الآلات الصناعية السويسرية الجبارة
بحلول القرن الثامن عشر، بدأ عصرٌ جديدٌ في أوروبا، عصرٌ اجتمعت فيه قطاعات العمالة ورءوس الأموال والأسواق والتكنولوجيا لكي تُغيِّر جذريًّا وإلى الأبد نمطَ النشاط البشري وتحوِّله من مجتمع ريفي يجاهد لتحصيل رزقه إلى مجتمع حضري يعتمد على صناعة منظَّمة. ولقد ساهم العديد من العوامل في تسيير عملية التصنيع من خلال سلسلةٍ معقَّدة من المسبِّبات والنتائج. كان الناس ينتقلون بشكلٍ مُتزايد من الريف إلى المدن، وجرى استغلالُ أشكالٍ جديدة من الطاقة، وبدأت وسائلُ نقلٍ جديدة في الظهور، كما أصبحت رءوسُ الأموال المتراكمة متاحةً للاستثمار، وكانت الآلة هي التي حفَّزت بداية هذا العصر الجديد وجعلت منه حقيقة قائمة.
***
في البداية، كانت دول أوروبية أخرى قد بدأت في تطوير الآلات التي دفعت عجلة التحوُّل الصناعي في أوائل القرن الثامن عشر، أمَّا سويسرا فلم يكن لها باعٌ كبير في مجال مهارات صناعة الآلات ولا في مجال الاختراعات، ومع ذلك كان مُقدَّرًا لها أن تلحق بالرَّكْب بسرعةٍ ملحوظة، وبمجرد أن فهمت قواعد اللعبة، بات في استطاعتها البقاء في الطليعة طوال المراحل اللاحقة من الثورة الصناعية، وهي مكانة لا تزال تحتفظ بها في العديد من المجالات الصناعية المتخصِّصة.
إن قصة تطوُّر القطاع الهندسي في سويسرا تتجسَّد في مزيجٍ من النضال والانتصار؛ ومِنْ ثَمَّ التكيُّف في مرحلةٍ لاحقة.
ثورة صناعية مستوردة
في عام ١٧٦٠، عندما صرَّحَ عضو مجلس مدينة زيورخ يوهان كاسبر هيرتسل قائلًا: «لا يُمكننا أن نفتخر بأي اختراع ما عدا أننا نُتقن التقليدَ بذكاءٍ وبأسعار معقولة.» كان مُصِيبًا في تشخيصه لوضع سويسرا في المرحلة الأولى من الثورة الصناعية. كانت هذه الثورة السويسرية قد بدأت مسيرتها متشبِّثةً بأذيال التقدُّم الصناعي الذي شهدته بريطانيا في بادئ الأمر، وذلك بالتقليد عوضًا عن الابتكار. فعندما جاء تشارلز براون إلى فينترتور للعمل لحساب شركة سولزر، كان قد جلب معه النُّسَخ الأصلية للمحرِّك البخاري الذي صمَّمه جيمس وات، كما أن شركة ساندوز (حاليًّا نوفارتِس) تحايَلَتْ على قواعد حماية الملكية الفكرية الفرنسية لدعْمِ انطلاقةِ قطاعِ صناعة الأدوية الحديث في سويسرا، وفي الواقع، تجاهَلَ السويسريون تمامًا — ولفترة طويلة — قواعدَ حمايةِ الأفكار والاختراعات الصناعية، وربما كان ذلك بسببِ إدراكهم أنهم يفتقرون إلى عناصِرَ معينةٍ تَحُول دونَ قدراتهم على إحداث التحول الصناعي.
ولكن بمجرد أنْ تطوَّرَ السويسريون من مقلِّدين إلى مُخترِعين في فترة وجيزة جِدًّا، أصبحت حماية الملكية الفكرية ميزةَ تفوُّقٍ لا عائقًا، ولما بدأ المُبدعون السويسريون في أخذ زمام المبادَرة في الصناعات الغنية بالتكنولوجيا مثل الهندسة الميكانيكية، أصبح المُخترِعون السويسريون يُقْبِلون بنحوٍ متزايدٍ على تسجيلِ براءاتِ اختراعاتِ منتجاتهم في الخارج، وبعد ذلك كانوا يجلبون هذه الاختراعات إلى أرض الوطن. وأخيرًا في عام ١٨٨٧، وبعد قليل من المقاوَمة، صوَّتَ الناخبون السويسريون لصالح قانون حماية براءات الاختراع (على الرغم من أن هذا القانون لم يُطبَّق إلا في عام ١٩٠٧ على المواد الكيميائية، وكان لا بد من الانتظار حتى عام ١٩٥٧ لتطبيقه على قطاع المنسوجات). لقد كان السويسريون على صواب في ذلك؛ لأنهم مع مرور الوقت، باتوا بحاجةٍ إلى حمايةِ اختراعاتهم، فقد تضاءلت شيئًا فشيئًا قدرةُ السويسريين على المنافسةِ أمام تقنيات الإنتاج الضخم والمُنخفِض التكلفة، التي تطوَّرت في الولايات المتحدة واعتمدتها بلدانٌ أوروبية كبيرة؛ ومن ثَمَّ كان على السويسريين إذًا اللجوء إلى صناعةِ منتجاتٍ متفوِّقة تعتمد على الابتكار، ولا تزال هذه الاستراتيجية قائمةً حتى اليوم في القطاع الهندسي السويسري، إلا أن هذا النهج (كما سيُعرَض لاحقًا) يشابه إلى حدٍّ بعيد مسابقاتِ اللياقة البدنية التي غالبًا ما تكون مزايا التفوُّقِ فيها مؤقَّتة، ومن المُحتَّم تقريبًا أن تنجح المنافسة في اللحاق بركْبِ التقدم أو في إيجاد بدائل أقل تكلفة، ويتوقَّف مستقبلُ النجاح السويسري على قدرة الاستمرار بالفوز في سباق التنافس الذي لا يعرف هوادة.
ماذا عن براءات الاختراع؟
بدأ عصر الآلة في سويسرا عندما باشَرَ منتجو المنسوجات صناعة آلات الغزل والنسيج من أجل استخدامَهم الخاص، وبعد أن اكتشفوا أنهم قادِرون على جعل آلاتهم أكثر فعاليةً من آلات مورِّديهم، وجدوا أن بيع الآلات يمكن أن يكون مربحًا للغاية أيضًا. هكذا كان الأمر بالنسبة إلى هانس كاسبر إيشر، ابن تاجر الحرير الذي أنشأ بصحبةِ المصرفي سالومون فون فيس شركةً لغزل القطن باسم إيشر فيس في زيورخ عام ١٨٠٥. كان إيشر ضابطًا في الجيش السويسري مما أتاح له زيارةَ شركةِ الغزل في مدينة سانت جالن، حيث كانت الآلات الأولى للغزل من صُنْعِ مهندسين بريطانيين قيد الاستخدام منذ عام ١٨٠٠ في سويسرا، كان إيشر قد درس في أرقى مدرسة بريطانية للهندسة الميكانيكية، وبذلك كان على درايةٍ تامة بأحدث التقنيات، استعار إشر آلةً من شركة الغزل في سانت جالن، وبمساعدةِ تقنيٍّ من ولاية ساكسونيا، استطاع تقليدَ الآلة لاستخدامه الخاص (وكان كذلك قد جمَعَ معلوماتٍ كافيةً لتطوير معرفته بكيفيةِ مُعالَجةِ المعادن من خلال عدة رحلات استكشافية إلى فرنسا)، ثم بعد ذلك قام بتطبيق هذه المعرفة في مصنعه الخاص الذي كان عندئذٍ في عام ١٨١٠ يضم ٥٢٣٢ آلةَ غزلٍ تعمل بالطاقة الإنتاجية القصوى.
قرار عملي يتحلى بالواقعية
كان عدد الموظفين لدى إيشر ١٢ عاملًا، لكنه لم يكن يحتاج إلا إلى ثلث هذا العدد لتشغيل آلاته، وفي ظل هذه الظروف، اتخذ قرارًا عمليًّا يتَّسم ببُعْدِ النظر، فبدلًا من إقالة العمال الزائدين عن حاجته قام بتشغيلهم في تصنيع آلات غزل قام لاحقًا ببيعها لمصانع النسيج الأخرى، وبفضل هذا القرار الذكي، تحوَّلَ أصحاب المصانع الأخرى من منافسين يَخشونه إلى زبائن يُكنُّون له الاحترام، وفي العام التالي أنشأ ابنه ألبرت إيشر مصنعًا لإنتاج الآلات، وسرعان ما بدأ بتصدير هذه الآلات إلى الخارج.
كانت أسرة ريتر في فينترتور قد اتبعت نفس المسار، فشركة ريتر التي أُنشِئت في عام ١٧٩٥ بصفتها مؤسسة تجارية، كانت بحلول عام ١٨١٠ قد اكتسبت حصصًا في العديد من شركات الغزل، وللمساعدة على صيانة المعدات، أنشأ هاينريخ ريتر — ابن مؤسس الشركة — مشاغلَ هندسيةً تحوَّلت بسرعةٍ لتُصبح مصنعًا لإنتاج الآلات، وفي عام ١٨٢٦ بدأ هاينريخ ريتر بتصنيع آلات نسيج خاصة به وتطويرها من خلال التجسُّس الصناعي في بريطانيا، وإدخال تحسيناته الخاصة عليها، وفي عام ١٨٢٩ بنى مصنعه الخاص لسباكة الحديد، وهذا أمرٌ يُعَدُّ شرطًا أساسيًّا للنجاح في مجال الهندسة الصناعية. أدرك أفراد الجيل التالي من عائلة ريتر أن الطلب على الآلات لا يقتصر على قطاع الغزل والنسيج، وبدءوا عندئذٍ بالتنويع، فإلى جانب المغازل وآلات النسيج والتطريز التي كانت منتجاتِهم الأساسية، أضافوا وحداتِ نقلِ القدرة، ولاحقًا المولِّدات والتوربينات والمحرِّكات، وقد أظهر التنويعُ الذي قامت به عائلة ريتر أن المهارة الهندسية في تصنيع مُنتَج ما كانت في تلك الفترة أكثر أهميةً من امتلاكِ قنواتِ التوزيع، أو الاهتمام بالعلاقة مع الزبائن.
من مقلِّدين إلى مبدعين
لم يكن ريتر الوحيدَ الذي أدرك أن وجود مصنع لسباكة الحديد هو شرطٌ أساسي للنجاح في مجال الهندسة، وبالرغم من افتقار سويسرا نسبيًّا إلى الموارد الطبيعية، فإنها كانت تمتلك مصدرًا من الحديد الخام القابل للاستخراج بكمياتٍ متواضِعة، وكان يُستغَل فعليًّا في القرن الثامن عشر، بدأت مَصاهر المعادن وأفران السباكة تظهر إلى الوجود خلال العقد الأوَّل من القرن التاسع عشر. وفي مدينة شافهاوزن، حاوَلَ يوهان كونراد فيشر التمرُّسَ في عمليةِ صبِّ الفولاذ في ورشة النحاس التابعة له، وكان أولَ شخصٍ يقوم بهذا العمل خارج بريطانيا، وكان فيشر قد قام بزيارة مطوَّلة إلى بريطانيا، وكانت النتيجة أنه بحلول عام ١٨٤٥ كان قد أتقن مهارةَ صبِّ الفولاذ.
كان هناك رائدٌ آخَر وهو كاسبر هونيجر الذي وُلِدَ عام ١٨٠٤ وترعرع في كنف عائلة متواضِعة الدخل، وكان خامس أطفالها، وبالرغم من أنه كان مريضًا وحديثَ السن، إلا أنه اضطرَّ للعمل في مصنع الغزل الذي بناه والده، وفي سن الخامسة عشرة أصبح هو المُشرِف على المصنع، ثم في سن السابعة عشرة أصبح المديرَ الفني. وعندما رأى — لأول مرة — آلات النسيج المستوردة عرَفَ على الفور عيوبَها التقنية، وشَرَعَ في بناءِ نُسَخٍ منها بعد إدخال التعديلات التي رآها لازمةً عليها. ونظرًا لافتقاره إلى التدريب التقني قرَّرَ العملَ في ضوءِ ما تعلَّمَ من تجربته لكشف النقائص وتعديلها، وكانت النتيجة في عام ١٨٤٢ ظهورَ آلةِ النسيج «هونيجر» التي كانت في ذلك الوقت أحسنَ آلةٍ من نوعها، وبين عامَيْ ١٨٤٨ و١٨٦٧ صنعت شركة هونيجر ٣٠ ألف آلة نسيج، وبحلول خمسينيات القرن التاسع عشر كانت آلاتها قد حلَّتْ محلَّ الآلات البريطانية، وفي غضون ثلاثة أو أربعة عقود تحوَّلَ المقلِّدون السويسريون إلى مُبدعِين صنعوا أحسنَ الآلات في العالم.
