مسرحية زواج بالحيلة
كوميديا في ثلاثة فصول
بقلم: موليير
تعريب: عباس حافظ
فرقة عكاشة
بقلم: موليير
تعريب: عباس حافظ
فرقة عكاشة
الفصل الأول
المشهد الأول
(سنارل – أمانت – لوكريس – غيليوم – جوس)
سنارل
:
إف، العيشة أصبحت ثقيلة، والحياة صارت لعنة، والمصائب لا تأتي إلا
وراء بعضها. آه، لقد كانت لي زوجة واحدة، ولكنها …
غيليوم
:
وهل كنت تريد أن يكون لك كبشة نسوان؟
سنارل
:
ولكنها ماتت للأسف، وكل ما أتذكرها الآن، ترغرغ عيني بالدموع. صحيح
أنني كنت غير راضي عن سيرها، وكنا كثيرًا ما نتخاصم ونتضارب، ولكن
الموت طبعًا يُنسِي كل شيء، وربما لو كانت عايشة الآن، لكنا نزلنا في
بعض شتيمة وضرب كعادتنا، ولكني أبكي عليها وأتحسر لأنها لم تترك لي من
الخلفة إلا بنت واحدة، وهذه البنت هي سبب حزني وتعبي وتنغيصي؛ لأني
أجدها دائمًا في انقباض شديد لم أرَ مثله في حياتي، وأراها في همٍّ لا
أعرف له سببًا، وقد يئست، ولم يبق عندي حيلة؛ ولهذا السبب أنا محتاج
لنصائحكم في هذه المسألة المهمة. والآن (إلى
لوكريس) أنتِ يا بنت أختي (إلى
أمانت) وأنتِ يا جارتي (إلى
غيليوم وجوس) وأنتما يا صديقَيَّ، إني أرجوكم أن تشيروا
عليَّ ماذا أفعل؟
مسيو جوس
:
أما أنا، فإني أرى أن الجواهر والحُلي والزينة واللطايف هي الأشياء
الوحيدة التي تسرُّ البنات، ولو كنتُ أنا في مركزك، لاشتريت لها في الحال
طقمًا جميلًا من الألماز أو الياقوت، أو الزمرد.
مسيو غيليوم
:
وأما أنا، فلو كنت في محلك لاشتريت لها ستائر بديعة من الحرير الأخضر
ووضعتها في غرفتها لينشرح صدرها برؤيتها ويبتهج فؤادها.
أمانت
:
وأمَّا أنا فلا أفعل شيئًا من هذا القبيل، وإنما أجوزها في الحال، وبكل
سرعة، وأعطيها للشخص الذي يطلبها بدون كلام.
لوكريس
:
وأما عن رأيي أنا، فإني أعتقد أن بنتك لا تصلح أبدًا للزواج؛ لأن
طبيعتها ضعيفة، وروحها مريضة، والأفضل لها أن توقف حياتها للعبادة
والصلاة والرهبنة، أحسن من أن تتزوج وهي بهذه الحالة، وربما تلد وتخلف
العيال والأطفال … إن هذا العالم الدنيوي لا يوافقها، وأنا أنصح لك أن
تدخلها الدير؛ لأنها ستجد فيه الراحة والسرور الذي يلائم نفسها.
سنارل
:
إن هذه النصائح بديعة بدون شك، ولكني أرى عليها إمارات المصلحة
ظاهرة، وأظن أنكم تنصحوني بما تجدونه أوفق لمصالحكم؛ فأنت يا مسيو جوس
رجل صايغ وجواهرجي؛ ولهذا تريد أن تُروِّج بضاعتك فنصحتني بأن أشتري لها
أطقم الألماز والياقوت والزمرد، وأنت يا مسيو غيليوم منجد، ويظهر أن
عندك بعض ستاير تريد أن توزعها وتعتق نفسك منها، وأما أنتِ يا جارتي
فإن الذي تحبينه تريدين أن يشترك معك فيه كل النساء؛ ولهذا السبب يسرك
أن تكون بنتي مثلك في حضن رجل، وأما أنتِ يا بنت أختي فإن النصيحة التي
أشرتِ عليَّ بها وهي أنني أجعل بنتي راهبة؛ فذلك لأنك تريدين أن تَرِثيني
لوحدك، وتفوزي بالتركة كلها … نصائح جميلة للغاية، وفي محلها بدون شك!
ولكن لا مؤاخذة يا جماعة إذا قلت لكم أنني لهذا السبب لن أنفذ شيئًا منها
مطلقًا. (يبقى وحده) هذه هي النصائح
العصرية الثمينة، هذه هي النصائح والموضة كما يقولون.
المشهد الثاني
(سنارل – لوسانه)
سنارل
:
ها هي بنتي قد حضرت، إنها لا تراني … ها هي تتنهد، ها هي ترفع عينيها
للسماء. (إلى لوسانه) صباح الخير يا
عزيزتي، كيف صحتك الآن؟ وبماذا تشعرين؟ أهكذا تطلين حزينة دائمًا،
ومنقبضة الصدر، ولا تقولين لي ماذا يؤلمك؟ تشجَّعي وأخبريني بمرضك. هيه،
هيا يا عزيزتي أخبريني بأفكارك الصغيرة اللطيفة، بُوحِي بأسرار فؤادك إلى
بابا الصغير الظريف، تشجعي يا بنتي تشجعي. أتريدين أن أقبِّلك؟ أهو.
