البرتغاليون في الهند
لما كانت «البندقية» محتكرة تجارة الهند مع أوربا في القرن الخامس عشر، فقد عمد التاجر البرتغالي «بارتوليمو دياز دي نوفيس» إلى الطواف برأس الرجا الصالح في ١٤٨٧. وفي ١٧ مايو ١٤٩٨ شهد «فاسكو داجاما» في سفنه الثلاث التي لا تزيد حمولة كل منها على ١٥٠ طنًا، مدينة كاليكات في الهند، وقد أكرم الزاموريون وفادته.
هذا وإننا لفي غنى عن القول بأن كشف أمريكا، كان من آثار البحث عن طريق مباشر إلى الهند، وأن ينابيع الثروة في أمريكا قد وثبت بالأوربيين وثبة جديدة في ميدان الاستغلال والاستعمار والتجارة، وحوَّلت أفكارهم من التفافها حول الكرسي البابوي إلى هذه الميادين والآفاق الجديدة المليئة بالثروة الجديدة بالنجعة ومفارقة الأوطان «راجع كتاب الدين وظهور الرأسمالية، تأليف ر. ﻫ. ثاوني، طبعة ١٩٢٦». وكانت البرتغال أول دولة أوربية أفادت من هذا الاتجاه الجديد. وفي ١٣ سبتمبر ١٥٠٠ ظهر بيدور الفاريز كابرال مع أسطوله في كاليكوت، فقد أبحر من ليشبونه في ٩ مارس ١٥٠٠ على أثر عودة فاسكو داجاما من الهند فأتيح لكابرال أن يكشف البرازيل وزانزيبار في طريقه إلى كاليكات. ولما لم يستطع أن ينشيء مستعمرة هناك، بحث عن مرسى أفضل من كاليكوت، وقد وجد ضالته في «كوشين» بعد أن أصبح راجاها الهندوسي حليفًا له لعداوته للزاموريين. وفي ١٥٠٧ حصَّن البرتغاليون كوشين مستعمرين سوقطرة، فأصبحت سفن البرتغاليين تحمل تجارة الهند عن طريق رأس الرجا الصالح، مما كان من أثره أن فقدت مصر والبلاد العربية وبلاد الشرق الأوسط هذا المورد العظيم بمرور تجارة الهند مع أوربا في جدة واليمن عن طريق البحر الأحمر وبلاد العرب، فقد كان لسلطان المماليك في مصر ثلث الربح في كل رحلة عدا ٢٠ في المائة من قيمة الصادر والوارد. هذا إلى أن السفن البرتغالية كانت تتعمد إغراق سفن المسلمين في هذا البحر مبيدة الحجاج والنساء والأطفال، وكان من أثر هذا أن تحالف سلطان مصر المملوكي ومحمد الأول سلطان الجوجيرات والزامورين الهندوسي في كاليكوت، فهاجمت أساطيلهم المتحدة بقيادة الأمير حسين الحاكم الكردي في جدا قافلة بحرية برتغالية في مرسى شول في يناير ١٥٠٨ ودمَّرتها. غير أنه في فبراير ١٥٠٩ استعان الوالي فرنسيسكو دا الميدا بأسطوله كله مُدمِّرًا أسطول المسلمين في ديو، فانتقلت السيادة البحرية في البحر العربي إلى البرتغاليين الذين لم يحاولوا، مع هذا، أن يقيموا إمبراطورية في الهند قانعين بإنشاء سلسلة من المراكز الساحلية المحصنة من رأس الرجا الصالح إلى الصين، محتكرين الملاحة في هذا الخط فلا تستطيع سفينة أن تمر فيه من غير جواز منهم. وقد دامت هذه السيادة البحرية البرتغالية نحو قرن. وفي نوفمبر ١٥١٠ أقاموا في جوا فكانت أول أرض حكمها أوربي منذ فتوح الإسكندر. وقد لبثوا فيها منذ يومئذ، وقد عُيِّن ألفونسو دي الباكيرك واليًا فيها في ١٥٠٩، وقد عيَّن هو البرتغاليين في مناصب هذه المستعمرة يعاونهم في الأعمال الكتابية بعض الهندوس. أما المسلمون فقد كان البرتغاليون يضطهدونهم بعد أن طردوهم من المناصب، وقد نظَّم البرتغاليون جيشًا من الهندوس تحت إمرة ضباط هندوسيين حاربوا المسلمين في رابيول والهندوس في كاليكات، وقد عمد «الباكيرك» إلى إلغاء عادة «الساتي»؛ أي أن تنتحر الزوجة عند وفاة زوجها. كذلك قررت هذا الإلغاء ممالك هندية أخرى بين الفينة والفينة. وفي ١٨٢٩ قضت شركة الهند الشرقية «بأن الساتي» عمل غير مشروع.
