الآريون في الهند
عند «ماكس ميلار» في كتابه «بيوغرافية الكلمات ووطن الآريين» أن الآرية مجموعة لغات تسمَّى الأنيدو بوروميان، وأن الآريين هم الذين يتكلمون إحدى اللغات الآرية مهما يكن لون بشرتهم وموقع بلادهم. وعند «إ. و. هو بكينز» في كتابه «الهند القديمة والجديدة» أن جماعة الريجافيدا كانت في منطقة أومبالا، وأن أفرادها كانوا يفخرون بأنهم آريون.
- (١) الأوربية: وتشمل التيوتونية واليونانية والكلتية والإيطالية.
- (٢) الأسوية: وتشمل الألبانية والأرمنية والهندوإيرانية، والإيرانية القديمة، والباليتوسلوفية، والسنسكريتية.
شعوب آسيا
قد تكون كلمة «آسيا» مشتقة من أصل آشوري أو عبري، فتكون دالة على «شروق الشمس». كذلك قد تكون كلمة أوربا مشتقة الاشتقاق نفسه، فتكون دالة على «غروب الشمس». ومهما يكن من الأمر، فإن المسألة غامضة. هذا ويبدو أن الروس شعب شرقي، من ناحية أرومته، وأنهم يشبهون الترك والهنود والصينيين؛ كما يبدو أن الصينيين جاءوا إلى بلادهم من ناحية حدودها الغربية، وأن الهنود والإيرانيين جاءوا من ناحية الشمال الغربي، وجاء سكان بورما وسيام من الشمال. أما الترك والمغول فقد جاءوا من وسط آسيا.
استقرار الآريين وحضارتهم في الهند
عند الهندوسيين أن تاريخ الهند يبدأ منذ أكثر من ٣٠٠٠ سنة ق.م؛ أي بالحوادث المفصلة في الملحمة العظيمة «ماهابهاراتا»، وأن أبعد نظرة تاريخية تُبيِّن لنا أنه كان هناك شعبانِ يناضلان في الأرض: (١) الدارفيديون، السكان الأصليون، وهم سود البشرة و(٢) الآريون ذوو البشرة الجميلة النقية، وهم الذين جاءوا من ممرات الشمال الغربي لحدود الهند، وساقوا الدارفيديين إلى الجنوب، واحتل الآريون سهول الهندستان. كذلك يُؤخذ من الريجافيدا، هذا التذكار الأدبي العظيم، أن الآريين قد نزلوا في البنجاب في عصر تحديده مجهول، أو قل منذ أكثر من ٣٠٠٠ سنة كما قدمنا.
أما عند الأوربيين فإن هذا التاريخ هو ١٤٠٠ق.م على أن الديانة الفيدية كانت في القرن السادس ق.م. هذا والشعر القديم يُصوِّر الآريين على حدود الشمال الغربي يبدءون رحلتهم الطويلة على شاطئ نهر الهندوس في قبائل كانت تبدو متقاتلة، بعضها يحارب بعضها الآخر، أو متحدة ضد سود البشرة وهم السكان الأصليون. وكان أب الأسرة أو الجماعة قسيسها في الوقت ذاته، غير أنه قد يندب أحد متعلميها ليقوم بشئون العبادة والتضحية المقدسة باسم الشعب، الذي قد يَنتخب رئيسه. وقد كان للمرأة مكانة: فكان منها الشاعرة، وكان الزواج مقدسًا، ولمنزل الزوجية حرمة، ولم تكن عادة إحراق الزوجة عند دفن زوجها معروفة يومئذ. وكان الآريون يعرفون المعادن، وكان منهم الجوهري والصائغ والنَّجار والنَّحَّاس والحلَّاق والصُّناع الآخرون، كذلك عَرفوا بناء السفن والجوَاد واستخدموه في الحرب، غير أنهم لم يكونوا قد استخدموا الفيل بعدُ وكانت الماشية أهم ثروتهم، وكانوا يأكلون لحم البقر الذي لم يكن الهندوسيون يأكلونه، وكانوا يُقدِّمون اللحوم والشراب إلى آلهتهم، وكان لهم شراب مخمَّر من نبات السوما، وكانوا يسيرون شرقًا طاردين السكان السود.
