حكم اليونان على بلاد القبط
وبعدَ مُضِيِّ ثماني سنوات من حكم العجم على مصر بلاد القبط، وافاها إسكندر الأكبر ذو القرنين فاستولى عليها كما قدمنا، وجعلها تابعة لمملكة اليونان التي حكمت عليها نحو ٢٧ سنة. أَمَّا الملك إسكندر الأكبر المومأ إليه فكان شهمًا أَبِيَّ النفس عادلًا؛ إذ أتاح للمصريين أي الأقباط قاطبة التديُّن بدين آبائهم وأجدادهم ومتعهم بالحرية التامة التي حُرِمُوا منها منذ أمدٍ مديد.
واختط مدينة الإسكندرية فصارت مخزنًا عامًّا لتجارة الدنيا بأسرها، ولم تزل كذلك إلى الآن، ولقد لقَّبَها باسمه أي الإسكندرية.
وبعد وفاته تقاسم قُوَّادُه ممالِكَه؛ فكانت مصر بلاد القبط من نصيب القائد بطليموس لاغوص الأول الذي نهج منهج الإسكندر في جميع أعماله، ولما كان محبًّا للعلم والعلماء أنشأ مكتبة الإسكندرية الشهيرة، ووسَّع نطاق البلاد القبطية؛ إذ أضاف عليها بلاد العرب وقبرص. وبعد وفاته حكمها بطليموس الثاني الذي ترجم التوراة إلى اللغة اليونانية، ثم بطليموس الثالث، فبطليموس الرابع، فالخامس، فالسادس، فالسابع إلى الثالث عشر.
وكان هؤلاء البطالسة جميعًا رجال حزم وعزم عارفين ما لهم من الحقوق عند رعيتهم وما عليم من الواجبات نحوهم، وفي أيامهم ارتقت بلاد القبط ارتقاءً لا نظير له؛ إذ بَثُّوا فيها رُوح العلوم والمعارف، ونشطوها من عقال الإهمال، فبلغت أوج المجد وذروة الكمال.
وآخر ملوك هذه الدولة الملكة كيلوباطره ربة الجمال الرَّائع وصاحبة الصيت الشائع، وهي التي تزوجت بأخيها، وبعد أن قضت منه وطرَها أسقته سمًّا فمات شهيد خداعها وتداهُنها. ولما علمت أنَّ دولة الرُّومان قد عزمت على محاصرة بلادها، قتلت نفسها فانقرضت بموتها ملوك دولة اليونان.