حكاية الشتاء
على الأرجح أن شكسبير كتب مسرحية «حكاية الشتاء» فيما بين عامَي ١٦٠٩ و١٦١١،
وظَهرَت مطبوعةً لأول مرة في «المطوية الأُولى» التي ترجع إلى عام ١٦٢٣؛ حيث
أُدرِجَت في صفحة المُحتويات على أنها آخر المسرحيات الكوميدية. بيْد أن هذه
المسرحية، مثل مسرحيات «سيمبلين»، و«بيريكليس»، و«العاصفة»، تُعَدُّ من مسرحيات
شكسبير المُتأخِّرة أو الأخيرة، التي تضعها بِنيتها الحلقية ضمن النوع الأدبي المُسمَّى
المسرحية الرومانسية. استعان شكسبير بمؤلَّف غريمه المزعوم السابق؛ وهو رواية روبرت
جرين الرومانسية النثرية المُسمَّاة «باندوستو أو انتصار الزمن» (١٥٨٨)، ليكون بمنزلة
مصدره الرئيسي للمسرحية، مع أنه غيَّر أسماء الشخصيات الرئيسية. شاهَد سيمون فورمان
المُحبُّ النهِم للمسرح، الذي يعمل كطبيب ومُنَجِّم، المسرحية على مسرح «ذا جلوب» في
الخامس عشر من مايو، سنة ١٦١١. وكان من بين زبائن فورمان، ماري ماونتجوي؛ التي سكن
معها شكسبير في منزل عائلتها في شارع سيلفر ستريت، وجين دافينانت؛ أم المؤلف
المسرحي ويليام دافينانت، الذي كان يُحبُّ دومًا أن يتصوَّر أن شكسبير هو أبوه الحقيقي.
أغلب مُشاهدي شكسبير هم أشخاصٌ غير معروفِين، ونوعية التسجيل الذي تركه فورمان هو
واحدٌ من ردود الفعل على مسرحيات شكسبير المُعاصرة لزمنه القليلة جدًّا الباقية إلى
وقتنا هذا. بيْد أن جمهور شكسبير الملكي هو أبعد ما يكون عن كونه مجهولًا؛ فقد
عُرِضَت مسرحية «حكاية الشتاء» لأول مرة في البلاط الملكي في نوفمبر من عام ١٦١١،
وعُرِضَت مُجدَّدًا أثناء فترة احتفالات زفاف الابنة الوحيدة الباقية على قيد
الحياة للزَّوجَين الملكيَّين، الأميرة إليزابيث، على البلاطين المُنْتخب، فريدريك
الخامس أثناء فترة أعياد الكريسماس لعام ١٦١٢-١٦١٣. كانت العروض الملكية اللاحقة في
سنة ١٦١٨، وربما مُجدَّدًا بعد عام في سنة ١٦١٩، ومرةً أخرى سنة ١٦٢٤، وللملك
تشارلز الأول سنة ١٦٣٤. لا شكَّ في أنَّ موضوع المسرحية المتعلق تَعلُّقًا وثيقًا
بالسُّلالة الحاكمة (وهي فكرة كان من الضروري إبقاؤها مُعلقةً أثناء عهد إليزابيث
الذي يخلو من الذُّرِّية) راق لعائلةِ بلاط بيت ستيوارت. إنَّنا لا نعرف ردود أفعالهم
الشخصية على المسرحية، ولكن لأنَّ تفصيلات حياتهم مُسجَّلة تسجيلًا جيدًا، فإنَّنا نعرف
بعضًا من التجارب الحياتية التي زوَّدوها بها. سوف يتناول هذا القسم المسرحية من
وجهة نظر بعضٍ من هؤلاء المشاهِدِين المعروفِين؛ وهم كلٌّ من فورمان وجمهور العائلة
الملكية اليعقوبية غير النَّمَطي بلا جدال.
تبدأ مسرحية «حكاية الشتاء» بزيارة بوليكسنيز، ملك بوهيميا لبلاط الملك ليونتيس
بصقلية. تشارك الاثنان فيما مضى عالم الطفولة المثالي، وبعد التأمُّل في علاقتهما
الحميمية المُتَأَصِّلة في ذلك الوقت، عندما كانا «مثل حَملَين توءمَين» (الفصل
الأول، المشهد الثاني، السطر ٦٧)، كما يذكر بوليكسنيز، «لم يكن أمامهما اختيارٌ إلا
أن يترعرعا مُنفصلَين مُنذئذٍ» (الفصل الأول، المشهد الأول، السطر ٢٤). بعد ذلك،
يُصبح ليونتيس على قناعة بأن بوليكسنيز استأثر بمشاعر زوجته؛ هيرميوني. واقتناعًا
منه بأن بوليكسنيز هو والد الطفلة التي هي حُبلى بها الآن، يُقدِّم هيرميوني
للمحاكمة قبل حتى أن تنقضي فترة التعافي من النفاس التي تُقِرها الأعراف الثقافية،
«حُرِمتُ من امتياز النفاس» (الفصل الثالث، المشهد الثاني، السطر ١٠١).
1 تفتك هذه الاتهامات التي لا أساس لها بابن الزوجَين الصغير ماميليوس؛
وريث العرش، حينما تُقتاد أُمُّه بعيدًا عنه إلى السجن. ودون جدوى تُدافع بولينا؛
وصيفة الملكة، عن سيِّدتها طوال الوقت. يستشيط ليونتيس غضبًا باستبداد، فيأمر بأن
يأخذ زَوج بولينا؛ أنتيجونوس، الابنة الرضيعة التي أنجبتها هيرميوني وأن يترُكها في
مكانٍ مُوحِش. فضلًا عن ذلك، يأمر كاميللو، أحد رجال الحاشية الملكية، بأن يدُسَّ
السُّمَّ لبوليكسنيز. وبدلًا من أن يقترِف كاميللو جريمة القتل، يهرُب مع بوليكسنيز،
في
حين يأخُذ أنتيجونوس الرضيعة؛ برديتا (وهو اسم لاتيني يعني «الضائعة») إلى بوهيميا،
فيضع الطفلة في سلةٍ مباشرةً قبل أن يُطارد إلى خارج خشبة المسرح إلى حَتفه بأشهر
إرشادات الحركة على خشبة المسرح في أعمال شكسبير: «يخرج، يُطارِده دُب» (الفصل
الثالث، المشهد الثالث، السطر ٥٧). وبأعجوبة، يُنقِذ راعٍ وابنه (المُهرِّج)
برديتا. عند هذه المرحلة، ينتهك شكسبير القواعد الجمالية للوحدات الكلاسيكية
للزمان، والمكان، والحدث بشدَّةٍ بقيامه بقفزةٍ زمنية مداها ستة عشر عامًا، يُنبئ بها
فرْد الجوقة الذي يُمثِّل الزمن نفسه. وبدءًا من هذه المرحلة، تتحولَّ المسرحية من
الحالة التراجيدية إلى آفاق الكوميديا.
تعيش برديتا حياةً بسيطة في بوهيميا، غيرَ عالمةٍ بهُويَّتها الملكية الحقيقية،
وتُغرَم بحبِّ فلوريزل؛ ابن الملك بوليكسنيز. وتُؤدِّي دور الملكة في احتفالٍ بِجَزِّ
صوف الخِراف، وهو فاصلٌ رعوي رائع لا وجود له في المادة الأدبية التي استخدمها
شكسبير باعتبارها مصدرًا لعمَلِه. تحضُر مجموعةٌ مختلفة من الشخصيات الريفية هذا
الحدث، بما في ذلك موبسا، ودوركاس، وأبرزُهم جميعًا، بائع الأغاني الشعبية، والبائع
المُتجوِّل، واللص، أوتوليكوس، الذي، بالإضافة إلى هروبه بأموال المُهرِّج، يُمِدُّ
المسرحية بقسطٍ كبير من حسِّها الفكاهي. يحضر بوليكسنيز هو الآخر الطقس الريفي الخاص
بجَزِّ صوف الخِراف في صحبة كاميللو، وكلاهما مُتنكِّر لأن الملك يبتغي أن يتثبت
بنفسه من الرواية القائلة بأن ابنه أُغرِم بحبِّ راعيةٍ حسناء. وفي مشهدٍ مسرحي فلسفي
بليغ، يتحاور بوليكسنيز وبرديتا حول الفضائل النسبية للطبيعة والفن. تُحاجج برديتا،
المُصوِّرة استنادًا إلى الهيئة الأسطورية لبروسربينا، المُرتبطة بالأزهار وطقوس
الربيع، لصالح الطبيعة، في حين يسوق بوليكسنيز الحجج فيما يتعلق بفضائل الصنعة
الفنية والإبداع البشري في تطعيم النباتات ببعضها البعض. ومع ذلك لا يمتدُّ موقفه
الفلسفي المتعلق بالحياة النباتية إلى المجال الاجتماعي؛ حيث يعتقد أنه يجب الحفاظ
على الدم الملكي خاليًا من شائبة سلسلة النَّسَب الأدنى. وإذ يستشيط بوليكسنيز غضبًا
من أنَّ وريثه قد يُعَرِّض العرش للخطر بزواجه من برديتا، يأخذ دوره الآن في غضبة
السلطة الأبوية. غير أن كاميللو، الذي يأبى مرةً أخرى أن يطيع ملكًا مُستبدًّا
والمُتلهِّف لرؤية وطنِه مُجدَّدًا، يُرتِّب لهروب العاشقَين اليافعَين إلى صقلية؛
حيث على برديتا أن تتظاهر بأنها عروس فلوريزل الجديدة؛ أميرة ليبيا.
