«رقم ١٠١» يتحدَّث
رفع «فهد» سماعة التليفون، وسمع صوتًا غريبًا على الطرف الآخر يتحدث. كان صوتًا خشنًا هادئًا يقول: أتحدث إليكم باسم الزعيم. لقد استمعنا حالًا إلى حديثكما عن التقرير وفهمنا أنكم تبحثون عن «يانك تورو» مثلنا … والزعيم يعرض عليكم أن نتعاون في البحث عنه …
كان ذهن «فهد» يعمل بسرعة … كيف استمعوا إلى حديثه هو و«أحمد»؟ إن ذلك مستحيل، وهذه الصفقة المعروضة للتعاون، ما هو القرار الذي يُتخذ بشأنها؟
قال «فهد»: هل عندك شيء آخر تقوله؟
ردَّ الرجل: فقط إننا نعرف مكان الفتيات الثلاث، وبالطبع فإن سلامتهن تهمكم.
فهد: هل هذا تهديد؟
الرجل: ليس تمامًا.
فهد: من أنت؟!
الرجل: أستطيع أن أقول لك أي اسم … ولكننا نتعامل بالأرقام، إنني رقم ١٠١، وسوف أتصل بك بعد نصف ساعة … فسوف تناقشون الأمر بينكم طبعًا.
وأغلق الرجل السماعة، وكان «أحمد» ما زال في الشرفة، فأسرع «فهد» إليه، وروى له ما دار في المكالمة التليفونية، فقال «أحمد»: شيء جديد مدهش في هذه المغامرة!
فاتصل بالفتيات فورًا وانقل إليهن تحذيرًا … وسأذهب لإيقاظ «عثمان» للتشاور …
أخذ «فهد» يبحث عن رقم فندق كارلتون في الدليل حتى وجده، واتصل ﺑ «إلهام» وروى لها المكالمة، فقالت: لقد اتصل بنا «رقم ١٠١» هذا، وحذَّرنا من الخروج من الفندق قبل أن يتفق معكم … إننا طبعًا نستطيع أن نتصرَّف، فلا تقلقوا علينا.
وصل «أحمد» إلى الصالة في تلك اللحظة وخلفه «عثمان» … وأمسك سماعة التليفون وتحدَّث إلى «إلهام» بصوت هامس: فلتأخذن تحذيرهم لَكُنَّ مأخذ الجد … لا تتحركن من الفندق إلا بمكالمة مني أو رسالة كلمة السر … أربعة يساوي واحد … وسوف أتفاهم أنا و«فهد» و«عثمان» … ونتصل بكن بعد قليل.
وأسرع «عثمان» فأعد كوبًا من الشاي، بينما كان «أحمد» و«فهد» يبحثان عن جهاز الإرسال الذي نقل حديثهما إلى مجموعة الزعيم … ولكن لم يعثرا على شيء مطلقًا رغم بحثهما الدقيق في كل مكان.
أشار «أحمد» إلى «فهد» و«عثمان» بيده فدخلوا جميعًا الحمام وفتح «أحمد» حنفية الدش على اتساعها … فنزل الماء يقرقع في البانيو.
قال «أحمد» بصوت خافت: إن مجموعة الزعيم تملك أجهزةً متطورةً جدًّا … هناك جهاز حديث مرتفع الثمن يستطيع الاستماع إلى أي حديث على مسافة مائة متر … ومعنى هذا أن الزعيم ومجموعته قريبون منا … ولكن صوت المياه لن يجعلهم يستمعون إلينا … خاصةً إذا تحدثنا بصوت منخفض …
عثمان: ماذا حدث بالضبط؟
أحمد: إن مجموعة الزعيم التي اشتبكنا معهم أمس يعرضون علينا التعاون.
عثمان: تعاون على ماذا؟
أحمد: إنهم يبحثون عن «آمبروز» … أو «يانك تورو». هذا اسمه الأصلي.
عثمان: شيء غير معقول!
فهد: إنني أتصوَّر أنها مصيدة لنا.
أحمد: ليس هذا مستبعدًا … ولكن لا بأس أن نتعاون معهم في حالة واحدة.
عثمان: ما هي؟
أحمد: إذا كانوا يعرفون مهمة «يانك تورو» بالضبط؛ فهذا يسهِّل مهمتنا.
عثمان: وما هي الضمانات أنهم لن يغدروا بنا؟
أحمد: ليست هناك ضمانات أهم من يقظتنا.