(يقبلها في جبينها – في ناحيةٍ
لنفسه) إني أكاد أجن من هذا السكوت الثقيل. (إلى لوسانه) ولكن أتريدين أن أموت من
الغم والحزن؟ ألا أقدر أن أعرف من أين جاء لك هذا الانقباض الشديد،
أخبريني عن السبب وأنا أعمل كل اجتهادي في إزالة حزنك، وتنفيذ كل شيء
تطلبيه، هل أنتِ يا عزيزتي غَيْرَى من بنت من حبايبك وجدتيها أجمل منك؟ أم
يا ترى لأنك رأيت موضة جديدة من القماش وتحبي أن تفصلي بدلة جميلة منه؟
كلا؟ إذن ألا أجل إن غرفتك ليست في نظرك أبهة مفتخرة، وتودي أن تشتري
لها موبيلية بديعة؟ كلا. أيضًا! طيب. هل تريدين أن أحضر لك مدرس ماهر
يعلمك العود والقانون؟ كلا. ثانيًا! إذن هل تحبين أحدًا؟ وتودين أن
تتزوجيه؟ (هنا تبدي لوسانه إشارةً صغيرةً تدل
على الإيجاب.)
المشهد الثالث
(سنارل – لوسانه – ليزت)
ليزت
:
أنا شايفة يا سيدي أنك كنت بتكلم مع ستي، أُمَّال يعني عرفت السبب في
زعلها؟
سنارل
:
كلا، إنها بنت فاسدة عاوزة تفرسني.
ليزت
:
طيب سيبني أنا أعرف شغلي، وأنا أحايلها شوية.
سنارل
:
مافيش ضرورة أبدًا، ربما أنها تريد أن تبقى بالحالة دي، فمن رأيي
أننا نتركها على كيفها.
ليزت
:
قلت لك سيبني يا سيدي أعرف شغلي، يمكن حاتقول لي أنا كل شيء ومكسوفة
أنها تقول لك، بأه كده يا ستي ما تقوليش لحد أبدًا على اللي في قلبك،
وتتركي أبوكِ كده زعلان خالص ومضايق، مافيش لزوم إنك تخبي عنا حاجة،
وإذا كنتِ بتكسفي أنك تكلمي أدام أبوكِ فليه ما تكلمنيش أنا أحسن، قولي
لي يا ستي بالذمة، أنتِ عاوزة حاجة منه، دا سيدي البركة فيه ما بيحوش
عنك شيء أبدًا. أنتِ زعلانة اللي ما يخليكش على كيفك أوي، ولا أنتِ مش
مبسوطة من الفسح والهدايا اللي بيقدمها لك؟ هيه! يا ترى حد زعلك؟ ولا
أنتِ بتميلي لواحد وعاوزة أبوك يجوزهولك؟ آه فهمت، فهمت، آدي المسألة،
السر أهو يا سيدي عرفته!
سنارل
:
إنها بنت خسرانة، ناكرة الجميل، ولا أكلمها أبدًا، وسأتركها على
عنادها، ولا أساعدها في شيء.
لوسانه
:
أنت كنت تريد يا والدي أن تعرف السبب.
سنارل
:
روحي، بربي غضبان عليكِ.
ليزت
:
دا حزنها يا سيدي …
سنارل
:
بنت فاجرة عاوزة تفلقني.
لوسانه
:
بابا، أنا أريد أن …
سنارل
:
وهذا هو جزائي في الآخر على التربية اللي ربيتها لها.
ليزت
:
ولكن يا سيدي، بس حلمك شوية.
سنارل
:
لا، لا، لا، أنا غضبان عليها خالص، وقلبي غير مبسوط منها
بالمرة.
لوسانه
:
ولكن …
سنارل
:
لا، أنا لا أود أن أشوفك أبدًا.
ليزت
:
ولكن …
سنارل
:
بنت خبيثة!
لوسانه
:
ولكن …
سنارل
:
نكارة الجميل، قلبها أسود!
ليزت
:
طيب بس …
سنارل
:
بنت فاسدة لأنها مش راضية تقول لي على اللي عاوزاه من زمان.
ليزت
:
المسألة أنها عاوزة زوج.
سنارل
(يتظاهر بأنه لا يسمع)
:
وسأتركها.
ليزت
:
زوج، زوج!
سنارل
:
وأنا أكرهها وألعنها.
ليزت
:
زوج، زوج!
سنارل
:
وأتبرى عنها، وأقول مش بنتي!
ليزت
:
زوج، زوج!
سنارل
:
لا، لا، ما تكلمنيش عنها.
ليزت
:
بأقولك زوج!
سنارل
:
بزيادة، بزيادة، ماتكلمنيش عنها.
ليزت
:
زوج، زوج!
سنارل
:
لا، لا، لا، ما تكلمنيش عنها خلاص.
ليزت
:
زوج، زوج، زوج! (يهرب).
المشهد الرابع
ليزت
:
صدقوا اللي قالوا مافيش ألعن من طرش اللي مش عاوزين يسمعوا.
لوسانه
:
كنت أظن أنني غلطانة في كتم السر عن والدي، وكنت أعتقد أنني لما أبوح
له بكل شيء لا يتأخر لحظة واحدة عن تنفيذ طلبي، ولكن ما العمل
الآن؟
ليزت
:
بشرفي إنه رجل بطال، وأنا أحلف لك إني حاجتهد ألبسه حتة خازوء، ولكن
مِغَرِّي. ولكن ليه بس يا ستي كنت بتخبي عني المسألة دي حتى
النهاردة؟
لوسانه
:
ولكن ما الفايدة لما كنت أقول لك عنها من أول الأمر؟ وهل تظني أني لم
أكن أنتظر ما حصل الوقت أمامك؟ وأني لا أعرف إحساس والدي من جهة زواجي؟
وهل تظني إن الرفض الذي أرسله إلى الشاب الذي خطبني عن لسان أحد أصحابه
لم يؤثر عليَّ ويجعلني أيأس وأقطع العشم؟
ليزت
:
إزاي! بأه الراجل المجهول اللي طلبك هو ده اللي أنت …
لوسانه
:
ربما ما يصحش إن البنت تقول كل اللي في قلبها بالصريح، ولكن أحلف لك
إني لو خيروني في الجواز ما اختارش إلا هو، ومع إننا ماكلمناش لغاية
الآن مع بعض، ولا وقع لساني على لسانه، ومع أنه ما صرحش لدلوقت بعواطفه
نحوي، لكن كل ما نتقابل في الشارع أشوف في عينه وحركاته أمارات الحب،
ولكن إيه العمل في استبداد أبوي.