كان نبأ براءة هيرميوني، الذي قرَّرته كاهنة دلفي، قد بلغ بالفعل ليونتيس في
الجزء الأول من المسرحية. وسرعان ما تلا رفضه المبدئي للحُكم الندَم، وعاش حياة
النادم المُنعزِلة مدَّة الستة عشر عامًا المُنصرِمة. وعندما يصِل العاشقان إلى صقلية،
يتبيَّن أن برديتا، التي تتبعها عائلتها الريفية، الراعي والمُهرِّج، هي أميرة صقلية.
عند هذه المرحلة، يتَّخذ شكسبير تحوُّلَه الأكثر جذرية عن مصدره؛ ففي رواية جرين،
تموت الملكة قطعًا وليس ثَمَّةَ أملٍ في استعادة الرباط الزوجي. إلَّا أنه في مسرحية
شكسبير، يمضي ليونتيس، وبرديتا، وأفراد البلاط الملكي الآخرون، بناءً على دعوة
بولينا، لرؤية تمثالٍ بالحجم الطبيعي لهيرميوني جرى نحتُه حديثًا بواسطة الفنان
الإيطالي جوليو رومانو. يفترض الجميع، بنحوٍ حاسم، موت هيرميوني ولا يقتصر ذلك على
كلِّ الشخصيات الأخرى في المسرحية وإنما أيضًا جمهور شكسبير. وهكذا كان من شأن أولئك
الذين كانوا على اطِّلاعٍ على رواية «باندوستو» أن يتوقَّعوا نهايةً مأساوية. لكن في
تطوُّرٍ مُفاجئ ومُذهل في أحداث المسرحية، يتحرَّك التمثال، وتبدو الملكة وكأنها عادت
بأعجوبةٍ إلى الحياة. يُكتشف بعد ذلك أن هيرميوني ما زالت على قيد الحياة، ويتبع ذلك
المُصالحة بين الزوجَين والتئام شمل الأسرة. يُعوِّض اقتران كاميللو وبولينا
مسرحيًّا عن فقد أنتيجونوس، وحظي ليونتيس، بالطبع، بزوجٍ لابنته. على الرغم من ذلك،
لا تزال ثَمَّةَ خسارةٌ لا تُعوَّض ولا سبيل إلى تدارُكها، وهي خسارة ماميليوس؛
الوريث الذكر لليونتيس. إنه الشخصية التي تصرح بعنوان المسرحية: «إن حكايةً حزينة
تُناسب الشتاء» (الفصل الثاني، المشهد الأول، السطر ٢٥). يُجسِّد موته إحساسًا بحزنٍ
مُقيم حتى وسط انتصار الحياة بإعادة انبعاثها وتجدُّدها.
إنها قصةٌ مُذهلة عن الميلاد من جديد والتجدُّد، من الشتاء إلى الصيف، ومن الموت
إلى الحياة، ومن أوهام الكراهية إلى قوَّة الحبِّ الشافية. تشتمل حبكتُها على كلِّ السمات
غير القابلة للتصديق والمُستحيلة للمسرحية الرومانسية، والتي تُعَدُّ ضربًا من الفنِّ
وليس من الحياة، كما يليق بهذا النوع الأدبي. وتتَّضِح لغة المسرحية، الصعبة في مُعظم
الأحيان، على نحوٍ بارز في الخطبة الطويلة العنيفة التي تكاد تكون غير مفهومة
لليونتيس المُرتاب، في كلامه المُشوَّش عن ملامح الوجه «الأُنُوف، والآذان، والشفاه»
الذي يعكس شهوة التلصُّص المُتَّسِمة بالشكِّ لديه وهو يُراقِب زوجته وصديقه أثناء
حديثهما. ومع ذلك فلُغة المسرحية، كما أشار ستيفن أورجِل، غالبًا ما تكون غامضة، ليس
فقط في تلك المقاطع التي ترمي إلى التعبير عن الجنون المؤقَّت. وهذا يعمل على تعميق
فكرة أنَّ الحياة سِرٌّ غامض لا يمكن استيعابه عن طريق المعرفة السطحية القائمة على
الحقائق اللازمة في الحياة اليومية ولكن يمكن استشرافُها من خلال تدابير
الفن.
كيف، إذن، تجاوَبَ جمهور شكسبير مع مسرحية «حكاية الشتاء»، وبخاصة مع مُلاحقةِ دُبٍّ
لأنتيجونوس (لم تُحسَم بعدُ مسألة ما إذا كان دبًّا حقيقيًّا أو مُمثلًا في هيئة
دُب) أو مع عودة هيرميوني إلى الحياة في نهاية المسرحية؟ إن كان سيمون فورمان قد
فُوجئ أو تأثَّر بالدُّبِّ أو مشهد التمثال، فإنه لم يَرَ أن الأمر يستحقُّ الذكر. قد
يرجع ذلك إلى أنَّ وجود دُبٍّ على خشبة المسرح، أو بدلًا من ذلك، تمثيلًا له، لم يكن
بالأمر الجديد؛ نظرًا لقُرب مسرح «ذا جلوب» من حديقة باريس جاردن، التي تضمَّنَت
استعراضات تعذيب بالدِّبَبة. كانت العروض التي تنطوي على القسوة مثل استعراضات تعذيب
الدِّبَبة والإعدامات العلنية تحظى بشعبيةٍ هائلة في إنجلترا في أوائل العصر الحديث
وكانت تُعتَبر ضربًا من الترفيه؛ الأمر الذي يعني أنه لا يُمكننا افتراض أنه كان
بالضرورة ثَمَّةَ تشابهٌ كبير بين تجاوُبنا مع مسرحية «حكاية الشتاء» وتجاوُب
مُشاهِدي شكسبير. ومن منظورٍ آخر، وهو منظور الشعائر الدينية، ربما لم يكن مشهد
التمثال باللحظة المُذهِلة للجماهير المُتأقلِمة مع معجزة قيامة المسيح باعتبارها
حدثًا يُقدَّم في دراما العصور الوسطى باعتباره ليس فقط حقيقةً مُقدسة وإنما حقيقةٌ
تاريخية أيضًا. ممَّا لا شكَّ فيه أن البعث الدرامي لهيرميوني هو أَمرٌ يتوافَق مع مسألة
المُعجِزات الدينية، التي كانت تُمثِّل أفكارًا أساسية في الثقافة الدينية وكذلك
الدُّنيوية.
من نواحٍ كثيرة، أَبرزُ ما في سرد سيمون فورمان المُوجَز للمسرحية هو ما لا
يذكره، وتحديدًا الدب والتمثال. بيْد أن فورمان يتذكَّر مشهد القسوة الذي يستهلُّ سير
الأحداث في المسرحية، وأعني بذلك غضب ليونتيس واتِّهامه لهيرميوني. ويتذكَّر أيضًا
كاهنة أبوللو. يُمكننا أن نتوقَّع الأخيرة؛ لأنه هو نفسه كان طبيبًا مُنجِّمًا تَنبَّأ
بدقةٍ بتاريخ موته، الذي حدث بينما كان يُجدِّف بقاربٍ عبر نهر التايمز بعد أربعة
أشهرٍ فقط من مُشاهَدَته للمسرحية، في الثامن من سبتمبر من عام ١٦١١. ما ارتآه
فورمان أمرًا لا يُنسى كان «الشقي الذي دخل رَثَّ الثياب تمامًا»، شخصية أوتوليكوس
الكوميدية المُفعَمة بالحياة الذي: «احتال على الرجل الفقير وسلبه كلَّ ماله، وبعد
ذلك قَدِم إلى احتفال جَزِّ صُوف الخِراف ومعه صُرَّة بائعٍ متجوِّل، وهناك احتال عليهم
مُجدَّدًا وسلبَهم كلَّ أموالهم.»
2 والأَهمُّ من ذلك، تعليق فورمان الأخير بأن ما خرج به من المسرحية هو
أَمرٌ أخلاقي: «حذارِ من الوثوق بالمُتسوِّلين الزائفِين أو الأشخاص
المُتودِّدِين.»
3 استمرَّ هذا المَيل إلى استخلاص مغزًى أخلاقي من الأدب منذ العصور الوسطى
حتى إنَّ النصوص غير التوجيهية، مثل مسرحية «حكاية الشتاء»، التي تُقاوِم هذا النوع
من القراءات قد تظلُّ خاضعة لهذه العادة المُتفشِّية المُتمثِّلة في التأويل.
ولكن ماذا بشأن مُشاهِدِي البلاط الملكي الذين ربما يكونون قد اهتموا اهتمامًا
كبيرًا بالخطر السياسي الذي بيَّنَته الكاهنة: «سيعيش الملك بدون وريثٍ للعرش إذا لم
يُعثَر على ما هو مفقود» (الفصل الثالث، المشهد الثاني، السطران ١٣٢-١٣٣). وبما أنه
عُثِر على برديتا، وزواجها من فلوريزل يُبشِّر بتوحيد مملكتَي صقلية وبوهيميا،
وأيضًا بذُريةٍ مُقبلة، فيبدو أن المسرحية قد تفادت الفوضى السياسية. وعلى نحوٍ
مُشابِه، وخاصة بالمُقارنة بالعهود المنقطِعة الذُّرية لحُكام إنجلترا الثلاثة
السابقِين، فإنَّ خصوبة جيمس الأول وآن من الدانمرك تُبشِّر بالخير لمُستقبل المملكة.
