تقديم
«لو لم يكُن هناك سوى شكلٍ أدبيٍّ واحد وطريقةِ تواصُلٍ لغويةٍ
واحدة؛ لأصابنا الفَناء بفعل الضجر والملل!»
وول سوينكا
لعلَّ «سوينكا» يُعبِّر بتلك
المقولة عن الضرورة المُلِحَّة للكتابة الإبداعية بمختلف أشكالها، وعن
مدى أهميتها لمواجهة كلِّ ما تموج به القارة الأفريقية السوداء من
متناقضاتٍ غريبة وصراعاتٍ عنيفة إلى جانب غياب الحدِّ الأدنى من الحرية
التي دونها لا تستقيم الكتابة، ولا يُصبح للفنِّ ذلك المَذاقُ الساحر،
ولعلَّها تعكس أيضًا حتمية الكتابة، وتفسِّر في الوقت نفسه ذلك
التفرُّد الإبداعي الذي تتميَّز به القارة الأفريقية السوداء عمومًا
وجنوب أفريقيا على وجه التحديد. ومن هنا، فإنَّني أجِدُ صعوبةً بالغةً
كلَّما حاولتُ الكتابة عن الإبداع الأدبي في أفريقيا، وتزداد حدَّة هذه
الصعوبة عند الكتابة عن أدب جنوب أفريقيا الذي يختلف كثيرًا عن آداب
الشعوب الأخرى من حيث درجةُ الثراء، حيث إنَّ الموسيقى والرقص والكتابة
الإبداعية بمختلف أشكالها هي أجمل أنواع الفنون في ظنِّي؛ فلقد صرتُ
مفتونًا بمجمل الإبداع الأفريقي، غير أنَّ آدابَ جنوب أفريقيا وفنونَها
احتلَّت المرتبة الأُولى في ذلك الافتنان.
قبل تناول الرواية التي بين أيدينا بالعرض، وقبل التعريف بصاحبها
تجدُر الإشارة إلى أنَّ تعدُّد الأجناس واختلاف الثقافات، إلى جانب
تسلُّط الأقلية البيضاء التي كانت — وفي ظنِّي أنَّها ما زالتْ — تنتهج
سياسة التمييز العنصري (الأبارتايد
Apartheid)؛ يجعل الحديث عن
الإبداع في جنوب أفريقيا وعن الحركة الروائية بشكلٍ خاصٍّ مختلفًا بعضَ
الشيء عن مَثيله عند بقية الشعوب، ولعلَّه يُفسِّر ذلك الثراء
والتميُّز الذي يتمتَّع به.
بدأَت الكتابةُ الإبداعية في جنوب أفريقيا في منتصف القرن التاسع عشر
مع ظهور البعثات التبشيرية، وكان يغلب عليها — في ذلك الوقت — طابعُ
اللغة الشفاهية الدارِجة، ومع اتِّساع دائرة الإبداع نشَأَ الحُلم
بعملِ دُورٍ للنشر تقوم بطبْعِ مختلف الإبداعات، لكن حكومة جنوب
أفريقيا العُنصرية آنذاك؛ حالتْ دون تحقيقِ هذا الحُلم، ولمْ تتوقَّفْ
عن مصادرة كثيرٍ من الأعمال وزَجِّ أصحابِها في السجون؛ ممَّا جعَلَ
كثيرًا من المُبدِعين الذين يكتُبون باللغات الأفريقية الأصلية أو لغة
الزولو يتَّجهون إلى الكتابة باللغة الإنجليزية، حتَّى يتسنَّى لهم
نَشْرها بالخارج، وبالتحديد في أمريكا وأوروبا، كما غادر بعضُهم جنوب
أفريقيا تجنُّبًا للمصادرة والرقابة والاعتقال.
في مِثل تلك الأجواء نشَأَ الكاتب الجنوب أفريقي من أصلٍ أوروبي
Afrikaner١ «جون ماكسويل كويتزي
J. M.
Coetzee» صاحبُ هذه الرواية المُهمَّة، التي أَطلق
عليها اسم «عصر «مايكل ك» وحياته
Life & Times
of Michael K».
