علوم قدماء الأقباط ومعارفهم
لقد برع قدماء الأقباط خصوصًا في علوم الفلسفة الكيماوية والعقلية، وعلم الهيئة والنجوم، وعمل الصيني والزجاج، وفن النقش والتصوير والبناء، وإجادة التحنيط. وبلغوا أيضًا الدرجة القصوى في الهندسة، وقد أتقنوا علم الطب إتقانًا عجيبًا غريبًا؛ وذلك لأنَّ كل طبيب كان يتفرغ لفرع واحد من فروع العلوم الطبية فيتقنه ويتفنن فيه كل التفنُّن؛ ولذا كثرت لديهم الأطباء المتفننون المتقنون لسائر فروع الطب، وخصوصًا ما كان متعلقًا منها بأمراض العيون لكثرة انتشارها وتفشيها في بلادهم المصرية، إلى غير ذلك من الفنون المتنوعة التي يشق على أبناء هذا العصر الإتيان بمثلها، ولا سيما فن البناء والنقش على الأحجار والتحنيط، تلك الفنون التي حارت في إدراك كُنْهِهَا وماهيتها عقول فحول العُلماء المتأخرين؛ لذا لا عجب إذا علمت أيُّها القَارِئُ النَّبيل أنَّ جميع العُلماء الأعلام، ومشاهير الرجال العظام كانوا يُهْرَعُونَ ويتقاطرون أفواجًا أفواجًا من كل فجٍّ عميق إلى بلاد القبط؛ ليرتشفوا من مناهل علوم أولئك القوم الذين فاقوا سائر الأمم المعاصرة والمجاورة لهم والمكتنفة ببلادهم، كما دلت على ذلك صحف التاريخ ونطقت آثار الأخبار.