الصناعة في حاجةٍ دائمًا إلى الطاقة
كان المحرِّكُ البخاري الابتكارَ الهندسي الأساسي الذي أحدَثَ ثورةً في الاقتصادات للمرة الثانية بعد نصف قرن فقط من ظهور آلات الغزل الميكانيكية. فمن دونَ البخار ما كان ثَمَّة وجودٌ لقطاراتٍ تنقل المواد الخام الحيوية ولا لأجهزةٍ تشغِّل آلات الإنتاج وتُوفِّر من ثَمَّ في القوى العاملة، إلا أنَّ تقنيةَ البخار قد جاءت في وقتٍ متأخر إلى سويسرا، التي تفتقر إلى المادة الحيوية الضرورية لإنتاج قوة البخار، ألا وهي الفحم، وكان افتقار سويسرا إلى الفحم (والكميات المتواضِعة التي لديها من الحديد الخام) أمورًا أعاقت تطوير مصانع السباكة؛ إذ إن ما يتطلَّبه صهر المعادن وسبائك الفولاذ للصناعات الثقيلة من مصادر طاقة عالية وحرارة شديدة لم يكن متوافِرًا أيضًا.
إن عدم توافر مادة الفحم في سويسرا قاد روَّادَ الصناعة في وقت مبكر إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة، وهذا ما ساعَدَ البلادَ على تجنُّبِ اثنين من أكبر تحديات الرأسمالية وهما: نقابات العمال والتلوث.
حيثما توجد الجبال توجد أيضًا المياه، وسويسرا تتوافر فيها الاثنتان معًا، فجبال الألب تحصُر المياه، ثم تقوم بتسريع حركتها عبر مجارٍ لا تُحصَى ولا تُعَد تَنطلِق من أعلى قِمَمِها، وفي كل مكان تقريبًا — من منطقة آباخ في زيورخ أوبرلاند، مرورًا بشلالات نهر الراين بالقرب من نيوهاوزن، وصولًا إلى نهر الرون في جنيف — استغل أصحاب المصانع طاقة المياه، وسَعَوْا منذ البداية إلى جعلها أكثر كفاءة. ففي عام ١٨٣٤، على سبيل المثال، طوَّر إيشر فيس ناعورةَ مياه مجهَّزة بنظامِ نقلِ حركةٍ يعمل بالتروس المسنَّنة لزيادة قدرتها الإنتاجية، وكانت هذه بدايةَ بناءِ التوربينات الهيدروليكية التي تخصَّصت فيها الشركةُ طوالَ عقودٍ عديدة، وحاليًّا توفر المياه ما يعادل ٥٦ في المائة من احتياجات سويسرا للطاقة، وهذه واحدة من أعلى النِّسَب في العالم.
في نهاية المطاف كان لا بد من اللجوء إلى البخار
غير أن نواعير المياه لم تَعُد تُوفِّر الطاقة الكافية للمصانع التي كانت تَكبُر وتنتشر أكثر من أي وقتٍ مضى، ولهذا السبب بدأ فيس في البداية بتطوير محرِّكات بخارية بمساعدة مهندسين بريطانيين، وذهبت الشركة إلى أبعد من ذلك بتثبيت هذه الآليات في السفن الحديدية التي كانت قد بدأت ببنائها في نفس الفترة. كانت السفن تُسلَّم جاهزةً تمامًا، بدءًا من المحركات وصولًا إلى ستائر المقصورات، وكانت السفن الأولى قد صُنِعت للاستخدام على البحيرات السويسرية الكبرى، لكن هذه الصناعة سرعان ما تحوَّلت إلى قسم متخصص اكتسب شهرةً عالمية، وبات ينافس شركاتِ صناعةِ السفن في هامبورج وروتردام وأوسلو، أمَّا اليومَ فالدليلُ الوحيد على النجاح الذي حقَّقه إيشر فيس في هذا القطاع هو مسرح في مدينة زيورخ اسمه «شيفباو»؛ أيْ ما معناه (بناء السفن).
كان البخار ابتكارًا غيَّرَ قواعدَ اللعبة، وقد أدرك يوهان جاكوب سولزر أهميةَ المحرِّكات البخارية عندما سافر إلى بريطانيا للمرة الأولى في عام ١٨٤٩. كان سولزر واحدًا من أفرادِ عائلةٍ من فينترتور، ناشطةٍ في مجال المعادن، وكان والِدُه قد أرسله بصحبة أخيه سالومون إلى فرنسا وألمانيا لتعلُّم تقنياتِ صبِّ المعادن، وعندما كان في بريطانيا، قام بتوظيف رجل يُدْعَى تشارلز براون، وهو مهندس كان له لاحقًا أثرٌ ملحوظ في مجال الصناعة السويسرية.
كان براون قد ترعرع في وولويتش على ضفاف نهر التايمز في قلب منطقة أحواض السفن في لندن، وكان قد تدرَّبَ طوال ٦ سنوات على بناء المحرِّكات البخارية، وعندما أتى إلى مدينة فينترتور في عام ١٨٥١، كان يبلغ من العمر ٢٤ عامًا، وجلب معه النُّسَخَ الأصلية لمحركات بخارية كان قد سرقها من مكان عمله في بريطانيا، إلا أنه لم يكتفِ بسرقة التصاميم، بل قام — بمجرد وصوله — بتوسيعِ وِرَشِ العمل، وقسم سبك المعادن، وقسم صناعة المراجل؛ ليجعل منها مصنعَ محركاتٍ متكاملًا. وفي عام ١٨٥٤ أنتجت الشركة أولَ محركاتها البخارية بقوة ثلاثة أحصنة، وخلال المعرض العالمي في باريس في عام ١٨٦٧ عُرِضَ اختراعٌ رائد لبراون، وهو محركٌ بخاري مزوَّد بصمامات، ومرةً أخرى تحوَّلَ السويسريون من مقلِّدين إلى مبدعين. كان هذا الاختراع الهام الذي حاز على الجائزة الأولى في المعرض قد صنع الشهرة العالمية للإخوة سولزر، وخلال العشرين سنة التي عمل فيها براون لدى الشركة تضاعفت قوتها العاملة من ٥٠ إلى ١٠٠٠ شخص؛ أيْ بمقدار ٢٠ ضعفًا.
كان على الإنجليز أن يكونوا أكثر حذرًا
لم تكن الطاقة البخارية التطور الوحيد الذي قاد نمو القطاع الهندسي السويسري، وهذا ما تؤكِّده قصة النمو الملحوظ الذي حقَّقته شركة ساورر، التي كوَّنت ثروتها من خلال تصنيع الآلات التي تعمل بالطاقة اليدوية. كان فرانس ساورر — ابن مزارع — قد قام بإنشاء مصنعه الخاص لسبك المعادن في عام ١٨٥٣؛ حيث كان يصنع أثاث الحدائق وأُطُر الأسِرَّة، ولكنه في عام ١٨٦١ تزوَّجَ من أرملةِ رجلِ أعمالٍ متخصِّص بصناعة آلات النسيج ومكونات آلات التطريز في مدينة آربون. كان حرفيو مهنة التطريز في سانت جالن قد حاولوا جاهدين — ولفترة طويلة — الاستعاضة عن العمل اليدوي بآلاتٍ صناعية لكنْ دونَ جدوى، وكان ذلك يبدو لهم مستحيلًا تقنيًّا حتى عام ١٨٦٦ عندما بعث فرانس ساورر ابنه أدولف إلى شركة وورين وهويكينسون في مدينة مانشيستر؛ حيث تمكَّنَ من الاطلاع على كيفية صنع الآلات اليدوية للتطريز.
ولدى عودته إلى مصنع والده، وضع أدولف الأفكارَ التي تعلَّمها هناك حيِّزَ التنفيذ، وبعد مرور ثلاث سنوات أُنتِجت أول آلة في ورشة آربون، وبحلول عام ١٨٧٠ كانت الشركة التي يديرها فرانس ساورر وابناه أدولف وأنطون قد أنتجت ٩٩ آلةَ تطريزٍ تُشغَّل يدويًّا، وفي الأعوام الثلاثة التالية باعت الشركة ٢٧٧ آلة، ثلثها صُدِّر إلى الخارج. وبعد وفاة فرانس تولَّى أدولف رئاسةَ الشركة وقادها نحوَ إنجازاتٍ تقنية جديدة؛ ففي عام ١٨٨٩ فازت الشركة بالميدالية الذهبية في المعرض العالَمي في باريس، وفي المعرض التالي، أيْ في عام ١٩٠٠، حازت شركة ساورر على الجائزة الكبرى لآلة الحياكة المزدوجة التي كانت تعمل بالطاقة البخارية، وعند وفاة أدولف في عام ١٩٢٠ كانت الشركة في أربون تشغِّل قرابة ٣ آلاف شخص، واستمرت في احتلالِ مركزِ الصدارة في صنع آلات النسيج والآليات طوال عقودٍ من الزمن.
عقل السيد تشارلز براون الخلَّاق
قال نيكولاي كوندراتييف، رجل الاقتصاد الروسي المعروف، إن الابتكارات الأساسية غالبًا ما تُفضي إلى فترات طويلة من الازدهار الاقتصادي، ولعلَّ واحدًا من أمثال هذه الابتكارات هو المحرِّك البخاري، وكما سبق ذكره هنا، فإن المهندسين السويسريين لم يأخذوا زمام الأمور في هذا المجال ليُصبِحوا في الطليعة إلا بعد انقضاء فترة من الزمن، وعلى النقيض من ذلك، ففي مجال الابتكار العظيم التالي — أي الكهرباء — كان السويسريون مُبدِعين واحتلُّوا مركز الطليعة منذ البداية، ولتحقيق ذلك لجئوا مجدَّدًا إلى عبقرية تشارلز براون.
بقدوم براون حوَّلت شركة أورليكون اهتمامها نحو مجال توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها، وكان هذا المجال يُمثِّل آنذاك أحدثَ التقنيات ومحطَّ أنظار أوساط الابتكار العلمي، وبالرغم من أن مهندسًا ألمانيًّا يُدْعَى فيرنر فون سيمنز كان قد اخترع المغناطيس الكهربائي في عام ١٨٦٧، فإنه لم يتمكَّن من حلِّ مشكلة نقل تيار الجهد العالي المتردِّد عبر مسافات طويلة، وفي شركة أورليكون، أنشأ براون قِسْمًا مختصًّا بالكهرباء لمعالجة هذه المشكلة، وبالرغم من أنه ترك العمل في شركة أورليكون بعد بضعة أشهر فقط ليتولى وظيفةً في بلده الأم، فإنه كان قد عيَّنَ بديلًا يوازيه في الموهبة، وهو ابنه تشارلز يوجين لانسيلوت براون، الذي لم يكن عمره آنذاك يتجاوز ٢١ عامًا.
تشارلز براون واحد لا يكفي
رُقِّي براون الابن بسرعةٍ إلى مديرِ قسمٍ في شركة أورليكون، حيث استطاع في العام الثاني فقط من تاريخِ تولِّي منصبه حلَّ المشكلة التي استعصَت على شركة سيمنز. وفي عام ١٨٨٦ قام بمد كبل (حزمة أسلاك) يصل بين محطة توليد كهرومائية صغيرة على نهرٍ في منطقة كريجشتيتن ومدينة سولوثورن على بُعْد ٥ أميال، وكان هدفه من ذلك تشغيل المخارط بكفاءة تصل إلى ٦٥ في المائة، وقد كتب براون لزميلٍ له في العمل قائلًا: «إذا نجحت هذه التجربة، فسأكون قد حقَّقت إنجازًا عظيمًا.» إذ حتى ذلك الحين لم ينجح أحد في تحقيقِ ما يقارب هذه النسبة من الكفاءة.