ليزت
:
ماتاخديش على خاطرك يا ستي، وسيبيني أنا أشوف شغلي؛ لأني ما أحبش إني
أتركك كده حزينة، ولكن أنت رخرة لازم تشطري وتجمدي قلبك.
لوسانه
:
وإنما حاعمل إيه يا حسرة!
ليزت
:
مالكيش دعوة أنتِ بس، مايصحش أبدًا إنه يسوقك كده إدامه ذي الوز،
لازم نتخلص شوية من استبداده، ولكن على شرط إننا ما نخرجش عن الأصول،
وما نجرحش الشرف. أنا مانيش عارفة أبوك عاوز يعمل بك إيه؟ دا أنتِ يا
ستي بسم الله ما شاء الله بقيت وش جواز، يا ترى بيحسبك مالكيش قلب زي
البنات اللي من دورك، ولا بيحسبك من الرخام ما تحسيش؟ ما تزعليش يا
ستي لأن حاخدمك وأشوف من دي الوقت صالحك، وبكره حاتشوفي سياستي حاتكون
إزاي. ولكن أبوك أهو جاي، يلا نخش أبله ما يجي، وخليني أنا
أشتغل.
المشهد الخامس
سنارل
:
يحسن في بعض الأحيان أن الإنسان يتظاهر بأنه لا يسمع، وهو سامع طيب،
وقد أحسنت لأني لم أجادل في هذه المسألة التي لا أحب أبدًا أن أنفذها،
وهل في الدنيا ألعن من هذه العادة الفاسدة، وهي أنه لا بد أن البنات
تتزوج، وأن الأب يفضل يكبَّر ويسمِّن ويتخَّن ويعزِّز ويدلَّع، لما يجي له راجل
تاني يخطفها منه ويتمتع بتعبه وتربيته. لا، لا، أنا لا أوافق على هذه
العادة بالمرة، وأحتفظ ببنتي وملكي ولا أعطيها لحد أبدًا.
المشهد السادس
(تدخل ليزت وتجري في المسرح متظاهرة بأنها لا ترى سنارل.)
ليزت
:
آه! يادي المصيبة! يادي العار! مسكين يا سيدي! مسكين يا سيدي! يا ترى
ألاقيك فين!
سنارل
(لوحده)
:
ماذا تقول هذه الملعونة؟
ليزت
(وهي تجري دائما)
:
آه! مسكين يا دي الأب! الله يكون في عونك! حاتعمل إيه يا سيدي لما
تعرف الخبر؟
سنارل
(لوحده)
:
ماذا حصل يا ترى؟
ليزت
(وهي تجري)
:
آه يا ستي!
سنارل
(لوحده)
:
أنا خلاص ضعت وركبي سابت!
ليزت
:
آه يا حبيبتي! آه يا حبيبتي!
سنارل
(وهو يجري وراء ليزت)
:
ليزت!
ليزت
(وهي تجري وهو يجري وراءها)
:
يا قلة البخت!
سنارل
(يجري)
:
ليزت!
ليزت
:
يادي المصيبة!
سنارل
:
ليزت!
ليزت
:
يادي المصيبة! يادي المصيبة!
سنارل
:
ليزت!
ليزت
(تقف عن الجري)
:
آه يا سيدي!
سنارل
:
إيه اللي جرى!
ليزت
:
آه يا سيدي …
سنارل
:
إيه اللي حصل؟
ليزت
:
بنتك …
سنارل
:
آه … آه …
ليزت
:
ما تعيطش كده يا سيدي لحسن تخليني على زعلي أفطس من الضحك!
سنارل
:
أمال قولي أوام.
ليزت
:
بنتك يا سيدي من كتر كلامك صُعُب عليها وخدت على خاطرها من زعلك،
فدخلت أودتها وراحت فاتحة الشباك اللي بيطل على البحر …
سنارل
:
وبعدين؟!
ليزت
:
وبعدين رفعت عينها للسماء، وفضلت تقول لا، ما يمكنش أعيش وأبوي زعلان
مني، وبما إنه اتبرى عني فلازم أموت …
سنارل
:
ورمت نفسها؟
ليزت
:
لأ يا سيدي، وإنما أقفلت الشباك بشويش وراحت مقلوبة على السرير،
وفضلت تعيط بحرقة، وما بُص إلا ألائي وشها أصفر، وعينيها انقلبت وقلبها
سخسخ، وقطعت النفس …
سنارل
:
آه يا بنتي! وماتت؟
ليزت
:
لأ يا سيدي، لأني أعدت أعالجها مدة لما فاقت شوية لروحها، ولكن أنا
خايفة لتجي لها تاني، وخايفة كمان لماتعيش النهاردة.
سنارل
:
آه يا بنتي! … يا شامبان، يا شامبان.
المشهد السابع
(يدخل الخادم.)
سنارل
:
اجرِ هات حُكما! يادي المصيبة! آه يا بنتي آه! يا ضناي آه يا عزيزتي
(يسترسل في البكاء
والصريخ).
(ينزل الستار)
الفصل الثاني
المشهد الأول
(ليزت – وسنارل)
ليزت
:
أقول لك الحق يا سيدي، أنا متوغوشة من الحُكما؛ لأن فيه حُكما كتير
مهكعين، لا خدوا شهادات ولا يحزنون، وإنما يوعوا على فحت البحر،
وواخدينها بالعافية، وزي ما تيجي تيجي، وأنا خايفة ليكونوا اللي جبتهم
من العينة دي، تبأى مصيبة! ولكن حانعمل إيه بس بالأربع حُكما، مش يكفي
واحد من دول لقتل العيان؟
سنارل
:
اسكتي، الأربع نصائح أحسن من نصيحة واحدة.
ليزت
:
يعني هي بنتك ما تقدرش تموت من غير مساعدة الحُكما الغلابة
دول؟
سنارل
:
وهي الحُكَما تموِّت؟
ليزت
:
معلوم، الحُكما الواقعين دول اللي واخدينها كده خبط لزق، دنا كنت أعرف
واحد كان يقول إنه ما يصحش إننا نقول فلان مات من الحُمَّى ولا من
النزلة، ولكن نقول فلان مات من أربع حُكما واتنين أجزاجية.
