حملة الإسكندر على الهند
في شتاء ٣٢٧ق.م. اتَّخذ الإسكندر طريق بلاد أفغانستان طريقًا لمواصلاته، كما أوضح هذا روبنسون في كتابه «أفيميريدس»، وماك كريندل في الفصل الخاص بالهند القديمة في كتابه «الأدب الكلاسيكي». وكان عدد جنود الإسكندر ٣٠ ألفًا مؤلفة من أبناء شعوب مختلفة من تراقيا إلى الهندوكوش، وكان عمود الجيش الفقري الكتائب المقدونية وفرسان اليونان، وكان الإسكندر، حين غزا الهند، قد قوَّض الإمبراطورية الآرية في إيران، وفي ربيع ٣٢٦ق.م. بدأ حملته على بلاد الهند العديدة الممالك والإمارات التي نهضت للدفاع عن نفسها أمام الغزو المقدوني، وحين عبَر الإسكندر نهر الهندوس، بادر أمبهي ملك تاكسيلا ورئيس التعاليم البرهمية إلى إهدائه عددًا من الفيلة والفضة وقُطعان الغنم والثيران، كما دعاه إلى زيارة المملكة التي كان الداعي سيدًا أعلى لها. ثم إن الإسكندر سار من تاكسالا إلى قوم البيروس الذين نهضوا للدفاع عن خط نهر مايداسبس بقيادة ملكهم المسمى بوروس. وقد انتصر الإسكندر في موقعة جلال بور على ضفاف نهر جهيلوم. وكان جيش پوروس في الموقعة التالية مؤلفًا من ٢٠٠ فيل في الوسط، و٣٠٠ مركبة في الجناحين وإلى جانبها ٤٠٠٠ فارس وقد هُزم جيش پوروس. على أن حكمة الإسكندر قد قضت بأن يعيد هذا الملك إلى مملكته تحت سيادة الإسكندر، ثم سار الإسكندر إلى هايفاسيس.
ولأسباب تباينت الروايات فيها كما يبدو مما كتبه ف. ا. سميث ص٧١–٧٨ من كتابه «التاريخ الأولي للهند» ومما ذكره ماك كريندل في كتابه «غزو الهند على يد الإسكندر الأكبر»، أن الإسكندر قد وقف زحفه بعد وصوله هايفازيز «البيز»، وعلى هذا قد تكون أَوْبة الإسكندر من هناك ترجع إلى قوة مملكة الماجاده الهندية في السهل العظيم، وهو بؤرة الهند التي كان يتقرر مصيرها عنده، أو أن قواته المقدونية قد أبت المضي في زحفها بعد الذي واجهته من الأهوال. وقد وصل الإسكندر إلى المدينة التي أنشأها وأطلق عليها اسم جواده الذي دُفن فيها، واسمه «بوسيفالا» التي يرجح أن يكون في موقعها مدينة جالاپور. ثم أخذ الإسكندر يتفق مع فيشيا في سبيل إنشاء مستعمرات يونانية على حافة الإمبراطورية إلى أن بلغ ساحل خليج العجم في ٣٢٥ق.م.
هذا وقد وصف حملة الإسكندر على الهند نيركاس قائد أسطوله كما يبدو مما يشير إليه أريان. كذلك دوَّن عشرون مؤرخًا يونانيًّا تاريخَ هذه الحملة. ومما يدعو إلى الأسف أن هذه المدوَّنات قد ضاعت، ولم يبقَ منها إلا مقتطفات أوردها الكُتَّاب العصريون أمثال ماك كريندل في كتابه سالف الذكر. وقد مات الإسكندر بعدئذ في بابل، وتفرقت إمبراطوريته، وقد بقي من آثار حملته ما تم من الاتصال بين الممالك اليونانية في غرب آسيا وبين الهند، التي لبثت بمعزل عن تدخل الأوربيين إلى أن جاء فاسكودي جاما الكاشف الكبير عابرًا بحر العرب غرب الهند ومقيمًا عمودًا من الرخام في كاليكات في ١٤٩٨م.