حصل «كويتزي» على جائزة نوبل في الآداب عام ٢٠٠٣م، ويُعدُّ الكاتبَ
الثاني من جنوب أفريقيا الذي يحصل على الجائزة نفْسِها بعد الكاتبة
الشهيرة «Nadine Gordimer نادين
جورديمر»، التي حصلتْ عليها في عام ١٩٩١م، والتي تناولت في أعمالها
المتعدِّدة مختلف أشكال القهر والعنصرية. وكما حصلت «نادين جورديمر»
على جائزة بوكر؛ حصَلَ عليها أيضًا «كويتزي» مرتَين عن رواية
«Disgrace العار» ثمَّ عن هذه
الرواية التي بين أيدينا «Life & Times of
Michael K عصر «مايكل ك.» وحياته». وقد وُلِدَ
«جون ماكسويل كويتزي» في كيب تاون بجنوب أفريقيا في التاسع من فبراير
عام ١٩٤٠م، وهو أكبر إخوته الثلاثة، وكانت والِدتُه تعمل بالتدريس
بإحدى المدارس الابتدائية، أمَّا والده فَقَد الْتحَقَ بالخدمة مع
قُوَّات جنوب أفريقيا في شمال أفريقيا وإيطاليا في الفترة من
١٩٤١–١٩٤٥م. وعلى الرغم من أنَّ والديه ليسا من أصلٍ إنجليزي؛ فإنَّ
اللغة الإنجليزية كانت هي اللغة السائدة فيما بينهم في المنزل.
تلقَّی «كویتزي» تعليمه الابتدائي في كيب تاون بإحدى المدن القريبة
من Worcester (ورسيستر)، ثمَّ الْتحَقَ
في التعليم الثانوي بمدرسةٍ في كيب تاون يقوم بإدارتها الرُّهبان
الكاثوليك، وتخرَّج فيها في عام ١٩٥٦م، ثمَّ الْتحَقَ بالجامعة عام
١٩٥٧م وتخرَّج فيها عام ١٩٦٠–١٩٦١م بنجاحٍ كبير مع مرتبة الشرف في مادة
اللغة الإنجليزية ومادة الرياضيات، وبعد ذلك سافَرَ إلى إنجلترا؛ حيث
مكَثَ هناك ثلاث سنوات في الفترة من ١٩٦٢–١٩٦٥م، وعمِلَ هناك مُنسِّقًا
لبرامج الكمبيوتر في الوقت نفسه الذي كان مشغولًا فيه بأُطروحَتِه عن
الروائي «فورد مادوكس فورد». وأثناء ذلك، وبالتحديد في عام ١٩٦٣م،
تزوَّج من امرأةٍ تُدعَى «قيليبا جوبر» المولودة عام ١٩٣٩م، وقد
تُوفِّيَت عام ١٩٩١م، وأنجَبَ ولدًا يُدعَى
«Nicolas نیكولاس» عام ١٩٦٦م،
لكنَّه تُوفِّي عام ١٩٨٩م، وأنجب كذلك بنتًا عام ١٩٦٨م واسمها
Gisela (جيزيلا).
سافر «كويتزي» إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام ١٩٦٥م،
والْتحَقَ بقِسْم المتخرِّجين في جامعة تكساس بأوستن؛ حيث حصَلَ منها
على درجة الدكتوراه عام ١٩٦٨م في اللغة الإنجليزية، وتعلَّمَ اللغويات
واللغة الألمانية، وكانتْ أُطروحَتُه عن أعمال «صمويل بيكيت»
المبكِّرة.
عمِلَ بعد ذلك ولمُدَّة ثلاث سنواتٍ من ١٩٦٨–١٩٧١م كأستاذٍ مساعد
للغة الإنجليزية في جامعة نيويورك. وعند رَفْضهم طلَبَه بالموافقة على
التصريح بالإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ عاد إلى جنوب
أفريقيا. ومنذ ١٩٧٢م حتَّى ٢٠٠٠م عمِلَ في جامعة كيب تاون كأستاذٍ
بارزٍ ومتميِّز في الأدب.
