الإمبراطورية المورية
قبل أن تسود بريطانيا بلاد الهند، كانت هناك إمبراطوريتان: الموريا والمغول، كادت سيادتهما تسودان الهند، أما الموريون فقد نشئوا من الهند ذاتها، وكانت مملكتهم القديمة هي التي كانت الكوش الهندية عند حدودها الشمالية الغربية.
أما الحكم المغولي في القرنين السادس عشر والسابع عشر فقد كان أجنبيًّا وإسلاميًّا، وكان من أثر تسامح السلطان «أكبر» وخَلَفِه أن أتيح للهند أن تهدأ من منازعاتها الدينية التي غمرت البلاد طوال خمسة قرون.
ولئن كانت إدارة الإمبراطوريتين قائمة على عناصر كثيرة من الحكام والمرءوسين، غير أن الملك أو الإمبراطور كان على صلة برعاياه.
وبعد قليل من انسحاب الإسكندر من الهند وَسِعَ شاندراجويتا، يؤازره مستشاره القدير كوتاليا «شنكايا البرهمي»، أن يجلس على عرش ماجاده، مؤسسًا الأسرة المورية الحاكمة في پاتا ليبوترا. ولئن كان يَمُتُّ بالقرابة إلى الأسرة المالكة السابقة، أسرة فاندا، غير أنه قد آثر أن يقتل الملك دهانا فاندا وجميع أفراد أسرته، مادًّا سيادته على المناطق التي تقع شمالي ناربادا، مخضعًا دولةً في إثر أخرى إلى أن أضحت بلاده ذاتُها هدفًا للغزو، ذلك أن سيليكاس نيكاتور، ملك سوريا وقاهر باكتريا عبَر نهر الهندوس ف ٣٠٥ق.م. من أجل إخضاع هندوستان فتأهب شاندراجويتا للدفاع بجيش قوامه ٩٠٠٠ فيل مدرب على القتال وقوة كبيرة من المركبات، و٣٠ ألف فارس و٦٠٠ ألف من المشاة. ولئن كان التاريخ لم يُدوِّن كيف اتجهت المعارك إلا أنه قد عقد بينهما صُلح نزل فيه سيليكاس نيكاتور عن أرض، جعلت الحدود الهندية ممتدة إلى الهندوكوش شمالًا وإلى المرتفعات التي عند هيرات غربًا. أمَّا في الهند ذاتها فإن الأقاليم الغربية في السند والكاثيواز وجوجيرات وملوا قد خضعت لسيادة مملكة تاليبوترا، وعلى هذا تأسست الإمبراطورية الهندية الأولى مقترنة بتأسيس أسرة موريا في ماجاده. ويبدو أن هذه الأقاليم قد اندمجت في عهد شاندراجويتا في المملكة الرئيسية، وأنها كانت في حوزة حفيده آزوكا. أما سيليكتاس فقد عد شاندراجويتا نِدًّا له موفدًا إلى بلاطه سفيرًا يونانيًّا اسمه «ميجاشيتز» الذي دوَّن كتابًا عن «الهند القديمة» منذ ٢٢٠٠ كما يوضحه آريان أحد الموظفين اليونانيين في الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني الميلادي.
أما مدينة پاتاليبوترا هذه، فهي مبنية من الخشب على لسان من الأرض عند اتصال نهر الصون بنهر الجنج، وكانت محصَّنة بخمسمائة وسبعين برجًا يتخللها ٦٤ بوابة مترَّسة، وحول الأسوار خندق عميق يملاه ماء الصون. أما قصر الملك فهو عظيم به حديقة وبرك للأسماك وللطاووس والدراج «الديك البري». وكانت على مائدته صِحافٌ ذهبية. وإذا خرج من قصره استقلّ محفة من الذهب أو فيلًا.
هذا وللملك — إلى مزارعه وأراضيه الخاصة يفلحها عبيده — مواردُ أكبر من تحصيل الضرائب الزراعية، وهي لا تزال أساس الإيراد في ميزانية الهند، ذلك أن الزراعة هي المهنة الرئيسية والأرض كلها تعد مِلكًا للملك على أن يقوم بزرعها أشخاص يؤدون للملك، إلى الضريبة العقارية، ربع المحصول عينًا أو عملًا، وكانت حكومة پاناليبوترا هذه مؤلفة من جيش من الموظفين والقضاة والحكام المحليين والمستشارين الملكيين، وكان لملوك أسرة فاندا جيش من الجنود الأقوياء يحفظون الأرض في الداخل والخارج. وكانت القرية يومئذ هي الوحدة الإدارية الصغيرة يقوم عليها رئيس «جراماتي» من موظفي الحكومة مهمته تحصيل الضرائب والإشراف على الزراعة يعاونه مجلس استشاري من كبار السن في القرية «يانشايات».