كانت نتيجة هذه التجربة مذهلةً للعالَم الصناعي، فقد حقَّقَ كفاءةً بلغت ٧٥ في المائة، والأهم هو أنه نجح في ذلك باستخدام التيار المباشِر الذي يصعب نقله. وللحد من الخسارة في منسوب النقل الكهربائي، سرعان ما انتقل براون إلى استخدام التيار المتردِّد من خلال مُولِّد كان قد صمَّمه بنفسه لإنتاج تيار بتوتُّر مقداره ٥٠ فولت، ثم قام بتمرير هذا التيار عبر محول كهربائي يرفع التوتر إلى ١٥٠٠٠ فولت، وعند الطرف الآخر من الكبل أعاد تخفيض التوتر التيار إلى ٥٠ فولت. قدَّم براون هذا الابتكار في عام ١٨٩١ خلال الدورة الأولى لمعرض فرانكفورت للكهرباء، وللقيام بذلك استخدم سلكًا للتوتر العالي بطول يفوق ١٠٠ ميل، ووصله إلى محطة توليد طاقة كهرومائية في لاوفِن على ضفاف نهر نيكار حتى فرانفكورت، وهناك أمام جمهور غفير، قام بإضاءةِ ألفِ مصباحٍ كهربائي في وقتٍ واحد على شكلِ شلالِ مياهٍ اصطناعي يذكِّر الناظرين بمصدرِ استخراج الكهرباء، وأمام هذا الإبداع المنقطع النظير، اكتسب المهندسُ الشابُّ شهرةً عالميةً واسعةً.
إنكليزي متقلِّب المزاج وسويسري صلب
الآن وقد أصبح بالإمكان نقل الطاقة عبر مسافات شاسعة، بقي التحدِّي القائم هو جعل توزيعها مُجْدِيًا تجاريًّا، لا شك أن براون كان مهندسًا عبقريًّا، إلا أنه كان قليلَ الاهتمام بميدان التجارة، وكان شريكه الذي يهتم بالجانب التجاري لأعماله الهندسية رجلًا ألمانيًّا اسمه فالتر بوفيري، كان قد الْتَحقَ بشركة أورليكون في عام ١٨٨٥ لاكتساب الخبرة في العمل بصفته مهندسًا، وقد كتب ابن بوفيري لاحقًا ما يلي: «كانت شخصية براون عبارة عن مزيج من الحيوية والأنانية والرومانسية، وعلى الرغم من ذكائه المتميِّز، كان له بعضٌ من ملامحِ طِباع «دون كيخوته».» وبينما كان براون يلاحق آخِر المستجدات الباهرة في مجال التكنولوجيا (أو يَميل إلى مُقارَعة طواحين الهواء)، كان بوفيري يستقطب الزبائن، ويزيد من الموارد المائية، ويعتني بإدارة الموظفين.
شخصيتان متناقضتان تحت المجهر
كان الفضل في نجاح شركة براون بوفيري يعود بالأساس إلى مزيجٍ من براعة ابتكار أحدهما ومعرفة الآخَر بخبايا عالَم التجارة، إلا أن الرجلين لم يكونا متوافقَيْن في المزاج؛ فبراون كان رجلًا غريبَ الأطوار، تسبَّبَ في إقلاق سكان بلدة بادن باللعب على دراجة أحادية العجلات في ساحة مدرسة، أو بالظهور خلال ليلة الكرنفال وهو يرتدي زِيَّ راقصةٍ شابة متحجِّبة، وفي عام ١٩١١ حين كان عمره ٤٨ عامًا، اختلف براون مع شريكه بسبب مراقبة التكاليف، واستقال من منصب رئيس الشركة، وبعدَ أن سافَرَ في جميع أنحاء العالم عاش تقاعُدَه بسعادةٍ في كانتون تيسين حتى توفِّي في عام ١٩٢٤، أمَّا بوفيري فقد واصَلَ بناءَ الشركة ليجعل منها شركةً ذات شأن دولي ساعدت على إيصال الكهرباء إلى العالَم، ولم يكن راضيًا قطُّ عن الأداء التجاري للشركة، وعلى عكس شريكه السابق، فقد كان رجلًا ساخطًا عندما وافته المَنِيَّة بعد ستة شهورٍ من وفاة براون.
كانت شركة براون بوفيري آخِرَ الشركات الكبرى التي شاهدت النور خلال عصر إدخال الكهرباء إلى مجال الهندسة السويسرية، لكن كان هناك بعض الشركات الأخرى التي نشأت أيضًا في تلك الفترة وازدهرت بفضل الظهور السريع للطاقة الكهربائية بصفتها تقنية استطاعَ بها السويسريون احتلالَ مركزِ الريادة، وكانت إحداها شركة موتور كولومبوس. وباتِّباع التقدُّم الذي أحرزته شركة براون بوفيري، كانت سويسرا حريصةً على إيصال الكهرباء إلى جميع أرجاء البلاد، غير أن بناء التجهيزات اللازمة لذلك كان يتطلَّب رأسَ مالٍ كبيرًا، في حين أن مُعظَم مناطق البلاد كانت لا تزال فقيرة، وكان الحل لهذه المشكلة يَكمُن في إنشاءِ نوعٍ جديد من الشركات، بحيث لا تكون شركات صناعية ولا مصارف، بل مزيجًا من الاثنين، كانت شركة موتر آي جي شركة مساهمة (اندمجت في وقت لاحق لتُصبح شركة موتور كولومبوس) ناشطةً في مجالِ بناءِ وتمويلِ وصيانةِ محطات الكهرباء، وكان فالتر بوفيري رئيسَ مجلسِ إدارتها، وكانت كلُّ محطة كهرباء جديدة تُبنَى وتُدار من طرف شركة موتور كولومبس تستخدِم مُعَدَّاتٍ من إنتاج شركة براون بوفيري.
شركة براون بوفيري لم تكن الوحيدة في مجالها
كانت هناك شركات هندسية أخرى بدأت بالازدهار خلال الفترة نفسها، ففي بداية القرن التاسع عشر، كانت شركة بوخر الصناعية — التي أصبحت اليومَ شركة عالمية ناشطة في مجال صناعة الماكينات والآليات — قد بدأت نشاطها في دكانِ حدادةٍ في قرية مورتسيلن، واليومَ يعمل فيها حوالي ٧٢٠٠ شخص، ٩٠ في المائة منهم خارج سويسرا، وتُناهز مبيعاتها ٢٫١ مليار فرنك سويسري. وفي أواخر القرن، قام جوزيف بوبست بإنشاء شركة في مدينة لوزان لصناعة اللوازم التي تحتاجها شركات الطباعة، ومن هذه البداية، نشأت مجموعة بوبست التي أصبحت موردًا عالميًّا في مجال عُلَب الكرتون القابلة للطي وصناعة الورق المُموج، ويبلغ عدد العاملين فيها ٥٥٠٠ شخص، وتحقِّق مبيعات سنوية تبلغ قيمتها مليار فرنك سويسري. وهناك أيضًا شركة أخرى تناهز إيراداتها المليار فرنك، وهي مجموعة أمان التي واصلَتِ العملَ على مدى خمسة أجيال في صناعة وبيع الآليات والأنظمة الآلية والخدمات لمُعالَجة الأسفلت لتعبيد الطرقات.
جذور العولمة
في حين كانت المنافسة في الأسواق العالمية تنمو خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم تكن هناك حاجةٌ كبيرة للأفكار والابتكارات الجديدة بقدر ما كانت الحاجة ماسَّةً إلى فنيِّين ذوي قدرة على ضبط التكاليف ودراية كافية بالمُنتَجات، وإلى مديرين على وعي تام بقواعد وأوضاع الأسواق العالمية. بدأت الشركات السويسرية في توسيع نشاطاتها في الخارج، ويعود ذلك جزئيًّا إلى سياسات القوى الاقتصادية التي كانت سائدةً خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر؛ فعلى سبيل المثال، رفعت فرنسا رسومها الجمركية بمقدارٍ كبير بعد هزيمتها أمام الإمبراطورية الألمانية الجديدة في عام ١٨٧١، وبعد الأزمة التي نتجت عن انهيار سوق الأسهم في عام ١٨٧٣، حذَتْ بلدان أخرى حذْوَ فرنسا ورفعت رسومها الجمركية بانتظام في مواجهة المنافسة التي كانت حِدَّتُها تشتدُّ بشكل مستمر، وكان الحل الوحيد أمام الشركات الصناعية يتمثل في توسيع إنتاجها في الخارج، ومن المفارقة أن إجراءات الحماية هذه هي التي جعلت السويسريين سبَّاقين في التحول إلى مصنِّعين محليين في الأسواق الخارجية واكتساب مكانة رائدة في السباق نحو العولمة.
وفي عام ١٨٤٠ كان ألبرت إيشر صانع آلات الغزل المعروف، قد كتب لأبيه من مدينة فيينا مُعبِّرًا عن قلقه أن سوق بيع الآلات في سويسرا قد أوشك على الوصول إلى مرحلة التخمة، وكانت هذه أولى الدلائل على أن الشركات السويسرية باتَتْ بحاجة ماسَّة إلى التوسع لكي تصبح شركات ناشطة على الصعيد العالمي، وعلى الرغم من أن البدايات كانت بطيئة نوعًا ما، فقد بدأت الشركات في بناءِ فروعٍ لها في جميع أنحاء العالم، وزيادة رءوس أموالها من أجل القيام بعمليات تزداد تعقيدًا باستمرار، وحماية أعمالها الدولية من خلال تسجيل براءات اختراعاتها.
من ميلانو إلى موسكو مرورًا بكوبي والقاهرة
في نفس العام الذي عبَّرَ فيه إيشر عن قلقه حول مستقبل الصناعة، بدأت شركة إيشر فيس في اكتساب حصص في أسواق البلدان المُجاوِرة، ومن أجل إنتاج آلات الغزل وتسويقها محليًّا، أسَّست الشركة التي يقوم مقرها في زيورخ شركة فرعية في النمسا في ليسدورف بالقرب من فيينا، وفرعًا آخر في مدينة رافينسبورج الألمانية. كذلك كان جورج فيشر قد أنشأ مصنعين للفولاذ في النمسا، وللتحايل على الرسوم الجمركية الألمانية بنى مصنعًا فرعيًّا في مدينة سينجين على الجانب الألماني من الحدود السويسرية الألمانية في منطقة بادن فورتمبورج، وفي عام ١٨٨١ قامت شركة سولزر بتأسيس شركة فرعية في مرفأ لودفيجسهافن الألماني على نهر الراين لبناء محرِّكاتها البخارية الرائدة في العالم، كما كان لها مكاتب بيع من ميلانو إلى موسكو والقاهرة وحتى كوبي في اليابان، ونتيجة لتعاونها مع الألماني رودولف ديزل، صنعت شركة سولزر محرك ديزل في عام ١٨٩٨، وجُهِّزت به السفن في البداية، وبعد ذلك صُدِّر بنجاح كبير لدرجة أنه في غضون بضع سنوات كانت كل سفينة من أصل اثنتين مزوَّدة بمحرك من صنع شركة سولزر. ومنذ البداية جعل فالتر بوفيري من شركة براون بوفيري شركة ناشطة على الصعيد الدولي، وفي عام ١٩٠٠ بدأت الشركة أعمالها في مدينة مانهايم بألمانيا، وكانت تشغِّل ٤٠٠ موظف، وسرعان ما استحوذت هذه الشركة الفرعية على الشركة الأم في بادن، وحتى قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، كانت شركة سولزر قد افتتحت فروعًا إضافيةً لها في كلٍّ من باريس وميلانو وأوسلو وفيينا.
نشأة التنظيم في صفوف القوى العاملة
كانت الضغوط الاجتماعية العالمَية ترسم ملامح القطاع الصناعي السويسري، فبدأت المواجهات تشتد بين القوى العاملة وأصحاب رءوس الأموال، وفي عام ١٨٨٨ شكَّلَ عدد من العمال رابطةَ عمَّال المعادن السويسريين، التي انضمت لاحقًا إلى الاتحاد العام لنقابات العمال السويسريِّين. كان أول إضراب عن العمل في شركة براون بوفيري قد حصل في عام ١٨٩٩، وابتداءً من عام ١٩٠٥ فصاعدًا حصلت إضرابات متكرِّرة في شركات أخرى، وخلال الحرب العالمية الأولى — التي كانت سببًا في النقص الحاد في المقومات الصناعية حتى في سويسرا المحمية والآمنة — اشتدَّ الصراع حتى وصل ذروته وحصل الإضراب العام في سنة ١٩١٨.