سنارل
:
اخرسي، لا تشتمي هؤلاء السادة!
ليزت
:
بالشرف يا سيدي دي قطتنا طابت امبارح من الوأعة اللي وئعتها من فوق
السطوح، بعد ما قعدت تلات أيام لا تاكل ولا تشرب ولا تشيل إيدها ولا
رجلها، وآهي الحمد لله شمت نفسها؛ لأن بختها طيب اللي مافيش في القطط
حُكما.
سنارل
:
اخرسي قلت لك، بلا قلة أدب! ها هم حضروا!
ليزت
:
خد بالك لحسن يكونوا من الحُكما إياها، ويفضلوا يبلفوك ويقولوا لك
باللاتيني دي بنتك عيانة خالص.
المشهد الثاني
(يدخل الأطباء، وهم أربعة.)
سنارل
:
ماذا رأيتم يا سادة؟
الطبيب الأول
:
لقد فحصنا العليلة جيدًا، لازم عندها وساخة كتير.
سنارل
:
إزاي؟ بنتي وسخة!
الطبيب الأول
:
إني أريد أن أقول إن عندها وساخة في جسمها، كمية أكدار شديدة.
سنارل
:
آه! فهمت، فهمت.
الطبيب الأول
:
ولكن … نحن سنتشاور الآن مع بعض.
سنارل
:
تفضلوا، هذه هي الكراسي!
ليزت
:
آه، هو أنت هنا يا حضرة الدكتور؟
سنارل
(إلى ليزت)
:
وأين عرفت السيد؟
ليزت
:
كنت شفته مرة عند صاحبة بنت أختك.
الطبيب الأول
:
وكيف صحة خادمها الآن؟
ليزت
:
بخير يا أفندم؛ لأنه مات وشبع موت.
الطبيب الأول
:
مات؟
ليزت
:
آه.
الطبيب الأول
:
هذا لا يمكن!
ليزت
:
ما اعرفش بأه إذا كان يمكن ولا ما يمكنش، أهو الراجل مات
والسلام.
الطبيب الأول
:
إني أقول لك إنه لا يمكن أن يكون مات.
ليزت
:
وأنا أقول لك إنه مات وتعيش أنت، ودفناه كمان.
الطبيب الأول
:
أنت مخطئة!
ليزت
:
دانا شفته بعيني.
الطبيب
:
هذا مستحيل، إن أبقراط يقول إن هذا المرض لا ينتهي إلا بعد أربعة عشر
أو عشرين سنة على الأقل، وهو لم يمكث أكثر من ست أيام.
ليزت
:
خللي أبقراط يقول اللي يعجبه، مدام الخدام مات خلاص.
سنارل
:
اسكتي يا قبيحة، ياللا بنا نخرج، أرجو أن تتشاوروا جيدًا يا حضرة
الدكاترة، واعملوا معروف اتوصوا بالبنت، ولو أن العادة أن الدفع يكون
بعد الاستشارة، ولكن خايف لانسى الفوزيته، تفضلوا (يعطيهم النقود، وكل منهم يعمل حركة عند أخذ
فلوسه).
المشهد الثالث
(يجلسون، ثم يسعل كل واحد منهم وراء الآخَر.)
الطبيب الثاني
:
إن العاصمة كبيرة متسعة، وأمثالنا يتنسي جنب الحُكما الكبار المشهورين؛
ولذلك لا بد للواحد منا أن يعمل سياحات كثيرة حتى إن الشغل يمشي.
الطبيب الأول
:
دانا أقول إن عندي فرس طيبة لهذا الغرض، وناهيكم بالمشاوير التي
تلفها طول النهار.
الطبيب الثاني
:
وعندي أنا حصان بديع لا يتعب أبدًا.
الطبيب الأول
:
إنك لا تصدق لو قلت لك عدد الشوارع التي لفتها فرسي في هذا
النهار.
الطبيب الثاني
:
وكذلك حصاني أنا، وكنت قبل أن أحضر إلى هنا في مشوار طويل لعيادة
مريض.
الطبيب الأول
:
ولكن على ذكر المرضى، إلى أي صف تنحاز من الصفين؛ صف الحكيم ثيوفراست
ولا الحكيم أرتميس؛ لأن الدكاترة اللي زي حالتنا لا يعرفون أكتر من
الاتنين دول.
الطبيب الثاني
:
أما أنا ففي صف أرتميس.
الطبيب الأول
:
وأنا أيضًا؛ لأنه كان أسرع من الثاني في قتل المريض، ولكنه كان يراعي
الظروف قليلًا، أليس كذلك؟
الطبيب الثاني
:
بدون شك، يجب دائمًا أن نحتفظ بالرسميات، مهما كان الأمر.
الطبيب الأول
:
وأنا شديد جدًّا في هذه المسألة، على شرط أن لا يكون طبعًا بين
الأصحاب، وقد حصل مرة أنهم جمعونا نحن ثلاثة من المعارف مع واحد طبيب
لا نعرفه ولا يعرفنا، وكان عامل شاطر أوي، وكنت وقفت الشغل ولم أرض أن
أمشي معهم في الاستشارة، وتركت أهل البيت يعملوا اللي يعملوه، والمرض
يشتد على المريض، ولا أنا سائل ولا مهتم، ونهايته مات الراجل على طول
في وسط الاستشارة.
الطبيب الثاني
:
ما هو الميت ميت على التسعين، ولكن لازم فقط إننا نراعي الرسميات
وألا ضاعت ثقة الناس بأمثالنا من الحُكما اللي على المعاش!
المشهد الرابع
سنارل
:
المرض اشتد يا حضرات الدكاترة على البنت، فاعملوا معروف قولوا
رأيكم.
الطبيب الأول
(إلى الثاني)
:
تفضل إكلم يا دكتور!
