الرجل الرابع
ألقى «عثمان» بنفسه على الأرض عندما انطلقت رصاصتان أصابتا الرجل الذي كان «عثمان» يفتشه … ونام «عثمان» على ظهره وأطلق دفعةً من الرصاص من مدفعه الرشاش في اتجاه الصوت … ولكن الرجل كان قد اختفى خلف الباب … ووجد «عثمان» نفسه وحيدًا … وتأكد أنهم سوف يحاصرونه على الفور … ففتح النافذة وقفز منها إلى الخارج … وطرأت على ذهنه فكرة قرَّر أن ينفِّذها فورًا … أسرع إلى إحدى السيارتين الكبيرتين … وجرَّب المفاتيح التي أخذها من الحارس، وسرعان ما دارت السيارة … وأسرع يبتعد بها في الطريق الضيق … وظهر ثلاثة رجال أمام الباب … وأدار «عثمان» السيارة فجأةً رغم ضيق الطريق، واندفع عائدًا إلى المنزل، وعندما اقترب ألقى بنفسه خارج السيارة، وتركها تندفع في اتجاه المنزل، وسمع صيحات فزع … ثم اصطدمت السيارة بالمنزل صدمةً داوية، واشتعلت فيها النيران … وأسرع «عثمان» يدور بين الأشجار متجهًا إلى المنزل من الخلف.
في هذه الأثناء كان الشياطين الخمسة … «أحمد» و«إلهام» و«فهد» و«ريما» و«زبيدة» يتعرَّضون لتجربة رهيبة … كان الرجل الذي قابله «أحمد» والذي يناديه الرجال باسم الزعيم مُصِرًّا على الحصول على اعترافات الشياطين الخمسة … حاول إرهابهم ولكنهم لم يعترفوا بشيء … حاول إغراءهم ولكنهم رفضوا أي إغراء … وعندئذٍ قرَّر قتلهم واحدًا واحدًا … بترتيب الحروف الهجائية … وكان أحمد أول من وقف لتنفيذ هذا الحكم فيه أمام زملائه … وكان زعيم العصابة يرجو أن يخشى «أحمد» الموت فيتحدَّث … أو تنهار إحدى الفتيات … وهكذا وقف «أحمد» ورفع أحد أعوان الزعيم مسدسه ووضعه في أذن «أحمد» … وبدأ العد التنازلي … من خمسة إلى أربعة … إلى ثلاثة … إلى اثنين … وفي تلك اللحظة دوَّت طلقات الرصاص … وسمعوا صوت السيارة، فأوقف الزعيم كل شيء وقفز إلى الخارج، وكان هذا كافيًا لكي يرتبك حامل المسدس لحظةً كانت كافيةً ليضربه «أحمد» القريب منه لكمةً واحدةً أطاحت به، وقبل أن يفكِّر في الوقوف كان «فهد» قد قفز في الهواء واشتبك معه في صراع انتهى بغيبوبة كاملة للرجل.
قفز الشياطين الخمسة إلى الخارج وقالت «إلهام»: إنه «عثمان»!
وكان نور المنزل قد قُطع، ولم يبقَ سوى ضوء النيران المشتعلة في السيارة، والتي بدأت تمتد إلى المنزل الخشبي … وظهر «عثمان» عند نهاية المنزل لاقتحامه وإنقاذ الشياطين الخمسة عندما وجدهم يخرجون … وفي هذه اللحظة سمعوا صوت سيارة تنطلق مبتعدة … وكانت تحمل الزعيم ومعه من بقي من رجاله.
وأسرع الشياطين الستة إلى سياراتهم، ولكن «أحمد» صاح: «فهد» و«إلهام» و«زبيدة» و«ريما» يبقون لتفتيش المنزل … وقفز هو و«عثمان» إلى السيارة وانطلقا، ولكن في تلك اللحظة دوَّى انفجار ضخم، نسف الطريق الضيق … وأحدث فجوةً واسعةً جعلت من المستحيل على سيارة الشياطين متابعة السيارة التي فرَّت.
أوقف «أحمد» السيارة في الوقت المناسب، وعاد هو و«عثمان» إلى المنزل المحترق، وبدأ الشياطين تفتيشًا سريعًا فيه … وقال «أحمد»: يجب أن نغادره بسرعة قبل أن تمتد النيران، فسوف يلفت الانفجار أنظار الجيران وقد يبلِّغون الشرطة.
