الفصل الخامس
الواقعة الأولى
(ترتفع الستارة عن هيئة بيت وبه فرناس.)
فرناس
:
وَيْكَ يا فرناس، إلامَ تضرب أخماسًا
في أسداس، وتحمل نفسك الذل والهوان، وترغب التي ترغب بُعدك في كل آن، ولا تهوى
غير أكسيفار، الذي سيذوق من سيفك الدمار، أَمَا آن أن تصحوَ من سكرتك، وتنتبه
يا ذَهول من غفلتك؟ أما أنت الأمير فرناس، صاحب الشهامة والبطش والباس؟ التي
خضعت لك السباع والأطواد، وستصير ملكًا على هذه البلاد؟ ارجع يا فرناس إلى ساحة
القتال، واقتل أباك الغدار المحتال، واقتل بعدها أكسيفار ومونيم، وعش ملكًا
جليلًا فخيم، وها أنا ذاهب إلى الميدان، ويفرجها العظيم المنان. (يذهب فرناس.)
مونيم صبري قد صار فاني
وضاق صدري والقلب عاني
وضاع فكري والدمع فاني
ولست أدري متى التهاني
سلبتِ لبِّي ذات الجمال
جودي بقربي زاد اشتعالي
أذبت قلبي رقي لحالي
لقياك طلبي في كل آن
صروف الدهر قد حكمت بظلمي
وإبعادي وتعذيبي وسقمي
ألا يا دهر قد حمَّلت جسمي
عذابًا ليس تحمله الجبال
ألا يا دهر سَلْبي ما كفاك
ألا يا دهر قربت الهلاك
ألا يا دهر من أفنى سواك
فؤادي فيه وجدًا واشتعال
ألا يا دهر من أفتى بسلبي
ألا يا دهر من في الخلق مثلي
ألا يا دهر لو فرقت حملي
على الدنيا لحاق بِهَا الزوال
الواقعة الثانية
(مونيم، فوديم)
فوديم
:
ستُلقى يا ظلوم في حفرتك، وتعود عليك عاقبة نيتك.
مونيم
:
آه ما صدقت أن رآني الحبيب وبلغت المنى، بتخليص حبيبي أكسيفار من العنا،
فداهمني الرزء، رزءًا أضاع مني الحواس، من ذي القباحة فرناس، فإنه أقام الحرب
على قدم وساق، وألهم قلوب الأعداء أشد احتراق، فيا له من شيطان مريد، وعدو حقود
عنيد، وكذلك حبيبي أكسيفار، قد هاج كالأسد الكرَّار؛ وذلك لنصرة أبيه، وقتال
أعاديه، مع أنه عامله بغير الإحسان، وأذاقه في السجن كل هوان، ما هذه الخطوب
المريعة، والكروب الهائلة الشنيعة!
حكم الدهر بقهري وقضا
ورماني بالبلا ظلمًا وجار
وبه سلَّمت أمري للقضا
حيث مني طلب الصيد الفرار
فلمن أشكو تباريح الهوى
بلظاها حرقت مني الفؤاد
وعلى تشتيت شملي قد نوى
حادث البين ودمع العين جار
الواقعة الثالثة
(مونيم، فوديم، أكسيفار)
أكسيفار
:
إن الغرام سبا صبري
ومهجتي ذابت وَجْدا
مونيم
:
أهلًا وسهلًا يا بدري
بدر اللقا ينفي الوقدا
أكسيفار
:
حبيبتي ودِّعيني
يوم التلاقي مجهول
مونيم
:
بالله يا نور عيني
ارجع فجسمي منحول
الحرب لا يُجدي نفعًا
وأنت غير مكلف
أكسيفار
:
لا بد ما أمضي قطعًا
للحرب شوقي لا يوصف
(يذهب أكسيفار.)
الواقعة الرابعة
(مونيم، فوديم)
مونيم
:
أواه واحزناه! أكسيفار أكسيفار، آه عدمت الفرار، قد غاب عني الحبيب، ولست
أبغي سواه، وما لي في الدنيا نصيب إلا هواه، هل نجتمع بعد هذا الفراق، أو أقضي
شهيدة الحزن والاحتراق؟ أف لك يا زماني، قد صيَّرْتَ قلبي كليمًا بفراق الحبيب،
والكرب والتعذيب.