نجح المُضرِبون في الحصول على نظام ٨ ساعاتِ عملٍ في اليوم؛ أيْ ما يساوي ٤٨ ساعة عمل في الأسبوع، ولكن الركود الاقتصادي الذي تلا الحرب العالمَية الأولى أدَّى إلى تراجُع الحركة العمالية، وبحلول عام ١٩٢٠ كان اتحاد عمال المعادن الذي التحق به عمال صناعة الساعات قد خسر نصف عدد أعضائه. وعلى الرغم من أن النقابات قد فازت في عام ١٩٢٤ باستفتاءٍ عام لمنع زيادة عدد ساعات العمل إلى ٥٤ ساعة في الأسبوع بعَدِّه «إجراءً استثنائيًّا»، صرَّحَ سكرتير نقابة عمال المعادن كونراد إلغ لاحقًا أنه ضد الإضرابات، معترفًا أنه من الصعب الاعتراض على مطالب أصحاب العمل السويسريين؛ لأن أسعار المنافسين الأجانب كانت في العديد من الحالات أدنى بنسبة ٤٠ في المائة من أسعار المنتجين السويسريين.
أدَّى صعود النازية في ألمانيا إلى تخفيف حدة التوتر بمقدار إضافي عندما وجد أفراد الطبقات السويسرية المتعادية أنفسَهم فجأةً على نفس الجانب في صراعهم من أجل البقاء، وكانت الشراكة الاجتماعية الناشئة تتجلَّى في حلٍّ وسط على الطريقة السويسرية، أَلَا وهو «اتفاقية السلام» لعام ١٩٣٧، شارَكَ كونرا إلج وإرنست دوبي، رئيس اتحاد أرباب العمل آنذاك، ممثِّلي ثلاث نقابات عمال أخرى، بتوقيع الاتفاقية (في محاولةٍ للحفاظ على السلام من أجل استمرار قطاع الصناعة مما يخدم مصلحةَ جميع المهتمين بالمحافظة على الصناعات الهندسية والمعدنية السويسرية وتطويرها)، خلقت هذه الاتفاقية فكرة الميثاق الصناعي، وراعت إيجاد جو مناسِب للنظر في العديد من المسائل وتسويتها بروح من الشراكة ضمن إطار القانون المدني الخاص دون أيِّ تدخُّل من قِبَل الدولة.
مكاسب الحيادية ومتاعبها
كانت الحرب العالمية الأولى بمثابة نعمة للاقتصاد السويسري في العديد من النواحي؛ إذ أتاحت لهذا البلد الحيادي الاستفادةَ من القيود التي كانت مفروضةً على التجارة في بلدان أوروبا المنقسمة. وبما أن أهوال الحرب لم تؤدِّ إلى وقْفِ نشاطات الشركات السويسرية؛ كان السويسريون مورِّدين يَحظَوْن بالثقة. كما كانوا بارعين في التحكيم واستفادوا من انقطاع التوريد لدى منافسيهم أو عدم رغبة العملاء في شراء سلع أعدائهم، كما أن الحرب قد أوجدت فرصًا جديدةً نتجت عن هجرة الكفاءات ورءوس الأموال، وإن لم تكن كل الشركات السويسرية قد استفادت من ذلك، فعلى سبيل المثال، رحَّبت شركة روش بالكيميائيين الموهوبين من اليهود اللاجئين، في حين أَغْلقت شركاتٌ أخرى مثل ساندوز وسيبا جايجي (أصبحت اليوم نوفارتِس) الأبوابَ أمامهم خوفًا من الانتقام. وكان اثنان من الاكتشافات الأكثر ربحيةً في تاريخ شركة روش — وهما الفاليوم وفيتامين سي — من اختراع يهود هاجروا إلى سويسرا وعملوا في المنفى.
حقبة مظلمة في تاريخ أورليكون بوهرلي
لا توجد شركة أخرى ألحقَتْ ضررًا بسمعة سويسرا الحيادية، المعروفة بإسهامها في العمل الإنساني، بقدر الضرر الذي تسبَّبت به شركة أورليكون بوهرلي؛ ففي بداية عام ١٩٢٤ جاء رجل ألماني يُدْعَى إيميل بوهرلي إلى مصنع أورليكون لإنتاج الآلات والمُعدَّات مبعوثًا من طرف شركة مجدبورغ لصناعة الآلات، وهي شركة ألمانية للهندسة. كانت شركة أورليكون تشكو من أوضاع صعبة، ومن ثَمَّ اشترَتْها شركةُ مجدبورغ، واستطاع بوهرلي أن يُعِيدها إلى الإنتاج مجددًا مضيفًا إليها أصولَ شركة سيباخ التي صُفِّيتْ، والتي كانت تصنع مدافعَ ميدان لفوج المشاة التابع لقوة الدفاع عن الرايخ، وهي وحدة من الجيش الألماني القليل العدد الذي وُوفِقَ على بقائه قيد الخدمة بموجب معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى. وفي عام ١٩٢٩ — وبمساعدة والد زوجته الذي كان مصرفيًّا — اشترى بوهرلي حصة الأغلبية بشركة أورليكون، ثم استحوذ على الشركة برمتها في عام ١٩٣٧، وقد استفاد في البداية استفادةً كبيرة من الحرب؛ إذ إنه كان يبيع البنادق من سويسرا المحايدة إلى جميع الأطراف المتحاربة.
ولكن في عام ١٩٤٠ أعطى المجلس الاتحادي السويسري تعليماته إلى بوهرلي بأن عليه تزويد الجيش الألماني فقط دون سواه بالأسلحة (وكنتيجة لذلك، صنع البريطانيون أكثر من ٣٥ ألفًا من بنادق أورليكون، وصنع الأمريكيون ١٤٦ ألفَ بندقيةٍ دون دفع أيِّ رسومِ امتيازٍ للشركة)، وبعد الحرب انخفضت مبيعات شركة أورليكون إلى نسبة ١٠ في المائة فقط مما كانت عليه سابقًا، غير أن الشركة لم تلبَث أن بدأت بتزويد جانبَي النزاع خلال الحرب الباردة، كما أنها استغلَّت نهاية الاستعمار بوصفها فرصةً لبيع أسلحتها إلى البلدان الناشئة في شرق آسيا وأفريقيا. وفي عام ١٩٧٠ حُوكِم ديتر ابن بوهرلي أمام المحكمة الاتحادية بتهمة بيع أسلحة بشكل غير قانوني لمجموعة من الدول منها جنوب أفريقيا ونيجيريا، وتزوير «تراخيص تحديد المستخدم النهائي»، وحُكِم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام مع وقف التنفيذ ودفع غرامة مالية.
مورِّدون لجميع الأطراف
خلال فترة ما بعد الحرب، شهد قطاع الصناعات الهندسية في الأسواق العالمية نموًّا هائلًا في مجال الإنتاج الواسع النطاق، غير أن الإنتاج المكثَّف لم يكن واحدًا من مكامن قوة سويسرا؛ فالشركات السويسرية اكتسبت أهميةً متزايدة لكونها شركاتِ توريدٍ موثوقًا فيها، خاصةً في مجال مكوِّنات صناعة السيارات، في حين ساهمت شركاتٌ سويسرية قائمة منذ أمد طويل — مثل براون بوفيري وسولزر وإيشر فيس — بما لديها من تقنيات موثوق فيها ومُثبتة الجدارة في إعادة بناء أوروبا التي مزَّقَتْها الحرب.
ونتيجةً لذلك، ارتفع معدَّل صادرات قطاع الهندسة بشكلٍ هائل خلال الستينيات، فعلى سبيل المثال، كان النمو السنوي يُقدَّر ﺑ ١٦ في المائة، وفي أواخر الستينيات كانت صادرات هذا القطاع تمثِّل ثلث صادرات سويسرا، وأصبحت الصناعة حجرَ الأساس في الاقتصاد السويسري؛ إذ كانت قيمة مبيعاتها من الصادرات تفوق قيمة مبيعات قطاعَيِ المواد الكيماوية والساعات مجتمعَيْن، وكان عدد العاملين في قطاع الهندسة يناهز ٥٠٠ ألف شخص؛ أيْ واحدًا من أصل كل ستة عمَّال في سويسرا، وبذلك كان القطاع أكبر مَورِد للعمالة في البلاد.
يَميل قطاع الآلات إلى تحقيق نجاح باهر أو فشل ذريع، فالطلبات على الآلات تتهاطل عندما تكون الدورة الاقتصادية مُنتعِشة؛ إذ يهرع أصحاب المصانع إلى زيادةِ قُدْرتهم الإنتاجية لتلبية الطلبات المُتزايدة، وتنقطع هذه الطلبات بمجرد ظهور أول بوادر الانكماش، فيضطر أصحاب المصانع إلى كبْحِ جماح طاقة إنتاجهم، وفي مثل فترات التراجُع هذه عادةً ما يتعين على الشركات خفْضُ تكاليفها، وغالبًا ما تكون أسرع طريقة لتحقيق ذلك هي توحيد ودمج الطاقة الصناعية الزائدة.
قوة الفرنك السويسري تشكِّل ضغطًا متواصلًا
كانت فترة الستينيات أيضًا عقدًا شَهِد تزايُدًا في حِدَّة المنافَسة الأجنبية وتغيُّرًا في طبيعة قطاع الصناعة الهندسية، ولم يكن ذلك لصالح سويسرا. وقد أدركت الشركات السويسرية أنها بحاجةٍ إلى الاتحاد والاندماج؛ ففي عام ١٩٦١ استحوذَتْ شركة سولزر على شركة إس إل إم فينترتور، وفي عام ١٩٦٩ استحوذَتْ على شركة بوركاردت للهندسة في مدينة بازل، وأخيرًا كان على سولزر أيضًا شراء شركة إيشر فيس، وفي عام ١٩٦٧ استحوذت براون بوفيري على شركة أورليكون (التي كان يُدِيرها سابقًا الأب والابن براون)، وفي عام ١٩٦٩ اشترت شركة سيشرون التي يقع مقرُّها في جنيف، ومع أن عمليات الاندماج هذه جعلت من قطاع الهندسة قطاعًا قويًّا، فإنه كان لا يزال من الضروري معالجة عدد من التحديات الجوهرية؛ فالتزايُد المتواصِل في قيمة الفرنك السويسري كان عاملًا يحدُّ باستمرار من مستوى الربحية، خاصةً بعد انهيار نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة للعملات في عام ١٩٧١؛ مما جعل قيمة الفرنك السويسري تتصاعد بشكل مفاجئ ومذهل. غير أن الخسارة الكبرى كانت خسارة مركز الطليعة في المجال التكنولوجي أمام اليابانيين، ولاحقًا أمام الأمريكيين. كان اليابانيون على وجه الخصوص قد قادوا ثورةً في قطاع الصناعة باستخدام تقنيات التشغيل الآلي والتحسين المستمر لمُنتَجاتهم إلى جانب تقنيات الإنتاج المَرِنة بشكلٍ يتيح الجمْعَ بين الإنتاج الضخم والأسعار المتدنية والجودة العالية، وكان السويسريون بأسعارهم المرتفعة والجودة العالية لمنتجاتهم يكافحون لمُواكَبة هذه التغيُّرات.
وهكذا ألحقت الأزمة الاقتصادية لعامَيْ ١٩٧٥ و١٩٧٦ بسويسرا أضرارًا جسيمةً أكثر من أي بلدٍ آخَر من مجموعة بلدان منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، وقد فقدت سويسرا ٣٠٠ ألف وظيفة؛ أيْ ما يعادل ١٠ في المائة من قواها العاملة بشكل رئيسي في قطاع البناء، ولكن أيضًا في قطاع الهندسة. كان الفشل في تحسين القدرة التنافسية خلال سنوات الازدهار قد أرخى كلَّ ثِقَله على البلاد أثناء الأزمة، فقطاعُ الصناعة في سويسرا حتى نهاية الستينيات كان يستقطب العمالة الرخيصة من بلدان أخرى، ويعمل على توسعة المصانع القديمة عوضًا عن استبدالها بمصانع حديثة؛ ومن ثَمَّ كانت الإنتاجية تتقدَّم ببطءٍ شديد مُقارَنةً بالبلدان الأخرى.