تم تفتيش سريع للمنزل، ثم غادره الشياطين الستة وقد حملوا ما وجدوا من أوراق، وأسرعوا إلى المرور خلال الأشجار المحيطة بالمنزل للوصول إلى الطريق العام. وقالت «إلهام»: من الأفضل أن نتفرَّق.
ريما: وأين نلتقي؟
أحمد: في مقرنا طبعًا …
إلهام: لقد أخليت المقر من جهاز اللاسلكي والملفات الخاصة بالتقارير … فقد كنت أخشى أن يعرفوا العنوان عن طريق رقم التليفون.
أحمد: تصرُّف معقول جدًّا. وأين جهاز اللاسلكي والملفات الآن؟
إلهام: في فندق كارلتون.
أحمد: إذن اذهبي أنت و«زبيدة» و«ريما» إلى هناك، وسأذهب مع «فهد» و«عثمان» إلى المقر مؤقتًا.
إلهام: قد تتعرَّضون لهجوم!
أحمد: أرجو ذلك … وسنكون في انتظارهم.
وتفرَّق الشياطين الستة وبعد ساعة تقريبًا كانت «ريما» و«زبيدة» و«إلهام» في فندق كارلتون، وكان «أحمد» و«عثمان» و«فهد» في مقر الشياطين بشارع أحمد شوقي، وكانت معهم مجموعة الأوراق التي استولوا عليها من المنزل المحترق. نظر «أحمد» إلى ساعته … كانت قد تجاوزت الرابعة صباحًا فقال: سننام بالتناوب. رد فهد: سآخذ نوبة الحراسة الأولى فلست أحس برغبة في النوم … وسأقوم بفحص هذه الأوراق لعلي أجد فيها شيئًا.
وبعد لحظات كان «أحمد» و«عثمان» قد استغرقا في نوم عميق، بينما جلس «فهد» في الصالة يفحص الأوراق وقد وضع أمامه كوبًا من الشاي، ومسدسًا محشوًّا بالرصاص.
كانت الأوراق التي جمعوها على عجل مكوَّمةً أمامه، وأخذ يفردها ويضعها بترتيب بجواره … وبين الأوراق عثر على مظروف صغير جدًّا، مغلق، وفتحه «فهد» بحذر ومد أصابعه وأخرج ما به … كان من شرائط أفلام كاميرا صغيرة … وأمسك «فهد» بأحدها ورفعه أمام عينيه في الضوء … كان ثمة وجه شخص غير واضح المعالم … وأمسك بشريط آخر … ووجد نفس الشخص في مشهد آخر … وقام «فهد» إلى الغرفة السوداء في المقر السري … وأخذ مجموعةً من الورق الحساس وبدأ يطبع الفيلم مُكبَّرًا بقدر ما يستطيع … وبعد نصف ساعة تجمَّعت أمامه مجموعة من الصور لهذا الشخص في مختلِف زوايا وجهه. كان مجموع الصور ١٦ صورة، وبدت بعض الصور مختلفةً عن الأخرى … نفس الرجل ولكن شعره طويل مرة … وقصير مرةً أخرى … أشيب الشعر مرة وأسوده مرةً أخرى، جوانب فمه منتفخة مرة … وهابطة مرةً ثانية … كان واضحًا أن ثمة عمليات تنكُّر بارعةً في كل مرة تتم على نفس الوجه. وأخذ «فهد» يتذكَّر كل الوجوه التي مرَّت أمامه أثناء وجوده بالمنزل المحترق، فلم يجد بينهم وجهًا واحدًا يمكن أن يكون لهذا الرجل.
وعاد «فهد» إلى الأوراق يقلِّبها … كانت مجموعة من الخرائط لبيروت والجبل … ولبعض الأماكن الأثرية … وعليها بعض العلامات بالقلم الرصاص … ومجموعة من الأرقام …
وفي مظروف آخر أخرج «فهد» ورقةً زرقاء رقيقةً جدًّا … مكتوبة على آلة كاتبة دقيقة الحروف … وبدأ «فهد» يقرأ. «تقرير إلى الزعيم عن تحرُّكات المجهول.
يانك تورو «وشهرته المجهول»
قاتل محترف يعمل وحده، ولا يعرفه أحد. الاتصال به يتم عن طريق عالم الجريمة السفلي بواسطة رقم تليفون لا يعرفه إلا خمسة أشخاص في خمس عواصم. لا يرد على التليفون ولكن عنده جهاز تسجيل يسجل المكالمات التي تصله، فيقوم هو بالتحريات عمن اتصلوا به وتركوا أسماءهم وطلبوا خدماته.