لقد بان عنِّي مَنْ إليه أميل
ونار الجوى بين الضلوع تجول
عليَّ قسا دهري وأحرمني المنى
وزادَتْ همومي والفؤادُ عليل
فيا ليتني قد متُّ قبل فراقه
ونجم حياتي قد عراه أفول
سأبكي بُكَا الخنسا على فَقْدِ صهرها
وتجري دموع العين وَهْيَ سيول
فوديم
:
آه يا مولاتي مونيم.
مونيم
:
ما الخبر يا فوديم؟
فوديم
:
اهربي … اهربي فرناس.
مونيم
:
آه تأكدت الياس. (تذهب مونيم
وفوديم.)
الواقعة الخامسة
(فرناس)
فرناس
:
أين توارت تلك الباغية؟ وأين يا ترى مونيم الغانية؟ لأجرِّعَها علقم العَطَب
من حد هذا المشطَّب؟ قلبي نفر مونيم على عهدي، آه! وقد شهر سيف الجفاء والصد.
آه! حان الظفر فأبشري باللحد. آه! كم في خطر ألقيتني ووجدي آه! وفي كدر ورزء
لوعتي آه!
عار على مثلي الرجوع إلى الهوى
بعد السلو فذاك فعل لئام
أو كيف تقتحم الغرام ودونه
صالت ظُبا همِّي وشهر حُسامي
إن تفخري بجمالكِ الزاهي فلا
يسلوه فخرٌ في مدى الأيام
اليوم يوم الملتقى والهجوم
والسلب والضرب وكشف الغموم
وأرجع الخيل وفرسانها
بالكسر والقهر وذل الهجوم
فلو برز الزمان إليَّ شخصًا
لخضب شعر مفرقه حسامي
إذا امتلأت عيون الخيل مني
فويل في التيقُّظ والمنام
الواقعة السادسة
(ملك، أرباط، جند، فرناس)
ملك
:
آه يا عديم الوفا يا خوَّان.
فرناس
:
الأمان يا والدي الأمان.
ملك
:
إني أراك وقد عصيت وأكثرت العصيان، فذُقْ كأس الردى يا لئيم، واهبط بسوء فعلك
إلى الجحيم … احملوه واصلبوه أيها الجند الآن، ليصير عبرة لكل خوَّان، وسأتبع
به مونيم وأكسيفار، بعدما أذيق الأعادي كأس الدمار.
الواقعة السابعة
(مونيم، وفوديم)
مونيم
:
هل ذهب فرناس يا فوديم؟
فوديم
:
قد قتل يا مولاتي وصار رميم.
مونيم
:
ومن قتله يا فوديم؟
فوديم
:
قتله الملك الفخيم، وأمر بعد قتله بصلبه، ليصير عبرة لحزبه، وقد أزمع أن … أن
يقتلك ويقتل أكسيفار، بعدما يرجع من قتال الأعادي الأشرار، فنعوذ بالله من شره،
ورد الله كيده في نحره.
مونيم
:
لا يسعني يا فوديم، سوى الرضا والتسليم، بما حكم الإله، وما قدره وفضله، أنا
امتنعتُ من الوداع يا أكسيفار؛ خشية عليك من الدمار، الذي حسبتُه سيصير، من جور
أبيك العنيد الخطير، فالبدار البدار، يا حبيبي أكسيفار، لوداع ما بعده اجتماع،
وفرقة ليس لها انقطاع.
أودِّع مَنْ سيُلبسني الحدادا
على كرهٍ وقد آذى الفؤادا
نأى فأهاج في الأحشاء نارًا
تُذيب بحرِّ جمرتها الجمادا
وأورث مهجتي حزنًا شديدًا
وعن عينيَّ قد حجب الرقادا
وخلَّف لي الأسى والحزنَ لما
قد اختار الفصالة والبعادا
فوديم
:
قد أقبل يا مولاتي أركاس، وبيده كاس.