فهد: عندي اقتراح …
والتفت إليه «عثمان» و«أحمد» فقال: نحن نحتاج إلى مجموعة لتغطينا؛ فالزعيم ورجاله يعرفوننا جميعًا، ولكن لو استطعنا طلب بقية المغامرين اﻟ «١٣» اليوم؛ فمن الممكن أن يقوموا بتغطيتنا دون أن يشك فيهم أحد.
أحمد: فكرة ممتازة جدًّا.
عثمان: المشكلة أن جهاز اللاسلكي ليس موجودًا للاتصال برقم «صفر» ليتولَّى الاتصال ببقية الشياطين ليحضروا.
أحمد: سنغامر بالاتصال تليفونيًّا الآن، وسنطلب منه تجهيز مقر جديد لنا، لينزل به بقية الشياطين اﻟ «١٣» عندما يصلون …
وقام «أحمد» وأحضر جهاز التليفون إلى الحمام … وأدار الرقم السري لرقم «صفر»، وسرعان ما سمع صوته يقول: هالو.
قال «أحمد»: ش. ك. س يتحدَّث؟
رقم صفر: رقم «صفر» يستمع. ماذا حدث؟ إنكم لم تتصلوا منذ أمس، هل جهاز اللاسلكي معطل؟
أحمد: لا … ولكن نقلناه من مكانه … لقد عرفت مجموعة من الرجال تسمي نفسها مجموعة الزعيم بالمقر السري لنا … ونرجو تغييره … وفي نفس الوقت نرجو الاتصال ببقية الشياطين اﻟ «١٣» ليحضروا فورًا إلى بيروت اليوم إذا أمكن … فإن مجموعة الزعيم تعرفنا نحن الستة الموجودون في بيروت حاليًّا، وقد نحتاج إلى تغطية من مجموعة غير معروفة للزعيم ورجاله …
ثم روى «أحمد» لرقم «صفر» كل ما حدث في الليل، وقرأ عليه التقرير الذي عثروا عليه في مقر الزعيم، ووصف له الصور التي حصلوا عليها …
قال رقم «صفر»: لقد قمتم بعمل عظيم … والآن ما هي خطوتكم التالية؟
أحمد: لقد عرض علينا الزعيم التعاون معه في البحث عن «يانك تورو»، وسوف أقبل العرض إذا لم يكن عندك مانع.
رقم صفر: إنني أثق أنكم ستتصرفون بحذر، وما يهمني هو معرفة سبب وصول «يانك» هذا إلى بيروت.
أحمد: هذا ما فكرت فيه، وما يدفعني إلى قَبول عرض هذا الزعيم.
رقم صفر: هل تحتاجون إلى حماية من رجال الشرطة؟
أحمد: سنتصل بك إذا احتجنا.
رقم صفر: سيكون المقر الجديد جاهزًا بعد بضع ساعات، وسيكون فيه قدر أكبر من الخداع والتمويه.
وأغلق «أحمد» السماعة، ثم أغلق حنفية الدش، وفتح باب الحمام وخرج وخلفه «عثمان» و«فهد» … ونظر «فهد» في ساعته وقال: سيتصلون بنا بعد خمس دقائق …
أحمد: قل لهم إننا موافقون، وإنني سأتحدث إليهم.
وجلس الثلاثة في الشرفة يتحدثون وكأنهم يستأنفون حديثًا سابقًا، فقد كانوا على ثقة من أن مجموعة الزعيم تسمعهم. وبعد مرور الدقائق الخمس دق جرس التليفون مرةً أخرى، وكان «رقم ١٠١» هو المتحدث.
قال «فهد»: لقد قَبِلنا التعاون معكم … ولنا شروط.
قال الرجل: وما هي شروطكم؟ …
قال فهد: سيتحدث إليكم زميلي.
وأمسك «أحمد» بالسماعة وقال: إن شروطنا هي … أولًا: عدم التعرُّض للفتيات الثلاث، وتركهن يتحركن بحرية … ثانيًا: معرفة الهدف الذي حضر من أجله «يانك تورو» إلى بيروت.
ساد الصمت لحظات ثم قال الرجل: إن الشرط الأول مجاب … أمَّا الشرط الثاني فيحتاج إلى مناقشة، نريد مندوبًا منكم للحديث معه؛ فلنا شروط نحن أيضًا.
أحمد: سأكون هذا المندوب، ولست في حاجة لأن أؤكد أنني لن أكون رهينة؛ فنحن لا تهمنا حياتنا.
