرة حتى اليوم. ولم يكن من المرجَّح أن تتطور المهارات الهندسية الميكانيكية السويسرية بالقَدْر والسرعة نفسَيهما لولا وجود الطلب من طرف أصحاب مصانع الغزل والنسيج، الذين كانوا دائمًا بحاجة إلى آلاتٍ أكثرَ كفاءةً لمواجهةِ المنافسة الأجنبية المتزايدة باستمرار، كما لم يكن مرجَّحًا أن يكون قطاع صناعة الأدوية بمثل قوته اليومَ لولا حاجةُ السوق السويسرية لمعالجة المنسوجات والأصباغ الاصطناعية؛ مما دفع مجالَ الكيمياء إلى التطور بسرعة. وكانت القدرةُ على إنتاج الألوان الاصطناعية قد أدَّتْ إلى فهْمٍ أكبرَ لعلم الكيمياء وكيفيةِ معالجة المكونات لإنتاج تدرُّجاتِ ألوانٍ مختلفة مع اختلاف درجات قوتها وتألُّقها؛ كانت هذه هي الجذور الأصلية التي أفضَتْ إلى تطوير مجموعة من المجالات التجارية الأخرى، منها البلاستيك والمستحضرات الصيدلية والمواد الكيميائية الصناعية.
صناعة معاصرة
يمكن القول أخيرًا إن قطاع صناعة المنسوجات قد ساعد على دفع عجلة التجارة، وكمثالٍ حديث على تركيز الثروة الصناعية وتراكُم العقود التجارية الدولية، كان أصحاب مصانع الغزل والنسيج — منذ عصر النهضة وما بعده — مُموِّلِي النشاط التجاري السويسري، كما كانوا بمثابة القوة الدافعة له في كلِّ نوع من أنواع السلع، من بينها المنسوجات.
١٩٥٠ | ١٩٧٠ | ١٩٨٠ | ٢٠٠٠ | ٢٠١١ | |
---|---|---|---|---|---|
مجموعة سيفار (١٨٣٠) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | – | – | ١٧٧ | ٢٩٥ | ٣٥٠ |
عدد الموظفين الإجمالي | – | – | ١١٥٠ | ١٥٠٠ | ٢١٠٠ |
عدد الموظفين في سويسرا | – | – | ٩٠٠ | ٨٠٠ | ٨٣٠ |
كاليدا (١٩٤١) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | – | – | – | ٢٠٠ | ٢١٣ |
عدد الموظفين الإجمالي | – | – | – | ١٣٣٠ | ١٣٤٠ |
عدد الموظفين في سويسرا | – | – | – | ٥٢٠ | ٣٩٠ |
لانتال للمنسوجات (١٨٨٦) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | ٢ | ٧ | ٢٠ | ١٢١ | ٨٦ |
عدد الموظفين الإجمالي | ٤٠ | ١١٥ | ٢٠٠ | ٤٥٠ | ٤٠٠ |
عدد الموظفين في سويسرا | ٤٠ | ١١٥ | ١٨٠ | ٣٢٠ | ٣٤٠ |
المصدر: مجلة فورتشن.
قبل ١٨٠٠ | |
١٥٦٥ | السلطات في مدينة زيورخ تصرِّح لإفينجيليستا زانينو بزراعة أشجار التوت وتشغيلِ مصنعٍ للحرير سرعان ما اشتراه الإخوة فيردمولر. |
١٧٢١ | في سانت جالن، بيتر بيون ينسج لأول مرة أليافَ القطن لأغراض تجارية. |
حوالي ١٧٧٠ | سويسرا تقود إنتاجَ القطن في أوروبا وتشغِّل أكثرَ من ١٠٠ ألف موظف في هذه الصناعة. |
١٨٠٠–١٨٩٩ | |
١٨٠٢ | مصنع هارد للغزل، أول مصنع سويسري يبدأ العمل في فينترتور. |
١٨٣٠ | تبعًا لإرشادات هاينريخ بودمر — أحد صانعي الحرير — بدأ بيير أنطوان دوفور بإنتاج مَحافِظَ من أقمشة الحرير في بلدة تال، وأصبحت الشركةُ اليومَ مجموعةَ سيفار. |
١٨٣١ | حريق أوستر: عاملو المنازل في قطاع النسيج بمنطقة زيورخ أوبرلاند يُضرِمون النارَ في مصنع للغزل. |
١٨٤٧ | كاسبر هونيجر يقوم بإنشاء مصنع لإنتاج آلات النسيج في بلدة روتي (في كانتون زيورخ). |
١٨٥٩ | وفاة هاينريخ كونز «ملك مصانع الغزل»، وهو مثال يُحتذَى به بين أصحاب شركات الغزل. |
١٨٦٢ | كاسبر تانر يبدأ بصنع الحبال، وهذه كانت بداية شركة ماموت. |
١٨٦٦ | رودولف شولَر يساعد على إقامة مصنع لغزل الصوف يحمل اسمه في شافهاوزن. |
١٨٧٤ | مغازل القطن الرائدة تتفق على شروط محدَّدة لشراء القطن الخام، أول كارتيل سويسري. |
١٨٨٦ | تأسيس شركة لانجينتال لنسج أقمشة المفروشات، وهي اليومَ شركةُ لانتال للمنسوجات. |
١٩٠٠–١٩٩٩ | |
١٩٢٢ | تأسيس شركة أركيس في سانت جالن. |
١٩٢٣ | ليون فوجال يفتح أولَ محلٍّ له لبيع الملابس الداخلية في شارع ليماتكيه في زيورخ. |
١٩٤١ | إطلاق العلامة التجارية «كاليدا». |
١٩٨٤ | إطلاق العلامة التجارية «شتريلسون». |
منذ ٢٠٠٠ | |
٢٠٠٩ | فيليب جايدول يشتري سلسلةَ محلاتِ أزياء فوجال للملابس الداخلية. |
لكن أداء دورٍ حاسم في بناء اقتصادٍ حديث لا يضمن بالضرورة القدرةَ على البقاء والاستمرار؛ فقد دفعت اقتصاديات الإنتاج المكثف للمنسوجات أصحابَ المصانع إلى البحث عن أماكن أخرى تكون فيها تكلفةُ الإنتاج متدنية؛ لأن قوانين العمل في سويسرا كانت صارمةً وتكلفةُ اليد العاملة لم تكن منخفضة، وفي سويسرا — كما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة — كان زوال الإنتاج المكثف للمنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة أمرًا لا مفرَّ منه، وما حلَّ محلَّ ذلك هو أعمالٌ تجارية ذات قيمةٍ مضافة عالية؛ حيث إن كثافة رأس المال وارتفاع معدلات إعادة الاستثمار وحماية العلامات التجارية الفاخرة من شأنها أن تحقِّق الأرباح، وليس هناك ما يشير إلى أن هذه الشركات سوف تُواجِه في تقدُّم مسارها المستقبلي أيَّ شيءٍ آخَر سوى الازدهار.