مونيم
:
أرجو أن يكون شراب الراحة، من مزعجات الحزن والنياحة، بشِّر يا أركاس ما
الخبر؟
أركاس
:
قد حصل يا مولاتي الظفر، ومن علاماته هذا الكاس.
مونيم
:
وما الذي فيه يا أركاس؟
أركاس
:
فيه يا مولاتي شراب الفراق.
مونيم
:
أسُم؟
أركاس
:
نعم سم.
مونيم
:
هذا هو الترياق الذي يشفيني من العذاب، ويخلِّصني من الأوصاب … ومن أرسله لي؟
أمتريدات؟
أركاس
:
نعم لتساوي بشربه الرفات، ويقول لكِ أهداكِ هذا الكاس، لتشربيه حبًّا
بأكسيفار الخنَّاس.
مونيم
:
يا لها من هدية سنية، وشربة سائغة هنية، هات يا أركاس هات، شراب الفرح
والمسرات، مرحبًا بالهدية المطلوبة، والتقدمة المحبوبة المرغوبة، مرحبًا بفراق
هذا العالم الفاني، مرحبًا بلقاءِ هذا العالم النوراني، مرحبًا بفراق اللوعة
والاحتراق، مرحبًا بفراق ما بعده تلاق.
طوالع حكم السَّعْد تهوي وتظلم
طوالع حكم النحس تعلو وتبسم
تكدَّرْتُ من يومي وأمسي بكية
وعلقت آمالي بما سوف يندم
وكل عظيمٍ سوف يلقى كروبه
وكل صغيرٍ سوف يعلو ويعظم
فهذي فعال الدهر والدهر ظالم
له في اجتماع الشمل أيدٍ تُقسِّم
أودِّعه إن كان يبغي حياته
كجنح دجى في طيه الزرق أرحم
أودِّع أحياء لأهلي وجيرة
لهم حال شوق في الفؤاد عرمرم
أودع ذاك السجن والكرب والشقا
وأغلال ذلٍّ للمفاصل تكلم
أودِّع نفسي قبل يدهم حينها
فإن جيوش الموت للعمر تهزم
يهون عليَّ الموت بعد فراقِ مَن
له في الحشا نارٌ من الوجد تضرم
أموت ولكنَّ الهوى غير مائت
وأقوى ولكنَّ الفؤاد متيم
(تهمُّ بشرب الكأس.)
فوديم
:
مهلًا يا مولاتي مهلًا، فقد أساء الملك فعلًا، وظلم مونيم، بجوره الذميم،
فسِرْ وأنذِرْه يا أركاس، عساه يرجع عن الأدناس.
أركاس
:
أنت لا يعنيكِ هذا الشان، ولا بد من تنفيذ أمره الآن، وهو يدبِّر أمرًا شغله،
إذ صادمه الدهر بخيله ورجله.
