رجوع السلطة لملوك القبط الوطنيين
أما سكان مصر الأصليين — أعني الأقباط الوطنيين — فاعتراهم الملل والضجر من حُكم ملوك الأجانب الشديد الوطأة، فعقد أمراؤهم وعظماؤهم النِّية على تخليص وطنهم من أيديهم، فتمكنوا أخيرًا من طردهم من الجهات البحرية، ثم قسموا البلاد إلى ١٢ قسمًا ترأس على كل قسم واحد من هؤلاء الأمراء العظماء؛ فسُمِّيَتْ هذه الحكومة بالمقاسمة الاثني عشرية؛ ومن ثَمَّ أخذ أحد هؤلاء الاثني عشر يجد ويجتهد في خلع السلطة من يد شركائه فتمكن أخيرًا من ذلك بمساعدة بعض العساكر اليونانية، بطريقة لا سبيل لذكرها هنا لعدم الوثوق من صحتها.
ولما انفرد هذا الأخير المدعو بساميتيك بالحكم اهتمَّ بتعمير ما دمره الآسيويون والآشوريون، ثم طفِق يحض القبط على اقتناء المعارف واسترجاع ما كان لهم من المجد السالف، وقد حصَّن البلاد من كل جهة، ثم فتح بلاد النوبة واستولى على فلسطين، وفي أيامه دخلت إلى البلاد جماعة من اليونان؛ فوهبهم بعض الأراضي وسلمهم بعض شبان الأقباط ليعلموهم لُغتهم اليونانية في المدارس التي أنشأها، وكذا فتح بلاد الشام، ثم تُوُفِّيَ بعد أن حكم نحو ٥٤ سنة، فأخلفه ابنه تيخاوس الذي عنَّ له أن يكتشف حدود أفريقيا فأرسل إليها جيشًا لأجل هذه الغاية فتمكن من ذلك على أنه لم يستفِد شيئًا من هذا الاكتشاف، وبعد وفاته حكم ابنه بساميتيك الثاني، الذي غزا بلاد النوبة ومات على أثر رجوعه منها، فحكم بعده ابنه إيرياس الذي شقت عليه جنوده عصا الطاعة؛ إذ أرسلهم إلى بلاد القيروان للاستيلاء عليها، ولم يتسنَّ لهم ذلك، وسُدَّت دونهم جميع المسالك، فانتخبوا أحد الرعايا المدعى أمازيس وجعلوه ملكًا عليهم، ثم حاربوا ملكهم الأصلي فانتصروا عليه وخنقوه.
ولما صار أمازيس هذا ملكًا احتقره الوطنيون بادئ بدءٍ نظرًا لدناءة حسبه ونسبه، ولكنهم بعد ذلك رمقوه بعين الاعتبار والوقار؛ لما أقنعهم بأنَّ الرَّجل إنما يعتبر ويوقر بأعماله لا بماله، أو جماله أو حسبه أو نَسَبِه كما يتوهمون.
وقد كان أمازيس مُتَّصِفًا بجودة القريحة وتوقد الذِّهن، ومن مآثره المشهورة استيلاؤه على جزيرة قبرص.
وقد تزوَّج بإحدى بنات الملك أبسامتيك الثاني؛ ليؤسس منها عائلة ملوكية جديدة، فولدت له ابنًا سماه بسامتيك الثالث، الذي حكم على المملكة، وكان آخر ملوك هذه العائلة.