بعد أن يقوم بالتحري والتأكد من جدية الطلب المقدم له … يحدِّد الثمن الذي يطلبه للعملية. على شريط مسجل بصوت ليس صوته … ويتركه مركبًا على التليفون، وبعدها يحدِّد مكان وزمان الدفع بواسطة جهاز التسجيل.
وصل إلى القاهرة بجواز سفر صحيح … ولكن باسم رجل مات هو «بيرد آمبروز» … ونزل في فندق شبرد … وأثناء وجوده في القاهرة تردَّد بعض مرات على تُجار الآثار ولكنه لم يشترِ شيئًا.
معه خمس حقائب بها ملابس ومجموعة كبيرة من الأصباغ وأدوات الحلاقة الكاملة … إحدى الحقائب بها مجموعة من الآلات الدقيقة التي تكاد تكون مصنعًا ميكانيكيًّا صغيرًا.
لا يخرج ليلًا مطلقًا، ومع ذلك حاولنا الاتصال به في غرفته بالفندق، ولكن أحدًا لم يرد على التليفون … اكتشفنا بعد سفره أنه كان يستأجر حجرةً في فندق سميراميس تحت اسم مستعار. حاولنا معرفة سفره إليكم … ولكنه حجز عدة تذاكر على عدد من شركات الطيران في مواعيد مختلفة … وفجأة اختفى دون أن نستطيع متابعته.
ليست له علامات مميَّزة في جسده إلا أن كتفه اليسرى أعلى من كتفه اليمنى قليلًا … ولكن هذه العلامة يخفيها بزيادة الحشو في ملابسه فوق كتفه اليمنى.
قضى «فهد» نحو ساعتين يفحص بقية الأوراق … ثم قام فذهب إلى الشرفة ففتحها وأخذ يستقبل بشغف نسمات الفجر العذبة. ويملأ رئتيه بها، ثم دخل فأعد لنفسه كوبًا من الشاي وبعض الطعام، وعاد إلى الشرفة وجلس يتناول إفطاره. عندما دخل عليه «أحمد» مبتسمًا وهو يقول: صباح الخير … تستطيع الآن أن تنام.
فهد: لقد فات وقت النوم … وهناك معلومات على جانب كبير من الأهمية … في هذه الأوراق، بالإضافة إلى مجموعة صور …
وقام «فهد» فذهب إلى الصالة وعاد بالأوراق مرتبة، ووضع أمام «أحمد» التقرير الأزرق، ومجموعة الصور … وتناول «أحمد» التقرير والصور متلهفًا … بينما دخل «فهد» المطبخ يعد ﻟ «أحمد» كوبًا من الشاي.
أخذت عينا «أحمد» تجريان على السطور باهتمام بالغ، حتى إذا انتهى منه كان «فهد» قد عاد ومعه كوب الشاي … فقال «أحمد»: هل توصلت إلى استنتاجات معينة؟
فهد: طبعًا!
أحمد: إن أهم ما لفت نظري في هذا التقرير أنه يعني أن «آمبروز» أو «يانك تورو» حسب اسمه الأصلي يعمل وحده. فمن هم إذن هؤلاء الرجال الذين اصطدمنا بهم أمس؟
فهد: هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي!
أحمد: لقد كانوا مهتمين ﺑ «آمبروز» جدًّا حتى ظننت أنهم رجاله … ولكن هذه الصور وهذا التقرير يؤكدون أنهم يبحثون عنه مثلنا تمامًا.
فهد: لعلهم ظنوا أننا من أعوان «آمبروز»!
أحمد: لا … أعتقد أنهم ظنوا أننا مثلهم نبحث عن «آمبروز»، وظنوا أننا نعرف مكانه.
فهد: هذه أول مرة نلتقي بأشخاص يبحثون عن مجرم بنفس الاهتمام الذي نبحث عنه وليسوا من رجال الشرطة.
أحمد: إن هذا شيء في غاية من الغرابة … لقد خضنا صراعًا مميتًا من أجل القبض على «آمبروز» … مع أشخاص يحاولون القبض عليه هم أيضًا …
وفي هذه اللحظة دق جرس التليفون في الصالة … وأسرع «فهد» وهو يقول: لعلها إحدى الفتيات تتحدَّث من فندق كارلتون.