الطبيب الثاني
(إلى الأول)
:
لا والله تفضل أنت.
الطبيب الأول
:
هل تمزح يا دكتور؟
الطبيب الثاني
:
لا يا أفندم العفو، ولكن أنا لا أتكلم الأول.
الطبيب الأول
:
تفضل يا دكتور …
الطبيب الثاني
:
لا، تفضل أنت يا دكتور …
سنارل
:
يا جماعة، اتركوا التكليف من فضلكم، وتذكروا أن الحالة خطرة ومستعجلة
(يتكلم الأربعة مع بعض في نفس
واحد).
الطبيب الأول
:
إن مرض بنتك …
الطبيب الثاني
:
إن رأي الجماعة كلهم …
الطبيب الثالث
:
بعد ما تشاورنا …
الطبيب الرابع
:
لكي نعرف …
سنارل
:
الله الله! واحد واحد يا أسيادنا من فضلكم، ما تبقوش زي
البرابرة.
الأول
:
سيدي، بعد ما تشاورنا في مرض بنتك أقول لك إن رأيي أنا إن هذا المرض
ناتج من حرارة الدم، ولازم ناخد لها دم في الحال.
الثاني
:
وأنا أقول إن مرضها علة مزاج ناتجة عن تخمة، ونهايته أقول لك لا بد من
أن نعطيها مقني.
الأول
:
وأنا أرى أن المقِني يموتها.
الثاني
:
وأنا أرى أن أخذ الدم يقتلها.
الأول
:
يعني حضرنك فاهم في نفسك أنك ماهر وأستاذ.
الثاني
:
نعم، غصب عنك، أنا أستاذك، وطلعت عيني في الطب.
الأول
:
وهل نسيت الرجل الذي موته في الأسبوع الماضي؟
الثاني
:
وأنت هل نسيت الست التي أرسلتها إلى الآخرة منذ ثلاثة أيام؟
الأول
(إلى سنارل)
:
لقد أبديت لك رأيي.
الثاني
:
وقد قلت لك أنا أيضًا فكري.
الأول
:
وإن لم تأخذ لها دم في الحال فستموت بلا أدنى شك (يخرج).
الثاني
:
ولو أخذت لها دم فستموت بعد ربع ساعة (يخرج).
المشهد الخامس
سنارل
:
أصدق مين ولا مين؟ دا شيء يحير! طيب طمنوني أنتم وقولوا لي بالصراحة
فكركم وإيه اللي تشوفوه؟
الطبيب الثالث
(يتكلم بتقطيع الألفاظ)
:
سيدي … في مثل هذه المسألة الكبيرة … لازم نمشي باحتراس … ولا نعمل شيء
بسرعة … لأن الأغلاط التي تقع منا كما يقول أبقراط تكون خطرة
جدًّا.
الطبيب الرابع
(يتلعثم في ألفاظه)
:
هذا مؤكد … يجب أن نحترس في كل شيء نعمله … لأنه مش لعب عيال … ولو
غلطنا فمن الصعب أن نصحح الغلط أو نتلافى الخطر … ولهذا السبب يجب أن
نفكر الأول ونتدبر في الموضوع ونبحث في أسباب المرض … ونوجد الأدوية
النافعة له.
سنارل
(لوحده)
:
واحد بيتهجى، والتاني بيمأمأ.
الثالث
:
ولهذا السبب ندخل في الموضوع … وأقول لك إن بنتك عندها مرض مزمن …
ويخاف عليها من الموت … إذا لم تسعف في الحال … لأن الأعراض التي لديها
تدل على وجود بخار أسود عكر بياكل في المخ … وهذا البخار الذي نسميه في
اللاتيني أتموس مسبب عن أريفة مزاج طالعة من البطن.
الرابع
:
وبما أن هذه الأريفة بأه لها زمان عندها … استوت معها … وفضلت تدخن على
المخ.
الثالث
:
ولأجل أن نزيل ونطلع ونعاكس ونطرد ونغسل هذه العكننة … لا بد من مطهر
شديد … وقبل كل شيء يصح أن نقرر أنه لا مانع من استعمال أدوية صغيرة
مخففة … يعني ملينات منظفة مروقة مثل الشرب والشربات.
الرابع
:
وبعدين نرجع إلى المطهرات، وإلى أخذ الدم، إذا وجدنا ضرورة
لذلك.
الثالث
:
وبدون ذلك يمكن بنتك تموت … وهذا رأينا بالصريح.
الرابع
:
وكلمناك كما نكلم واحد أخ.
سنارل
(إلى الثالث وهو يقطع في الألفاظ مثله)
:
أقدم إليك تشكراتي الخالصة وامتناني العظيم. (إلى الرابع وهو يتلعثم مثله ويمأمأ) وأنا ممنون جدًّا
من هذا الاجتهاد الذي أظهرته يا حضرة الدكتور.
