البارون ساكن الأشجار
«ولكن كيف يمكِنه أن يجد الحُب فوق الأشجار حيث يعيش؟ في خياله تحدُث كل هذه الأشياء في مكانٍ غير محدَّد، سواء على الأرض أو على الأشجار حيث يمكث، مكانٍ لا وجود له، يتخيله في عالَمٍ يصل إليه كلَّما اتجه إلى أعلى، وليس إلى أسفل. ربما كان يحلم بشجرةٍ عالية جدًّا، عندما يصعد عليها يصل إلى عالَمٍ آخَر، إلى القمر.»
هل حقًّا بوسع الإنسان أن يرى الحياة بصورةٍ أوضح إذا ما اتخذ مسافةً بينه وبينها؟ شُغِل الكاتب الإيطالي «إيتالو كالفينو» بالإجابة عن هذا السؤال، وهو ما دفَعه إلى كتابة هذا الجزء الثاني من ثلاثيَّة «أسلافنا»، الذي يَستحضر فيه الأجواءَ الأوروبية في القرن الثامن عشر، ويتَّخِذها فضاءً لهذه الرواية التي يحكي لنا فيها حكاية البارون الصغير «كوزيمو بيوفاسكو»، الذي ضاق بمحدودية حياته وسط عائلته الأرستقراطية بتقاليدها البالية، فقرَّر التمرُّد عليها واتخاذ الأشجار مَسكنًا أبديًّا له! راهَن الجميع على أنه سيصل إلى لحظةٍ يسأم فيها من الحياة المنعزلة في الأعالي، لكنه فاجأهم بقُدرته على تدبير معيشته فوق الأشجار، واكتسابِ مهاراتٍ حياتية وفكرية كبيرة، والتعرف على شخصيات عديدة، وتأسيس حياة شِبه كاملة ما كان ليعيشها لو أنه أكمل حياته على الأرض.