الحوسبة: فرصة ضائعة
نتيجةً لضعف القدرة التنافسية للإنتاج المحلِّي، أوقَفَ قطاعُ الصناعة الهندسية استيرادَ اليد العاملة الأجنبية، وعِوَضًا عن ذلك قام بنقل الوظائف من سويسرا إلى بلدان أخرى، إمَّا بشراء الشركات المنافسة وإمَّا بتوسيع شركاته الفرعية في الخارج، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لمعالجة المشكلة الرئيسية، وهي أن المهندسين السويسريين كانوا بصدد خسارة مكانتهم الريادية في القطاع التكنولوجي، وأخفَقُوا على وجه الخصوص في اغتنام الفرص التي وفَّرتها ثورة الكمبيوتر لتحويل أساليب التصميم والتصنيع إلى عمليات آلية. وفي مجال آلات الغزل والنسيج، تَرافَق هذا الفشل مع تغيُّرات في القطاع الصناعي العالَمي أدَّتْ إلى الانهيار الفعلي. وفي حين كانت سويسرا في نهاية السبعينيات لا تزال في المرتبة الثانية بعد ألمانيا الغربية بصفتها مُنتِجًا للآلات (وفي مجال صناعة آلات النسيج كانت لا تزال في الطليعة)، شهدت مبيعاتها في بداية الثمانينيات ركودًا أدَّى بها إلى خسارة جزءٍ من حصَّتها في السوق، وبدأ التصنيع يتحوَّل إلى بلدان الاقتصادات الناشئة؛ حيث كان المُنتِجون يُفضِّلون تشغيل الآلات القديمة ويعتمدون على الأجور المُنخفِضة لضمان قدرتهم على المنافسة، وقد سعت بعض الشركات السويسرية جاهدةً لتنمية أسواقها وتوسيعها، كشركة سولزر مثلًا التي اشترت شركة روتي الرائدة على مستوى العالَم في مجال صنع آلات النسيج الأكثر تطوُّرًا، ولكن مبيعاتها لم تصل إلى المستوى المنشود، وفي عام ٢٠٠١ اضطرت شركة فينترتور إلى قبول مصيرها المحتوم وباعت قسم صناعة آلات النسيج التابع لها إلى مشترٍ إيطالي.
الصعود المذهل لشركة إيه بي بي، ثم سقوطها وإنقاذها
طموح بارنفيك
كانت شركة إيه بي بي قد احتفَتْ برئيسها التنفيذي الجديد بيرسي بارنفيك، الذي كان يُعَدُّ آنذاك صاحبَ بصيرة خلَّاقة، والذي طوَّرَ شركة آسيا روبوتيكس. كان من الواضح أن بارنفيك قد ورث إدارةَ شركةٍ تشكو من نموٍّ عضوي ضعيف، فأعاد تنظيمها بشكلٍ يُتيح لها اتخاذ قرارات سريعة وموثوق فيها، وجعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للشركة، ووضع لها هويةً مؤسَّسية جديدة، والأهم من ذلك أن بارنفيك قد غيَّرَ أسلوبَ تقييم أداء أعضاء إدارة الشركة وتحفيزهم، كما أُنشِئ ما يُقارب ٥ آلاف مركزِ ربحٍ مُستقلٍّ وُزِّعت فيها المسئولية لتشمل أدنى مستوًى إداري مُمكِن، وكان كلُّ مركزِ ربحٍ يُشغِّل حوالي ٥٠ شخصًا، وكان مدير المركز بمثابة رجل أعمال مُستقل يتحمَّل مسئولية تحديد أهداف المركز وتحقيقها، كما جرى تخفيض عدد العاملين في المقر الرئيسي بحيث بات يقتصر على ١٥٠ شخصًا فقط؛ مما أثار ضجة كبيرة بين صفوف الأكاديميِّين المهتمين بمجال الإدارة.
كان بارنفيك رجلًا طموحًا جِدًّا، وللوصول إلى الهدف الذي وضعه نصب عينيه لتحقيق هامش ربح بنسبة ١٠ بالمائة، وعائد على حقوق المساهمين بنسبة ٢٥ في المائة، شرع في عملية توسيع هائلة من خلال عمليات الاستحواذ التي قادها، التي وصلت إلى ٢٤٠ عملية خلال فترةِ ولايتِه مديرًا تنفيذيًّا للشركة.
خلال معظم سنوات التسعينيات كانت شركة إيه بي بي إحدى أكثر الشركات إثارةً للإعجاب في جميع أنحاء العالم، وكان بارنفيك نجم المنتدى الاقتصادي العالمي، واحتلَّتْ صورُه أغلفةَ المجلات التجارية، وفي عام ١٩٩٥ حصل على جائزة «أفضل مدير تنفيذي في أوروبا» المرموقة، وخلال تلك الفترة نَمَتْ عائداتُ شركة إيه بي بي من ١٧٫٥ مليار إلى ٣٣٫٨ مليار دولار أمريكي، كما ارتفعت قيمة أسهمها بمقدار خمسة أضعاف، وفي بداية عام ١٩٩٨ كانت الأمور تسير على أحسن حال، ولم يكن يخطر على بال أحد أن الشركة لم تَكُن متحسِّبة للأزمة التي ستعصف بها.
وراء مظهر الشركة الخارجي كان يكمن ضعفها
على الرغم من كل الإعجاب الذي كانت تَحظى به الشركة، فإن أعمالها كانت تتطلَّب توظيفَ رءوسِ أموالٍ عالية مُقارَنةً بهوامش الربح المُنخفِضة التي كانت تُحقِّقها، وفي عام ١٩٩٧ بلغ العائد على رأس المال المُستثمَر أقل من ٢ في المائة، كما كانت هوامش الربح من التشغيل لا تُمثِّل سوى ٣٫٦ في المائة من الإيرادات، إلا أن الشركة كان باستطاعتها الاعتماد إلى حدٍّ بعيدٍ على نفوذها وسمعتها. كانت أصول الشركة البالغة ٣٣ مليار فرنك سويسري مضخَّمة ومبالغًا فيها؛ إذ إن قيمة أسهمها الفعلية لم تتجاوَز مبلغ ٦ مليارات فرنك سويسري فقط، كما كانت حملة الاستحواذ المُفرطة التي قادها بارنفيك قد مُوِّلتْ بالديون، إضافةً إلى أن الكثير من تمويلات الشركة كانت قصيرةَ الأمد، وكانت تعتمد على سوق الائتمان بالجملة والتصنيف الائتماني الجيد للمجموعة.
في هذه الأثناء حلَّ جوران لينداهل محلَّ بارنفيك مديرًا تنفيذيًّا للشركة، واتخذ قرارًا كارثيًّا يتمثَّل في التخلِّي عن قسم أعمالِ توليدِ الطاقة في شركة إيه بي بي، وهو واحد من الأقسام القليلة التي تَضمن للشركة عائداتٍ نقديةً موثوقًا بها، وعندما تراجَعَ الاقتصاد العالمي في عام ١٩٩٩، جفَّ الطلب على المعدات الجديدة، وبدأت شركة إيه بي بي تعاني من خسائر في التشغيل وصعوبات في التدفُّق النقدي، وفضلًا عن تراجُع الطلب، كانت الشركة تُصنِّع منتجاتها في بلدان عالية الكلفة مثل ألمانيا وإيطاليا، وتبيعها في بلدان ذات مستوى أجورٍ أدنى بكثير، ولجعل الأمور أكثر سوءًا وتعقيدًا، كانت الشركة تواجِه احتمالَ إقامةِ دعاوى قضائية جماعية ضد شركة كومباستشين ليونهارد أويلر إنجينيرنج في الولايات المتحدة؛ للمطالَبة بتعويضاتٍ بسبب استخدام مادة الحرير الصخري «أسبتوس»، وهي شركة كان بارنفيك قد اشتراها خلال حملة التوسع التي قام بها. وعلاوةً على ذلك فإن الهيكلية اللامركزية لأقسام الإنتاج التي نُظِّمت، وبدا أنها تعمل بشكل جيد خلال عملية التوسع، لم تَعُدْ مناسِبةً خلال فترة التراجُع الاقتصادي الحاد.
في هذه الفترة بالذات، باع ستيفان شميدهايني حصتَه في شركة إيه بي بي إلى مارتن إيبنر، وهو أحد المساهمين النَّشِطين، الذي كان قد شنَّ هجومات شعواء على بنك يو بي إس خلال التسعينيات، وبعد أن زاد إيبنر حصته من أسهم شركة إيه بي بي حتى أصبحت توازي ١١ في المائة من مجموع الأسهم، بدأ هجومه على أعضاء مجلس إدارة الشركة تمامًا بنفس الطريقة التي استخدمها ضد بنك يو بي إس.
أسواق الائتمان لا ترحم
في عام ٢٠٠٢ بدأت أسواق الائتمان تفقد ثقتها بالشركة، وفي شهر أبريل من العام نفسه كشفت شركة إيه بي بي أن أرباحها الفصلية قد انخفضت بنسبة ٣٠ في المائة مُقارَنةً بالعام السابق، كما أن عدد دعاوى المتضرِّرين من مادة الحرير الصخري بلغ ١١١ ألف دعوى بحلول شهر يونيو ٢٠٠٢، هذا مع العلم أن شركة إيه بي بي كانت قد دفعت تعويضات بمبلغ ٨١٢ مليون دولار أمريكي خلال العقد السابق. كان ذلك بمثابة السقوط في هوَّةٍ سوداء، فسياسة الأسواق لا تتقبَّل خيبات الأمل ولا بوادر عدم اليقين؛ ونتيجةً لذلك، تعرَّضت شركة إيه بي بي لعقاب مؤلم في السوق الحرة تجسَّدَ في رفع تكلفة رأس مالها من ٢٫٥ في المائة في يناير ٢٠٠٢ إلى ٤٠ في المائة بعد مرور عشرة أشهر فقط على ذلك التاريخ.
عملاق تائه في الغاب
كانت هذه العوامل قد مَهَّدَت الطريق ليأخذ يورجن دورمان وبيتر فوزر زمام الأمور، كان دورمان ألماني الأصل، وكان له الفضل في عملية الاندماج الناجحة لشركة هوخست مع شركة رونيه بولينك التي أصبحت شركة أفينتيس (والتي دُمِجت لاحقًا مع شركة سانوفي)، أمَّا فوزر الذي شَغَلَ منصب المدير المالي لشركة شيل، فكان ابن البلد ونشأ في بادن حيث كان والده يعمل في شركة براون بوفيري. كان دورمان آنذاك عُضوًا في مجلس إدارة شركة إيه بي بي، وعُيِّن رئيسًا بعد أن أُجبِر بارنفيك على الاستقالة ومغادرة الشركة.
كان درمان وفوزر مدرِكَيْن أن بقاء الشركة واستمرارها يتوقف على مدى قدرتهما على الإسراع في إعادة بناء الثقة بالشركة من جديد، وقد صرَّح فوزر — الذي أصبح المدير التنفيذي لشركة شيل — أن شركة إيه بي بي كانت تعاني من «مشكلة استراتيجية عويصة» عندما باشَرَ العملَ فيها في عام ٢٠٠٢، فخلال حقبة إدارة بارنفيك ولينداهل للشركة، بِيعَت أقسامٌ وشركات تابعة لها كانت تُحقِّق أعلى المستويات من التدفُّق النقدي، مثل أقسام توليد الطاقة وتوزيعها، ثم حاولَتِ الشركة إثرَ ذلك تقليد شركة جي إي كابيتال؛ مما زاد في دفع عجلة تكاملها ودفعها إلى الأمام في مجال تمويل عمليات شراء منتجاتها، وهذا ما تطلَّب المزيدَ من التمويل بالاستدانة من أسواق الائتمان بالجملة، وخلق تفاوتًا كبيرًا في آجال استحقاق ديونها. كانت محطات توليد الكهرباء تعمل على أساس آجال طويلة لتسديد ديون تمويلها، غير أن المصارف كان بإمكانها المطالبة بمبالغ الائتمان بفترات إنذار قصيرة، وكان التنظيم الذي يجري العمل بموجبه في شركة إيه بي بي مقسَّمًا نتيجةً لوجود أكثر من ٦ آلاف مركز أعمال لم تُطوَّر لتُصبِح شركات إقليمية، وهذا ما عبَّرَ عنه فوزر كالآتي: «لقد كانت الشركات مُنتشِرةً في كل مكان دون وجود بنية مشتركة تجمع بينها، كما كان اتخاذ القرارات يَعتمد إلى حدٍّ بعيد على العلاقات الشخصية … وكان حجم الشركة كبيرًا ولكنه يفتقر إلى العمق.» كما أن بيورن أدلوند — الذي كان رئيس قسم الاتصالات خلال أزمة الحرير الصخري في عام ٢٠٠٢ — كان قد انتقد الوضع بمزيدٍ من الحدة قائلًا: «لقد كُنَّا تائهين تقودنا مجموعة من الجَهَلة.»