(ينزل الستار)
الفصل الثالث
المشهد الأول
(طبيب خامس – الطبيب الأول – الطبيب الثاني)
الطبيب الخامس
:
ألم يخجل كل واحد منكم يا حضرات الدكاترة من هذا الطيش الذي حصل
منكم، وأنتم تعرفوا إننا ما أخدناش شهادات، ولا تعلمنا الطب في المدرسة،
وإنما جات لنا كده بالعافية، وآهي مشيت. ألا تعرفوا الضرر الذي ينتج من
هذه المخاصمات التي تبدو منكم أمام الناس، ألا تكفي الاختلافات
والمشاجرات والمناقشات التي تحصل دائمًا بين علمائنا وأساتذتنا على
الغنى، حتى نجي إحنا نظهر أمام الناس بهذا الشكل لأجل ما يكشفوا جهلنا،
ويعرفوا بلفنا ومغارزنا. أنا من رأيي أننا إن لم ننته عن هذه المشاجرات
ونمشي بهدوء وفي أمان الله، ولا نظهر عيوبنا أمام العالم، نضيع بدون شك
ونبقى خسرنا الجلد والسقط. أنا طبعًا لا أتكلم عن نفسي، ولا لأجل
مصلحتي؛ لأن الشغل عندي ولله الحمد مزروط … تخرب تعمر … تنشال تنهبد …
أهم الميتين ميتين، وأنا أيضًا استغنيت الآن عن الحيين، والنهاية أن
هذه المخاصمات لا تناسبنا، ولا تصح أن تقع من الدكاترة اللي زينا اللي
بيقولوا يا ساتر استُر من الفضايح. وبما أن حسن الحظ جعلنا محترمين عند
الناس، وبتنطلي عليهم حيلنا، فلا لزوم أبدًا إننا نخسر سمعتنا بهذه
المخاصمات الخارجة عن حدها، وإنما لازم إننا نكسب من ورا تغفيلهم بقدر
الإمكان، ومش بس إحنا اللي بنربح من ضعف الناس، بل إن الناس كلها بتضحك
على بعض، وكل واحد في الدنيا بيجتهد إنه يجي للناس من ناحية ضعفهم،
علشان يأَصْوَل منهم شيء؛ فالمتملقين مثلًا ومساحين الجوخ بيكسبوا من
حب الناس للعنطزة والمدح، فيفضلوا يتمسحولهم وينزلوا فيهم مدح لما
يطلعولهم بشيء منهم، ومسح الجوخ أصبح الأيام دي فن هايل يكسب طيب
وكثيرين اغتنوا منه، ثم المنجمين وضرابين الرمل وبتوع البخت بينتفعوا
أيضًا من طمع الناس وتغفيلهم وعبطهم، ولكن أكبر ضعف عند الناس هو أنهم
يحبوا الدنيا؛ ولهذا السبب نحن نكسب منهم المكاسب الهائلة، مع أن
الحُكما الشطار أكتر منا، ولكن نحن عرفنا كيف نستخدم احترام الناس لنا؛
لأنه لم ينتج إلا من خوفهم من الموت؛ فلازم نحافظ على مقامنا، ونوافق
بعض أمام المرضى وأهل المرضى، حتى إنهم ينسبوا لنا الشفا إذا حصل مرة
في العمر، ويرجعوا غلطاتنا إلى القضاء والقدر. ودعونا يا جماعة ناكل
عيش بجانب زملائنا الأطباء الكبار المشهورين الأساتذة، ولا فيش لزوم
إننا نعاكس بعض إلى هذه الدرجة، ونقطع رزق العالم.
الطبيب الأول
:
لك حق في كل هذا الكلام، ولكن الإنسان في بعض الأحيان مابيقدرش يحوش
نفسه من الزعل لما بيطور.
الطبيب الخامس
:
بس بأه أمال يا إخوانا، وسيبكم من الهلس ده، وشوفوا مصلحتكم قبل كل
شيء، وتراضوا هنا على العيانة دي.
الطبيب الثاني
:
أنا موافق، وإنما يتركني هو أمشي المقني لها كما وصفت، وأنا حبأى
أمشي له كل شيء لما يقع في إيدنا بكره عيان تاني.
الطبيب الخامس
:
دا كلام طيب، لك حق في كده.
الطبيب الثاني
:
خلاص اتفقنا؟
الطبيب الخامس
:
خلاص، نهاركم سعيد. اجتهدوا أنكم تكونوا دائمًا عُقَلا أمام الناس
(يخرج).
المشهد الثاني
ليزت
:
إزاي يا جماعة؟ أنتم لسا هنا، ومش واخدين بالكم من الإهانة اللي حصلت
لكم؟
الطبيب الأول
:
إزاي؟ ماذا حصل؟
ليزت
:
مش راجل قبيح تهجم على الحُكَما اللي زيكم ومن غير إذنكم رايح قاتل له
واحد بطعنة سكينة في قلبه.
الطبيب الأول
:
اطلعي منها بأه، أنت تملي كده تهزري وتأفشي لنا، ولكن طيب بس لما
تقعي مرة في إيدنا.
ليزت
:
لما احتاج للحُكما اللي زيكم ابئوا عن إذني اقتلوني (يخرجان).
المشهد الثالث
(يدخل كليتاندر في لباس الأطباء.)
كليتاندر
:
هيه، إيه رأيك يا ليزت في اللبس ده؟ مش باردو باين إني حكيم، وهل
تفتكري إني بلبسي ده أقدر أبلف الراجل أبوها العبيط؟ مش كده كويس ولا
إيه؟
ليزت
:
كويس خالص، دانا كنت منتظراك على نار؛ لأن قلبي رهيف وما أقدرش
استحمل أشوف اتنين بيحبوا بعض ودايبين في دباديب بعض وما تاخدنيش
الشفقة عليهم، وتلائيني أحب أساعدهم وأريح قلبهم، وأنا عاوزة بأي طريقة
أسحب لوسانه من أبوها وأجيبها لك علشان تجوزها، وأنت الحق يعني عجبتني
ومليت مخي؛ لأني أعرف آخد بالي طيب من الرجالة، وهي بالحق عرفت تنقي
صحيح، والحب عاوز مخاطرة، وأدحنا دبرنا طريقة يمكن تنجح وأخدنا
الاحتياطات اللازمة، والراجل اللي حانلعب عليه الملعوب مش راجل يفهم أد
كِده، وإن مانفعتش وياه الطريقة دي فعندي ألف طريقة غيرها حتى نتوصل
لغرضنا. انتظرني هنا دي الوقت لما أرجع لك (يتراجع إلى أقصى المسرح).
المشهد الرابع
(سنارل – ليزت)
ليزت
:
يادي الفرح يا سيدي! يادي الفرح!
سنارل
:
حصل إيه؟
ليزت
:
افرح الآن يا سيدي وهيص.
سنارل
:
علشان إيه؟
ليزت
:
قلت لك افرح بأه وانبسط.
سنارل
:
قولي بس الأول السبب إيه؟ يمكن صحيح أفرح وأنبسط.
ليزت
:
لأ، أنا عاوزاك تفرح أبله وتهيص، عاوزاك ترقص الأول وتغني!