مونيم
:
دعيه يا فوديم دعيه، فما أمر به الملك أرتضيه، وقد تلقَّيتُه بالقبول، وهو
بُغْيَتي والمأمول، وعليكِ أن تبلغي أهلي السلام، وتخبريهم أني شربتُ كأس
الحِمام، من يد الملك متريدات، وتذكري أمامهم هذه الأبيات:
لاع النوى قلبها فالقلب يلتهبُ
وقد قضتْ ما قضتْ في العمر ما يجبُ
بانت عن الأهل والخلَّان راجيةً
نيلَ المراد فخاب القصد والطلبُ
وما رأت أبدًا مع متريدات سوى
عيشٍ هو الذل والأكدار والكربُ
أيامها معه سودٌ إذا بزغت
كذا اللياليَ لا أنسٌ ولا شهبُ
هذا إلى أن سقاها السمَّ من يده
ظلمًا فمزَّقها من شربه العَطَبُ
جزاكمُ اللهُ عنها الخيرَ أجمعَه
سلَّمتموها لفردٍ بدره اللهب
لا لومَ لا عتبَ ذا حظِّي وذا قدري
وذا نصيبي فما ينفع العتب
منها السلام عليكم دائمًا أبدًا
ورحمة الله مثل السحب تنسكب
فوديم
:
أركاس ماذا؟ … … …
أركاس
:
… … زمان كله خطب
لا صفو فيه ولا بسط ولا طرب
فوديم
:
حقَّقْتَ ظلمًا أمتريدات إني أرى
من يحمل الحقد لا تعنو له الرتب
لا بد أن تلتقي جيشًا فوارسه
تعنو السباع له والعجم والعرب
هناك تأكل كف الخسر من ندم
إذا أتاك من الزلزال منقلب
مونيم
:
راح الحبيب وراحت الأرواحُ
وبسَيْرِه كأس المنون مباحُ
أسفًا على بدرٍ يُحجَّبُ نوره
عني وماتت بعده الأرواحُ
ما دمتُ في هذا الوجود حزينةً
هيهات يشمل أَضْلُعي إصلاحُ
فالرُّوح مني في العذاب نعيمها
والسمُّ أكسيفار بعدك راحُ
الواقعة التاسعة
(مونيم، فوديم، أرباط، أركاس)
أرباط
:
لا تفعلي يا مونيم لا تفعلي. (يمسك كأس السم
يكسره.)
أركاس
:
دعها أيها الفخيم، ولم كسرْتَ الكاس؟
أرباط
:
اسكت يا أركاس، فإن أكسيفار صاحب الشوكة والاقتدار.
مونيم
:
أصدقٌ أيها الوزير؟
أرباط
:
نعم يا ذات الوجه المنير، والسبب أن جيوش الرومان، قد أحاطوا بالملك متريدات
من كل مكان، وسدُّوا عليه الطرق من جميع الجهات، فجرح نفسه جرحًا أشرف به على
الممات؛ خوفًا من أن يأخذوه أسير، أو يقتله أحد من جيوش الأعداء حقير، فلمَّا
رأى أكسيفار ذلك، ألقى نفسه في تيار المهالك، وانقضَّ على الرومان كالقضاء
المبرم، وأذاقهم من سيفه كل عزم وهمم، وضرب فيهم ضربًا يقدُّ الجبال، ويزوي أسد
الدحال، وصاحوا جميعًا بفرد لسان: الأمان يا أكسيفار الأمان … الأمان يا فارس
الأقطار … الأمان أيها الأسد الكرار. وقدَّموا له الطاعة والإذعان، وصار ملكًا
على اليونان والرومان، وذلك بأمر الملك متريدات، لما رأى منه الشجاعة والثبات،
وعن قريب يحضر إلى هذا المكان، ليُكلِّله بالتاج الملوكاني ويسلمه الصولجان،
فافرحي طربًا يا مونيم، فقد بزغ سعدك الوسيم.
مونيم
:
بزغت شمس التهاني
في سماء الافتخار
مذ بدا قان الزمان
ذو المعالي أكسيفار
بطل سمح عطوف
منعم بر رحيم
محسن عدل رءوف
طاهر القلب سليم
قادم بالسرور
يا إلهي والصفا
أبدًا مدى الليالي
مسعفًا ومنصفا
الجميع
:
مظهر الجمال بدا
ونار مطلعه شموس هدى
سيفه إذا العدا
توارى يردي بأسه الأسدا
مرحبًا بمن أجزل المنن
وجهه الحسن
يذهب الحزن
من رأى سناه غدا
وصار فاقد النهى أبدا
ملك
:
ها قد صرتَ يا ولدي أكسيفار ملكًا وسلطان، وحاكمًا على بلاد اليونان
والرومان، فاحمد العليم العلَّام، الذي أوصلك إلى هذا المقام.