وفي القرن السادس قبل الميلاد، كان هناك ١٦ دولة وإمبراطورية وجمهورية قبيلة، كإمبراطوريات كوزالا، ومجادة، والفاماس؛ والأفانتي ومملكة أودة، التي يبدو أنها أقدم دولة في الهند في ٦٠٠٠ق.م. هذا والمظنون أن الدارفيديين قد وصلوا في القرن السابع قبل الميلاد إلى بابل، وعرفوا الحروف الهجائية الساميّة، وعادوا بها إلى بلادهم، فتطوّرت عنها الحروف الهجائية في الهند وسيام وسيلان وغيرها. هذا ويبدو أن الديانات القديمة في الهند ترجع إلى أصول قديمة جدًّا قبل أن يصوغها منشئوها ويزعمون تقريرها، فقد كان فلاسفة ما قبل التاريخ يعرفون «الجينزية» وهي عقيدة دينية لطائفة في الهند دون غيرها، تعدادها الآن أكثر من مليون. وقد أنشأ هذه الديانة في القرن السادس قبل الميلاد فارداهمانا ماهافيرا، وهي تُنادي بتقديس الحياة كلِّها وبعدم فناء المادة، وأن الروح في تجسُّدها المتتابع تحتفظ بذاتيتها. كذلك عَرَفَ هؤلاء الفلاسفة البوذية، التي أنشأها في ٥٢٠ق.م. جوتاما بوذا بن راجا مملكة كابيلا «٥٦٨–٤٨٨ق.م» وكان أصل اسمه سيد هارتا. أما اسم بوذا الذي أُطلق عليه بعدئذ، فمعناه «الرجل المستنير» وفي التاسعة والعشرين هجر داره وزوجه وولده، ممضيًا ستة أعوام في التجوال والحرمان ثم آثر أن يقضي ما بقي له في الصوم تحت شجرة المعرفة في بوذا جويا، وهناك تلقى الاستنارة والحكمة؛ ومضى منذ يومئذ يُعلِّم الناس العقيدة الجديدة التي أنشأها؛ أي البوذية التي كانت في أصلها تقوم على طريقة في الحياة ترمي إلى إنقاذ النفس الإنسانية، ثم تطورت إلى ديانة لها طريقتها الفلسفية الخاصة، وغايتها بلوغ درجة النيرفانا حين يتجرد الإنسان من شخصيته كلها وينسحب من ملذات الدنيا، كذلك تتضمن ما ينبغي على الإنسان أن يقوم به لتقوم حياته على الحق والتفكير العقلي الصحيح والتحرر من القيود الإنسانية، فهي تُشجِّع على العزوبة، وسنوضح هذا كله بعد. وحسبنا أن نذكر هنا أن البوذية، فيما عدا الهند، قد انتشرت في التبت وبورما والصين واليابان. فهي إحدى الديانات الثلاث في الصين، وهي الديانة الرئيسية في سيلان.
أما في التبت فقد تطورت إلى اللامية، ويبلغ عدد البوذيين في العالم ١٦٠ مليونًا الآن.
وقد وجدت البوذية من الممالك اليونانية في البنجاب باعثًا جديدًا على النهضة «وقد تحول مَلِك ماجده أو بيهار «٢٦٤–٢٢٧ق.م» إلى البوذية، وكان يعول ٦٤ ألف قسيس بوذي، ودورًا للعبادة، ومملكة تدعى موناسيترم. وكان هذا العصر فاصلًا كما كان عصر الإمبراطور قسطنطين في المسيحية. ولقد غزا اليونان الهند في ٣٢٧ق.م. وقد ترجع التجارة بين الهند والشرق الأدنى إلى أبعد من هذا.