لم يكن بإمكان شكسبير أن يعلم وقت عرض المسرحية في البلاط الملكي أن الأميرة
إليزابيث سوف تُصبِح يومًا ما ملكة بوهيميا عندما، في عام ١٦١٩، يُمنَح عرش تلك
المملكة لزَوجها، الذي لم يكن له ارتباطٌ وراثي مُباشر بها، ولا كان بمَقدوره أن يعرف
أنه في عام ١٦١٢، بعد شهورٍ قليلة من عرض المسرحية في البلاط الملكي في نوفمبر من
عام ١٦١١، سيُفارِق الأمير هنري؛ وريث العرش الإنجليزي، الحياة وهو في الثامنة عشرة
من عمره. بيْد أنه عرف أنَّ الأميرة إليزابيث كانت، في عام ١٦٠٨، قد اتَّخذَت مقرَّ
إقامتها في البلاط الملكي؛ حيث شاركت، مثل برديتا، في احتفالاتٍ باذخة ومُسرفة
تخُصُّ البلاط ورَقصَت، برفقة شقيقها هنري، في مسرحية البلاط القناعية «تيثيس» في
عام ١٦١٠.
ومع أن إنجاب وليِّ للعهد دلَّل على أن ولادات ووفَيَات المواليد الملكيِّين كانت
أحداثًا حياتية مُعَظَّمة تعظيمًا تناسُبيًّا مُقارنةً ببقاء وموت الرُّضَّع والأطفال،
من
عامَّة الناس، فإن جيمس الأول وآن من الدانمرك تشارَكا مع أدنى فئةٍ حتى في جمهور
المسارح العامة في الأفراح والأحزان فيما يتعلق بأطفالهم؛ فبحلول عام ١٦١١، كان
جيمس وآن قد فقَدا بالفعل أربعة أطفال: مارجريت، وروبرت، وماري، وصوفيا. كانت هذه
الخسائر فادحةً لدرجة أنَّ الزوجَين الملكيَّين أبيا حضور أي جنازةٍ مرةً
أخرى.
4 كانت آن في الرابعة عشرة فقط من عمرها عندما تزوَّجَت جيمس سنة ١٥٨٩،
وبعد سلسلةٍ من حالات الإجهاض، أنجبَتْ أخيرًا الأمير هنري سنة ١٥٩٤، وأصبح هذا مبعثًا
للخلاف بين الزَّوجَين الملكيَّين، اللذَين كانا سعيدَين في السابق، عندما أَصَر جيمس
على تربية ابنهما بالطريقة التي رُبِّي بها. بدأ النزاع بين والدَي هنري حول رعايته
عندما لم يكن قد تجاوز عمرُه يومَين. تعهَّده بالرعاية جون إرسكين؛ إيرل مار وأُرسِل
ليقطُن في قلعة ستيرلينج، وفُصِل قانونيًّا عن أُمِّه؛ آن من الدانمرك. وعُهِدت أيضًا
رعاية شقيقَيه الأصغرَين، إليزابيث وتشارلز، لآخرِين.
وفي حين أنَّنا لا نستطيع أن نعرف رأي الملكة آن في المسرحية، فإنه يظهر بسهولةٍ
عددٌ من أَوجُه التشابُه التي تبعث على الدهشة بين وضعها كأم ووضع ملكة مسرحية
شكسبير المُفترَى عليها. تصِف هيرميوني إبعادها عن ماميليوس وعن ابنتها بأنها أحزانٌ
غير مُحتمَلة: «حُرمتُ من طلعتِه»؛ «انتُزِعَت من ثديي، وكان اللبن الصافي لا يزال في
فمها البَرِيء، وأُخِذَت لتُقتَل» (الفصل الثالث، المشهد الثاني، الأسطر ٩٥-٩٦
و٩٧–٩٩). ومن المهمِّ القول إنَّ هذا يُفصِح عن أنَّ برديتا كانت ترضَع رضاعةً طبيعية
مع
أنَّ ليونتيس في خِضَم شكِّه في الفصل الثاني، يَنِمُّ غضبه عن أن هيرميوني لم تُرضِع
ماميليوس: «يسُرُّني أنكِ لم تُرضعيه» (الفصل الثاني، المشهد الأول، السطر ٥٦). لم
يكن، بالطبع، من غير المألوف على سَليلِي الطبقة الأرستقراطية أن يُعطَوا لمرضعات،
لكن هذه العادة كانت تتعرَّض للمُناهَضة في هذه الفترة استنادًا بالأساس إلى أنَّ
الأطفال كانوا جرَّاء ذلك مُعرَّضِين للسلوكيات والأخلاقيات المُريبة لهذه النوعية
من النساء. لهذا السبب، في أطروحة «الإرضاع عند كونتيسة لنكولن» (١٦٢٢) حثَّت
إليزابيث كلينتون النساء المُوسِرات على إرضاع أطفالهِن بأنفُسهِن. ومع ذلك فمُلاحظة
ليونتيس تُوحي بأنه كان قد رتَّب لفصل هيرميوني عن ولدِها حتى قبل خطبته العنيفة
المُسهِبة المُفعَمة بالشك، وأن سلوكها هو الذي يُشكِّل تأثيرًا ضارًّا وليس سلوك أي
مُرضعة.
كان هناك ما لا يقلُّ عن ثلاثةٍ وعشرين توقيعًا على المرسوم الصادر في فبراير من
عام
١٥٩٤ والذي يُلزِم بإبعاد هنري الصغير عن أمه: «ليس من الحكمة إبعاد أو نقل شخصِ
سُمُوِّه خارج القلعة المذكورة إلى أي مكانٍ آخر.»
5 ووَصلَت تقارير إلى إنجلترا عن النزاع بين جيمس وآن، التي يتزايد ميلها
إلى الكاثوليكية، على أطفالهما، وزعم الملك بأن «أَمني من أَمن ابني.»
6 وفي الحادي والعشرين من أكتوبر، سنة ١٥٩٨، عندما كانت آن حُبلى بالملك
المُقبل تشارلز الأول، كتب السير جون كاري؛ نائب حاكم بيريك، إلى روبرت سيسل يقول إن
آن كانت تخضع للمُراقبة:
وَصلَتنا أخبارٌ تذكُر أن ملكة اسكتلندا تتعرَّض لمُتابعةٍ دقيقة جدًّا، وأن
ثَمَّةَ رقابةً صارِمة مُستمرَّة عليها؛ ويُقال كذلك إنها بعد أن تلِد، سوف تبقى
سجينةً إلى الأبد، وإن الملك لن يقرب المكان الذي هي فيه بعدئذٍ.
ولكن اعتراضات آن كانت شعواءَ وجَمعَت حولها بعضًا من أعداء
زوجها في محاولةٍ لإضفاء قوَّة على مُطالبتها بابنها. وحيث إن الأمور الشخصية
والسياسية فيما يتعلق بالذُّرية الملكية كانت مُرتبطةً ارتباطًا وثيقًا، فإنه سيكون من
الخطأ فصلُ مطالَبات آن بابنها ومشاعرها كأمٍّ عن عواقبها الحتميَّة المُتعلِّقة
بالسُّلالة الحاكمة. كان مَيل آن المُتزايد نحو الكاثوليكية سببًا كافيًا لرغبة جيمس
في إبعاد ابنه عن تأثيرها. يُورِد «سجل وثائق الدولة الخاصة باسكتلندا» مسألة «الشك
والريبة» اللذَين شعر بهما جيمس تجاه زوجته وأنصارها.
7
في عام ١٦٠٣ كانت آن حُبلى في شهرها الرابع عندما ماتت إليزابيث الأُولى وانتقل
جيمس إلى لندن. أُمرت آن بالسفر إلى هناك أيضًا، وكانت خطة جيمس تقضي بأن يُترك
الأطفال الثلاثة جميعهم في اسكتلندا. لكن في الرابع من مايو من عام ١٦٠٣، ذَهبَت آن
إلى قلعة ستيرلينج من أجل ابنها، وتَوقَّفَت في الطريق لزيارة أُختها، إليزابيث.
وبناءً على أوامر جيمس، رفض إيرل مار أن يترك الأمير الصغير هنري يذهب مع أُمِّه. بلغ
اليأس من آن مبلَغَه حتى إنها تعرَّضَت للإجهاض، وهو الأمر الذي أَورَد ديفيد
كالديروود نبأه لجمهور القُرَّاء.
8 وفي بيانٍ سِرِّي، أوضح السفير الفينيسي أن الملكة «مرَّت بغضبٍ عنيف،
وإذ كان قد مضى على حملها أربعة أشهر، ضَربَت بقوَّة بطنها؛ لذا يقولون إنه من الواضح
أنها مُعرَّضة لخطر الإجهاض والموت.»
9 أَزعَج خبر تعرُّضها للإجهاض في العاشر من مايو، سنة ١٦٠٣، جيمس على
نحوٍ كافٍ حتى إنه سمح للأمير هنري ذي الثمانية أعوام بأن يُرافِق أُمَّه في مسيرها إلى
البلاط الملكي الإنجليزي.