على أن الوالي قد اتخذ سياسة كان من عاقبتها أن سقطت قوة البرتغاليين في الهند، وذلك منذ عمد إلى تشجيع الزواج المختلط كوسيلة لتخفيف العبء عن السفن البرتغالية، وقد قافت شركة الهند الشرقية الإنجليزية قفو هذه السياسة «راجع خطاب سورات من الحاكم والمديريين في لندن في ١٤ يوليو ١٦٨٦ في وثائق وزارة الهند»، فقد كان أبناء الزواج المختلط يرسلون غالبًا إلى إنجلترا، ثم يعودون بعد إتمام دراستهم لتولي المناصب في الهند. وقد مات البا كيرك في ١٥١٤ في جوا قبل أن يغادرها إجابة لطلب حكومته، وقد كان بعيد النظر؛ إذ عرف أن مفاتيح الطريق إلى الهند هي مالقا، وأرموز، وعدن، وقد استطاع أن يحتل الأوليين وعجز عن الثالثة. وكان خلفاؤه من الولاة ضعافًا وكان مرءوسوهم يشتغلون بالتجارة مفسدين الأداة الحكومية، مما أفضى إلى سقوط البرتغاليين في الهند. وفي ١٥٤٠ أمر ملك البرتغال بهدم جميع المعابد الهندوسية في جزيرة جوا «راجع ص١٧ و١٨ الجزء الرابع، الفصل الأول، بقلم سير أ. وينسون روس في كتاب تاريخ الهند، طبعة كامبردج». ومما عجَّل بسقوط البرتغال هناك اتحادها مع أسبانيا بعد معركة القنطرة في ١٥٨٠، مع أن التجار البرتغاليين قد ظلوا ينهضون بتجارة الشرق. كما أن السفن البرتغالية كانت تتولى نقلها. كذلك كان في مقدمة الأسباب التي قضت على سيطرة البرتغال على تجارة الهند، هو فقدانهم السيادة على التجارة الشرقية، وقد عجَّل بفقدانها كارثة الأرمادا، التي اشترك فيها الأسطول البرتغالي مع الأسطول الأسباني كجزء منه.
وكان يصحب البرتغاليين بعض رجال الدين الكاثوليك، ذلك أن أفونسو دا سوسا قد أحضر إلى جوا في ١٥٤٢ «فرنسيس السافييرا» الجيزويتي المبشر القديس، فأمضى عشر سنوات مخلصًا مضحيًا في مهمة التبشير في الهند والشرق الأقصى، وقد مات عند الساحل الصيني في ١٥٥٢ ودُفن في جوا في مدفن فخم، ومنذ يومئذ أصبح رفاته المدفون محترمًا مقدسًا معبودًا في أوقات معينة يزوره خمار الناس من الهندوس والمسيحيين على السواء طلبًا للبركة. كذلك حضر في العهد ذاته لويس فار دي كامويس مؤلف «اللوزياد» وكان مثل فاسكو داجاما قد نُفي إلى الهند كجندي بسيط لجرحه أحد ضباط البلاط، وقد قام بمهمة خطيرة الشأن في فتح جزر الأجادا. وفي منتصف القرن السادس عشر امتدت ولاية الحاكم البرتغالي في الهند إلى موزامبيق، وأرموز، وموسكات، وسيلان، ومالاقا، وكان لكل منها حاكم ثانوي. أما الحاكم العام فقد كانت جوا مركزًا له، وكانت سلطته تشمل الشئون المدنية والعسكرية والبحرية والإدارية، يعاونه مجلس دولة، ومجلس الثلاثة مستعمرات أو أملاك، وبعد وفاة ملك البرتغال جون الثالث في ١٥٥٧، أخذت قوة البرتغاليين في أوربا والشرق في الضعف، على أن دوم لويزدي ستان قد استطاع أن يسترد مكانتهم في الهند في خلال ولايته منذ ١٥٦٨ إلى ١٥٧١، فقد كان قائدًا ماهرًا وشجاعًا ومخلصًا لواجبه، مما كان من أثره أن وسعه سحق القوات المتحالفة المؤلَّفة من ممالك أحمد ناجار وبيجابور وزامورين الكاليكوت، غير أن فناء مملكة الفيجا باناجار في ١٥٦٥ وما ترتب عليه من زوال تجارة كانت منتعشة، جاء صدمة نهائية لرفاهية جوا. وبعد ١٥٧٣ جرت بين الحاكم العام البرتغالي وبين الإمبراطور «أكبر» مفاوضات ودية.