خاتمة
قد استعرضت في هذا الكتاب ألوانًا من الأدب وألوانًا من الحياة، وألوانًا من مشاكل الناس، صغارهم وشبابهم وكبارهم، وحاولت ما وسعني الجهد أن أجد لكل مشكلة حلًّا، ولكل داء علاجًا، وقد رجعت إلى أطباء النفوس من قديم، وما زلت أمشي عبر التاريخ منحدرًا إلى الحاضر أسائل هذا وأتحدث إلى ذلك، لعلي أقع على الحقيقة.
وأين هي الحقيقة؟
هناك حقيقتان؛ الحقيقة الصغرى التي نصل إليها بعقولنا في المدى الضيق الذي نصل إليه عن طريق الحواس، والحقيقة الكبرى التي نصل إليها — أو لا نصل — بقدر ما نُمنح من وعي باطني، وإحساس لا يتصل بالعقل ولا بالحواس.
ونحن بنو البشر قد عشنا إلى اليوم نستخدم حواسنا ووعينا وعقولنا، ولا نستخدم غير هذه، وقد خيل لنا أننا وصلنا، ولكن في الوقت الذي اعتقدنا ذلك؛ أي عند بلوغ القمة، اعترفنا أن هذه القمة سفح من السفوح.
وقد حاول أكبر علماء الغرب اليوم أن يرجعوا إلى أسرار الشرق، فضاق علماء النفس المحدثون ذرعًا بما وصلوا إليه، واعترفوا أن حدود علم النفس ضيقة جدًّا، وأنه في اليوم الذي نعتقد أن التعمق والتحليل والاستقصاء قد بلغت بنا طريق الفهم والسعادة، نرى فجوة بيننا وبين المعرفة الكبرى، وفاصلًا هائلًا بيننا وبين الحقيقة اللانهائية، حتى لقد نصح «درموند شو»، الكاتب المشهور، قرَّاءه أن يتعلموا كيف يكبحون جماح الوعي؛ أي إن الإنسان منا يجعل وعيه فضاء تامًّا لبضع لحظات، أعني بمنعه من التفكير والتأمل على الإطلاق، في هذه اللحظة يتصل العقل الباطن بعقل لا نهائي، ويلاحظ الذين مارسوا ذلك وبرعوا فيه، أن الإلهامات تترى وتتهادى في صفاء وسطوع.
وإذن فقد انتهى العلم إلى نوع من التصرف، أو بعبارة أخرى: شعر بقصور باعه، وبحاجته إلى ذلك «المجهول المطلق» الذي هو وحده طريق المعرفة، وطريق السعادة، وبيده سر الحياة.
فليكن شعارنا إذن أن نبحث عن الحقيقة، مستعينين بعقلنا ومنطقنا على شرط أن نعترف بحدودنا، ونؤمن بالقوة الخالقة التي تمدنا بالصبر والأمل وتوجهنا للخير والسعادة.