إذا اشتملت على البؤس القلوب
وضاق لما بها الصدر الرحيب
وأوطنَتِ المكاره واطمأنَّت
وأرست في مكامنها الخطوب
فلا ترى لانكشافها غير أني
ولو أعيا بحيلته الأديب
أتاك على قنوط اليأس لكن
يمنُّ به اللطيف المستجيب
فكل الحادثات لها تهون
فموصول بها فرج قريب
الجميع
:
الحمد لله العظيم
ذو الفضل والجود العميم
أبقاك مولاك الكريم
يا أيها الملك الفخيم
مدى الزمان شهم همام
وبالإحسان يشدو الغمام
أنت المليك الأوحد
أنت الأصيل الأمجد
بك الورى تسترشد
أبدًا وفعلك يحمد
في كل آن تروي الأوان
وأنت قان هذا الزمان
ملك
:
اعلموا أيها القواد الفخام، أني تنازلتُ عن الملك لولدي الهمام، فقدِّموا له
الطاعة والإذعان، وامتثلوا جميع أوامره مدى الزمان.
أركاس
:
يعيش مليكنا أكسيفار ويبقى، في دست الملك تقيًّا أتقى، وكلنا نقدم له الطاعة
والخضوع، ونمتثل أوامره الثاقبة في كل مشروع، حفظه الله تعالى وحماه، وحرسه في
كل الأحوال وتولاه، وأبقاه في ذروة الفخار، ما توالى الليل وأضاء
النهار.
ملك
:
كلِّلوه إذًا بالتاج وألبسوه الأرجوان، وقلِّدوه بسيف الملك والصولجان؛ ليقوم
على قدر الإقامة، ويحكم بما نتيجته السلامة، ويجتهد بإحياء ذكري مدى الزمن،
ويوالي شكر واهب الفضل والمنن.
أرباط
:
أيها الهمَّام بادرْ
الجميع
:
قد بدتْ أنجم سعدكْ
أرباط
:
فارتقي عيش المفاخرْ
الجميع
:
كلنا طوع لأمركْ
أرباط
:
خذ بتاج الملك واهْنَا
الجميع
:
يا وحيدًا في الأنامِ
أرباط
:
ما بدا طيرٌ وغنَّى
الجميع
:
وانجلى البدر التمامُ
أرباط
:
وتقلَّدْ سيف نصرِ
الجميع
:
وكذا ذا الأرجوان
أرباط
:
دمتَ محفوظًا بنصرِ
الجميع
:
ناشرًا عَدْل الأمان
ملك
:
وهذه مونيم التقية النقية الجميلة، قد صارت لك يا ولدي حليلة.
فعليك أن تقوم بأعباء الملك، وتعصمه من السقوط والهلك، ولا تجعل مبتدأ أمرك بين الأنام ضيرًا، واعلم أن عليك رقيبًا يسمع ويرى، فأنب إليه تدبير أمر الرعية، وابرِ أقلامك لتُوقِّع بها ما يجب عليك للبرية، واسحبه لينامَ الأنامُ في مهاد الأمان، وكُنْ في اللينِ والشدَّة بين بين، فإن الناس لا يُؤخذون بالمحض من الطرفين، واحكم بالحق ولو على نفسك، فضلًا عن أبناء جنسك، وراقب الله في جميع الأمور، وأوصل إحسانك إلى عموم الجمهور، وارفعْ شأن العلماء؛ لأن لهم شرفًا من السماء، واقتصر على مجالسة الحكيم، فإنه يهديك إلى الصراط المستقيم.
فعليك أن تقوم بأعباء الملك، وتعصمه من السقوط والهلك، ولا تجعل مبتدأ أمرك بين الأنام ضيرًا، واعلم أن عليك رقيبًا يسمع ويرى، فأنب إليه تدبير أمر الرعية، وابرِ أقلامك لتُوقِّع بها ما يجب عليك للبرية، واسحبه لينامَ الأنامُ في مهاد الأمان، وكُنْ في اللينِ والشدَّة بين بين، فإن الناس لا يُؤخذون بالمحض من الطرفين، واحكم بالحق ولو على نفسك، فضلًا عن أبناء جنسك، وراقب الله في جميع الأمور، وأوصل إحسانك إلى عموم الجمهور، وارفعْ شأن العلماء؛ لأن لهم شرفًا من السماء، واقتصر على مجالسة الحكيم، فإنه يهديك إلى الصراط المستقيم.