الهروب من «عالَمٍ من عديمي النفع»
لم يكن دورمان دائمًا على حق؛ إذ إنه كان يتذكَّر بامتعاض قائلًا: «كانت القرارات التي اتخذتها بخصوص الموظفين صائبةً بمعدل ٧٠ في المائة، أمَّا في نسبة اﻟ ٣٠ في المائة المتبقية فكانت قراراتي خاطئة، وتحمَّلت مسئوليتي عن سوء تقديري واتَّخذت التدابير اللازمة لتغيير الموظفين بطريقة نزيهة ومنصفة بمجرَّد أن اكتشفت سوء تقديري.» وبصورة عامة كانت الأمور تسير بشكل جيد، وأضاف: «كان مثيرًا للدهشة أن نرى كيف أن الأشخاص يتآزرون معًا عندما يتعلق الأمر بالكفاح من أجل البقاء.»
حان الوقت لبيع الطائرات الخاصة
قال فوزر: «لقد كان دورمان بارعًا فيما يتعلق بالتصرفات الرمزية؛ فسرعان ما استغنى عن غرفة الطعام الخاصة بالإدارة التنفيذية وباع الطائرات الخاصة بالشركة، كما شُوهِد وهو يَركب وسائلَ النقل العامة أو سيارات الأجرة مُقارَنةً بسيارات الليموزين التي كان يركبها أسلافه من مديري الشركة.»
في أول اجتماع لدورمان في كونيكتيكت، حضر في الثامنة صباحًا خمسون من كبار المديرين، وكانوا مُستعِدِّين لتقديم عروضهم المصوَّرة على شاشة الكمبيوتر بهدف إحاطته علمًا بسير أعمالهم، قام دورمان بإيقاف العروض قائلًا لهم إنه قد اطَّلَع سابقًا على العروض، وإنه من الأجدر بهم استخدام الوقت الذي سيُخصِّصونه للعروض في إيجادِ سُبلٍ من شأنها أن تساعد على خفض التكاليف بمبلغ ٥٠ مليون دولار أمريكي، واقترح تأجيل الاجتماع إلى وقت لاحق. ذهب دورمان إثرَ ذلك إلى قاعةٍ أخرى، وقرأ مجلة فايناشيال تايمز ومجلة اقتصادية أخرى، وبحلول الساعة الثالثة مساءً كان مبلغ اﻟ ٥٠ مليون دولار أمريكي من التوفير في التكاليف قد وُجِد، وعندما احتجَّ أحد المديرين أنه لن يكون من المُمكن الادِّخار أكثر في التكاليف لأن «زيوريخ لن تسمح بذلك»، أجاب دورمان: «أنا لا أعرف أحدًا في دليل الهاتف التابع لشركة إيه بي بي يُدْعَى زيورخ، قُلْ لي أوَّلًا مَن هو المسئول الذي لن يَسمح بالتوفير وبعد ذلك نعالج هذا الأمر.»
رسالة يوم الجمعة: قراءتها مزعجة
وفي هذا الصدد، يقول دورمان متذكِّرًا: «كانت هناك عدة عوامل ساهمت في فاعلية التحوُّل الإيجابي الذي شهِدَتْه شركة إيه بي بي، نذكُر منها العزم الأكيد في الأداء والسرعات في عمليات اتخاذ القرارات، وقد عملنا مع عدد قليل جِدًّا من الأشخاص الذين كانوا أهلًا للثقة، وكان الكلام قليلًا والإنجازات كثيرة، كما كان علينا أن نكون أشدَّاءَ في اتخاذِ قراراتٍ لا تروق الجميع وتنفيذها بسرعة.»
وبدلًا من حجب الحقائق عن الموظفين والزبائن والمساهمين والمزوِّدين والجمهور بخصوص المشكلات التي تتعرَّض لها شركة إيه بي بي، كان دورمان يَكشف الحقائق بكل صراحةٍ ووضوح، فخلال الأزمة التي دامت ١٥ عشر شهرًا، نشر دورمان رسالة أسبوعية مفتوحة لخَّصَ فيها المشكلات والتحديات التي واجهَتْها الشركة والتقدم الذي أحرزته، أو القيود والصعوبات التي حالت دون تحقيق الإهداف، وعند قراءة ما يُسَمَّى ﺑ «رسائل يوم الجمعة» يظهر للعيان أنها رسائل واضحة وموجزة ومكتوبة بطريقةٍ ودية تركِّز على المستقبل عوضًا عن التركيز على الماضي، كما يظهر فيها التأكيد على تحمُّل المسئولية بدلًا من إلقاء اللوم على الآخرين، وكان الهدف المرجو تحقيقه يحتلُّ فيها مركز الطليعة، في حين كان يُعترَف بوجود القيود والمعوِّقات وتعدادها بتواضُع وواقعية.
استغلال الطاقة البشرية أفضل من الرضا عن النفس
كان الناس يشعرون بالخجل والإحراج ويتساءلون: «كيف كان من المُمكن أن يحدث لنا ما حدث.» كان هناك الكثير من الطاقة البشرية داخل الشركة، لكنها كانت كلها طاقة سلبية، ويقول إيدلوند في هذا الخصوص: «لقد شعر دورمان أن استغلال الطاقة هو أفضل من الرضا عن النفس، وعمل على تحويل هذا الجانب السلبي للطاقة البشرية إلى عمل إيجابي تمامًا كما تفعل توربينات تحويل التيار المتردِّد إلى تيار مباشِر، التي اشتهرت بها شركة إيه بي بي.»
كانت فكرة الرسائل الأسبوعية المفتوحة فكرةً ناجحة تحوَّلت لاحقًا إلى تقليد متَّبَع باستمرار، ويذكر السيد ستيل أن مدير مصنع في ولاية كارولينا الشمالية كان قد غلَّفَ الرسائل الثلاثين الأولى بالبلاستيك ولصقها بالتتابع أفقيًّا بجانب ماكينة القهوة لكي يطَّلع جميع العمال على توجُّهاتها. ومن كارولينا الشمالية إلى ساو باولو، مرورًا بأوساكا ومانهايم وزيورخ، كان كلُّ موظَّف يَشعر أنه يلعب دورًا مهمًّا في تحقيق الأهداف المرجوَّة.
على مشارف الهاوية
كان فوزر يواجه مجموعة من المشكلات الخاصة به، فقبل وصول بارنفيك إلى سُدَّة الإدارة كان هناك ولاءٌ كبير ومتبادل بين قطاع الصناعة السويسري وقطاع المصارف، أمَّا بعدَ وصوله فقد حدث تباعُد بين شركة إيه بي بي وقطاع المصارف، وسلك كلٌّ منهما سبيلًا مختلفًا عن الآخَر. ويتذكر فوزر أسوأ اللحظات التي عاشها عندما لم يَتبقَّ أمام شركة آي بي سوى ٦ ساعات قبل إعلان إفلاسها في عام ٢٠٠٢، كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساءً في زيورخ، وكان لدى الشركة مهلةٌ حتى الساعة الخامسة مساءً بتوقيت نيويورك للتوصل إلى اتفاقٍ بخصوص قضية الحرير الصخري، وعند الساعة العاشرة مساءً بتوقيت سويسرا — أيْ قبل أن تُضطر الشركة إلى إعلان إفلاسها على الملأ بساعة واحدة فقط — كان لا يزال هناك اثنان من الوفد المرافِق لممثِّلي النقابة القانونية في قضية الحرير الصخري غير موافِقَيْن على الاتفاق. نهض فوزر حينئذٍ وألقى بمفاتيح مكتبه على الطاولة ومشى خارج الغرفة قائلًا للمحامين الموجودين هناك إنهم هم الذين سيُديرون شركة إيه بي بي ابتداءً من صباح اليوم التالي؛ عندها أذعن المُحامون وقبلوا الاتفاقَ خوفًا من الاحتمال المتوقَّع لإفلاس الشركة، ومع طلوع الشمس كانت شركة إيه بي بي قد أزالت كليًّا وبشروطٍ ملائِمة حالةَ عدم اليقين الناتجة عن قضية الحرير الصخري، إثرَ ذلك كان في استطاعة فوزر استئنافُ المحادثات مع البنوك من موقع أكثر صلابةً.
وهكذا أُنقِذت شركة إيه بي بي فيما يُعتبَر أهم عملية تحوُّل إيجابي من الخسارة إلى الربح في سويسرا منذ إعادة هيكلة قطاع صناعة الساعات خلال السبعينيات.
شركات صغيرة عرفَتِ الازدهار باستمرار
إذا كان مسار أداء الشركات السويسرية العملاقة في مجال الهندسة يحتوي أحيانًا على فتراتٍ من التراجُع، وأخرى من إعادة التألُّق خلال العقود الماضية، فلا يزال هناك العديدُ من قصص النجاح بين صفوف الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي ازدهرت باستمرارٍ حتى هيمنت على قطاعات الأعمال المتخصصة التي تنشط فيها، وإحدى هذه القصص هي قصة فالتر رايست، رجل التكنولوجيا الذي بدأ في عام ١٩٥٥ بتطوير نظام نقل خاص به للاستخدام في مطابع الصحف التي تصدر في مدينة زيورخ. كانت شركة فيراج التي أنشأها في عام ١٩٥٧ في منطقة هينفيل قرب مدينة زيورخ قد مضت قُدُمًا في تطوُّرها حتى هيمنَتْ على القطاع، واليومَ يُنتَج معظم الصحف والمجلات في العالَم باستعمالِ مُعَدَّات شركة فيراج، وعندما بدأت أعمال الطباعة في التراجُع، واصَلَ رايست التفكيرَ في طرق تمكُّنه من استخدام نظامه الناقل واستغلاله في صناعات أخرى.
ولا شكَّ أن شركة بوهلر في مدينة أوتسفيل تهيمن على قطاع تشييد المُعَدَّات والآلات الخاصة لإنتاج الدقيق، وكذلك لصناعة المكرونة، وتنشط الشركة في أكثر من ١٤٠ بلدًا، وتشغِّل ما يقارب ٨ آلاف شخص، وتحقِّق عائداتٍ تبلغ مليارَيْ فرنك سويسري، كما أن شركة سولزر في مدينة فينترتور التي استحوذَتْ عليها شركة فارتسيلا الفنلندية قد طوَّرت وأنتجت محرِّكَ ديزل منخفضَ السرعة استُخدِم في أغلبية السفن الضخمة لنقل الحاويات في العالم، ويُعتبَر النموذج الأخير الأضخم حجمًا من هذا المحرِّك المزود ﺑ ١٤ أسطوانةً أكبرَ محرِّك تردُّدي في العالَم؛ حيث يبلغ ارتفاعه ١٣٫٥ مترًا (٤٤ قدمًا) وطوله ٢٧٫٣ مترًا (٩٠ قدمًا)، ويزيد وزنه عن ٢٣٠٠ طن (ويولِّد قدرة مكبحية تناهز ١٠٩ آلاف وحدة حصانية)؛ أيْ ما يُعادل ٨٠٫٠٨ ميجاواط.
بالرغم من أن القمح لا ينمو في أي مكان بالقرب من بلدة أوتسفيل في كانتون سانت جالن، وأن أعمق مورد مياه في فينترتور لا يزيد عمقه عن المترين، فإن ذلك لم يُعِقِ الشركات السويسرية أو يَمنعها من تصنيع مُعدَّاتٍ وآلاتٍ لتحويل الحبوب إلى أغذية — وخصوصًا المعكرونة — لمليارات البشر، أو منتجات تساعد أكبر السفن في العالَم على عبور المحيطات.
وجبات سريعة من المطبخ السويسري
في عام ١٩١١، كان فيلي بيبر وابنه ميشال قد أسَّسا شركة فرانكيه للسمكرة (سباكة المواسير) التي بدأت منذ عام ١٩٤٦ بتصنيع مُستلزمات المطابخ، وتطوَّرت اليومَ إلى شركة عالَمية تزوِّد فروعَ شركة ماكدونالدز في جميع أنحاء العالم. وفي عام ١٩٨٩ استحوذ بيتر شبيلر — دون أن يكون لديه رأسُ مالٍ خاصٌّ به — على شركة شتادلر التي كانت متخصِّصة في صناعة المَرْكبات الصغيرة للسكك الحديدية في كانتون تورجاو، ثم أصبحت بعد ذلك شركاتٍ تدير مليارات الفرنكات السويسرية في صناعة قاطرات السكك الحديدية الخفيفة. كما أن هناك قصتَيْن بالكاد تُعرَفان، وهما قصتا اثنين من صانِعي آلات القهوة وهما: شركة ثيرموبلان في كانتون لوتسرن، التي تُزوِّد شركة ستاربكس بمُعَداتها، والأخرى هي شركة أويجستر/ فريسماج، في بلدة رومانسهورن على بحيرة كونستانس، التي تصنع آلات القهوة وتقوم بتسويقها في جميع أنحاء العالَم تحت أسماء علامات تجارية مختلفة.