ما بين الأعوام ١٩٨٤م و٢٠٠٣م ظلَّ يقوم بالتدريس في أمريكا بشكلٍ
متقطِّع بجامعة نيويورك وجامعة جونز هوبكنز وهارفارد وستانفورد
وشيكاغو؛ حيث ظلَّ لمُدَّة ستِّ سنوات عضوًا في لجنة الفكر
الاجتماعي.
أمَّا عن «كويتزي» المبدع؛ فلقَدْ بدأ الكتابة الإبداعية عام ١٩٦٩م،
وقد نُشرتْ له الأعمال الأدبية التالية حسب الترتيب الزمني:
-
«Dusklands بلاد الظلام»
المنشورة في جنوب أفريقيا جوهانسبرج ١٩٧٤م.
-
«In The Heart of The
Country في قلب الوطن»، لندن ١٩٧٧م،
التي حصل بموجبها على جائزة جنوب أفريقيا وجائزة الأعمال
الأدبية الرئيسية، وكذلك جائزة
CAN، وقد تمَّ نشرها
في كلٍّ من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
-
«Waiting for the
Barbarians في انتظار البرابرة»، لندن
١٩٨٠م.
-
«Life & Times of Michael
K عصر «مايكل ك» وحياته»، لندن ١٩٨٣م،
التي كانت سببًا في شهرته واحتلاله مكانًا مرموقًا
ومتميِّزًا في أوساط جنوب أفريقيا الأدبية، ولَدَى كلِّ
قُرَّاء الأدب في العالم، والتي حصلتْ — كما أشرنا — على
جائزة بوكر.
-
«Foe العدو»، لندن
١٩٨٦م.
-
«Age of Iron عصر
القوة»، لندن ١٩٩٠م.
-
«The Master of
Petersburg حاكم بطرسبورج»، لندن
١٩٩٤م.
-
«Disgrace العار»، لندن
١٩٩٩م، جائزة بوكر.
بالإضافة إلى أنَّ «كويتزي» أصدَرَ كتابَين يندرجان تحت مسمَّى
«دراسات قَصَصية»؛ وكان الأول بعنوان: «Scenes from
Provincial: Boyhood الصبا: مشاهد من حياة
الرِّيف»، لندن ١٩٩٧م؛ والثاني بعنوان «الشباب»، لندن ٢٠٠٢م. كما
أصدَرَ في عام ١٩٩٩م سلسلةَ محاضراتٍ قَصَصية، ثمَّ أعقَبَها في عام
٢٠٠٣م بكتاب «Elizabeth Costello
إليزابيث كوستيلو»، لندن. أمَّا عن كِتَابه «White
Writing الكتابة البيضاء» الصادر عام ١٩٨٨م؛ فهو
عبارةٌ عن مجموعةٍ من المقالات التي تَطرَّق خلالها إلى أدب جنوب
أفريقيا وثقافتها، نيو هافن، جامعة ييل.
كتب «كويتزي» أيضًا مجموعةً أخرى من المقالات عام ١٩٩٢م بعنوان
«Doubling The Point مضاعفة
الغاية»؛ ويتضمَّن الكتاب بالإضافة إلى المقالات لقاءاتٍ صحفيةً مع
David Attwell «دافيد آتویل».
أمَّا في عام ١٩٩٦م؛ فلقَدْ أصدَرَ دراسةً مُهمَّةً عن الرقابة
والمصادرة الأدبية، شيكاجو، مطبعة جامعة شيكاجو. وأخيرًا مجموعة أخرى
من المقالات الأدبية عام ٢٠٠١م بعنوان «Stranger
Shores شواطئ الغريب».
