تاريخ المسألة الهندية
تاريخ الهند الأقدم أو ما يجوز أن نُطْلِق عليه اسم «تاريخ ما قبل التاريخ» وهو ما جعلناه عنوانًا لكتاب أصدرناه بهذا الاسم، مجهول الحقائق، غامض الأصول، مشتَّت الحوادث.
لم يَعرفِ العالمُ القديم، وهو المنحصِر بين الفراتين والنيل، حين عُرفت أقدم الحضارات — شيئًا عن الهند إلا من غزوات جيرانها وحملة الإسكندر عليها. على أن جملة ما وقف الناس عليه يومئذ هو أن الهند بلاد واسعة غنية التربة والإنتاج والمعادن منقسمة عشرات أو قل مئات الممالك والإمارات والزعامات، وأنها هدف للغازين وميدان للتسابق والتقاتل بين المسيطرين.
ولعل ظهور الإسلام كان بداية تغلغل الأجانب في الهند، والوقوف على الكثير من تاريخها وجغرافيتها وشئونها. فقد غزت جيوش المسلمين الهند منذ القرن الحادي عشر الميلادي، بادئة باختراق الحدود الشمالية والغربية، ومقيمة ممالكَ وإمبراطورياتٍ وإماراتس إسلاميةً متتابعةً، ناشرة مع أعلامها الدين الإسلامي. وهنا ظهر عامل جديد في المسألة الهندية، وهو قيام النزاع المستمر بين الهندوس وبين المسلمين منذ يومئذ إلى الآن، مع ما تخلل هذا من فترات السكينة والصلح والسلام.
وثمة عامل جديد دلف إلى المسألة الهندية، ذلك هو رحلات الكاشفين الأوربيين، خاصة البرتغاليين، ثم تسابُق التجار الفرنسيين والإنجليز إلى اتخاذ الكثير من ثغور الهند وبلادها أسواقًا للمبادلات التجارية، فتنقُل سفنُهم من أوربا المصنوعاتِ الأوربية، ثم تعود حاملة المواد الخام من الحاصلات الزراعية والشاي والكاكاو والجلود وأنياب الفيلة والنيلة والتوابل، وكان من أثر هذا أنْ تألَّفت شركتان تِجاريتان كبيرتان، إحداهما فرنسية وثانيتهما إنجليزية عدا شركات برتغالية وهولندية — وأن نشاطهما لم يقتصر على الناحية التجارية وحسب، بل إنه قد امتدَّ إلى الناحية السياسية، فكان لكل من الشركتين جيش بإمرة ضباط مجربين وجنود أوربيين وهنود، وكان كلاهما يتدخل في الشئون الداخلية الهندية، خاصة في المنازعات القائمة بين أمراء المقاطعات الهندية العديدين.
وبعد أن انتهى النزاع بين الشركتين إلى سيطرة الحكومة البريطانية على الموقف، والحلول محل الشركة الإنجليزية، واقتصار الحكومة الفرنسية — بعد إلغاء الشركة الفرنسية — على ضم بعض البلاد الهندية، بعد هذا كله بدا في المسألة الهندية عامل مهم لا يزال قائمًا، ذلك بأن النزاع قد اتَّخذ صورة أخرى كانت ضئيلة جدًّا في بداية الأمر، غير أنها وضحت وضوحًا تامًّا في القرن الحالي، فأصبح كثرة زعماء الهندوس وغير قليل من زعماء المسلمين يطلبون للهند استقلالًا صحيحًا تامًّا، وجلاءً تامًّا للاحتلال البريطاني غير محجِمين في الوقت ذاته عن قبول عقد معاهدة تحالُف مع الدولة البريطانية.
وبعد تردُّدٍ طويل وعرض حلول ربعية ونصفية، أخذت الحكومة البريطانية تُواجه مطالب وطنيي الهند إلى أن اعترفت بحق الهند في الاستقلال في شيء من الشروط والتحفُّظات، على أن يكون تحقيق هذا لا في إبان الحرب كما نادى غاندي والمؤتمر الوطني الهندي، بل بعد أن تضَعَ أوزارها في الشرق الأقصى وتُسلّم اليابان في غيرما قيْدٍ ولا شرط، كما سلّمت ألمانيا في أوربا في صباح يوم الاثنين ٧ مايو ١٩٤٥.
فالمسألة الهندية، التي نعرض لها هنا، من المسائل الهامة، التي يتوقف على علاجها استقرار شئون آسيا الوسطى، واشتراكها في الحضارة الجديدة. هذا وترجع المسألة الهندية إلى اتساع أرجاء الهند، وكثرة أديان سكانها وطوائفها، وخيراتها التي اجتذبت إليها الأجانب، وتدخُّلهم في شئونها بل تحكُّمهم فيها. فالهند لا غنى لها عن نبذ أسباب انشقاقها، وتوحيد كلمتها، واحترام الأجانب لاستقلالها لكي تعود أمة عزيزة الجانب كما نرجوه لها.