وكانت فلاحة الأرض والإنتاج فيها يقوم على تقسيم أرض القرية مساحاتٍ صغيرةً متساويةً. وثمة موظفون تُعيِّنهم الحكومة لمراقبة الأنهار، ومسح الأرض كما هو الحادث في مصر والإشراف على العيون التي ينصرف منها الماء الوارد من الترع الرئيسية إلى فروعها لكي يأخذ كل زارع مقدارًا مساويًا لنصيب الآخر، كما أوضحه ماك كريندل في ص٨٦–٨٩ واسترابو الذي أشار إلى ميجاسثينز، أما ما تأخذه الحكومة مقابل هذا الري فهو بين خُمس المحصول وثلثه. «راجع الكتاب الثاني، الفصل الرابع والعشرين، لأرثاساسترا أوف كوتاليا، الذي ترجمه شاماساستري ص١٤٠».
وهناك حاكم يسمى جوپا يحكم مجموعًا يتألف من أقل من ١٢ قرية، يرأسه موظفون أكبر منه. وفي عهد آزوكا كان هناك الراجوكا وهو حاكم على مئات الألوف. أما موظفو المراكز فكانوا يشرفون على الري والمساحة والصيد والزراعة والغابات ومصاهر المعادن والمناجم والطرق، وهؤلاء هم الصنف الأول من الموظفين.
هذا وقد عمد شاندراجويتا إلى تأليف ستة مجالس كل منها يتألف من خمسة أشخاص، وهم موظفو المدينة؛ أي الصنف الثاني من موظفي الحكومة ومهمتهم الإشراف على المعامل والعناية بأمر الأجانب والمرضى ودفن الموتى ومراقبة الفنادق، والمواليد والوفيات لأجل الضرائب والإحصاء، والتجارة والمعاملات، وملاحظة الموازين والمقاييس، وعلى وجه الإجمال مراقبة الأسواق، والتفتيش على المصنوعات، والتمييز بين السلع القديمة والمستعملة وتحصيل ١٠٪ على المبيعات.
هذا وتجتمع المجالس الستة في مجلس عام لمراقبة المعابد والأعمال العامة والمواني والأسعار. وثمة موظفون في المدن والريف مهمتهم تدوين المال والسكان في التسجيلات، كذلك يصدر القائم بأمر جوازات السفر هذه الجوازات مقابل دفع شيء عند دخول البلاد أو مغادرتها كما ورد في ترجمة شامستري سالفة الذكر. ومن رأي المؤلف ذاته أن الرشوة وألوان التلاعب كانت متفشية في هؤلاء الموظفين.
أما الصنف الثالث من الموظفين فهم إدارة أو وزارة الحرب، فقد كانت مؤلفة من ستة مجالس كل منها من خمسة أشخاص مع سكرتيرية من الموظفين العديدين وهي مجالس الأميرالية، والمشاة، والمركبات، ورجال التعيينات والفرسان، والفيلة، وكانت قوات الإمبراطورية تتألف من جيوش وراثية تمثل التقسيم الاجتماعي القديم للكشاتريا، كالإقطاعيين والمقترعين وقبائل الغابات التي يبدو أن أفرادها كانوا يخصَّصون للحملات الصغيرة. «راجع ص٤٨٩ الجزء الأول من كتاب تاريخ الهند، تأليف كامب»، وكان لدى الجيش الأدوات الحربية الثابتة والمتحركة والحرس الاحتياطي، وقد عَرف الجيش نوعًا من النظام منذ حملة الإسكندر، بعد أن كان الجيش خليطًا همجيًّا من الأفراد المسلحين، وكان من نُظُمِ الحرب عدمُ المساس بالأسرى الجرحى، وتوضح كتب الأرشاساسترا المبادئ التي تقوم عليها إدارة الحرب.
ولقد كان تحصين العاصمة يقوم على الأساليب العلمية، فكان هناك النواتئ والطرق المغطاة والشارع الواسع حول الجانب الداخلي لسور المدينة، وكانت الحدود محصنة بالقلاع والاستحكامات.