جديرٌ بالذِّكر أنَّ «جون ماكسويل كويتزي» قام بالعديد من الترجمات
عن اللغة الهولندية والأفريكانية. كما تجدُر الإشارة إلى أنَّه هاجَرَ
إلى أستراليا عام ٢٠٠٢م، ويعيش هناك مع رفيقته «Dorothy
Driver دوروثي درایفر» في
«Adelaide أديليد» بجنوب أستراليا؛
حيث يَشغَل منصبًا شرفيًّا في جامعة «أديليد». إذن، فنحن في هذه
الرواية أمام كاتبٍ ومُبدِعٍ غزير الإنتاج، وقد تناوَلَ الكثيرُ من
النقاد أعمالَه الأدبية المتميِّزة بالدراسة والتحليل؛ خاصة هذه
الرواية التي بين أيدينا إلى جانب رواية «في انتظار البرابرة»؛ وذلك
لقدرته الهائلة على خَلْق شخصياتٍ يصعُب نسيانُها، إلى جانب أسلوبِه
النثريِّ المُذهِل والمُثير للدهشة.
تتناول الرواية حكايةَ البستانيِّ «مايكل ك»، ذلك الرجل المُنعزِل
الذي يُصبح مسئولًا عن رعاية أمِّه المريضة، التي تعيش حياةً محفوفةً
بالمخاطر، والتي ظلَّتْ تحلُم بتحقيقِ رغبتِها المكبوتة في العودة إلى
الريف الهادئ، الذي عاشتْ فيه أثناء صِباها بعد أن ترَكَ ابنُها
«مايكل» عمَلَه في كيب تاون. وراحتْ تتخيَّل نفسها وهي تستقلُّ القطار
مع ابنها في طريقهما إلى مسقط رأسها؛ حيث يُمكن أن تعيش بعيدًا عن كل
التعقيدات، وحيث يستطيع ابنها «مايكل» أن يجِدَ وظيفةً جديدة. غير أنَّ
أحلامَها تلك حدَثَتْ في ظلِّ نظامِ جنوب أفريقيا العنصري
Apartheid، الذي يضَعُ قُيُودًا
مُحكَمة على تحرُّكات الفرد الشخصية. كان «مايكل» فردًا هامشيًّا في
مجتمعٍ حديث، لكنَّ أمَّه كانتْ تُعلِّق عليه الآمال، وتتمنَّى لو
أنَّه استطاع تحقيقَ حُلمها رغم افتقاره إلى الذكاء والفطنة، إلى جانب
شخصيته الضعيفة.
أثناء قراءة هذه الرواية يستمتع القارئ بالنظر إليها كعملٍ أدبيٍّ
خالِص؛ لكنَّها إلى جانب ذلك مليئةٌ بالأفكار والقضايا الفلسفية التي
ينبغي على القارئ أن يُفكِّر فيها لاكتشاف تميُّزها وقوتها.
والمتتبِّع لأعمال «كويتزي» يستطيع أن يُدرِك ببساطةٍ أنَّ الاضطهاد
والظُّلم هما الموضوعان المتكرِّران في كلِّ رواياته، ويُمثِّلان
الفكرةَ الأساسية لهذه الرواية «عصر «مايكل ك» وحياته». وعلى الرغم من
أنَّ أحداث الرواية تقَعُ في جنوب أفريقيا؛ فإنَّ العمل لا يتضمَّن ذلك
صراحةً، وإنَّما تحكي الرواية عن الاضطهاد العنصري وعن المعاملة التي
يلقاها «مايكل» وكأنَّه غريبٌ وخانِعٌ وذليل. إنَّها رواية «كويتزي»
الأكثرُ تفرُّدًا، وأظنُّ أنَّها عمله الأدبي الأروع.
إنَّ المتتبِّع للأعمال الفنية والأدبية في جنوب أفريقيا — أثناء،
وفي ظلِّ نظامِ التمييز العنصري — يستطيع أن يكتشف بسهولةٍ مدى انعكاس
ذلك النظام على معظم الإبداعات، إن لم يكُن على كل الإبداعات؛ حيث لا
يخلو أيُّ عملٍ فنيٍّ أو أدبيٍّ من الإشارة إليه، مثلما حدَثَ تمامًا
مع الفنانين والأدباء في أمريكا الجنوبية إبَّانَ عصور العبودية، أو في
روسيا أثناء فترة الشيوعية. لكنَّنا نستطيع — ضِمْن حديثنا عن هذه
الرواية — أن نُشير إلى سببٍ آخرَ من أسباب جمالها وروعتها؛ وهو أنَّها
لم تتعرَّضْ للحديث عن سياسة التمييز العنصري «الأبارتايد
Apartheid»، أو عن الاضطهاد الذي
يُعاني منه سُكَّان البلد الأصليُّون، ولو مرةً واحدة، رغم أنَّ
الرواية في مجملها ترتكز على الصراع العنصري؛ فنراه قد تجاوَزَ ذلك
كله، كما يستطيع القارئ ملاحظةَ عدَمِ تطرُّق الكاتب إلى القول: إنَّ
«مايكل» هو أحد السُّكَّان الأصليِّين لهذا البلد رغم أنَّه كذلك!