وكما ورد سابقًا في هذا الفصل، فإن الشركات السويسرية لصناعة الآلات كانت رائدةً في الاستعاضة عن الأحصنة والعمل اليدوي بالآلات، وحتى في تحويل الماء إلى كهرباء، وإحدى هذه الشركات السويسرية الأكثر نجاحًا في صناعة الآلات هي شركة شيندلر، التي أصبحَتْ شركة رائدة عالميًّا في مجال صناعة الآلات الخاصة بنقْل الأشخاص (المصاعد الكهربائية). كانت الشركة قد تأسَّست بصفتها شركةً عائلية من قِبَل روبرت شيندلر في عام ١٨٧٤ في منطقة لوتسرن الجبلية ذات المناظر الطبيعية الخلَّابة، وما زال الجيل الرابع من العائلة يُدير الشركة منذ عام ١٩٧٧ على يد ألفريد شيندلر ولوك بونارد وألفريد شبوري (متقاعِد حاليًّا)، واليومَ تقوم الشركة بنقل ما يعادل مليار شخص في اليوم في جميع أنحاء العالم.
مصاعد شركة شيندلر
- (١)
اتَّسمت الفترة التي تَلَتْ تأسيس الشركة بظهورِ مخاوفَ بخصوص ما إذا كانت الشركة الحديثة العهد قادرةً على استغلال إمكانياتها على نحو كافٍ، وهذا بدوره أدَّى بالشركة إلى تنويع نشاطها في مجموعة واسعة من المجالات، ويشمل ذلك عربات السكك الحديدية والآلات المكنية وخزائن البنوك وروبوتات المصانع.
- (٢)
لتحقيق الكتلة الحَرِجة في أعمالها الأساسية وتجهيزها لمواجهة متطلبات النمو المستدام، تخلَّصت شركة شيندلر خلال الثمانينيات من ١٥ وحدة إنتاج مُربِحة لكنها لم تكن ذات أهمية كبرى، وكانت تلك الاستراتيجية تتطلب شجاعةً كبيرة في إدارة المشاريع، وقد ساهمت هذه الإجراءات في تبسيط هيكلية الشركة ومكَّنتها من التركيز على سوقها الأساسية، وهي صناعة المصاعد والسلالم الميكانيكية والسيور الآلية المتحركة.
- (٣)
خلال التسعينيات، كان هدف شركة شيندلر التالي هو توسيع نطاق عملها جغرافيًّا إلى الأسواق النامية وخارجها عن طريق إنشاءِ مراكزَ قويةٍ لها في آسيا وأوروبا والأمريكتين، ولتحقيق ذلك، استحوذت على أكثر من ٦٠ شركة من بينها شركة ويستينجهاوس في الولايات المتحدة، وشركة هاوسهان في ألمانيا، وشركة أطلس في البرازيل، والشركة السعودية للمصاعد في المملكة العربية السعودية، وشركة آندينو في كولومبيا، ولم يُمكِّن هذا التوسُّعُ المجموعةَ من تحقيق التوازن خلال تقلُّبات الدورة الاقتصادية فحسب، بل ساعَدَها كذلك على إقامةِ علاقاتٍ وطيدة ودائمة مع العملاء، واكتساب الكتلة الحَرِجة اللازمة لعملياتها في جميع أنحاء العالم.
- (٤)
من ثَمَّ، مع بداية الألفية الجديدة، أصبحت مجموعة شيندلر عبارة عن تكتُّلِ عددٍ من الشركات، بعضها أُدمِج كليًّا والبعض الآخَر اكتُسِب بصفة جزئية، وكانت المزايا الناتجة عن كِبَر حجم الشركة تُقابِلها بالتوازي المؤثِّرات الناجمة عن التنوع الكبير في المنتجات وعمليات التصنيع للشركات التابعة لها، فلا القوة التقليدية لشركة شيندلر (مثل التحسين المستمر للمنتجات الموجودة)، ولا ابتكاراتها الرائدة، كانت كافية لجعلها قادرةً على المنافسة عالميًّا؛ وهكذا نشأت مجددًا حاجة ماسَّة إلى تقليص التعقيد في بنية الشركة، وهذه المرة كان هذا الإجراء يمسُّ الأعمال الأساسية للشركة؛ لذلك، وتماشيًا مع المقولة المأثورة القديمة: إنَّ مجموعة غير متجانِسة لا يُمكن أساسًا تحسين أدائها، فُكِّكت الشركة بطريقةٍ بنَّاءة لإعادة صياغتها وبنائها على أسس جديدة.
لذلك اتَّسم الماضي القريب لشركة شيندلر بعملياتِ ترشيدٍ مستمرة لمجموعة منتجاتها العالَمية، واعتماد أساليبِ عملٍ موحدة من بداية العملية التجارية حتى نهايتها، كما سمح لها كِبَر حجمها باستكشاف أَوجُه التآزُر في الإنتاج واقتصاديات التصنيع الواسع النطاق.
لقد طبَّقت شركة شيندلر باستمرارٍ وبثبات أربعةَ مبادئ رئيسية؛ أَلَا وهي المحافَظة على ميزانية عمومية جيدة لضمان نموٍّ مقبول، والاستثمار المستمر في الموظفين؛ لأنهم يُشكِّلون حجرَ الزاوية في مجال السلامة والجودة، والصبر والمثابرة لضمان إيجاد استراتيجية واضحة المعالَم يُمكِن اتِّباعها، وأخيرًا اعتماد قِيَم تتَّفق مع المعايير الأخلاقية العالية لتوفير الأسس السليمة لمشروع تجاري دائم ومستقر.
غير أن السمة المميِّزة لنجاح الشركة واستمرار تقدُّمها كانت دومًا تتمحور حول الابتكار، فقد أدخلت الشركة اكتشافات تكنولوجية مختلفة كما اعتمدت تكنولوجيات مُبتكرة، مثل المصعد الذي ألغى الحاجة إلى وجود غرفة تشغيل فوق سطح المبنى، وأدَّى بذلك إلى التوفير في الارتفاع والمساحة اللازمَيْن، وحبال الجر الخالية من الفولاذ، وما يُعْرَف بلوحة التحكم لتحديد المقصد، وهو نظام يحسب بشكل مستمر الطريقة المثلى لسير مجموعة من المصاعد لتوفير أسرع مسار مُمكِن لجميع الركاب.
يشعر المسئولون في شركة شيندلر اليومَ بأن الشركة في وضعٍ جيد يُمكِّنها من تحقيقِ نموٍّ مستمر بفضل مكانتها في السوق والتوقعات المُرتقبة للأسواق بشكل عام، كما أن فترة استمرار المصاعد في الخدمة تدوم وقتًا طويلًا يصل إلى ٤٠ سنة أو أكثر، وهذا ما يفسِّر سبب استمرار نمو أقسام أعمال الصيانة التابعة للشركة، وعلاوةً على ذلك فإن التحضُّر وتطوير البنية التحتية آخِذان في التزايُد في جميع أنحاء العالم، وتماشيًا مع أحدث التوجهات العالَمية، فإن الطلب يتزايد بشكل كبير في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكمثال واحد على ذلك، توفر الشركة في الصين أكثر من ٣٥٠ سلمًا ميكانيكيًّا متحركًا من أحدث طراز لمنظومة السكك الحديدية الوطنية، التي يجري التوسع فيها من مدينة تشانجتشون في الشمال إلى مدينة غوانجزو في الجنوب.
هناك أيضًا عدد كبير من المجمعات الصناعية والمطارات ومراكز التسوق … والقائمة تطول، ومن بينها مبنى مكاتب زوليج في ماكتي في الفلبين (انظر الفصل الرابع). لكنْ سواء أكان الأمر يتعلَّق بمشروع كبير أم بمصعد واحد للمنزل، فإن الشركة تعتقد أن المجتمعات في وقتنا الحاضر تشهد نموًّا سريعًا في عدد السكان، وتزايدًا في أعداد المتقدمين في السن، وتركيزًا على الوجود في المدن؛ ومن ثَمَّ فإن الطلب سيستمر في التزايد على أنظمة نقل مدنيَّة آمِنة توفر الأداء العالي، والاستهلاك المنخفض للطاقة النظيفة قدر الإمكان، والتوفير الكبير في الوقت عبر المسافات الطويلة.
مجال التكنولوجيا التخصصية: مكان يجدر التواجد فيه
إن سوق الإنتاج الواسع النطاق في مجال الصناعات الهندسية قد خرجت عن سيطرة العديد من الشركات الأوروبية والأمريكية التي قادت فترة التحول التي شهدها القرنان التاسع عشر والعشرون، والشركات الكبيرة التي لا تزال قائمةً حتى اليوم هي إمَّا شركات ناشطة في أسواق تتطلَّب رءوس أموال ضخمة وتكنولوجيات عالية التطور، أو شركات تعمل في مجالات متخصِّصة ومميَّزة. ومن المُفارَقات أن هذا المسار قد لعب دورًا هامًّا في تعزيز قوة الصناعة الهندسية السويسرية، فبفضل تركيز الشركات السويسرية على التكنولوجيات والمنتجات التخصُّصية المميزة، نجَحَت — على وجه العموم — في التخلُّص من وطأة هجوم المنافسين الجدد من الصين ومن بلدان صناعية جديدة أخرى؛ وكنتيجة لذلك، يُمكن القول بأن البلاد تتمتَّع بوضع جيد يُتيح لها المحافظة على حيوية وفعالية قاعدتها الإنتاجية، في حين أن بعض البلدان الغربية الأخرى تناضل من أجل استعادة زمام المبادرة في قطاعاتٍ تعتمد كثيرًا على الاستعانة بالموارد الخارجية، وقد أشار آندي جروف — المدير التنفيذي السابق لشركة إنتل — مؤخَّرًا إلى أن الخبرة الفنية التي نُقِلت إلى مواقع أخرى في الخارج لن تجد طريقَ العودة إلى موطنها الأصلي، واستشهدَ جروف بمثالِ بطاريات الشحن التي كانت الولايات المتحدة تُنتج منها ما يُغطِّي ٨٥ في المائة من الطلب العالمي، وباتَت اليومَ لا تنتج أي بطاريات في الوقت الذي أصبحت فيه بطاريات الليثيوم مصدرًا هامًّا لتخزين ونقل الطاقة لمُنتَجات متعدِّدة، بدءًا باللوحات الإلكترونية مرورًا بالسيارات ووصولًا إلى آلات الحلاقة الكهربائية.
وكما ذُكِر سابقًا، فلقد توسَّل السويسريون واقترضوا وسرقوا أفكارًا وطوَّروها وابتكروا بدَورِهم على مدى فترة طويلة من الزمن من أجل الوصول إلى مراكزَ رائدةٍ في قطاع صناعة الآلات (وغيرها من القطاعات)؛ لذا ليس من المُستغرَب أن يُحافظ السويسريُّون على أسرارهم في مجال «الأبحاث والتطوير» وعدم كشف أوراقهم الرابحة.
معاهد الابتكار
يعود هذا الإنجاز في جزءٍ كبير منه إلى نظام سويسرا المتميِّز للتدريب المهني والتدرُّب على الوظائف بالتعاون مع الكليات والجامعات التقنية في زيورخ ولوزان التي تواصِل تزويد الشركات العالمية — سواء في الاقتصادات الناشئة أو المتقدمة — بنوعٍ من التدريب اللازم للحفاظ على التميُّز في مجال الهندسة، ولقد أعلنت شركة إيه بي بي أن مصانعها في سويسرا لا تزال تُصنِّع منتجاتٍ تتميَّز بأعلى هامش ربح مُقارَنةً بمئات المصانع التابعة لها في جميع أنحاء العالم، وكما قال جو هوجان — المدير التنفيذي الجديد لشركة إيه بي بي — الذي يُعرَف بأنه صاحب كاريزما وتواضُع: «إن معظم الابتكارات تَحدُث على أرضية المشغل لا في قاعات الدراسة، كما أن المتدرِّب السويسري يتفوَّق على نظيره في البلدان الأخرى بثلاث مَرْتبات، وعلاوةً على ذلك يبدو أن لدى السويسريِّين جينات تجعلهم يَلتزمون إلتزامًا هائلًا بالجودة.»