سنارل
:
على إيه بس؟
ليزت
:
بشرفي حاأقولك.
سنارل
(يغني ويرقص)
:
طيب أهو، لا لا لا لا … لا لا لا! كده؟
ليزت
:
بنتك يا سيدي طابت خلاص!
سنارل
:
بنتي طابت؟
ليزت
:
أيوه، لأني جبت لها حكيم، أما واحد حكيم تمام، حكيم مهم أوي، يعمل
حقة اللي ما يُعمل، ويضحك على الحُكما كلهم.
سنارل
:
وفين هو؟
ليزت
:
دي الوقت أجيبه لك.
سنارل
(لنفسه)
:
لازم نشوف إذا كان حايكون أحسن من الحُكما اللي جم الأول ولا
ألعن.
المشهد الخامس
ليزت
(تذهب وتعود بكليتاندر)
:
أهو يا سيدي.
سنارل
:
دا حكيم دقنه صُغيرة خالص!
ليزت
:
هو يا سيدي العلم بالدقون، ولا الشطارة بالهدوم.
سنارل
:
بيقولوا لي يا حضرة الدكتور أنك عندك أدوية عجيبة تشفي في
الحال.
كليتاندر
:
إن الأدوية بتاعتي يا سيدي غير أدويتهم بالمرة، هم عندهم الشُّرب
وتركيب الدوا، والمقيئات، واللي يستعمل من الظاهر، واللي يستعمل من
الداخل، وعندهم الحُقن والبلابيع والبرشام والسفوف والأدوية دي
الملعونة، ولكني أنا أشفي بالكلام، بالإشارات، بالحروف، بالأحجبة،
بالتعازيم، بالفلك.
ليزت
:
مش قلت لك؟
سنارل
:
صحيح، آدي الراجل الشاطر!
ليزت
:
بما أن ستي يا سيدي لابسة ومتجهزة في الأودة التانية، فأنا رايحة عن
إذنك أخليها تجي هنا.
سنارل
:
أيوه، روحي روحي!
كليتاندر
(وهو يجس نبض سنارل)
:
بنتك عيانة أوي!
سنارل
:
وإزاي عرفت كده من إيدي؟
كليتاندر
:
أيوه، بالحب اللي بينك وبين بنتك.
المشهد السادس
(تدخل ليزت ولوسانه.)
ليزت
(إلى كليتاندر)
:
آهي يا سيدي، تفضل اقعد في الكرسي ده اللي جنبها. (إلى سنارل) ياللا إحنا بنا يا سيدي،
ونسيبهم ويا بعض.
سنارل
:
وعلشان إيه؟ أنا لازم ما اتنقلش من هنا.
ليزت
:
بتهزر حضرتك؟ لازم تبعد؛ لأنه في أسئلة كتيرة يحب يسألها الدكتور
وما يصحش راجل يسمعها (يبتعدان).
كليتاندر
(بصوت منخفض إلى لوسانه)
:
آه يا عزيزتي، آه من الفرح الشديد الذي أشعر به الآن وأنا جنبك، إني
لا أعرف كيف ابتدي الكلام لأول مرة بيننا؛ لأننا كنا نتكلم الأول
بالنظرات، وكنا نتفاهم بالعيون واللواحظ، وكان عندي ألف مسألة أريد أن
أقولها لك، وكنت معد دفاتر طويلة عريضة أريد أن أقرأها لك، ولكني لا أجد
الآن كلمة واحدة في ذهني؛ إن الفرح يمنع لساني من النطق.
لوسانه
:
وأنا كذلك، إني أشعر بسرور عظيم يمنعني من الكلام.
كليتاندر
:
آه يا عزيزتي! أنا سعيد لأني عرفت أنك تشعرين بالشعور الذي أحسه من
نحوك، ولكن هل أنت التي اخترعت هذه الحيلة التي فرحتني
بمقابلتك.
لوسانه
:
ولو أنك صحيح لم تفتكر هذه الفكرة الجميلة إلا أنك فرحتني بموافقتك
عليها بكل سرور.
سنارل
(إلى ليزت)
:
ماله كده بيكلمها ووشه في وشها؟
ليزت
(إلى سنارل)
:
علشان يلاحظ وشها وتقاطيعها حتى إنه يعرف المرض.
كليتاندر
(إلى لوسانه)
:
وهل أنت راضية عن هذه النية التي نوينا عليها؟
لوسانه
:
وهل أنت راضي عن هذا العزم الذي عزمنا عليه؟
كليتاندر
:
بالتأكيد، وأنا مسرور جدًّا بفكرة الزواج، وحاتشوفي دي الوقت أنا رايح
أعمل إيه.
سنارل
(إلى كليتاندر)
:
الله! الله! يظهر صحيح إن البنت طابت! لأني شايفها يعني كده
مبسوطة.
كليتاندر
:
هذا من تأثير أدويتي؛ لأنك طبعًا تعرف إن الروح لها سلطة كبيرة على
الجسم؛ ولذلك عادتي أني أعالج الأرواح قبل معالجة الأجسام، فبعد ما
لاحظت نظراتها وتقاطيعها وخطوط إيدها عرفت بفضل العلم الرباني إن روحها
مريضة لا جسمها، وأن مرضها لم يأتِ إلا من فكرة بطالة عندها من رغبة
فاسدة في إنها تريد أن تتزوج، وأنا طبعًا لا أوافق أبدًا على شيء بطال
فاسد زيّ ده، جواز إيه وبتاع إيه! دا كلام فارغ!
سنارل
(لوحده)
:
آدي صحيح الراجل اللي يفهم!
كليتاندر
(إلى سنارل)
:
دانا طول عمري أكره الجواز وسيرة الجواز، دا شيء يئرف.
سنارل
:
آدي الحكيم العال تمام!
