سيدتي العزيزة
كان مصير «تختخ» تُحدده قفزات الضفدعة … فلو سقطت مرة واحدة تحت قدمَيه لتعرَّض لموت أكيد إذا كان الثعبان سامًّا … وقفزت الضفدعة حتى أصبحت تحت قدمَي «تختخ» مباشرة … وأقبل الثعبان يسعى … وأحس «تختخ» بأطرافه تتثلج والثعبان يقترب منه … ولكن الضفدعة كانت أرحمَ مما توقع «تختخ»؛ فقد قفزت مبتعدة، وقال «تختخ» وهو يتنهد: أفضل مكان نذهب إليه الآن هو السلم الحديدي …
وأسرع الاثنان إلى السلَّم وتسلَّقاه … ووقفَا يرقبان المطاردة بين الثعبان والضفدعة ولكنهما لم يستمتعَا طويلًا بهذه المطاردة المثيرة … فقد سمعَا نباح «زنجر» مرة أخرى … لقد قام الكلب الأسود الذكي بواجبه وعاد ومعه مَن ينقذهم … وفعلًا سمعَا صوت أقدام ثم سمعَا صوت «محب» ينادي: «توفيق» … «عاطف» …
صاح «عاطف»: نحن هنا …
وسمعَا صوت أقدام «محب» وهي تقف فوق باب السلَّم … ويداه تدوران هنا وهناك … ثم شاهدَا الباب يتحرك … وصعدَا بسرعة … كان «محب» واقفًا ممسكًا بباب الدهليز السري وهو ينظر بدهشة إلى صديقَيه يخرجان من تحت الأرض …
قال «محب» مندهشًا: ماذا حدث؟
رد «عاطف»: إن ما حدث لا يمكن روايته الآن … نريد الاتصال بالمفتش «سامي» فورًا …
وخرج الثلاثة … وأسرع «تختخ» يحتضن «زنجر» … فقد أنقذ «عاطف» أولًا ثم أنقذهما معًا … وأسرع الثلاثة إلى دراجاتهم … ووضع «تختخ» «زنجر» في دراجته داخل السلة كالعادة … وانطلقوا في الليل بأسرع ما يمكنهم في الطريق إلى منزل «عاطف» … فهناك وصلة للتليفون في كشك الحديقة الصيفي … ووصلوا إلى هناك … وتسللوا إلى الحديقة … وفتحوا الكشك … وأسرعوا إلى التليفون … كانت لحظة محرجة جدًّا ﻟ «تختخ» وهو يرفع السماعة ويطلب المفتش … كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحًا … ولكن الواجب هو الواجب … وأخذ يُدير قرص التليفون … وسمع الجرس وهو يدقُّ في الجانب الآخر ولم يستمرَّ الدقُّ طويلًا … وسمع صوت المفتش المثقل بالنعاس يرد … وقال «تختخ» على الفور: آسف جدًّا يا سيدي لإزعاجك …
قال المفتش: توفيق … ماذا حدث؟
تختخ: أشياء كثيرة جدًّا … ولكن المهم الآن أننا عثرنا على مقر «هانز» وعصابته، ومن المؤكد أنها عصابة تجسُّس خطيرة جدًّا … وهم ثلاثة رجال …
استيقظ المفتش تمامًا عند سماع هذه الأنباء وقال: من أين تتحدث؟
تختخ: من المعادي …
المفتش: وأين مخبأ هؤلاء الجواسيس؟
تختخ: في المعادي أيضًا …
المفتش: سأكون عندك بعد نصف ساعة على الأكثر …
تختخ: المهم أن تُصدر أوامرك بالقبض عليهم … لقد غادروا المعادي منذ أكثر من أربع ساعات …
صمت «المفتش» قليلًا ثم قال: هل عندك أية فكرة عن اتجاههم …
تختخ: لا … ولكن كما فهمته من «عاطف» فقد صدرت لهم الأوامر بمغادرة مصر فورًا … ومعنى هذا أنهم يستعدون للسفر … أو على وشك السفر …
المفتش: عظيم … في هذه الحالة تعالوا أنتم … لقد شاهدت أنت «هانز» مرة …
تختخ: «عاطف» أهم مني … لقد عاش معهم بضع ساعات … ويعرف شكلهم جميعًا …
المفتش: هل يمكنكم الحضور إلى مديرية الأمن؟
تختخ: بالطبع …