أما وزراء المملكة الأساسيون فيشملون وزير المالية، ووزير الأشغال ومهمته المحافظة على المباني العامة وقياس الماء، ورئيس القضاة ووزير المكاتبات ومهمته إصدار المراسم الملكية، وكبير أمناء البلاط الملكي، وقائد الحرس الملكي. وعلى رأس الحكومة وفوق مناصبها المجلس الداخلي للملك وهو مؤلف من أربعة أشخاص؛ الديوان «رئيس الوزارة»، والبوروهيتا «المستشار الديني»، والسيناباتي «القائد العام»، واليوفاراجا «ولي العهد» — راجع صفحة ١٢٤ من كتاب نظرية الحكومة في الهند القديمة، تأليف ب. براساد.
وقد انتهى منذ يومئذ عهد تنصيب الملوك عن طريق الانتخاب على أن للملك أن يختار أحد أولاده وليًّا للعهد دون التقيُّد بالابن البكر، وكان يفرض على وريث الملك تربية عقلية وخلقية دقيقة.
وهناك عدد من المناصب الرئيسية كان التعيين فيها بالوراثة وكانوا يختارون من الطوائف العالية عدا البوروهيتا «البرهمي»، وعلى مدى الأيام أخذ أباطرة الأسرة الفاندية يتصلون بالشعب، الأمر الذي لازم الحكم الإسلامي خاصة والشرقي عامة، وحسبنا أن نذكر هنا أن أعظم الموريين كان يستمع إلى قضايا رعاياه في خلال تدليكه اليومي. ولقد كان الإمبراطور أو السلطان «أكبر» يستيقظ قبل الفجر ويُطلُّ على رعاياه المترقبين ظهوره لكي يفصل في شئونهم ويقضي في مصائرهم. أما الحكام المسلمون من المغول فقد كانوا، حتى أشدُّهم طغيانًا وعسفًا، يجلس بين رعاياه الذين يرفعون إليه قضاياهم، فيفصل فيها بأمر ينفذ في الحال، وكان يشترط في الحكم توافر الكفاية إلى جانب عراقة الأصل، وكانت الكفاية مفضلة أحيانًا على الوراثة. وقَلَّما كان الملوك والأباطرة ابتداءً من الإسكندر قصيري الأجل وكانوا يعزلون الحكام الذين خضعوا لهم، فكان الحكم غير مركزي، وكانت الإمبراطورية أقرب إلى الاتحاد أو التعاهد على أنه قد حلَّ محل النظام الإقطاعي، حكم الخاصة «الأعيان» في بعض الدُويلات المتنافسة وبيروقراطية منظمة تنظيمًا راقيًا يعززها جيش من الجنود العاملين والجواسيس والمخبرين من الرجال والنساء.
الملك
أما المَلِك فقد كان على رأس هذا كله وفي سبيل مصلحة المملكة لا يقف أمامه أي قانون، وكان يسوَّغ له أن يتخذ أية وسيلة لتحقيق مصلحته، أما العلاقات مع البلاد الأجنبية فكانت تقوم على المبادئ الحربية الأربعة التالية: (١) الحرب و(٢) التفاهم و(٣) الرشوة و(٤) الخصومة. وكان يتذرع إلى هذا باستعمال الخيانة والدعاية والمناورات الدبلوماسية.
أما الزمن اليومي فمقسَّم فترات: أربع ساعات ونصفًا للنوم، وثلاثًا للحمام والطعام والدراسة الخاصة، وساعة ونصف الساعة لتأدية الواجبات الدينية، وساعة ونصف الساعة للرياضة، و١٣ ساعة ونصفًا لشئون الدولة تبدأ منذ تحية اليوروهبيتا قبل الفجر والاطلاع على تقارير الجواسيس عند مغيب الشمس إلى آخر جلسة للنساء والأطباء في غرفة النار المقدسة، وكانت التدابير تُتَّخذ للمحافظة على حياة الملك حين يحضر إلى القصر الأكبر، حول ممراته السرية ودَرَج السلم والأعمدة المجوفة وحيث تقيم زوجات الملك وخليلاته، وكان يُغيِّر غرفات نومه خشية اغتيال حياته، وكان ينام على نغمات الموسيقى.
وكان الملك يجلس للنظر في قضايا الأفراد حين يجرى تدليك جسمه كما قدمنا.
وكان الاعتدال والنزاهة في الفصل في الخصومات هي المبدأ المعترف به نظريًّا. أما في العمل فقد كانت محاباة الطوائف تؤثِّر في سير العدالة، فقد حكم ببتر ساق أحد أفراد السودرا لأنه اعتدى بها على البرهمة، فإذا حدث الاعتداء من الأخير لم يعاقب بالعقوبة ذاتها.
وإذا شتم أحد المحاربين قسيسًا غرم الأول ٥٠ إپانًا، أما إذا كان الجاني هو القسيس فكانت الغرامة ٥٠ پانًا وحسب، فإذا كان المجني عليه عبدًا نزلت الغرامة إلى ١٢ وحسب.