كليتاندر
:
ولكن لما كان يلزم أن الحكيم يداوي العيانين، ولما رأيت أنها صحيح
مريضة، وأنه لا بد من إسعافها قبل فوات الفرصة، رأيت أني آخذها على عقلها،
فقلت لها إنني جيت هنا علشان أجوزها، وفي الحال تغيَّر وجهها وحضر لونها،
وبان على عينيها الفرح، فإذا كنت تحب أننا نمشي البلفة دي عليها شوية
أيام، فإننا بالطبع نشفيها بكل سرعة، فإيه رأيك؟
سنارل
:
مافيش مانع أبدًا، أنا موافق أوي.
كليتاندر
:
وبعد كده نعطيها أدوية تانية تشفيها من البلفة دي.
سنارل
:
أيوه، دا كويس خالص. اسمعي يا بنتي، حضرته يحب أنه يجوزك، فقلت له
أنا أعطيها لك بكل سرور.
لوسانه
:
يا حسرة! وهل ممكن؟
سنارل
:
أيوه.
لوسانه
:
ودي الوقت في الحال؟
سنارل
:
أيوه، أيوه.
لوسانه
(إلى كليتاندر)
:
صحيح أنك تحب أن تكون زوجي؟
كليتاندر
:
صحيح يا سيدتي.
لوسانه
:
وأبوي رضي.
سنارل
:
أيوه، رضيت يا ابنتي.
لوسانه
:
آه، ما أحلى هذا الخبر لو كان صحيح!
كليتاندر
:
لا تظني أبدًا أنه غير صحيح يا حضرة المدموازيل، دانا مش بس من
الساعة دي اللي بحبك وعاوز أجوزك، ولكن من زمان خالص وأنا مجنن فيك،
دانا ما جيتش إلا علشان كده، ولأجل ما أقول لك الحقيقة، أقول لك أن
الهدوم دي بس حيلة مني علشان أشوفك، وعملت حكيم كده لأجل ما أبقى جنبك
وأطلب اللي أنا عاوزه بعدين.
لوسانه
:
إذن كنت تحبني من الأول، أنا مسرورة لأنك أخبرتني بذلك الآن.
سنارل
(لوحده)
:
يادي المجنونة! يادي المجنونة! هي فاهمة إن المسألة صحيح.
لوسانه
:
وأنت يا بابا خلاص موافق على أنه يجوزني؟
سنارل
:
تمام، هاتي إيدك، وأنت هات إيدك، علشان أطمنها.
كليتاندر
:
ولكن …
سنارل
(وهو فطسان على روحه من الضحك)
:
لا، لازم تجيب إيدك، علشان نخليها تطمن على الأقل. حط إيدكم في إيد
بعض. أهو، خلاص!
كليتاندر
:
وتفضلي عشان تطمني أكتر، الخاتم ده. (إلى
سنارل بصوت منخفض) دا خاتم مكتوب عليه حجاب يشفي من توهان
العقل.
لوسانه
:
لازم نكتب العقد، علشان يتم كل شيء.
كليتاندر
:
أنا أحب كده خالص. (إلى سنارل) أنا
رايح أجيب الراجل اللي بيكتب لي الأحجبة، ونبقى نفهمها أنه مسجل.
سنارل
:
كويس أوي.
كليتاندر
:
أنت يا هو، خلوا المسجل اللي جاه معاي يدخل.
لوسانه
:
وكنت جايب كمان مسجل وياك؟
كليتاندر
:
أيوه يا مداموازيل.
لوسانه
:
أنا مسرورة كل السرور الآن.
سنارل
:
مجنونة، مسكينة! فاهمة أن العبارة جد!
المشهد السابع
(يدخل المسجل، فيكلمه كليتاندر بصوت منخفض.)
سنارل
(إلى المسجل)
:
نريد أن تكتب لنا الكتاب على الاتنين دول، وأكتب أني أعطيتها عشرين
ألف جنيه في يوم العقد.
لوسانه
:
أشكرك يا بابا، دا عشمي كان كده بردو!
المسجل
:
خلاص انتهيت من كتابة العقد، ولم يبق إلا أن تمضوا كلكم.
سنارل
:
لقد انتهى العقد.
كليتاندر
:
ولكن …
سنارل
:
لا لا، لازم نمضي، يعني هي المسألة صحيح. (إلى المسجل) ياللا إديلوا القلم علشان يمضي. (إلى لوسانه) وأنت امضي، ياللا امضي.
حتى أمضي أنا أيضًا.
لوسانه
:
هات العقد في إيدي.
سنارل
:
لقد انتهى كل شيء الآن. (يمضي)
أنت مبسوطة دي الوقت؟
لوسانه
:
ما تقدرش تتصور أد إيه.
كليتاندر
:
وأنا أخذت كل الاحتياطات فأحضرت معي أيضًا مع المسجل جوقة من
الملحنين والراقصين لكي نحتفل بكتب الكتاب، وأنا دائمًا اصطحبها معي
لأجل طرب المرضى بعقلهم. دعوهم يدخلوا (تدخل
جوقة الملحنين والراقصين تنشد النشيد الآتي على الرقص،١ وفي وسط اللحن يأخذ كليتاندر لوسانه ويخرجان
في خفية).
المشهد الثامن
سنارل
:
أما طريقة حلوة في تطيب العيانين! فين بنتي أمال؟ بنتي هي
والدكتور!
ليزت
:
راحوا يقضوا شهر العسل، ويتمتعوا بالجواز.
سنارل
:
جواز! إزاي؟!
ليزت
:
ما هو اللي يعملوها الصغار يقعوا فيها الكبار، كنت بتحسب إنه هزار،
والمسألة حاتبقى جد طول العمر.
سنارل
:
يا خراب بيتي. (يجري لكي يلحق كليتاندر
وابنته، فيمسكه الملحنون والراقصون وهو يحاول أن يتخلَّص
منهم) سيبوني، سيبوني بأقولكم. (يرقص الملحنون ويخلونه يرقص معهم بالقوة) سيبوني! هاتوا
لي بنتي! هاتوا لي بنتي!
(ينزل الستار)
١
كلمات اللحن غير موجودة بالمخطوطة.