ماميليوس، صبي مسرحية شكسبير الصغير — مثل ابن مَاكدَف في مسرحية «ماكبث» ولوشاس
ذي الذكاء الحادِّ في مسرحية «تيتوس أندرونيكوس» — هو واحدٌ من أطفال شكسبير
الأذكياء السَّريعي الخاطر. يسأل ليونتيس ابنه في الفصل الأول: «يا صديقي الحميم، هل
ستسمح لأحدهم أن يخدعك؟»، فيُجيبه برجولة قبل الأوان قائلًا: «لا يا مولاي، سوف
أُقاتل» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطران ١٦٠-١٦١). ومع أنه لا يزال في تلك
المرحلة من حياته في رعاية النساء، نجده يقول لهنَّ ألَّا يتحدَّثن إليه «كما لو أنَّني
ما زلتُ رضيعًا» (الفصل الثاني، المشهد الأول، السطران ٥-٦). كتب ويليام هايدون؛
«أكبر الخدَم سنًّا» ضمن القائمِين على مخدع الأمير هنري، رواية لحياة الأمير
الصغير، مُبرزًا بالأخصِّ مُحادثاتِه مع والده، التي تنطوي على نحوٍ لافت على ذكاءٍ
حاد؛ فعندما سأله جيمس إن كان يُفضِّل الإنجليز أو الألمان، أجاب بأنه يُفضِّل
الإنجليز، وعندما سُئل عن السبب في ذلك باعتبار أنَّ أُمَّه كانت ألمانية (فرغم أنها،
في
الواقع، كانت أميرةً دانمركية، فإن الألمانية كانت لُغة البلاط الملكي الدانمركي)،
أجاب قائلًا: «سيدي، أنت سببُ ذلك.»
10
هذه الحقائق التاريخية تُشير إلى الأهمية الفائقة الممنوحة للأطفال الملكيِّين،
«وريث العرش والبديل» وهي التَّسمية التي يُعرَف بها شعبيًّا أفراد السلالة الملكية
الإنجليزية الحالية في الوقت الحاضر. كان لا غِنى عن النساء لإنجاب وريثي العرش،
ولكن فيما عدا ذلك، كانت سُلطتهنَّ محدودة. كانت آن من الدانمرك؛ ابنة فريدريك ملك
الدانمرك، وشقيقة كريستيان الرابع ملك الدانمرك والنرويج وزوجة جيمس، مُولَعةً
بترديد أنها زوجة، وابنة، وشقيقة ملك. تُذكِّر هيرميوني هي الأخرى ليونتيس في
مُحاكمتها بأن «إمبراطور روسيا كان أبي» (الفصل الثالث، المشهد الثاني، السطر ١١٧)،
وهو تذكيرٌ بمكانتها اللائقة في النظام الأبوي ولذا ينبغي أن تحظى بالاحترام
والحماية.
في المسرحية، أَهمُّ صوتٍ أُنثوي هو صوت بولينا، التي تجرَّأَت على قول الحقيقة
في وجه السلطة، مجابِهةً ليونتيس حتى في أعتى لحظات غضبِه المُستبِد. إنها هي التي
تَحمي هيرميوني وهي التي تُميط عنها اللثام في النهاية في «طَرفة عين» على نحوٍ
يُحاكي رواية القديس بولس لقيامة الأموات في يوم الدَّينونة في الآية ٥٢ من الإصحاح
١٥ من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس أو، حسبما يَصُوغها إنجيل الأساقفة
طبعة سنة ١٥٦٨: «في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الأخير؛ فإنه سيبوق، فيُقام
الأموات عديمي فسادٍ ونحن نتغير.» ومع ذلك فإن فكرة التحوُّل الفوري هذه تتعارَض مع
اتجاه الكشف التدريجي عن الأحداث والتعاقُب الزمني الطبيعي (غَلَبَة زمن مصدر
شكسبير) الذي ربما يكون موصوفًا وصفًا مُناسبًا في كلمات تراجيديا شكسبير العظيمة عن
الغَيرة، «عطيل»: «إنَّ في رحِم الزمان أحداثًا كثيرة لا بدَّ لها من ولادة» (الفصل
الأول، المشهد الثالث، السطران ٣٧٠-٣٧١). في تلك المسرحية، هذه الكلمات يَتَلَفَّظ
بها المُتلاعب الأكبر، ياجو، ولكن في مسرحية «حكاية الشتاء»، ثَمَّةَ، بلا جدال،
زمانيةٌ أنثوية تتحكَّم فيها النساء من الحَبَل الذي يُهيمِن على افتتاحية المسرحية،
إلى الكشف النهائي وانجِلاء الأحداث الذي هو توليدٌ للحقيقة التي كانت حُبلى في مسار
الأحداث: «لو كان للحقيقة أن تَحبل» (الفصل الخامس، المشهد الثاني، السطران
٣٠-٣١). نرى في البداية هيرميوني في المراحل الأخيرة من الحمل، ورغم أنها وُضعت
رهنَ نوعٍ من الركود الزماني لستة عشر عامًا، فإن جسدَها، البعيد تمامًا عن أن يكون
غيرَ قابلٍ للفساد مثل الأجساد المُقامة من الموت في رسالة بولس، موسومٌ بوضوحٍ
بعلامات الزمن؛ فكما يُلاحظ ليونتيس بفظاظةٍ نوعًا ما عندما يتأمَّل ما يعتبِره
تمثالًا: «لم تكن هيرميوني مُتغضِّنة كثيرًا بهذا القدْر» (الفصل الخامس، المشهد
الثالث، السطر ٢٨). هذا الشعور ﺑ «زمنٍ
مُفعَم»
pregnant time، مثل التعبير الشائع في حقبة أوائل العصر الحديث،
«حصافة مُفعَمة»
pregnant wit، ينقل شعورًا في
الوقت نفسه بكونه كامنًا ومشحونًا. كما كتب هايدون عن الأمير هنري، الذي كان في كنَف
رعايته: «أتطرَّق الآن إلى عددٍ من خُطَبه الباعثة على السرور والمُتوقِّدة الذكاء
أثناء سنوات شبابه ونعومة أظفاره، التي يظهر فيها إفعام ذكائه ومسلكه
الصالح.»
11 هذا المعنى المُوحي بوقتيَّة الحمْل التي تتَّسِم بالأحرى باللُّطف، التكشُّف
التدريجي لشخصية طفل أو لأحداث الحياة، هو نقيض الطريقة التي اختزل بها ليونتيس
باستبدادٍ مدَّة امتياز نِفاس زوجته وغضباته المُرتبطة بقتل الرضيعة برديتا: «سوف
أُهشِّم دماغ ابنة السفَّاح بيديَّ هاتَين/حتى يخرج مخُّها منه» (الفصل الثاني،
المشهد الثالث، السطران ١٣٨-١٣٩).
12 في الواقع إن المسرحية تحتاج إلى أن يتَّخِذ فرد جوقة هيئة «الزمن» ليتيح
لحقيقةٍ أُنثوية نهائية بأن تتكشف:
أنا، الذي أُسْعِد البعض، واختبر الجميع؛ جالبًا السرور وكذلك
الرعب،
للصالحِين والطالحِين، وأصنع الأخطاء وأُصلحها،
الآن عليَّ، باسم الزمن،
أن أستخدِم جناحيَّ. لا تعتبروه جُرمًا،
أنَّني مَررتُ مرور الكرام
على ستة عشر عامًا …
(الفصل الرابع، المشهد الأول، الأسطر ١–٦)
كلمة الاستهلال «أنا» هنا في الحقيقة لا تُشير إلى الزمن؛ وإنما
بالأحرى الزمن هو الشكل الذي سيأخذه هذا الراوي الذي يتحدَّث بصِيغة المُتكلِّم في السطر
الثالث؛ إنه ليس سوى مؤلف المسرحية نفسه. إنَّ الحديث بصيغة المُتكلِّم هو بمنزلة كشفٍ
جدير بالاعتبار، وفي أعمال شكسبير هو كشفٌ غيرُ اعتيادي للغاية.
13 هنا يُكرِّر شكسبير؛ إذ كان يكتب قبل أن تُوافيه المنيَّة بحوالي ستة
أعوام، بعضًا من الموضوعات الرئيسية التي وَردَت في أعماله السابقة؛ الغَيرة،
والتنافُس الأخوي (الذي يبرُز بنحوٍ خاص في مسرحية «هاملت» فيما يتعلق بالتنافُس
بين كلوديوس وملك الدانمرك الراحل)، وموضوع التئام شمل الأُسرة المُنتشِر في أعماله؛
وفي المقام الأول، موضوع الاتهام الباطل للنساء (الذي يبرُز على نحوٍ خاص فيما
يتعلق بشخصية هيرو في مسرحية «ضجةٌ كبيرة حول لا شيء» وديدمونة في مسرحية «عطيل»)؛
وموضوع المرأة الثرثارة، الناطقة بالحق، «السليطة» (الذي يبرُز على نحوٍ كبير في
شخصية بياتريس في مسرحية «ضجةٌ كبيرة حول لا شيء»، وإميليا في مسرحية «عطيل»، وكيت
من مسرحية «ترويض النمرة»). كانت أفكاره وأعماله الأدبية لا تزال آخذةً في
التكَشُّف.
العاصفة
أحد أكثر الحقائق المتعلقة بسيرة شكسبير جدارةً بالمُلاحَظة هي أنه لم يُغادر
إنجلترا مُطلقًا. وهو في هذا يختلف عن كُتَّابٍ آخرِين من كُتَّاب الحِقبة نفسها التي
عاش فيها، الذين، كشأن جون دون، عادةً ما كانوا يُمضون فتراتٍ مُمتدَّةً في القارة
الأوروبية. كان دون عضوًا في شركة فرجينيا، وهي شركةٌ مُساهمة صرَّح بإنشائها جيمس
الأَوَّل في عام ١٦٠٦ لغرَض الاستكشاف والاستيطان الاستعماري للعالم الجديد. إن
مَرثية دون رقم ١٩، «إلى عشيقته الذاهبة إلى الفِراش»، تستخدِم ببراعة التَّشابُه بين
الاستكشاف الجنسي والجغرافي في بيت «آه يا أمريكتي، يا أرضي المُكتشفة حديثًا.»
