حكم الرعاة على بلاد القبط
- الأول: فرعٌ أهليٌّ أصليٌّ وملوكه غير معلومة، وكان مركز حكمه بالوجه القبلي الذي قاعدته مدينة «طيبة» كما قدمنا.
- والثاني: فرعٌ متغلبٌ أجنبيٌّ ومقره مدينة «منفيس»، وأول ملوكه الملك «سلاطيس» الذي أفرغ قصارى جهده في ترتيب الحكومة وتنظيم الأحكام، وتشييد الحصون الحصينة والقلاع المنيعة في النقط التي كان يُخشى منها هجوم العرب والبدو الذين هم على شاكلته، أو المصريين الحاكمين في الصعيد الذين كان يعتبرهم أعداء أَلِدَّاء له.
ولا ريب أنَّ هذا أدل دليل يدلنا على أنَّ هؤلاء العمالقة لمَّا عاشروا الأقباط أقلعوا عن أخلاقهم الذميمة، وأعرضوا عن طباعهم الممقوتة، وأصبحوا عارفين بواجباتهم الملوكية التي لم يكونوا ليعرفوا لها اسمًا ولا رسمًا.
ومن ضمن ملوك هؤلاء الرُّعاة أيضًا الملك خوفيس المشهور عند العرب بالريان بن الوليد، وهو الذي اتخذ «يوسف» له وزيرًا لما فسر له الحلم وألفاه بضروب الحكمة والتدبير خبيرًا.
أمَّا ملوك القبط الأصليون القاطنون بالصعيد كما مرَّ؛ فكانوا ساهرين متيقظين آخذين كل الاحتياطات اللازمة للتوقي من غارات وهجمات أعدائهم الرُّعاة. ولطالما حاولوا مقاتلتهم وانتزاع البلاد من أيديهم واسترجاع سلطتهم إليهم، إلى أن أتاح الله لهم ذلك.
إذ في أيام الملك «أوموزيس» اتحد جميع أقباط الصعيد قلبًا وقالَبًا وهجموا دفعة واحدة على الرعاة؛ فقيَّض الله لهم نصرًا مبينًا، ومكَّنهم من أعدائهم تمكينًا. ولكن لسوء الحظ أدركت الملك «أموزيس» المَنِيَّة قبل نوال هذه الأمنية، فاقتفى أثره في هذه الخطة ابنه «أخميس»؛ إذ استمر في محاصرتهم والتضييق عليهم، حتى تمكن في آخر الأمر من طردهم بالكلية من سائر تخوم البلاد القبطية، بعد أن حكموا عليها نحو نصف جيل تقريبًا من سنة ٣٢٠٠ قبل الميلاد إلى سنة ١٠٠ قبله.