وكانت القوانين تقوم على آراءٍ دينية «دهارما»، والاتفاق وعادات القرى والطوائف والأسر والأوامر الملكية. أما القانون المدني فقد نظّم شئون الزواج والمهر والتركات والمساكن والاعتداء على الجار والدَّيْن والعبيد والعمل والعقود والبيوع. أما الطلاق فإنه يتم بإرادة الزوجين، وللزوجة أن تقترن بآخر.
أما قانون العقوبات فكان شديدًا ومثمِرًا، فقد روى سترابو في «العهد القديم» نقلًا عن الماجاسشينز، أنه كانت تحدُث في اليوم الواحد في معسكر يتألف من ٤٠٠ ألف جندي، سرقاتٌ لا تزيد قيمتها على ٢٠٠ دراخمه. وإلى جانب هذه الجرائم المعروفة، كان هناك عقاب على الزنا والقذف وتزييف العملة ومخالفة قواعد الطائفة والمقاطفة والأعمال التي كان يقترفها المستخدمون والتآمر على المساس بالأسعار والغش في الموازين والمقاييس والجرائم السياسية وسوء سلوك الموظفين.
وكان للجمعيات المحلية أن تنظر في القضايا ويفصل فيها القضاة في المدن، وعند الحاجة تُرفع إلى الملك نفسه، إذا ما استؤنف الحكم فيها عن طريق المحاكم العليا. وكان يجلس إلى جانب القضاة الثلاثة، ثلاثة براهمة لتوضيح القانون المقدس. وكان الشهود يؤدون اليمين أمام البراهمة وإناء الماء أو النار، ويواجه بعض الشهود ببعضهم الآخر. وكانوا يمنحون أجورًا للسفر يؤديها من خسر الدعوى المدنية، وكانوا يغرَّمون إذا ما حرَّفوا أقوالهم، ويجوز تعذيب المتهم إذا لم يكن من البراهمة إلى أن يعترف بجريمته، وكان يُراعى في تقدير العقوبة — عدا عقوبة الجناية العظمى — حالة الجاني والمجني عليه، ومن أجل هذا كانت جسامة العقوبة تختلف في الجريمة الواحدة من الغرامة إلى الموت، أما البرهمي فكان يُحكم عليه بالإرسال إلى المناجم أبديًّا بدلًا من الموت. على أن القانون كان يحمي الضعيف على نوع ما، كما كانت المرأة تُراعى من ناحية الأمومة.
وبعد أن كانت العقوبة تنفذ بالتعذيب في النار أو الماء تَلوَّنت في تسع صور تبعًا لنوع التهمة، وثمة طريقة تُدعى إلى الآن «أدهارنا» لرد الدين، وخلاصتها أن يقوم المضرور وهو جالس على عتبة باب الخصم إلى الموت أو يذعن المعتدي.
وكانت مدينة پاتاليبوترا العاصمة، مقسمة أربعة مراكز لكل منها حرس وتنظمها لوائح في صدد ما يتخذ من التدابير في حالة الحريق أو فقد المتاع وما إلى هذا.
وقد نهضت المهن خاصة ما كان يتصل منها بالمعادن النفيسة والمنسوجات. ففي الجماعات التجارية أُنشئت الأندية والنقابات وجُعل على رأسها أغنياء التجار واعتُرف بها رسميًّا، وكان المشرف على التجارة يُراقب حركة توزيع البضائع التي تعد قائمة بها ويُراقب تحديد أسعارها.
وكانت الواردات تشجع بالرسوم المشجعة، أما البضائع الأخرى كجلود آسيا الوسطى وموسولين الصين فتؤدَّى عنها رسوم عند الحدود ورسوم داخلية أخرى عند أبواب المدينة، وكانت الرسوم الجمركية تختلف بين خمسة وعشرين وبين خمس قيمة البضاعة. أما الأدوات الخاصة بشئون العبادة فكانت معفاة، وكانت الرسوم الداخلية تُحصَّل عن المنتجات المحلية حين ترسل إلى السوق، وكان شراؤها من المزارع محرَّمًا؛ خشية التملُّص من دفع الرسوم عنها، وكان يعاقب على التهريب كما تُعاقِب عليه الأمم المتمدينة في الوقت الحاضر.
وكانت «الأرثارزاسترا» تُحذِّر الملك نفسه حين يشتغل بالتجارة من الاستغلال، فقد كانت مخازنه المنتشرة في المملكة ملأى بما تخرجه مصانعه ومعامله وسجونه وبحاصلات مزارعه وغاباته ومناجمه الخاصة، وكان للطبقات العالية في المملكة صفة رسمية مُعترف بها، ذلك أنه كان لهم أن يتبادلوا إيراد عقار أو مدينة تخصص الإنفاق عليهم.