إضافة إلى ذلك، تعرَّض دون نفسه لعاصفةٍ مُروِّعة في البحر عندما كان ضِمن الحملة
إلى قادس في يوليو من عام ١٥٩٧، وقصيدته «العاصفة» هي جزئيًّا تسجيل لتلك
التجربة.
14 وعلى الرغم من أنه لا يُوجَد تسجيلٌ يُثبِت أنَّ شكسبير ركب البحر أو سافر
إلى الخارج أبدًا، فإنَّ ثَمَّةَ دلائلَ كثيرةً على معرفته بأدَب الرحلات، بالإضافة
إلى صِلاته بأولئك من مُعاصِرِيه الذي كانوا قد غامَروا بالتَّرحال إلى مناطقَ
أجنبية.
تُوجَد، بالتأكيد، سلسلةٌ مُشوِّقة من الصِّلات الشخصية التي تُفسِّر إشارة شكسبير
الفنية الساحرة والنابعة من وعيٍ ذاتي في مسرحية «العاصفة» إلى أحداثٍ حقيقية
وَقعَت في الجانب الآخر من العالم. تبدأ هذه السلسلة بليونارد ديجز (١٥٨٨–١٦٣٥)،
الذي تُشير مُساهمته بشِعر مديحٍ ﻟ «المطوية الأُولى» إلى أنه كان واحدًا من أصدقاء
شكسبير. انحدَر ديجز من عائلةٍ مرموقة من العُلماء، ومن المؤكَّد أن جَدَّه، الذي
يُدعى ليونارد ديجز هو الآخر (حوالي ١٥١٥–١٥٥٩)، كتب أطروحاتٍ رائدةً عن استخدام
أدوات مسح الأراضي وأَوجُهٍ أخرى من الهندسة العملية. كان السير دودلي ديجز؛ الأخ
الأكبر لليونارد ديجز، عضوًا في مجلس لندن لشركة فرجينيا وساهم بشِعر مديحٍ لواحدٍ
من أشهر كُتب الرحلات في تلك الحقبة؛ وهو كتاب «رحلات كوريات» (١٦١١)، الذي كتبه
توماس كوريات. كانت والدة ليونارد ودودلي، آن (أو أجنيس) ديجز، جارةً لمحررَي
«المطوية الأولى»، جون هيمنجز وهنري كونديل وبالتأكيد شكسبير نفسه عندما قطن في
شارع سيلفر ستريت. حُبِكَت شبكة العلاقات هذه بين آل ديجز وشكسبير أكثر من ذلك
عندما تزوَّجَت السيدة ديجز، بعد وفاة زوجها الأول في عام ١٥٩٥، من توماس راسل،
الذي تلقَّى لاحقًا ترِكةً بمقدار خمسة جنيهات في وصية شكسبير وعُيِّن واحدًا من
مُنفِّذي وصيَّتِه. من المُحتمَل أن يكون شكسبير قد عرف راسل طَوالَ حياته لأنه عاش في
قرية ألديرمينستر، التي لا تَبعُد كثيرًا عن ستراتفورد.
15
كان السير دودلي، كشأن والده، عضوًا في البرلمان ومُناصرًا مُتحمِّسًا للاستكشاف،
وكان شَغوفًا بخاصةٍ باكتشاف الممرِّ الشمالي الغربي باعتباره طريقَ تجارة جديدًا.
كان توماس ديجز واحدًا من أبرز عُلماء الرياضيَّات بالبلاد، واشتمل جهده العلمي على
مراجعةٍ لنظرياتٍ سابقة عن الملاحة وتصميم السفن والموانئ. لكن المُهمَّ أن توماس ديجز
كان معنيًّا بالتطبيقات العملية للرياضيات، واختَبر حساباته الملاحية أثناء خمسة
عشر أسبوعًا قضاها في البحر. هذه كانت خبرته المُباشرة مع البحار، والتي لم يمتلِكها
شكسبير نفسه.
ومع ذلك فإنَّ ما كان يمتلكه شكسبير بوفرةٍ كبيرة، هو القُدرة على تخيُّل أحداثٍ
لم
يكن قد مَرَّ بها. وفيما يتعلَّق بمسرحية «العاصفة»، هذا أَمرٌ له أهميةٌ خاصة لأنه،
كما سنرى، صيغةٌ معكوسة لأحداثٍ جارية. وفي هذا الشأن، هي تختلف اختلافًا كبيرًا عن
أغلب مسرحيَّات شكسبير الأخرى، التي عادةً ما تكون الحبكة فيها مُقتبَسةً من نصوصٍ
تاريخية أو أدبية يُمكن تحديدها. وكما يُشير بيتر هولم وويليام إتش شيرمان: «لم
يُتعَرَّف على مَصدرٍ كهذا لقصةٍ مسرحية «العاصفة».
16 وعلى الرغم من أنَّ مسرحية «العاصفة» كُتِبَت في مرحلةٍ مُتأخِّرة جدًّا من
حياة شكسبير المهنية، فإنه كان ما يزال آخذًا في توسيع قُدرات الابتكار لدَيه وفي
تناوُل هذه الأحداث الجديدة، رحلات الاستكشاف، التي كانت في ذلك الوقت جاريةً على
قدمٍ وساق. في شِعر مديحٍ ثانٍ، يُشير ليونارد ديجز إشارةً جليةً إلى فطنةٍ كبيرة
تنطوي عليها العملية الإبداعية لدى شكسبير:
أيها القارئ، إنَّ أعماله هي مثالٌ للبراعة
(فتأليف مسرحية بالنسبة له ليس بالعمل الشاق)؛
فهي فنٌّ دون تصنُّع لا يُضاهيه شيء.
الطبيعة وحدَها هي التي مدَّت إليه يدَ العون؛ فلتتأمَّل
هذا الكتاب برُمَّته، وستجِد أنه لا يَقتَبِس،
أو يُحاكي أي عبارةٍ مكتوبة باللغة اليونانية، أو
اللاتينية،
ولا يترجِم مرةً من لغاتٍ أخرى،
ولا يسرِق أفكارًا من الآخرِين،
ولا يتسوَّل مشهدًا من كل صديقٍ حاذق
ليُرقِّع فصوله به؛ فكلُّ ما يكتُب،
هو خالصٌ من عنده؛ الحبكة، واللغة البديعة.
17
يمدح ديجز عمل شكسبير واصفًا إيَّاه بأنه فطري وتلقائي، «فنٌّ دون
تصنُّع»، والنتاج الخالص لإبداعه وليس تقليدًا مصطنعًا لمُؤلِّفِين كلاسيكيِّين أو
أوروبيِّين؛ وبالتالي، فإن خيال شكسبير المُبدِع هو «مثال للبراعة.» وفي حين أن
اهتمامًا نقديًّا دءوبًا فيما يتعلق بمصادر شكسبير قد بُذِل عبر السنين، فإنَّ ثناء
ديجز المُبكِّر على شكسبير عوضًا عن ذلك يُشدِّد على أصالته، ومقدرته، إن جاز
التعبير، على «الاستِحداث». هذا البعد فيما يختصُّ بصنعة شكسبير الأدبية له دلالةٌ
خاصَّة فيما يتَّصِل بمسرحية «العاصفة»، التي هي عبارةٌ عن مسرحيةٍ حول كلٍّ من العالم
القديم والجديد، ويرجع ذلك في جانبٍ منه إلى أنَّ كل أحداث المسرحية تقع على أَثرِ
تحطُّم سفينة على جزيرةٍ مجهولة؛ مكانٍ نابع من الخيال يتملَّص عمدًا من الأمور
المتعلقة بالتحديد الجغرافي. يجِد الأوروبيُّون الذين تحطَّمت سفينتُهم أنفسهم في مكانٍ
ما يبدو أنه ما بين إيطاليا وتونس؛ وبالتالي، فمن المُفترض أنه في البحر المتوسط،
على الرغم من أن التضاريس الطوبوغرافية للجزيرة مُتَّصِلة على نحوٍ مؤكَّد ﺑ «برمودا
العاصفة دومًا» القاصية (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطر ٢٢٩).
