غزوات تيمور
لبثت الممالك القائمة في الهند على النحو الذي أوضحنا قبلًا إلى أن تم اتصالها بسلالة بابور المعروفة باسم «أسرة تيمور» عدا مملكة دلهي، ذلك أنه بعد وفاة فيروز، انشقَّ حُكَّام الأقاليم عن طاعة مملكة دلهي وامتنع الهندوس عن تأدية الجزية إلى المسلمين أو قل: ثاروا عليهم، خاصة في ١٣٩٤ في كويل وأتواه وكانوج. وقد استطاع الملك سارفر أن يعيد النظام، وأن يحتل جونيور، مناديًا بنفسه ملكًا للشرق. أما أحفاد سارفر وأصغر أبناء فيروز فقد تعاقبوا على العرش، وقد أصبحت المملكة بعدئذ عرضة للغزو. وإذا كان فيروز بجيشه اللجب قد استطاع أن يرُدَّ عن مملكته غزوة المغول في ١٣٧٩، فإن بير محمد حفيد «تيمور» استطاع أن يعبُر نهر الهندوس في آخر ١٣٩٧. كذلك كانت مملكة دلهي يومئذ ضعيفة في عهد ملكها ناصر الدين محمود حفيد فيروز والمالو عمدة القصر، إذ كانت دلهي محصورة بين أسوارها قبل أربع سنوات من ١٣٩٨ حين كان ابن عمه «المغتصب» نصرت شاه، الذي كان يومئذ لاجئًا في الدوب، يتولى الحكم في فيروز آباد.
ترك تيمور سمرقند في أبريل ١٣٩٨ على رأس قوة بلغت ٩٠ ألف فارس ساريًا من كابل في منتصف أغسطس عابرًا الهندوس في أواخر سبتمبر. أما الحجة التي تذرَّع بها «تيمور» لهذا الغزو فهي أنه كان تركيًّا بارلاسيًّا ومسلمًا متحمسًا لا يستسيغ ما يُبديه الحكام المسلمون في الهند من ضروب التسامح نحو الهندوس، غير أن السير جورج دانبار في ص١٥٦ الجزء الأول من كتابه «تاريخ الهند» يقول: إن غزو تيمور للهند يرجع إلى شهوة السلب وضعف الحكام. وفي ٧ ديسمبر عسكر جيش تيمور على مقربة من دلهي عند الحافة المشهورة المشرفة على دلهي، وقد ذبح «تيمور» ١٠٠ ألف هندوسي من أسرى الحرب الذكور. وفي ١٧ ديسمبر عبر تيمور نهر الجومنا، وتحت أسوار دلهي، التقى بالقوات التي استطاع محمود ومالك جمعها لكنها باءت بالهزيمة التامة، ودخل تيمور دلهي وأمضى فيها خمسة أيام ناهبًا أموالها، ناقلًا نفائسها، ذابحًا سكانها عدا الحي الذي كان يسكنه كبار المسلمين. أما محمود فقد لجأ إلى ظفر خان ملك جوجيرات، وقد تابع تيمور هذا المسلك الفظيع في هاردوار وكانجرا وجامو، وقد وصف ﻫ. أ. فيشار في كتابه «تاريخ أوربا، طبعة ١٩٣٥»، «تيمور» بأنه الأعرج العجوز ذو الشعر الأبيض القادم من الشرق الأقصى، الأخصائي في الشطرنج والمثقف دينًا، والفاتح الغازي، وأعظم رجل في العالم حذق فن الهدم، الذي سُجل له في تاريخ الهمجية في العالم.
وبعد هذا عاد «تيمور» إلى وادي توكي، وفي ١٤٠١ عاد محمود شاه من مالوا إلى عرشه في دلهي التي عاشت شهرين لا يغرد فيها طائر، فأطلق عليها اسم مدينة الموت، وكان ماللو هو الحاكم الفعلي وقد قُتل في نوفمبر ١٤٠٥ في محاربته آخر خان، المعروف بلقب التشريف «السيد»، وهو الذي كان «تيمور» قد عيَّنه واليًا على البنجاب والسند الأعلى، وقد خلف ماللو هذا بعض الأشراف يتزعمهم دولة خان اللودي إلى أن مات الملك محمود في فبراير ١٤١٣، وتبعه إلى الآخرة دولة خان في آخر ١٤١٤، وفي الوقت ذاته كان «خسر خان» قد احتل عاصمة الدوب، وقد دام حكمه وحكم من خلفوه ٣٠ سنة وكانوا الحكام الفعليين باسم ولاة تيمور الذي كانت سلطته في مملكة الدوب اسمية، وبعد وفاة خسر وابنه مبارك شاه، جاء ملوك ضعاف نزل آخرهم علم شاه عن العرش إلى بهلول في ١٤٥١. هذا وقد كانت أسرة اللودي خالجية تركية الأصل أقامت في أفغانستان. أما بهلول فقد قدم من أفغانستان إلى القصر الملكي في دلهي، مؤسسًا أسرة مالكة أفغانية. وفي آخر عهد حكم «السادة»؛ أي خسر خان وخلفائه، كان بهلول هو المسيطر على الموقف في دلهي، وبعد أن جلس على العرش نهض بحملات، كانت ثمرتها بعد ربع قرن هزيمة حسين ملك جونيور في ١٤٧٩. ويقول كتاب تاريخ الهند، طبعة كمبردج ص٢٥٩ الجزء الثالث: إنه قد تولَّى الملكَ في جابور أسرةٌ شرقية، يبدو أنها من أصل زنجي ظهر أول ملوكها خواجه جاهان في ١٣٩٤ الذي كان وزيرًا لناصر الدين محمد ملك دلهي، هذا وقد امتازت أسرة جاهان المتبناة التي خلفه أفرادها على العرش، بالحملات لتوسيع المملكة وبإنشاء المساجد الكبيرة، التي جاءت آية في الفن. وقد خضع له راجا دهولبور والحاكم المسلم في باري وراجا جو، ولما مات بهلول في يوليو ١٤٨٩، خلفه ابنه إسكندر شاه، وكان قديرًا ومديرًا عادلًا ومتسامحًا مع العصاة الذين كان منهم أخوه الأكبر باربك، ثم اضطر إلى ضم جوليور إلى دلهي. وقد امتدت مملكته إلى البنجاب، والدوب، والجونيور، وأودة، وبيهار، وما بين سوتلج والبندلكهاند، وكان موظفو بهلول وإسكندر من أقاربهم وعشيرتهم الأفغانيين، الذين كانوا ضيقي الصدر متغطرسين، وبعد وفاة إسكندر في نوفمبر ١٥١٧، خلفه ابنه الأكبر إبراهيم الذي استولى على جوالبور، قامعًا الثورة التي قامت ضده. ثم إن دولة خان اللودي الحاكم القوي في لاهور قد دعا بابور ملك كابل إلى تأليف الإمبراطورية المغولية في الهند.