وكان للملك، إلى ما تقدم، حين يحتاج إلى المال، أن يحصل من رعاياه جميعًا عدا البراهمة، على إعانات تنفق في مصلحة البلاد، كالتعمير والاستعمار وإنشاء الطرق، وكان من وسائل الحصول على المال ما يقوم به الأفراد من تقديم المال إلى الملك مقابل منحهم منصبًا في البلاط أو لقبًا فخريًّا؛ أي أن الرتب والألقاب والمناصب كانت تُشْتَرى بالمال.
وكانت الضرائب عديدة وباهظة لمواجهة نفقات الجيش والإدارة، وكان سك العملة احتكارًا للدولة التي كانت لها دارٌ لضرب العملة تخرج سبائك النحاس والفضة الصغيرة المقوسة التي تمثل أقدم أنواع النقود الهندية، على أنه كان في الشمال الغربي للهند حاكم يُدعى سوبهوتي كان صديقًا للإسكندر، وكان يُصْدِر عملة فضية مع أسطورة يونانية. هذا وأن ما وُجِدَ في الهند من النقود الأخرى إلى يومئذ، يدل على أنها قد جاءت من آسيا الوسطى، أما النقود الذهبية فلم تُضرب في الهند إلا منذ القرن الأول ق.م.
الحياة الاجتماعية
اقترنت الإمبراطورة المورية بالترف خاصة في الثياب، وأخذت الأحجار والطوب تحل محل الخشب في المباني.
أما من ناحية العلاقات النسائية فقد كان فَصْم عُراها الشرعية وغير الشرعية يتم باتفاق الرجل والمرأة أو كنتيجة لهجرة دارِ الزوجية مدة طويلة، وكانت الزوجة تملك مهرها وحليها، وكانت عادة موت الزوجة بعد وفاة زوجها (الساتي) معترفًا بها، وقد بقيت إلى عهد أخير ولكنها انحصرت في الأسر المالكة وحسب، وكان معاقَبًا على سوء المعاملة من أحد الزوجين، وكان معاقَبًا على الجرائم التي تقع على المرأة بالعقاب الصارم، وكانت الحياة الاجتماعية في الهند تقوم على مراقبة متتابعة من الطوائف والطبقات، وعند ميجاسثينز عددها سبع، أما عند كوتاليا فهي أربع أصلية. وهناك طوائف ثانوية متفرعة من الأصلية التي منها طائفة الجند على حساب الملك. (راجع: الهند القديمة، ميجاسثينز وأريان ص٣٩) وكان للجيش أسلحة أربعة.
القرية
أما القرية حياةً فكان يسودها الهدوء ويبدو عليها الارتياح عدا ناحية اغتصاب محصلي الضرائب، وكان للدولة خمسة في المائة من أرباح المحالِّ العامة المنتشرة والفنادق والمطاعم ودُور اللهو المرخَّص بها، وكانت هناك فرق جوَّالة من الممثلين والمطربين والراقصين تقيم حفلاتها في قاعة القرية، وكان الأرز هو الطعام الرئيسي للقرويين ثم عرفت الخضر. والبراهمة فيقال إنهم كانوا يتناولون لحم الحيوان غير المقرون. (راجع أكسفورد — تاريخ الهند ص٧٠ تأليف ف. أ. سميث).
أما الشراب الشعبي فكان بيرة الأرز، ولم يكن هناك إدمان أو رغبة في الشرب سوى في أيام الأعياد إذ كانوا يتناولون كثيرًا من الخمر.
وكان الإمبراطور يُحرِّم ذبح الحيوان للقرابين «راجع الأوامر الصخرية التي أصدرها آزوكا ص٢٩٧ عن (آزركا) تأليف الدكتور د. ر. بهانداركار».
وكان الملك يمتطي فيلًا وتحيط به النساء بعضهن يحمل المظلة والمروحة والجَرَّة الملكية (إبريق) وبعضهن مسلح للصيد. أما الرجال فكانوا يتقدمون الموكب الملكي ومعهم طبولهم ونواقيسهم وأمامهم حملة الرماح. أما الطريق فكان خاليًا مقفلًا بالحبال وكان الموت جزاء من يحاول أن يعبره.
وثمة حفلة ملكية أخرى تُعرض فيها المصارعة بالسيوف وقتال الحيوان، وهو ما يزال باقيًا في بعض الإمارات الهندية إلى اليوم.