يعود تاريخ التدريب في سويسرا في مجال الهندسة إلى عهدٍ بعيد، وقد بدأ ذلك بشكلٍ جدِّي مع معهد زيورخ للفنون التقنية المتعدِّدة الذي تأسَّسَ في عام ١٨٥٥، وأصبح اسمه منذ عام ١٩١١ الجامعة التقنية الوطنية، وقد ساهمت هذه المؤسسة أكثر من أي مؤسَّسة أخرى في نَشرِ المهارات الهندسية السويسرية ونَحْتِ سُمعتها العلمية في جميع أنحاء العالم (كان هناك أيضًا المدرسة الخاصة في لوزان، التي كانت تُدرِّب المهندسين من القطاع الخاص منذ عام ١٨٥٣، ثم دُمِجت نهائيًّا في جامعة لوزان لتُصبح كلية الهندسة فيها). كما أن المعهد الفيدرالي للفنون العلمية المتعدِّدة في لوزان تحت إدارة باتريك أيبيشر هو نجمٌ صاعد بين الجامعات التقنية حول العالَم، إذا قِيسَ بعددِ المنشورات التي تَصدُر عنه والنجاحِ اللافت للنظر الذي يُحقِّقه في جمْعِ التبرعات.
قائمة طويلة من الحائزين على جائزة نوبل
لقد ثبت أن إنشاء الجامعة التقنية الوطنية كان مُبادَرةً لا تُقدَّر بثمن لسويسرا، فمنذ البداية نجحت المؤسسة في التكيُّف مع احتياجات الصناعة، كما نمَّت الوعي لما هو عملي وما هو براجماتي واقعي، مع الحفاظ على أعلى مستويات الجودة، وهذا ما تطوَّرَ ليشكِّل مفهوم العلامة التجارية السويسرية في جميع أنحاء العالم، ومنذ تأسيسها لم تستقطب المؤسسة المواهبَ المحلية فحسب، بل استقطبَت أيضًا باحثين أجانب مشهورين. كان المهندسون الأجانب الشبَّان يقدِّرون المستوى العالي للهندسة السويسرية، وساهموا بمقدارٍ كبير في نشر السمعة الجيدة لهذه الصناعة في سنواتها الأولى، ومن بين الذين تخرَّجوا من المؤسسة، هناك ٢١ شخصًا حازوا على جائزة نوبل، وكان معظمهم من الأجانب من أمثال فيلهيلم رونتيجن مكتشِف الأشعة السينية، مرورًا بألبرت أينشتاين وفولفجانج باولي إلى فلاديمير بريلوج وريشارد إرنست وكورت فوتريش، ولقد ساعدت اكتشافاتهم العلمية على رفع مكانة العلوم والهندسة السويسريتين. وتتضمَّن هيئة التدريس في كلٍّ من الجامعة التقنية الوطنية في زيورخ والمعهد الفيدرالي للفنون العلمية المتعددة في لوزان أكثر من ٥٠ في المائة من الأساتذة الأجانب.
تيودور كوخر | طب | ١٩٠٩ |
ألفريد فيرنر | كيمياء | ١٩١٣ |
شارل إدوار غويوم | فيزياء | ١٩٢٠ |
ألبرت أينشتاين* | فيزياء | ١٩٢١ |
بول كارر | كيمياء | ١٩٣٧ |
ليوبولد روزيكا⋆ | كيمياء | ١٩٣٩ |
بول هرمان مولر | طب | ١٩٤٨ |
فالتر رودولف هيس | طب | ١٩٤٩ |
تاديوس رايخشتاين | طب | ١٩٥٠ |
فيلكس بلوخ | فيزياء | ١٩٥٢ |
دانييل بوفيه | طب | ١٩٥٧ |
فلاديمير بريلوج⋆ | كيمياء | ١٩٧٥ |
فيرنر آربر | طب | ١٩٧٨ |
جورج جيه إف كوهلر⋆ | طب | ١٩٨٤ |
هاينريخ روهرر | فيزياء | ١٩٨٦ |
كارل أليكنسدر مولَر | فيزياء | ١٩٨٧ |
ريشارد آر إرنست | كيمياء | ١٩٩١ |
إدموند إتش فيشر⋆ | طب | ١٩٩٢ |
رولف إم زينكر ناجل | طب | ١٩٩٦ |
كورت فوتريخ | كيمياء | ٢٠٠٢ |
الأفضل ربما يكون قادمًا
غير أن توافُر مهنيين مدرَّبين تدريبًا جَيِّدًا ومؤهَّلين تأهيلًا عاليًا ليس كافيًا لتأمين الصمود والاستمرارية لصناعةٍ بأكملها، فهناك أيضًا حاجةٌ إلى نشاط تجاري يستفيد من نقاط القوة السويسرية، وبعد عقود من التراجُع النسبي، تشير بوادر التغيير إلى أن عودة ظهور الشركات الصغيرة والمتوسِّطة الحجم المتضافِرة مع استمرارِ قوةِ ما بقي من عمالقة السوق الموجودين في الميدان؛ هي بصددِ إنتاجِ مرحلةٍ جديدة من النمو في القطاع الهندسي، وخلافًا لاتجاه نمط العمالة السائد في بلدان نامية أخرى، فإن أعداد الأشخاص الذين يعملون في قطاع الهندسة قد شهدت نموًّا خلال السنوات القليلة الماضية، فبعد تراجُع عدد العمال إلى أدنى مستوى في عام ٢٠٠٢ مسجلًّا أقل من ٣٠٠ ألف شخص للمرة الأولى منذ عقود، عاد هذا العدد مجدَّدًا إلى الارتفاع ليبلغ ٣٤٠ ألفًا في عام ٢٠٠٨.
١٩٥٠ | ١٩٧٠ | ١٩٨٠ | ٢٠٠٠ | ٢٠١١ | |
---|---|---|---|---|---|
إيه بي بي (١٨٩١) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | – | – | ٢٦٦٦٨ | ٣٩٠٤٤ | ٣٧٩٩٠ |
عدد العمال | – | – | ٢١٥١٥٠ | ١٦٠٨٢٠ | ١٣٣٦٠٠ |
عدد العمال في سويسرا | – | – | ٤٣٠٠ | ٥٤٠٠ | ٧٠٠٠ |
شيندلر (١٨٧٤) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | – | ٧٨٨ | ٣٦٨٠ | ٨٥٣٠ | ٧٨٥٤ |
عدد العمال | – | ٢٠٩٠٠ | ٣١٩٩٠ | ٤٣٣٣٠ | ٤٣٦٨٥ |
عدد العمال في سويسرا | – | ٦٦٠٠ | ٦٢٧٠ | ٥٤٠٠ | ٤١٦٠ |
سولزر (١٨٣٤) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | ٢٥ | ٩٣٠ | ٦٢٢٨ | ٥٧٣٦ | ٣٥٧٨ |
عدد العمال | – | ٣٥٠٤٠ | ٣٣٥٢٠ | ٢٢١٠٠ | ١٧٠٠٢ |
عدد العمال في سويسرا | ٧٠٠٠ | ٢٠١٦٠ | ١٥٨٣٠ | ٦٢١٠ | ١١٣٠ |
جورج فيشير (١٨٠٢) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | ٢١ | ١٠٤٠ | ٢٥٣٨ | ٣٩٠٣ | ٣٦٣٨ |
عدد العمال | ٧٥٠٠ | ٢٠٠٠٠ | ١٥٢٣٠ | ١٤٦٦٠ | ١٣٦٠٦ |
عدد العمال في سويسرا | ٣٧٧٠ | ١٠٢٠٠ | ٥٣٨٠ | ٣٢٠٠ | ٢٦٢٠ |
ريتر (١٧٩٥) | |||||
العائدات بالمليون فرنك سويسري | – | ٢٢١ | ١٧٨٠ | ٢٩٣١ | ١٠٠١ |
عدد العمال | – | ٣٠٠٠ | ١٠٤٧٠ | ١٢٢٣٠ | ٤٦٩٥ |
عدد العمال في سويسرا | – | ٣٠٠٠ | ٣٥٢٠ | ٢٠٥٠ | ١٦٥٠ |
قبل ١٨٠٠ | |
١٧٩٥ | أقام يوهان جاكوب ريتر تجارة لبيع القطن واستيراد الأغذية، وكانت هذه بدايات شركة ريتر للهندسة. |
١٨٠٠–١٨٩٩ | |
١٨٠٥ | هانس إيشر وسولومون فون فيس يُنشئان شركة إيشر آند فيس وشركاؤهما. |
١٨٠٧ | هاينريخ بوخر فايس يشتري ورشة حدادة قروية في نيدرفينينجن، وكانت هذه بدايات شركة صناعات بوخر. |
١٨١٠ | لودفيج فون رول يبني أول فرن لصهر المعادن في سويسرا. |
١٨٣٤ | يوهان وسولومون سولزر يُقِيمان أول مسبك للحديد في مدينة فينترتور. |
١٨٤٢ | كاسبار هونيجر يبني منسج هونيجر. |
١٨٥٣ | فرانس ساورر ينشئ مسبكًا في سانت جيورجن. |
١٨٥٣ | تأسيس شركة السويسرية لصنع العربات شفايتزيشه فاجن فابريك في مدينة شافهاوزن، وكانت هذه بدايات الشركة السويسرية للصناعات إس آي جي. |
١٨٥٥ | إنشاء معهد الفنون التقنية المتعدِّدة في زيورخ، الذي أصبح فيما بعدُ الجامعةَ التقنية الوطنية. |
١٨٧١ | إنشاء شركة شفايتزيشه لوكوموتيف أوند ماشينفابريك (إس إل إم) لتصنيع قاطرات السكك الحديدية والآلات في مدينة فينترتور. |
١٨٧٤ | تأسيس شركة شنايدر. |
١٨٩٠ | جوزيف بوبست يبدأ التجارة في ملحقات الطباعة، وكانت هذه بدايات شركة مجموعة بوبست. |
١٨٩١ | شارل براون وفالتر بوفيري يؤسسان شركة براون آند بوفيري وشركاؤهما. |
١٨٩٦ | ريشارد تايلر وألدريش جبر فيكرت يُنشئان شركة إليكتروتيكنيشه إنستيتوت ثايلر وشركاؤه، وهي بدايات شركة لانديس آند جير. |
١٩٠٠–١٩٩٩ | |
١٩١٨ | حدوث إضراب عام في سويسرا. |
١٩٣٧ | معاهدة السلام في مضمار الصناعات الهندسية. |
١٩٣٧ | إيميل بوهرلي يستحوذ على شركة أورليكون لصناعة الآلات المكنية، وهذه كانت بداية شركة أورليكون بوهرلي، وهي شركة مصنِّعة للأسلحة. |
١٩٥٧ | فالتر رايست يؤسس شركة فيراج، وهي شركة لصنع آلات الطباعة. |
١٩٦١ | سولزر يستحوذ على شركة إس إل إم، في بداية حملة اندماج في قطاع الهندسة الصناعية السويسرية. |
١٩٨٨ | اندماج شركة بي بي سي وشركة آسيا السويسرية لتكوين شركة إيه بي بي. |
منذ ٢٠٠٠ | |
٢٠٠٩ | مجموعة ألبيك ترى النور بعد إدماج شركتي آتيل وئي أو إس. |
قد تكون الكفاءات المتواجدة في سويسرا محلية أو أجنبية، غير أن العملاء في أغلبيتهم هم من الأجانب، وقد أشار في هذا الصدد يوهان شنايدر أمان، الرئيس السابق لمنظمة أرباب العمل في القطاع الهندسي، وحاليًّا وزير الشئون الاقتصادية قائلًا: «إن الصناعة الهندسية السويسرية التي تصدر ٨٠ في المائة من منتجاتها يجب أن تركِّز باستمرار على احتياجات العملاء من أجل تقديم حلول للمشكلات الراهنة التي يَشْهدها العالم.» وبالرغم من أن ٨٥ في المائة من سكان العالَم يعيشون في بلدان متخلِّفة، ومن ثَمَّ على هامش التصنيع، فإن شنايدر أمان يعتقد «أن سنوات الانتعاش والتوسُّع قادمةٌ في المستقبل لا محالة.»