18
مع ذلك يستحقُّ زعم ديجز المُطلق (وإن لم يكن الدقيق تمامًا)، بأنَّ شكسبير لم «يقتبِس»
أو «يُحاكي» في كتابته، منْحَه اعتبارًا فيما يتَّصِل بمسرحية «العاصفة». فهو يلفت
انتباهنا إلى حقيقةٍ مَفادُها أن شكسبير لم يكن مَعنيًّا في المَقام الأول بالماضي
التاريخي ولا بالسوابق الأدبية في هذه المسرحية، بل كان يُعالج أحداثًا جارية
مُستجدَّة؛ فقد كان مُهتمًّا اهتمامًا خاصًّا بجهود وأعمال السفن المملوكة لشركة
فرجينيا، وخاصَّة سفينة «سِي أدفنشر»، التي كانت جزءًا من أسطولٍ أَبحَر من مدينة
بليموث في الثاني من يونيو، سنة ١٦٠٩ وجَنحَت دون خسائر في الأرواح في جزيرة برمودا
أثناء «عاصفةٍ عنيفة» في رحلتها الخطِرة صوب ساحل فرجينيا. كان حاكم مُستعمرة
فرجينيا، السير توماس جيتس، على متنِها عندما انفرَط عِقد الأسطول جرَّاء عاصفةٍ
عاتية في الرابع والعشرين من يوليو. وفي الثالث والعشرين من مايو، سنة ١٦١٠، وصل
الملَّاحون أخيرًا إلى مُستوطنة جيمستاون وبحوزتهم قصةٌ جديرة بأن تُحكى عن مكوثهم على
الجزيرة التي كانت غيرَ مأهولة ولكنَّها كانت خِصبة. وبينما كان هذا هو محورَ حديث
المدينة في لندن في سنة ١٦١٠، فالجدير بالمُلاحَظة هنا هو أنه من الواضح أنَّ شكسبير
تمكَّن من الوصول إلى ما كان يُعتبَر بالضرورة وثيقةً سرية؛ وهي «التقرير الدقيق عن
التحطُّم وإنقاذ السير توماس جيتس»، والذي أَعدَّه لصالح شركة فرجينيا سكرتير مجلس
فرجينيا، ويليام ستراتشي. كُتِبَت مخطوطة هذا التقرير سنة ١٦١٠، ولكنها لم تُنشَر
حتى عام ١٦٢٥. قد يكون شكسبير قد تمكَّن من التوصُّل إلى المخطوطة بطرقٍ شتَّى،
والسبيل الذي غالبًا ما يُقترَح هو عن طريق ويليام هربرت؛ إيرل بيمبروك، وهي نظريةٌ
يُحبِّذها بخاصة أولئك الذين يعتقدون أنه هو من أُهدِيَت إليه «السونيتات». كذلك
كان هربرت هو من أُهدِيَت إليه «المطوية الأُولى»، وكان عضوًا في شركة فرجينيا. لا
شكَّ في أنَّ هربرت يُمثل مصدرًا مُحتملًا، ولكن من المُرجَّح أن المصدر هو شقيق ليونارد
ديجز، السير دودلي، الذي كان مشاركًا في العمليات المُفصَّلة الخاصة بالشركة والذي
كان لعائلته روابطُ قوية للغاية مع شكسبير.
19
تدين مسرحية «العاصفة» بالفضل أيضًا إلى التقارير المطبوعة عن الرحلة إلى العالم
الجديد التي كان اللندنيُّون يقرءونها بشغَف. كان كتاب سلفستر جوردين «اكتشاف برمودا؛
التي تُسمَّى أيضًا بجزيرة الشياطين» (١٦١٠) رواية شاهدِ عيان، وكان تقرير مجلس
فرجينيا «البيان الدقيق المُتعلِّق بحالة المُستعمرة في فرجينيا، مصحوبًا بتفنيدٍ
للتقارير المُفرِطة في الافتراء التي كانت تميل إلى تلويث سُمعة شركةٍ بارزة للغاية»
(١٦١٠) هو التقرير الرسمي والدفاع الرسمي من قِبَل الشركة، الذي من المُحتمَل أن يكون
قد تولَّى تحريره السير دودلي. ومع ذلك فإنَّ «التقرير الدقيق عن التحطُّم وإنقاذ السير
توماس جيتس»، الذي لم يكن في مُتناوَل الجمهور، لا يُسجِّل فحسب الوسيلة التي نجا بها
الرجال الناجُون من السفينة الغارقة وإنما أيضًا انهيار السلطة بمجرَّد أن حطَّ جيتس
وطاقمه على الجزيرة. استطاع جيتس أن يقمَع كلَّ التهديدات بالتمرُّد، وأن يبني مركبَين
جديدَين، وأن يصِل في النهاية إلى جيمستاون. كشفت الواقعة بأكثر التعبيراتِ صرامةً
أنَّ هياكل السُّلطة التي كانت تُعتبَر في الديار أمرًا مفروغًا منه لم يكن من الممكن
فرضُها إلا بصعوبةٍ كبيرة وبعض العُنف عندما انتُزِعت من سياقها الإنجليزي الطبيعي
تمامًا.
تبدأ مسرحية «العاصفة» وسط عاصفةٍ هوجاء على ظهر سفينةٍ ركَّابُها في طريق عودتهم
من
زفاف ابنة ملك نابولي على ملك تونس الأفريقي. يرافق الملك ألونزو، الذي معه موكبٌ
من العديد من أفراد الحاشية والخدَم، ابنه فيرديناند وحليفه أنطونيو، دوق ميلانو
الحالي، الذي كان قد استولى منذ اثنَي عشر عامًا على الدوقية من حاكِمِها الشرعي،
شقيقه؛ بروسبيرو. أَنقذَت مساعي جونزالو الحميدة بروسبيرو من الموت آنذاك، وتُرِك
الدوق المخلوع مع ابنته ميراندا، في قاربٍ لِيَهِيما على غير هُدًى في عرض البحر، ومعه
كتُبه، وهو ما ينطوي على أهميةٍ كبيرة حتى وصلا لجزيرةٍ مُقفِرة. هذه الكُتب كانت
مصدر إلهاءٍ له عن الحُكم في ميلانو، ولكنَّها أيضًا مصدر معرفته وسِحره على الجزيرة.
يتحكَّم بروسبيرو في الطبيعة هناك ويختلِق العاصفة التي تُلجئ أعداءه إلى الجنوح إلى
الجزيرة؛ ومن ثَمَّ تُؤدِّي بهم إلى الدخول في سُلطته.
عندما جاء بروسبيرو نفسه إلى الجزيرة لم يكن يسكنها سوى إنسانٍ واحد فقط هو
كاليبان، وشبحٍ واحد هو آريل. حرَّر بروسبيرو آريل من محبسِه في شجرةِ صنوبر مفلوجة
كانت الساحرة سيكوراكس؛ أُمُّ كاليبان التي كانت قد ماتت حينذاك، قد حَبسَته فيها،
ولكن بروسبيرو لا يُخلي سبيل آريل، وإنما بدلًا من ذلك، هو الآن تحت أمرِه ويجِب عليه
أن يُنفِّذ أوامره، وهو وضعٌ يُجاهر آريل بشأنه بالشكوى المُتكرِّرة. وفي حين أن
آريل هو نوعًا ما خادمٌ بالسُّخرة، يظلُّ كاليبان عبدًا مُحتقرًا، ولكن لا غِنى عنه،
مسجونًا على صخرة: «إنه يُضرِم نارنا، ويجلب خشبنا، ويُؤدِّي مهامَّ فيها نفعٌ لنا»
(الفصل الأول، المشهد الثاني، الأسطر ٣١٢–٣١٤). يكتشِف الجمهور أنَّ الأمر لم يكن
دومًا على هذا النحو، وأن كاليبان عاش مع بروسبيرو إلى أن حاول أن يغتصِب ميراندا.
بيد أنَّ بروسبيرو لدَيه خططٌ أخرى لميراندا التي يسعى إلى أن يُزوِّجها من فيرديناند؛
ابن ووريث ملك نابولي. اعتمد بروسبيرو (اعتمادًا صائبًا) على أنها سوف تقَع في حبِّ
أول رجلٍ أوروبي عداه تقَع عليه عيناها. بعدئذٍ يستعبِد بروسبيرو فيرديناند، ليختبِره،
ولكنه أخيرًا يحتفل بخطبته على ميراندا في مسرحيةٍ قناعية مُطوَّلة وإن تعرَّضَت مع
ذلك للإيقاف.
تتوزَّع مجموعات الحاشية الأخرى في أنحاء الجزيرة حسب تخطيط بروسبيرو، وفيما بينهم،
تتغلغل صراعات السلطة الخاصة بنظام الحُكم الأوروبي القديم وبالوضع الاستعماري
الجديد. وفي الفصل الأخير من المسرحية، يتخلَّى بروسبيرو عن أَردِيَته السحرية وكُتب
التنجيم الخاصَّة به، ولكنه لا يحرِقها، بل بدلًا من ذلك «سوف أُغرِق كتُب السحر
الخاصة بي، أعمَقَ ممَّا وَصلَت إليه أي مرساة» (الفصل الخامس، المشهد الأول، السطران
٥٦-٥٧). ولا يتخلَّى عن السلطة السحرية والفكرية إلَّا ليعود لمُمارسة السلطة المدنية
ويتسرْبَل من جديدٍ بأثواب منصبه الدوقي. ويضُمُّ إليه أيضًا الثوار على سُلطته من
الطبقات الدُّنيا؛ كاليبان، وستيفانو، وترينكولو، ويعترف كاليبان بأنَّ تأييده لشركائه
في التآمُر كان حماقة. ويَعِد آريل بمنحه حُريَّته بمُجرَّد أن يُمِدَّ الإيطاليِّين
بريح
تسمَح لهم بالعودة إلى الديار.