المفتش: هذا أفضل من إرسال سيارة إليكم فذلك سوف يستغرق وقتًا …
تختخ: سنبحث عن تاكسي ونأتي فورًا …
خرج الأصدقاء الثلاثة إلى الشارع واتجهوا مشيًا إلى كورنيش النيل … وفوجئ «تختخ» بأن «زنجر» يتبعهم … وتردد قليلًا ثم أخذه فقد يحتاجون إليه …
وجدوا تاكسيًا نام سائقه فيه … فأيقظوه … وسرعان ما كان التاكسي يحملهم إلى القاهرة … كانت الشوارع خالية فلم تمضِ ربع الساعة حتى كانوا جميعًا يصعدون سلَّم المبنى الضخم في باب الخلق … وكان المفتش قد أرسل أحد الضباط ينتظرهم … فقادهم فورًا إلى مكتبه …
تبادلوا تحية سريعة … ثم تحدث «عاطف» فشرح ﻟ «المفتش» كل المغامرة الليلية التي مرَّ بها وحده … ثم التي مرَّ بها مع «تختخ» …
فكَّر «المفتش» لحظات ثم قال: لو كنت مكانهم فماذا كنت تفعل؟
عاطف: كنت أتجه فورًا إلى مطار القاهرة … فهذا أقرب مكان لمغادرة مصر …
المفتش: معك حق … سنذهب الآن إلى المطار …
وأضاف المفتش وهو يغادر مكتبه … وقد أصدرت أوامري إلى جميع الجهات في مصر لمراقبة هؤلاء الثلاثة … وقد أعطيتُ وصفًا ﻟ «هانز» وهو الرجل الوحيد فيهم الذي أعرف بعض الأوصاف له …
تختخ: لقد غيَّر من ملامحه …
المفتش: إذن لا أملَ لنا إلا أنتم … هيَّا بنا …
ركب الجميع سيارة المفتش … وقفز «زنجر» معهم … وانطلقت خلفهم سيارة أخرى تحمل بعض الضباط … وأخذت السيارتان تشقَّان الطريق إلى المطار، وكان الجو رائعًا هذه الساعة المبكرة من الصباح … فقد كانت الساعة تُشرف على الثالثة …
وصلوا المطار … كانت الحركة فيه هادئة … واتجهوا إلى غرفة الضباط الذين استقبلوا المفتش «سامي» باحترام شديد … وقال أحدهم: لقد وضعنا رجالنا في كل مكان للبحث عن الثلاثة …
المفتش: قد يسافر كلُّ واحد على حدة … إنهم جواسيس على درجة كبيرة من المهارة وقد يتفرقون حتى لا يُثيروا الانتباه … وقد يتنكرون أيضًا …
الضابط: معك حق يا سيدي …
المفتش: ونحن أيضًا سنتجول في المطار متفرقين حتى لا نلفتَ الأنظار، ما هي أول طائرة تغادر المطار …
الضابط: طائرة شركة الخطوط الجوية السعودية المتجهة إلى «لندن» … والثانية طائرة شركة مصر للطيران إلى «أثينا». والثالثة شركة طيران «الخليج» إلى الكويت …
المفتش: أُرجِّح أنهم سيركبون إحدى الطائرتين إلى «لندن» أو «أثينا» … وخرج الجميع … وسار «زنجر» بجوار «تختخ» وتفرقوا في المطار …
أما «عاطف» … فقد كان يبحث هنا وهناك عن شيء لم يلتفت إليه الجميع … كان يبحث عن عقب سيجارة من طراز «ميريت» الذي عثر على بقاياها في الدهليز السري … ولم يكن ذلك بالمهمة السهلة في هذا المطار الواسع … فكان يتجه إلى أماكن طفايات السجاير المنتشرة في أرجاء المطار ويفتش فيها … ولم يكن البحث عن هذا النوع من السجاير صعبًا … فقد كان يتميز بفلتر ذي لونين: أصفر وأبيض … وليس هناك سيجارة أخرى لها هذا الطابع … وقد كان «عاطف» محظوظًا؛ فهو لم يعثر فقط على عقب سيجارة … ولكنه عثر على علبة فارغة من سجاير «ميريت» وهي علبة بيضاء عليها ثلاثة خطوط هي الأصفر والأصفر الغامق والبُني … وعليها أسدان واقفان.