الرجل: أعطيك كلمتي أنك لن تتعرَّض لأي مخاطر.
أحمد: الزمان والمكان.
الرجل: بعد ثلاث ساعات من الآن عند بداية طريق برمانا، سننتظرك في سيارة بيضاء رقم ٩٣١١٨٧.
أحمد: سأكون هناك.
وقضى «أحمد» ساعتين يتحدَّث مع «عثمان» و«فهد»، وقبل أن ينزل بدقائق اتصل بهم رقم «صفر» … ومرةً أخرى أخذ «أحمد» التليفون إلى الحمام حيث فتح الدش، وعلى صوت المياه المتساقطة عرف العنوان الجديد لمقر الشياطين اﻟ «١٣»، وأخبر رقم «صفر» عن موعده مع الزعيم.
انطلق «أحمد» في سيارة تاكسي إلى الموعد المتفق عليه … وكان قد تسلَّح بمجموعة من الآلات الدقيقة الموضوعة في ملابسه، والتي يصعب اكتشافها. وبعد ساعة تقريبًا وصل إلى أول طريق برمانا، الصاعد إلى الجبل، ووجد السيارة في انتظاره وبها رجل واحد … ودون أن يتحدَّث فتح الباب الجانبي ودخل، وتحركت السيارة على الفور.
كان «أحمد» متنبِّهًا للغاية للطريق الذي تقطعه السيارة، ومضت نصف ساعة وهي تمضي مسرعةً تلتوي مع الطريق الصاعد إلى الجبل، حتى أشرفت على مبنًى كبير كُتب عليه ورشة تصليح سيارات … فدخلت مسرعة، وتوقَّع «أحمد» أن تقف … ولكن الباب الذي كان مفتوحًا أُغلق خلفهم، ومضت السيارة لدهشته الشديدة مسرعةً وخرجت من الطرف الآخر للورشة … وأُغلق باب آخر، وأدرك «أحمد» أن الورشة ليست إلا شعارًا يخفي الطريق الذي مضت فيه السيارة بين أشجار التفاح، ثم انحرفت يسارًا بعد نحو خمسة كيلومترات ووقفت.
أشار السائق إلى «أحمد» فنزل … وقدم رجلان من بين الأشجار فتَّشاه بحثًا عن أسلحة، ثم ربط أحد الرجلين عينيه وأمسكه من ذراعه وقاده في ممشًى غير مرصوف … وأحس «أحمد» بالغيظ، فلم يكن يتوقع أن تتم كل هذه الإجراءات … وبعد لحظات سمع صوت طلقات رصاص متقطعة … وأخذ الصوت يرتفع تدريجيًّا حتى أحس «أحمد» أنه قريب منه، وقرَّر على الفور أن يرفع العصابة عن عينيه، ولكن قبل أن يفعل ذلك، امتدت يد فنزعت العصابة، وبهره ضوء الشمس لحظات … ثم شاهد الزعيم أمامه، وبجواره مائدة رُصَّت عليها مجموعة من البنادق …
تبادل «أحمد» والزعيم نظرات صامتة … ثم أشار الزعيم إلى مجموعة البنادق قائلًا: إنني أتمرَّن على الأهداف المتحرِّكة … لعلك تشاركني المران.
على اليمين كان هناك مبنًى من الصخر، وعلى امتداده سياج من الأسلاك الشائكة. ولاحظ أن ثمة فُوَّهات لمدافع رشاشة تطل من السياج ومن بعض الفتحات في المبنى.
قال الزعيم: هذا هو مقرنا السري.
أحمد: إنه أشبه بالقلاع.
الزعيم: نحن نتوقع معركةً مع «يانك» ومع الشرطة.
أحمد: هل نبدأ الحديث؟
الزعيم: ما زال أمامنا متسع من الوقت.
وأمسك الزعيم ببندقية وضعها في يد «أحمد»، ثم أمسك ببندقية أخرى ووقفا بجوار أحدهما الآخر، ثم أشار الزعيم بيده … وعلى الفور ظهرت دمية من الخشب لرجل يجري بجوار السياج لا يظهر منه سوى رأسه وجزء من كتفه. ولاحظ «أحمد» أنه يشبه «يانك» … ورفع كل منهما بندقيته، وانطلقت رصاصتان بين كل واحدة وأخرى أقل من ثانية، وانفجر رأس التمثال … وسُمع صوت يقول: لا بأس.