في مسرحية «العاصفة» لم يكتُب شكسبير دراما وثائقية بل قدَّم على نحوٍ درامي
مجموعة من الموضوعات المُعقَّدة حول السلطة والهياكل الاستعمارية الناشئة. إنَّ قصة
تحطُّم وغرَق السفينة ومشروع العالم الجديد بوجهٍ عام فتَحا المجال للتشكُّك بشأن
مسائل السلطة ووجوب الطاعة التي لم تستطِع النظريات الأوروبية عن حُكم الفرد المُطلق
حتى حينه أن تبُتَّ فيها بسهولة. إنَّ مقال كاتب المقالات والفيلسوف الفرنسي ميشيل
دي مونتين، «عن أَكَلَة لحوم البشر» (١٥٨٠)، الذي ترجمه إلى الإنجليزية جون فلوريو في
سنة ١٦٠٣، تأمَّلَ ببعض الإعجاب حياة السُّكان الأصليِّين للبرازيل. وَفَّر مونتين
لشكسبير مصدر معلوماته فيما يتعلَّق بكلٍّ من اسم كاليبان الذي ينطوي على جناسٍ
تصحيفي وكلام جونزالو عن المدينة الفاضلة التي من شأنه أن يُؤسِّسها لو كان الأمر
بيده. هذه في الوقت نفسه يوتوبيا خياليةٌ وإزالةٌ جذرية بصورةٍ مُذهلة، بل تحريضية،
للوَهْم المُتعلِّق بالتبريرات السياسية التقليدية الخاصَّة بالسُّلطة التي يسعى البشر
لمُمارستها بعضهم على بعض:
لن أسمح بأي نوع
من أنواع التجارة؛ ولن يكون ثَمَّةَ حاكم؛
ولن يكون ثَمَّةَ وجود للتعلم؛ وسأكافح الغِنى والفقر
واستخدام الخدَم؛ ولا وجود أيضًا للعقود، ولا الوراثات،
ولا استغلال الأراضي، ولا الأَسيِجَة، ولا الحراثة، ولا مزارع
الكروم؛
ولا وجود كذلك للاستثمار في المعادن، ولا الغلال، ولا الخمور ولا
الزيوت؛
ولن يكون ثَمَّةَ عمل؛ فكل الرجال سيكونون عاطلِين، كلهم.
(الفصل الثاني، المشهد الأول، الأسطر ١٤٩–١٥٥)
بيد أن جمهور شكسبير، سواءٌ الملكي منه أو العادي، من الواضح أنه
لم يعِشْ في عالمٍ تُثمر فيه الأرض الخصبة من تِلقاء نفسها ما يكفي لإمداد كافَّة
السكان دون حكومة («حاكم»)، أو عقود، أو ثروة، أو استعباد، أو حقوق ميراث، أو كدْح
(«عمل» أو زراعة («الحراثة»، و«مزارع الكروم»)؛ ومن ثَمَّ صِيغ الأمر في سياق
تخيُّلٍ مِثالي، لن يُفهَم تطرُّفه الكامن على أنه تهديدٌ مُحدِق بالفوضوية: «من شأن
الطبيعة أن تُنتِج كلَّ شيء دون كدٍّ أو سعي، وسيتشارَكُه الجميع» (الفصل الثاني، المشهد
الأول، السطران ١٦٠-١٦١). بيد أنه لاحقًا في القرن السابع عشر، بعد إعدام تشارلز
الأول، من شأن مجموعةٍ مثل جماعة الحفَّارِين أن تسعى إلى تأسيس نظامٍ اجتماعي ليس
فيه طبقيةٌ هرَمية، وقاموا بذلك رغم ضرورة كلِّ أشكال العمل الشاق. البند الذي قد
يلفِتُ نظر قُرَّاء العصر الحديث باعتباره بندًا شاذًّا في قائمة جونزالو للأشياء التي
من شأنه أن يُلغِيَها هو معرفة القراءة والكتابة: «لن يكون ثَمَّةَ وجود للتعلُّم»
(الفصل الثاني، المشهد الأول، السطر ١٥١). المعنى المقصود هنا هو أنَّ التعلُّم
والمعرفة هما شكلان مُساعدان للسُّلطة؛ فالكتابة تحديدًا هي وسيلة صياغة تلك الوثائق
التي تُقيِّم حقوق الملكية، والتي يتولَّد عنها التجارة، والتي تصُوغ السلطة في صورة
القانون.
يتناقَض مُجتمع جونزالو المِثالي مع علاقة السيد والعبد بين بروسبيرو وكاليبان.
هذه
العلاقة هي العلاقة الأكثر غموضًا في المسرحية. يُضمِر بروسبيرو مقتًا مُفرِطًا
لسيكوراكس أمِّ كاليبان، «الساحرة الدَّنِسة» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطر ٢٥٨)،
«العجوز الشَّمطاء ذات العينَين الغائرتَين» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطر
٢٦٩)، اللافتة للانتباه إلى أقصى درجةٍ لأنَّ بروسبيرو، حسْب روايته هو، لم يُقابلها
أبدًا؛ فهي قد ماتت، أو ذلك ما يقوله، قبل أن يصِل إلى الجزيرة. يتذكَّر كاليبان هو
الآخر وقتًا قبل أن يتكدَّر صفوُ علاقته مع بروسبيرو؛ وقتًا كان فيه بروسبيرو
وميراندا لطيفَين معه وعلَّماه لُغتَهما: «علَّمْتني الاسم الذي يُطلَق على الضوء
الأكبر [الشمس] وعلى الضوء الأدنى [القمر]» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطران
٣٣٥-٣٣٦). وهكذا، كما يُقرِّر، «لقد علَّمتُماني اللغة، وكل ما جَنيتُه من ذلك هو أنني
صِرتُ أعرِف كيف ألعَن» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطران ٣٦٤-٣٦٥). اللغة هي
السِّمة المُميزة للهُوية البشرية، ولغة كاليبان هي من أقوى وأفصح اللغات في المسرحية.
ومع ذلك يُعامله بروسبيرو على أنه دون البشر، ويَعتبره ترينكولو، الذي يجده يحتمي تحت
«عباءة»
(gabardine) في المطر، وحشًا؛ وهي كلمة
مُستخدَمة على نحوٍ مُتكرِّر للإشارة إليه أثناء المسرحية. كلمة
gabardine (عباءة) (الفصل الثاني، المشهد
الثاني، السطر ٣٧)، هي أيضًا كلمةٌ مُثيرة للاهتمام. استخدمها شكسبير لوصف ثوب شَيلوك
العِرقي في مسرحية «تاجر البندقية». وعلى خلاف سُكان البرازيل الذين وصفهم مونتين،
الذين كانوا عُراة، فإن كاليبان يرتدي ملبسًا يراه الأوربيُّون بمنزلة علامةٍ على
همجيَّته، وهو الملبَس الذي كان الثوب التقليدي للسُّكان الأصليِّين الأيرلنديِّين.
وبالفعل فإنَّ الإنجليز زعموا أنه في أيرلندا، التي تُعَدُّ أقرب المُستعمرات لإنجلترا،
كان السكان الأصليُّون، مثل كاليبان، همجيِّين وأدنى من البشر. يُظهِر رسم جون سبيد
التوضيحي لخريطة أيرلندا في أطلس «مسرح أحداث إمبراطورية بريطانيا العُظمى» (١٦١١)،
الذي نُشِر في نفس العام الذي كُتِبَت فيه مسرحية «العاصفة»، «الرجل الأيرلندي
الهمَجي» بشعرٍ طويل وعباءة، والتي تُعرَف بأنها وشاحٌ أيرلندي، يَسِمه بأنه آخر
عُنصريٍّ غير مُتحضِّر. وفي زمن شكسبير، كان يُنظَر إلى السكان الأصليِّين
الأيرلنديِّين على أنهم مُختلفون اختلافًا تامًّا من ناحية العِرق عن الإنجليز مثل
اختلافهم، على سبيل المثال، عن السكان الأصليين الأمريكيِّين أو الأفارقة السُّود.
كذلك، كان يُوجَد اعتقادٌ راسخ بأن الاختلاف في الملبس أخفى المزيد من الاختلافات
التشريحية الجوهرية بين الأيرلنديِّين والإنجليز. وبعد مسرحية شكسبير بثلاثين
عامًا، شَهِدَت فرقة ميليشيا بأكملها تحت القَسَم بأنهم عندما جرَّدوا جُثث القتلى
الأيرلنديِّين من ملابسهم بعد مذبحة كاشِل سنة ١٦٤٧، وجدوا أنَّ لدَيهم ذيولًا طولها
تِسع بوصات.
20 هذا الخلط بين الطبيعة الوحشية والشيطانية كان سِمةً مُعتادة لالتقاء
المُستعمرِين بالسُّكان الأصليِّين منذ أن أبحر كولومبوس لأول مرَّة إلى العالم الجديد،
ويظهَر فيما يتَّصِل بوحشية كاليبان الشيطانية المزعومة، أو ما تدعوه ميراندا، «جِنسك
الدنيء» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطر ٣٥٩). يُشير هذا إلى الرُّعب الأوروبي من
أولئك الذين يُعتبَر اختلافهم مُقلقًا، ذاك الذي استُخدِم استخدامًا مأساويًّا لتبرير
الفصل العُنصري، وخاصةً الفصل الجنسي بين الأجناس. يُوضِّح كاليبان عواقِب الاختلاط
الجنسي الذي من شأنه أن يُثير أعصاب المُستعمرِين: «لكنتُ ملأتُ هذه الجزيرة بعشيرةٍ
من الكاليبانيين» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطران ٣٥١-٣٥٢).