وأتصوَّر أنَّ «كويتزي» لا يتعمَّد ذلك، وإنَّما من الواضح أنَّه يكتُب
بتلك الطريقة عامدًا لإظهار سيطرته ومهاراته وما يتمتَّع به من إلهامٍ
ومقدرةٍ مُذهِلة في البناء القَصَصي.
يُبرهِن «كويتزي» بعدم تعرُّضه لسياسة التمييز العنصري بشكلٍ مباشر
على مهارته، ولا يكتفي بعَرْض جنون النظام في جنوب أفريقيا وخَبَله،
وإنَّما يذهب إلى أبعدَ من ذلك ويكشف عن الجنون العام للحضارة
الإنسانية بِرُمَّتها، ويُبيِّن لنا قدرةَ الشخصية الرئيسية في الرواية
على قهْرِ تلك الحضارة بمجرد تجاهُلها، تلك الشخصية المنبوذة التي لم
تنَلْ قِسطًا من التعليم تنطق دومًا بالسؤال القديم: كيف يحيا الإنسان؟
ثمَّ ينعَمُ بالسلام حين يُجيب بنفسه على السؤال إمَّا بالتجاهُل، أو
بعدم المبالاة.
في هذه الرواية يتجوَّل بنا «كويتزي» في قلب الوجود القاسي، ومن خلال
معاناة الإنسان في رحلةٍ غير موفَّقة؛ فنَجِد «مايكل ك» بَطَل الرواية
وهو يَهِيم ويتنقَّل بين البستان ومشاهد الطبيعة، في محاولةٍ منه
لإخراج نفْسِه بالكامل من أيِّ شيءٍ ينتمي إلى ما يُسمَّى بالمجتمع،
كما يتحرَّك مُنسحِبًا نحو الجبال؛ غير أنَّ الجوع يُجبره على العودة.
ويُمكننا القول: إنَّ الرواية تُعدُّ — إلى حدٍّ بعيد — دراسةً عن
الجوع أو كيفية الموت جوعًا.
في النهاية، وقبل الإشارة إلى تنوُّع الأدب في جنوب أفريقيا الزاخرة
بمبدعيها المتميزين في مجال القصة القصيرة والرواية والشعر والمسرح،
وهم مبدعون لَسْنا الآن بصدد الحديث عنهم وعن أعمالهم؛ فإنَّني أرغب في
التأكيد على أنَّ هذه الرواية «Life & Times of
Michael K عصر «مايكل ك» وحياته»، ورواية
«Waiting for the Barbarians في
انتظار البرابرة» هما في ظنِّي أجمَلُ أعمال «جون ماكسويل كويتزي»
وأروَعُها. فكلتا الروايتين دليلٌ على تقديم الموضوعات والأحداث
الضِّمنية الكامنة خلْفَ السطور؛ إذ نجِدُ «مايكل» في هذه الرواية
والقاضي في رواية «في انتظار البرابرة» يُمثِّلان أدواتٍ للتعبير عن
أحداث الحرب الكامنة وموضوعاتها، ويُعبِّر الكاتب من خلالهما أيضًا عن
الصراعات والتناقضات التي تَذخَر بها جنوب أفريقيا، وعن حرية
الإنسان.
«كویتزي» أخيرًا صاحب موهبةٍ فائقةٍ تتجلَّى بوضوحٍ في مشاهد الرواية
الرائعة وفي بنائها المُحكَم.