اتجه نظر «عاطف» إلى بعض المسافرين الجالسين … كانوا مجموعة من السيدات ورجلَين أحدهما واضح أنه عامل مصري مسافر إلى الكويت … والثاني أحد رجال الدين وتركهم «عاطف» دون أن يلحظوه … وأسرع إلى غرفة الضابط، وقال: أرجو أن يستدعيَ أحدُكم المفتشَ «سامي» وصديقي الذي معه الكلب …
وخرج أحد الضباط … وغاب قليلًا ثم حضر ومعه المفتش … فقال «عاطف»: أعتقد أنني قد عثرت على «هانز» …
قال المفتش باهتمام شديد: أين؟
عاطف: إنه يدخن نوعًا نادرًا من السجاير اسمه «ميريت» وقد وجدتُ بقاياه في المخبأ السري … والآن وجدتُ علبة فارغة منها …
المفتش: قد تكون لشخص آخر … فليس «هانز» وحده الذي يدخن «ميريت» … فقد يتصادف أن يكون هناك شخص آخر …
عاطف: هذا ممكن طبعًا.
المفتش: ولكن لا بد من المحاولة …
خرج «المفتش» و«عاطف» وأحد الضباط … واتجهوا إلى حيث أشار «عاطف» ولم يكادوا يقتربون من مجموعة النساء حتى تحركت إحداهن في هدوء تحاول الابتعاد … ولم يتردد المفتش «سامي»؛ فقد أخرج مسدسه وقال بحسم: «هانز» لا داعي للمحاولة … إن رجالي يملئون المطار …
وأخذ بقية الركاب ينظرون بدهشة بالغة إلى المفتش وهو ينزع الشعر المستعار من على رأس السيدة … فيبدو وجه رجل شرس قد وقع في هاوية اليأس …
قال «المفتش»: أين زميلاك؟
هانز: إنهما هنا … دخلَا دورة المياه للاختباء لحين إقلاع الطائرة.
انطلق رجال المفتش «سامي» إلى دورة المياه وعادوا بالرجلَين … وفي غرفة ضابط أمن المطار اجتمع الجميع … وقال المفتش «سامي»: إنها نهاية هادئة لقصة مثيرة وإنني أشكر المغامرين الخمسة على ما قاموا به من جهد …
قال «تختخ» مبتسمًا وهو يربت ظهر «زنجر»: ربما كان الأكثر استحقاقًا للشكر هو «زنجر» …
المفتش: نعم … إنه يستحق الكثير … وقد نجح قبل ذلك مرات في مساعدتنا … والآن عودوا إلى منازلكم وسأراكم في الصباح وقد أرسلت رجالي لتفتيش الدهليز السري …
•••
ولاحَت تباشير الفجر والسيارة تحمل المغامرين الثلاثة و«زنجر» إلى المعادي بعد أن أنجزوا مهمة صعبة … وكشفوا عن لغز السهم الفضي …