يحفل حوار بروسبيرو مع كاليبان بلغةٍ بذيئة: «قذارة» (الفصل الأول، المشهد
الثاني، السطر ٣٤٧)، «العبد الكاذب» (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطر ٣٤٥)،
«النغل» (الفصل الخامس، المشهد الأول، السطر ٢٧٣)، «نسْل العجوز الشمطاء» (الفصل
الأول، المشهد الثاني، السطر ٣٦٦). ومع ذلك، في نهاية المسرحية، يُدلي بروسبيرو
باعترافٍ مُذهلٍ وإن كان مُبهمًا: «إنَّني أُقِرُّ أن هذا الشيء الشرير لِي» (الفصل
الخامس، المشهد الأول، السطران ٢٧٥-٢٧٦). هل يُقِرُّ بروسبيرو بالمسئولية عن الملكية؛
مسئولية السيِّد عن العبد؟ أم، هل ينتسِب الشرُّ في واقع الأمر في هذه الحالة إلى
بروسبيرو؟ أم إن كاليبان ليس سوى تجسيدٍ لبعض «الشر» — تعويذةٍ ما؛ «حيلةٍ» شرِّيرة
من قِبله (الفصل الأول، المشهد الثاني، السطر ١) — يتحمَّل بروسبيرو مسئوليتها؟ لا
تُوضِّح لنا المسرحية الأمر، رغم أنَّ إقرار بروسبيرو يُلْمِح على نحوٍ غريب إلى
العلاقات التعذيبية، والخسيسة، والاجتماعية، والسيادية التي ستُصبح السمات المميِّزة
لتجارة الرقيق التي انتمى فيها الكثير من أبناء «الشر»، غير المُعترَف بهم، إلى
آبائهم/سادتهم البِيض. في هذا الشأن، كما هو الحال في كثيرٍ من الأوجه، تتنبَّأ مسرحية
«العاصفة» بنحوٍ رائع ﺑ «العالم الجديد الشُّجاع» (الفصل الخامس، المشهد الأول، السطر
١٨٣) الذي لم يكن قد وُلِد بعدُ.
اعتُقِد لوقتٍ طويل أنَّ مسرحية «العاصفة» هي آخر عملٍ قدَّمه شكسبير للمسرح؛
ففيها، يُعلن الساحر، بروسبيرو، تخلِّيه عن سِحره المسرحي ويستعدُّ لمغادرة الجزيرة التي
عاش فيها الاثنَي عشر عامًا الماضية مع ابنته؛ ميراندا. ممَّا لا شكَّ فيه أن مسرحية
«العاصفة» أُولِيَت مكانةً بارزة في «المطوية الأُولى» (١٦٢٣)؛ حيث طُبِعَت
باعتبارها المسرحية الأُولى في الكتاب، وهو ما قد يُضفي قدْرًا من المصداقية على
الفكرة القائلة بأنَّها وُضِعت هناك لأنها كانت الأحدث تأليفًا ضِمن أعمال شكسبير. بيْد
أنه لو أنَّ هذا كان بمنزلة وداعٍ للمسرح، فإن رحيل شكسبير عنه كان تدريجيًّا أكثر
بعضَ الشيء ممَّا يدلُّ عليه إقلاع بروسبيرو عن السحر؛ إذ إنَّ شكسبير استمرَّ واشترك
مع جون
فليتشر في تأليف مسرحية «كاردينيو» (المسرحية المفقودة الآن)، ومسرحية «كل هذا
صحيح» أو «هنري الثامن»، ومسرحية «القريبان النبيلان».
شَهِدَت مسرحية «العاصفة» أَوَّل عرضٍ لها في البلاط الملكي في نوفمبر من عام
١٦١١ وعُرِضت ثانية في شتاء عام ١٦١٢-١٦١٣ إبَّان احتفالات زواج الأميرة إليزابيث
على فريدريك، البلاطين المُنتَخِب. كان يمكن لمسرحية «العاصفة»، المليئة بالموسيقى،
والغناء، وتعاويذ النوم، أن تكون مُناسبة تمامًا لمناسبةٍ كتلك. بيْد أن العالم الذي
تصِفه هو، كما رأينا، عالم يدين كثيرًا في وجوده إلى حقائقَ تاريخية، وفي الواقع إلى
الأخبار الجارية، بقدْر ما يدين إلى النزعة الوجدانية الحالِمة التي يتَّسم بها الفن.
وبالطبع فإنَّ شكسبير هنا يدين أيضًا بالفضل لأعمالٍ أدبيَّة أخرى، بخاصة قصيدة
«التحوُّلات» لأوفيد في الأسطُر من ٣٣ إلى ٥٧ من المشهد الأول من الفصل الخامس،
والنص الكلاسيكي العظيم عن التَّرحال، «إنياذة» فرجيل، وخاصةً فيما يتَّصِل بمكوث
إنياس في قرطاجة وعلاقته العاطفية مع ملِكتها ديدو وهجره لها. ومن قصَّة ميديا لأوفيد،
أخذ شكسبير مسألة تخلِّي بروسبيرو عن سِحره؛ فميديا ساحرة ليست خَيِّرة على الإطلاق،
ولُغتها ليست النموذج المناسِب لخطبة تقاعُد. بيد أنه حتى هنا، في واحد من اقتباسات
المسرحية الجلية، يظهر واضحًا التوتُّر بين الجانب الخيالي والواقع التاريخي. ما
يُقلِع بروسبيرو عنه تحديدًا هو مصدر قُدرته السحرية، الذي، كما أشار كاليبان بإلحاح
أثناء أحداث المسرحية، يكمُن في كتُبه، ومن المُحتمل أنه استلهم جانبًا من هذه الفكرة
من علاقته بعائلة ديجز؛ فجَدُّ ليونارد ديجز (الذي سُمِّي باسمه) كان قد مات قبل أن
يتمكن من إنهاء تعليمِ ابنه (توماس الذي سوف يشتغل مُستقبلًا في المِلاحة البحرية)؛
لذا ترك أمر تعلُّمه للرياضيات في عُهدة أعظم ساحر في إنجلترا؛ وهو جون دي
(١٥٢٧–١٦٠٨). حظي دي لبعض الوقت برضا إليزابيث الأُولى بصفته خيميائيًّا، ومُنجِّمًا،
وساحرًا. ومن ثَمَّ فإنه كان ينتمي إلى العالم الأقدم، عالم ما قبل العِلم، وإن كان
لدَيه اهتماماتٌ جادَّة بالعوالم الجديدة للرياضيَّات، والملاحة، والجغرافيا. أيضًا
يتشابَهُ دي مع بروسبيرو في أنه أنشأ مكتبةً ضخمة للكُتب والمخطوطات في بيته في ضاحية
مورتليك بمُقاطعة كِنت. وكان يراوِدُه كابوسٌ مُتكرِّر بشأن الناس الذين «يأتون إلى
منزلي لإحراق كتُبي.»
21 في المسرحية، نجد أن كاليبان في المقام الأول، وليس الأوروبيون، هو من
يرى أن كُتب بروسبيرو مصدَر قوَّته:
لا تَنسَ
أن تستولي أولًا على كُتبه؛ فهو بدُونها
ليس سوى أحمق، مِثلي، ولا يُمكنه
أن يأمُر شبحًا واحدًا؛ فكلُّ الأشباح تكرَهُه
بقدْر ما أكرَهُه. لا بُدَّ من إحراق كتُبه.
(الفصل الثالث، المشهد الثاني، الأسطر ٩١–٩٥)
يشرع بروسبيرو في إحراق كتُبه، ولكن جون دي لم يُحالِفْه التوفيق
بنفس القدْر؛ إذ تحقَّق كابوسه سنة ١٥٩٠ لأنه حينما كان غائبًا في أوروبا نُهِبَت
مكتبته وسُلِبَت منها كتُبه وأدواته العلمية. وكما يُشير ويليام إتش شيرمان: «كان دي
مُدركًا تمام الإدراك لقِيمة مكتبته وللمدى الذي ارتَبطَت به قُدرتُه على التمكُّن من
المعلومات، والتأثير على الناس، وصياغة الأحداث بما يمتلِكه من كُتب؛ وهذا الشكل من
السحر هو ما يربِط دي ببروسبيرو وليس اشتهاره بمُمارسة السحر الأسود.»
22 كذلك لم تُخَرَّب مكتبة دي على يدِ غوغاء جهَلَة. على العكس، كما يستطرِد
شيرمان مُدلِّلًا بقوله: «تقريبًا كلُّ مجموعة كتبٍ هامَّة مُعاصرة.» كانت عُرْضةً
للارتياب أو القمع «الحكومي».
23 إن تقديم شكسبير مسرحيًّا لما يبدو أنه الفكرة العصرية للغاية القائلة
بأنَّ المعرفة قوةٌ تُعادِل القوة الغاشمة لا يدلُّ من ثَمَّ فحسْب على البصيرة العجيبة
لخياله بل أيضًا على تأمُّله الحصيف للعالَم من حوله.
•••
ثَمَّةَ كلمةٌ أخيرة من المُلائم قولها حول بناء هذه المسرحية؛ إذ تُراعي مسرحية
«العاصفة» بحرصٍ الوحدات الكلاسيكية للزمان، والمكان، والحدَث. لم يُحاول شكسبير
مُراعاة هذا الأمر الجمالي بالتحديد قبل ذلك إلا مرةً واحدة، في مسرحية «كوميديا
الأخطاء» الأَقدَم كثيرًا، وفي مسرحيةٍ مُتأخِّرة أخرى، هي مسرحية «حكاية الشتاء»، يبدو
وكأنه يبذُل قُصارى جهده لمُخالفته. تجري أحداث المسرحية كلها في يومٍ واحد، وفي
مكانٍ واحد؛ على الجزيرة. المُفارَقة هنا، إذن، أنه بينما تلتزِم مسرحية «العاصفة»
بوحدتَي الزمان والمكان، نقَل شكسبير جمهوره إلى عجائب العالم القاصي؛ العالم الذي
كانتِ المعلومات حول أبعاده، في عام ١٦١١، لا تزال جديدة نسبيًّا.